بوتفليقة يعد بتغيير النظام... ومعارضوه متمسكون برحيله

نحو 5.8 مليون توكيل لإعادة ترشيح الرئيس الجزائري المنتهية ولايته تقطع الشك باليقين

بوتفليقة يعد بتغيير النظام... ومعارضوه متمسكون برحيله

* حاول بوتفليقة احتواء حالة الاحتقان والغضب ضد ترشحه بتقديم تعهدات يراها مناصروه غير مسبوقة وتستجيب لتطلعات الجزائريين في التغيير
* تعهد بوتفليقة للجزائريين بـ»تنظيم انتخابات رئاسية مبكرة طبقا للأجندة التي تعتمدها الندوة الوطنية وأن لا يكون مترشحاً فيها«
* بعد إيداع طلب الترشح شهدت مختلف المدن الكبرى مظاهرات حاشدة من مختلف الفئات وخاصة طلبة الجامعات مطالبين المجلس الدستوري بإسقاط ملف ترشح بوتفليقة
* بن فليس: القوى غير الدستورية ماضية في تسويق مشروعها الضار بالوطن والمجازف بمستقبل شعب وأمة.

الجزائر: لم يكن الأحد الماضي الثالث مارس (آذار) يوما عاديا للجزائريين، كانت ساعاته ودقائقه الأثقل عليهم منذ سنوات، فكل الأعناق مشرئبة لمقر المجلس الدستوري في انتظار الخبر اليقين، بعد حراك الجمعة الذي شارك فيه مئات الآلاف منهم في مختلف المدن الكبرى لمطالبة الرئيس المنتهية ولايته عبد العزيز بوتفليقة بعدم الترشح لولاية رئاسية خامسة.
ورغم أن الأمل كان كبيرا في أن يستجيب الرئيس لمطالب مواطنيه، فإن الذي حدث مساء الأحد كان عكس ذلك تماما، فقبل ساعات من انتهاء المهلة القانونية لإيداع ملفات الترشح ظهرت ثماني شاحنات أمام مقر المجلس الدستوري تقل نحو 5.8 مليون توكيل (توقيع(برفقة وزير النقل الأسبق ومدير حملة المترشح عبد العزيز بوتفليقة وفي محفظته رسالة الترشح التي قطعت الشك باليقين.
وفي رسالته حاول الرئيس المترشح احتواء حالة الاحتقان والغضب ضد ترشحه بتقديم تعهدات يراها مناصروه غير مسبوقة وتستجيب لتطلعات الجزائريين في التغيير، في حين اعتبرها معارضوه غير مقبولة ومجرد محاولة لذر للرماد في العيون.
في رسالته تعهد بوتفليقة للجزائريين بتلبية مطلبهم الأساسي وهو تغيير النظام، وفي سبيل ذلك طرح خريطة طريق تضم ستة نقاط أساسية تجسد الالتزامات التي تعهد بها، أولها الدعوة إلى تنظيم ندوة وطنية شاملة جامعة ومستقلة لمناقشة وإعداد واعتماد إصلاحات سياسية ومؤسساتية واقتصادية واجتماعية من شأنها إرساء أسس النظام الجديد الإصلاحي للدّولة الوطنية الجزائرية، المنسجم كل الانسجام مع تطلعات الجزائريين، وتعهد أن تكون هذه الندوة بعد انتخابات الرئاسة مباشرة.
بوتفليقة تعهد للجزائريين أيضا بـ»تنظيم انتخابات رئاسية مبكرة طبقا للأجندة التي تعتمدها الندوة الوطنية ولا يكون مترشحا فيها«، ومن شأن هذه الانتخابات يقول بوتفليقة أن «تضمن استخلافي في ظروف هادئة وفي جو من الحرية والشفافية«. موضحا أن الندوة الوطنية هي التي ستحدد تاريخ الانتخابات الرئاسية المسبقة.



كما تعهد بإعداد دستور جديد يزكيه الشعب الجزائري عن طريق الاستفتاء، يكرس ميلاد جمهورية جديدة والنظام الجزائري الجديد. مع وضع سياسات عمومية عاجلة كفيلة بإعادة التوزيع العادل للثروات الوطنية، وبالقضاء على كافة أوجه التهميش والإقصاء الاجتماعيين، ومنها ظاهرة الحرقة، بالإضافة إلى تعبئة وطنية فعلية ضد جميع أشكال الرشوة والفساد. واتخاذ إجراءات فورية وفعالة ليصبح كل فرد فاعلا أساسيا ومستفيدا ذا أولوية في الحياة العامة، على جميع المستويات، وفي كل فضاءات التنمية الاقتصادية والاجتماعية.
ومراجعة قانون الانتخابات، مع التركيز على إنشاء آلية مستقلة تتولى دون سواها تنظيم الانتخابات، وهو المطلب الذي طالما رفعته المعارضة منذ سنوات لكن تجاهلته السلطة.
أحزاب السلطة سارعت إلى مباركة ما أعلن عنه بوتفليقة في رسالة ترشحه، وفي بيان له أعرب «التجمع الوطني الديمقراطي»، الذي يرأسه الوزير الأول أحمد أويحيى عن «ارتياحه لما تضمنته رسالة عبد العزيز بوتفليقة بمناسبة إيداع ملف ترشحه للانتخابات الرئاسية المقبلة». واعتبر حزب أويحيى، في بيان تحوز «المجلة» نسخة عنه، أن «فحوى هذه الرسالة هو تأكيد على إصغاء المجاهد عبد العزيز بوتفليقة، بكل إخلاص، لأصوات المواطنين المعبّرة عن مطالبهم». ويعتقد الحزب أن «تعهدات عبد العزيز بوتفليقة التي تضمنتها رسالة ترشحه، تحمل في طياتها أجوبة شافية لمطالب مواطنين منادين بالتغيير»، معبرًا عن أمله أن «تساهم هذه الرسالة في بسط السكينة من أجل تمكين بلادنا من المضي في هدوء واستقرار نحو الموعد الانتخابي ليوم 18 أبريل (نيسان) المقبل، الذي يعتبر محطة تعبيد المسلك نحو الإصلاحات والتغيير، مع الحفاظ على استقرار البلاد ووجودها«.
ورغم أن السلطة تعتقد أنها ومن خلال رسالة بوتفليقة ستحتوي الوضع، إلا أن المعارضين لفكرة الولاية الخامسة اعتبروها استفزازا وإدارة للظهر لمئات الآلاف الذين خرجوا للشوارع مطالبين بوتفليقة بالعدول عن فكرته، وبعد إيداع طلب الترشح شهدت مختلف المدن الكبرى مظاهرات حاشدة من مختلف الفئات وخاصة طلبة الجامعات مطالبين المجلس الدستوري بإسقاط ملف الترشح.
وفي انتظار ما سيعلنه المجلس الدستوري بعد عشرة أيام، تتجه الأنظار إلى المسيرات المرتقبة يوم الجمعة القادم، حيث دعا معارضو بوتفليقة إلى استمرار الضغط على السلطة بالدعوة إلى مليونيات في مختلف المدن الكبرى وخاصة العاصمة للتعبير عن موقف الجزائريين الرافض لفكرة الولاية الخامسة.
وخلال اجتماعها بعد يوم من إيداع بوتفليقة لملف ترشحه، دعت مجموعة من قادة أحزاب المعارضة والشخصيات الوطنية والنشطاء السياسيين، إلى تفعيل المادة 102 من الدستور التي تنص على شغور منصب رئيس الجمهورية، وتأجيل الانتخابات الرئاسية.
وجاء في بيان توج الاجتماع التشاوري الثالث الذي عقد بمقر «جبهة العدالة والتنمية»، الذي يرأسه عبد الله جاب الله، إلى تأكيد المجتمعين على «رفض العهدة الخامسة والتحذير مما يمكن أن تتسبب فيه من مخاطر وتحميل سلطات البلاد المسؤولية أمام التاريخ». وأكدت المعارضة «رفضها للرئاسة المنسوبة للمترشح الرئيس شكلا ومضمونا لكونها مجرد مناورات لإجهاض الحراك الشعبي والالتفاف على أهدافه وتضحياته ومحاولة تمديد عمر هذا النظام«.
كما دعت إلى «التخندق مع الحراك الشعبي ومد جسور التواصل بينه وبين الطبقة السياسية من أجل ترجمة انشغالات الشارع في مشاريعها السياسية بما يحقق السيادة الشعبية الحقيقية واحترام الصالح العام على أساس مرجعية بيان أول نوفمبر (تشرين الثاني)»، بالإضافة إلى «دعوتها لمختلف فئات الشعب إلى المحافظة على وحدتها وعلى سلمية حراكها واستمراره».
وفي أول تعليق له هاجم رئيس حزب «طلائع الحريات» ورئيس الحكومة الأسبق علي بن فليس، المتمسكين بفرض العهدة الخامسة على الشعب الجزائري التي وصفها بـ»الخرافية«، فيما اعتبر رسالة بوتفليقة التي وعد فيها بتنظيم انتخابات مسبقة وعقد ندوة وطنية جامعة عقب فوزه في الرئاسيات بـ»الاستفزاز المشين«.

 

بن فليس


وقال بن فليس في بيان له تحوز «المجلة» نسخة منه: «من الجلي والبديهي أن رسالة المنتفع من ترشيح خرافي لعهدة رئاسية خرافية بنفس المقدار ليست رسالته. فإذا دلت هذه الرسالة على شيء، فإنها تدل على أن القوى غير الدستورية ماضية في تسويق مشروعها الضار بالوطن والمجازف بمستقبل شعب وأمة». ليُضيف في تعليقه على رسالة بوتفليقة: «تمثل شكلاً ومضمونًا تحديًا جديدًا غير معقول وغير مقبول كما أنها تُشكل استفزازًا إضافيا مشينا وغير محسوب العواقب». واعتبر رئيس الحكومة الأسبق، أن «الشعب الجزائري كان في انتظار رد واضح وصريح ومن دون مخاتلة أو مراوغة على مطالبه المشروعة. فلم يتلق سوى أجوبة جوفاء في قالب تكرار وعود بالية قطعت على مدى العشرين سنة الماضية دون أن تترك أدنى أثر في المشهد السياسي والمؤسساتي للبلد«. وأكد أن «الشعب الجزائري طالب بأن يوضع حد فوري للهروب إلى الأمام المتمثل في التمادي في تقديم ترشح خرافي لعهدة رئاسية خرافية كسابقتها»، بالإضافة إلى تعبيره عن «عدم ثقته في وعود عقدت أمامه في الماضي وهي الوعود الذي لا يرى فيها اليوم سوى مجرد عملية مكشوفة هدفها إخضاعه لأمر واقع جديد من خلال تسويق مغشوش للعهدة الخامسة«.وفي بيانه اعتبر أن فكرة ندوة الوفاق الوطني هي «محاولة يائسة أخرى هدفها إنقاذ منظومة سياسية بلغت مداها وضاقت بها السبل«.
بن فليس اقترح في حديثه لـ«المجلة» خطة للخروج من الأزمة الحالية تتضمن فصلين، الأول متعلق بإجراءات التهدئة والثقة ذات طابع فوري، والثاني متعلق بتدابير سياسية ومؤسساتية، ويتضمن الإجراء الأول التخلي عن الترشيح للعهدة الخامسة وتحييد القوى غير الدستورية المسؤولة عن هذا الترشيح، مع تأجيل الانتخابات الرئاسية لمدة ستة أشهر.
أما بخصوص التدابير السياسية والمؤسساتية التي اقترحتها فتتمثل في تشكيل حكومة كفاءات مستقلة توكل لها مهمة تنظيم الانتخابات الرئاسية إضافة إلى تصريف الشؤون العادية للدولة، مع تجميد مهام اللجنة المستقلة للانتخابات، وتعيين تركيبة جديدة للمجلس الدستوري بناء على قرار من الحكومة، وتحييد الإدارة بالنسبة لتنظيم الانتخابات الرئاسية بواسطة تعيين مندوبين خاصين للحكومة مكلفين بالانتخابات، مع إجراء الانتخابات الرئاسية في ظرف ستة أشهر وفتح مرحلة انتقالية وانتخاب مجلس يكلف بإنجاز دستور جديد للجمهورية.
وفي تحليله لمآلات الحراك الشعبي وفرص نجاحه في إحداث التغيير، يؤكد الكاتب كمال عماري لـ«المجلة» أنه «بالموازاة مع تطورات المشهد الشعبي وفرص نجاحه أو انحساره، يجب التفكير جماعيا في السيناريوهات المحتملة بمنطق المصلحة الوطنية وتحقيق تطلعات الشعب، بغض النظر عن مواقع ومواقف كل مكون من مكونات الساحة، وبعيدا عن خطابات التخوين والإنكار».
واقعيا ودستوريا برأيه «ستتشكل جبهة سياسية شعبية جديدة إضافة لجبهة العهدة الخامسة وجبهة الحراك الشعبي، وستتحمل هذه الجبهات الثلاث مسؤولية كبيرة أمام الشعب وأمام الوطن وأمام العالم في ضمان حلول وانفراج للوضع القائم في الجزائر وانتقال آمن للسلطة يحفظ استقرار الوطن ويعزز مكاسب الديمقراطية في ظل السيادة الكاملة للشعب واختياره وإرادته الحرة، وفي ضمان استمرارية الحياة الدستورية بعيدا عن الحالات الاستثنائية التي لن تستفيد منها سوى المصالح الخارجية بالابتزاز والمساومة وكذا الأقليات الآيديولوجية بالتموقع وفرض رؤيتها في مشروع المجتمع في مقابل خسارة للتيار الثوابتي الوطني منه والإسلامي في مرحلة جزائر ما بعد بوتفليقة«.




الدكتور عامر مصباح أستاذ العلوم السياسية بجامعة الجزائر يبرز لـ«المجلة» أن «أجندة ندوة تأسيس الجمهورية الثانية تتلخص في استثمار الزخم السياسي للحراك الشعبي من أجل إرساء آليات مؤسساتية وسياسية للانتقال السلمي للسلطة ضمن فترات محددة في المستقبل«، ولا يتم ذلك إلا بشرطين في تقديره: «الأول المحافظة على سلمية الحراك الشعبي وتجنب الانزلاق الأمني بسبب حالات التهور والإحباط أو بسبب قلب الطاولة من قبل الطرف الضعيف، والشرط الثاني استبعاد كل ملامح الحل الراديكالي وتوابعه مثل الوعد بالملاحقات القضائية، والتهديد بالتصعيد، والاستقطاب السياسي والأمني». وفي تقديره «العملية ليست سهلة ولا سريعة، وإنما تحتاج إلى زمن طويل نسبيا فيما بعد تسليم الرئيس بوتفليقة السلطة إلى حكومة جديدة«.
وبعد صمت وترقب دام لأيام بدأت مواقف الدول الخارجية تجاه ما يحدث بالجزائر في البروز، وزير الدولة للشؤون الخارجية الفرنسية، جان بابتيست لويموين، علق في مقابلة مع إذاعة فرنسا الدولية: «نحن منتبهون للغاية لما يجري منذ أسبوعين، لأن الجزائر بلد صديق، وشريك مهم، لدينا علاقات قوية معه»، وأضاف: «الأمر متروك للشعب الجزائري صاحب السيادة للتعبير عن نفسه، واختيار قادته، وتحديد مستقبله».
الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي خرجا أيضا عن صمتهما حيال الاحتجاجات التي تشهدها الجزائر، حيث عبر كل منهما عن دعمه حق التظاهر السلمي للجزائريين. ففي واشنطن، وفي أول موقف من نوعه، دعت الخارجية الأميركية أمس السلطات الجزائرية إلى احترام حق التظاهر. وقال المتحدث باسم الوزارة روبرت بالادينو للصحافيين: «نحن نراقب هذه المظاهرات في الجزائر وسنواصل فعل ذلك«، مضيفا أن بلاده «تدعم الشعب الجزائري وحقه في التظاهر السلمي»، من جهتها طالبت المفوضية الأوروبية السلطات الجزائرية باحترام حرية التعبير وحق التجمع السلمي. وقالت المتحدثة باسم المفوضية مايا كوسيانيتش: «بالنسبة للمظاهرات، فإن الدستور الجزائري ينص على الحق في حرية التعبير وحق التجمع، ونأمل احترام حق الممارسة السلمية لهذه الحقوق وضمانها في إطار دولة الحق والقانون». وتابعت: «بشكل عام فإننا نؤكد أهمية الشراكة بين الجزائر والاتحاد الأوروبي، ونجدد التزامنا بتمتين هذه العلاقات بغية خلق فضاء مشترك من السلم والأمن والاستقرار».



المواقف الدولية لم يرحب بها الجزائريون، واعتبروا قضيتهم شأنا داخليا، وفي السياق كتب الإعلامي والمحلل السياسي عثمان لحياني عبر صفحته في موقع التواصل الاجتماعي معلقا على مواقف مختلف الدول: «منذ اللحظة الأولى قررت (مجموعة 22) الشاهدة والشهيدة، استقلال القرار الثوري الوطني، وحراك 22 فبراير ملتزم باستقلالية القرار الوطني ورفض أي تدخل أجنبي في شأن داخلي، الجزائر ليست في أزمة بقدر ما هي في لحظة تدافع الإرادات، الجزائريون يملكون الروح والقدرة على الحوار وحل الداخل بالأطر الدستورية».
ومع الأخذ بعين الاعتبار التأثيرات والتداخل في العلاقات الدولية، فإن لحياني يؤكد أن «الحراك الوطني غير معني بمواقف دول وعواصم لا تعبر سياساتها الداخلية وفي أماكن متعددة من العالم عن انسجام مع مزاعم ومواقف تخص الشأن الجزائري وحراك الجزائر، الجزائريون معنيون فقط بالمواقف التضامنية التي تصدر عن شعوب حرة ومتعاطفة في سياق الروح الكونية والإنسانية»، ويرى أن «جزءا من المسؤولية الأخلاقية والوطنية للحراك ومكوناته، والشرفاء في المؤسسات يكمن في استبعاد الابتزاز الأجنبي للدولة الجزائرية والوطنية والتي هي - رغم كل الإخفاقات - نتاج تراكم مجهود أجيال وكوادر جزائرية«.
 

font change