في عيدها... الأم اللبنانية تحتاج إلى «حنان» الحكومة

الأم في القانون اللبناني محرومة من منح جنسيتها لأولادها من أجنبي

في عيدها... الأم اللبنانية تحتاج إلى «حنان» الحكومة

 
* النائبة رلى الطبش: ثمة أكثرية نيابية تؤيّد هذا الحق، وبالتالي يمكن أن يكون خاتمة سعيدة لهذا الملف ولن نكلّ حتى تحقيق هذا الأمر
* مصطفى الشعار: المعركة العددية خسرت منذ زمن واليوم أمامنا معركة أخلاقية وإنسانية بامتياز
* كريمة شبو: لا يمكن القبول بالحلول الوسط لإرضاء هواجس ومخاوف بعض الأطراف السياسية والحق يجب أن يكتسب بالتساوي للجميع
* أم لبنانية: «أبنائي ولدوا وترعرعوا في لبنان.. يتحدثون اللهجة اللبنانية ولا يعرفون شيئاً عن بلد أبيهم، ومع ذلك لا أستطيع منحهم جنسيتي»



بيروت: «أنا أم لبنانية ولكنني أعيش إجحافا وغربة في وطني، والسبب أنني قررت أن أتزوج من رجل اختاره قلبي وعقلي، إذ لم أكن أدرك يوما أن جنسية الرجل الذي اخترته سوف تشكل عائقا لي ولأبنائي في وطني بالمستقبل». بغصة وغضب كبير روت هنادي (40 عاما) قصتها لـمجلة «المجلة»، مختصرة بذلك معاناة آلاف الحالات في لبنان من نساء لبنانيات متزوجات من أجنبي، لتقول: «حالي حال الكثير من الأمهات المتزوجات من غير لبناني إذ يُمنع علينا إعطاء جنسيتنا لأولادنا».
تقول هنادي إن أبناءها «ولدوا وترعرعوا في لبنان ويتحدثون اللهجة اللبنانية ولا يعرفون شيئا عن بلدهم الأم سوريا، أما والدهم السوري الأصل فهو أيضا من أم لبنانية وولد وترعرع هنا، ورغم ذلك لا أستطيع منح جنسيتي له ولأبنائي، علما بأن القانون الذي يحرمني من هذا الحق يعطيه للبناني المتزوج من أجنبية إذ يستطيع أن يمنح جنسيته لزوجته ولأولادها».
وتضيف هنادي: «قصة نضالي في سبيل هذه القضية بدأت عندما أدركت للمرة الأولى أنه يتوجب علي الحصول على تصاريح إقامة لابني من أجل البقاء في لبنان بلدي... عندها أدركت أنه يجدر بي كسر الصمت ومواجهة هذا الظلم، حينها بدأت رحلة نضالي ورفعت الصوت عاليًا للمطالبة بحق أبنائي». تقول هنادي «من أصعب المواقف التي تعرضت لها عندما كان أبنائي يسألونني: لماذا نحن لسنا لبنانيين؟ وكنت دائما أجيب: إن الدماء التي تجري في عروقكم لبنانية والجنسية لا تحددها الأوراق».
كذلك تطرقت هنادي للعقبات التي تواجهها، لافتة إلى أن «الصعوبات التي تواجه اللبنانية المتزوجة من أجنبي لا تقتصر فقط على الحصول على الإقامة، إنما الحصول على تصاريح عمل ومواجهة العقبات التي تحول دون الحصول على التعليم والرعاية الصحية وغيرها من الظروف النفسية والاجتماعية القاسية».
وبمناسبة عيد الأم توجهت هنادي للمرأة اللبنانية بالقول: «عليك رفع الصوت عاليا وعدم الرضوخ للوضع الراهن والتهاون بحقك»، مشيرة إلى أن «المواطنة يجب أن تكون كاملة بالحقوق والواجبات».


 
المرأة اللبنانية محرومة من أبسط حقوقها
تعاني الأم اللبنانية داخل وطنها الأمرين من ظلم وإجحاف قوانين الأحوال الشخصية، إذ تحرم من حقها الدستوري بإعطاء جنسيتها لأبنائها متى كانت متزوجة من غير لبناني بموجب القانون رقم 15 الصادر بتاريخ 19 يناير (كانون الثاني) 1925 المعدل بالقانون الصادر بتاريخ 11\1\1960. وبذريعة أن قوانيننا تمنح الأبناء جنسية الأب وليس الأم. سنوات طويلة من المطالبات ورفع الصوت مرت والوضع على ما هو عليه، وما الحلول إلا عبارة عن وعود لا تعرف طريقها إلى التنفيذ على أرض الواقع.
وفي شهر المرأة (مارس) وعيد الأم من كل عام تنظم الجمعيات النسوية في لبنان تحركات مطلبية لرفع الغبن عن المرأة خصوصا فيما يتعلق بالأم اللبنانية المتزوجة من أجنبي، وقد خرج يوم الأحد الفائت مئات اللبنانيين بمسيرة دعت إليها حملة «جنسيتي كرامتي»، لمطالبة المسؤولين بإقرار قانون يعطي المرأة اللبنانية المتزوجة من غير لبناني الحق بمنح جنسيتها لأبنائها.
ويأتي التحرك للضغط مجددًا على السلطات المعنية للتعامل مع هذا المطلب بجدية، وأعطت الحملة «مهلة ثلاثة أشهر للدولة اللبنانية لحل المسألة»، مهددة باللجوء إلى تحركات تصعيدية كالاعتصام والإضراب عن الطعام وغيرها من الخيارات، تحت سقف القانون.
وتقدمت المسيرة النائبة عن كتلة تيار المستقبل، رلى الطبش، التي أكدت أكثر من مرة تبنيها لهذا المطلب وسعيها لإقرار مشروع قانون يعطي المرأة اللبنانية هذا الحق.

 

النائبة رلى الطبش



وفي حديث خاص لمجلة «المجلة» أكّدت الطبش أنها «مع حق إعطاء المرأة الجنسية لأبنائها من دون أي قيد أو شرط»، مشيرة إلى أن «كتلة المستقبل تقدمت بمشروع قانون لمجلس النواب رفع تحفظ لبنان عن المادة التاسعة من اتفاقية (سيداو) التي تقضي بالمساواة بإعطاء الجنسية لابن الرجل والمرأة». مشيرة إلى أنه «قدمنا لرئيس الحكومة مشروع قانون يتعلق بإعطاء المرأة الجنسية لأولادها ومعالجة الحالات التي لا تزال قيد الدرس، كما أن الرئيس الحريري يدرس مشروعا آخر تقدمت به الهيئة الوطنية لشؤون المرأة يتعلق بمنح المواطنين الأجانب من أم لبنانية (green card) إلى حين حصولهم على الجنسية اللبنانية». مؤكدة أنه «لا وجود لأي اقتراح يقيد إعطاء الجنسية أو فيه أي شكل من أشكال التمييز والعنصرية إنما جميعها تنص على إمكانية الحصول على الجنسية إما بشكل كامل وإما على مراحل وضمن شروط معينة دون المسّ بهذا الحق».
وأكّدت الطبش على أن «ثمة أكثرية نيابية تؤيّد هذا الحق، وبالتالي يمكن أن يكون خاتمة سعيدة لهذا الملف ولن نكلّ حتى تحقيق هذا الأمر».
ثم توجهت الطبش للأم اللبنانية بالقول: «هذا المطلب هو حق لكِ وليس هدية ولا حتى منّة من أحد، وسوف نبقى نطالب بهذا الحق إلى أن يصبح عيد الأم عيدا للمرأة اللبنانية».
رئيس جمعية «جنسيتي كرامتي»، مصطفى الشعار، قال لـ«المجلة» إنه «بمناسبة عيد الأمهات نعيد التأكيد على استمرارنا بالنضال إلى حين تحقيق الهدف، مؤكدا أنهم كحملة كانوا جادين عندما أعطوا الدولة اللبنانية مهلة ثلاثة أشهر لتسوية هذا الوضع ودعوتهم لإنشاء طاولة حوار خاصة بمشاركة الجميع لبحث المعوقات والهواجس بشكل جدي ولو لمرة واحدة».
إلى ذلك، أشار الشعار إلى أن «النساء اللبنانيات يشكلن 54 في المائة من المجتمع، وبالتالي على المسؤولين أن يتخوفوا فعليا من الاستحقاقات القادمة لأن كل من وقف بوجه حقوق المرأة لن يحظى بأصوات النساء اللبنانيات في الانتخابات القادمة».
وكرّر الشعار التأكيد على أن «المعاناة التي يعاني منها أبناء الأم اللبنانية ومكتومي القيد فضلا عن حالات قيد الدرس لا يقبل بها إنسان عاقل ولا يرضى بها أي دين وأي ضمير، إن كان من عدم شمولهم بالتغطية التعليمية والصحية، فضلا عن ضيق فرص العمل وما ينتج عن ذلك من ألم نفسي وتفكك اجتماعي وعدم الأمان الأسري».
وشدّد الشعار على أن «المعركة العددية خسرت منذ زمن واليوم أمامنا معركة أخلاقية وإنسانية بامتياز، والمواطن يجب أن لا يتم التعامل معه على أساس ما يمثله بدينه وطائفته إنما على أساس أنه مواطن لديه حق وعليه واجبات».


 
منح الجنسية وهواجس الديموغرافيا
استشهدت السلطات اللبنانية كثيرا بمشاكل ديموغرافية في حال سمحت للمرأة بمنح جنسيتها لأطفالها. لكن يبدو أنها لم تواجه مشكلة في السماح للرجال بذلك، وفي البداية كانت هذه المخاوف مرتبطة بعدد كبير من اللاجئين الفلسطينيين- الذين يقدر عددهم الآن بنحو 174 ألفاً- ولكن اليوم ومع الأزمة السورية توافد إلى لبنان ما يقدر بـ1.5 مليون لاجئ سوري، فاتسعت هذه الهواجس لدى بعض القوى السياسية التي رفضت منح هذا الحق للمرأة اللبنانية، فيما البعض منها اشترط لإعطاء هذا الحق منع مشروع إصلاح قانون الجنسية من أن يشمل المتزوجات من رجال من دول الجوار، ومنع الرجال اللبنانيين من منح الجنسية لزوجاتهم إذا كن من دول الجوار إضافة إلى أطفالهم. وهو الاقتراح الذي تقدم به رئيس «التيار الوطني الحر» الوزير جبران باسيل العام الفائت. وهو ما واجه رفضا شديد من قِبل الأمهات المعنيات مباشرة بهذا الملف ومن قبل الجمعيات النسوية والحقوقية.
منسقة حملة «جنسيتي حق لي ولأسرتي» الناشطة الحقوقية، كريمة شبو، رأت في حديث مع «المجلة» أن «إعطاء المرأة اللبنانية الجنسية لأبنائها هو حق، وبالتالي يجب أن لا يكون الحق مرتهنا لهواجس ومخاوف عنصرية متعلقة بالعرق والدين واالجنسية»، وتابعت: «نحن بالتأكيد ضد أي تمييز بين النساء على أساس هذه الاعتبارات».
كما اعتبرت شبو أن «حق النساء لا يجب أن يكون متربطا بيوم المرأة العالمي وبمناسبة عيد الأم، إنما هذا الحق يجب تكريسه في جميع الأيام»، داعية «لعدم تحويل هذه المناسبات لفولكلور ومنصات لإطلاق الشعارات من قبل المسؤولين الذين يحرمون النساء من أبسط حقوقهن».
إلى ذلك شدّدت شبو على أنهم كحملة «يريدون عملا وتطبيقا على أرض الواقع وليس فقط إطلاق وعود وآمال»، مشيرة إلى أن «أغلب البرامج الانتخابية تضمنت وعودا بحل قضية منح المرأة اللبنانية جنسيتها لأبنائها، وسيقارب المجلس النيابي عاما على انتخابه وحتى الآن لا وجود لأي فعل تشريعي استطاع تحقيق هذا الحق».
وأشادت شبو بخطوة تعيين أربع نساء في الحكومة اللبنانية، مشيرة إلى أنهم كحملة «يتطلعون إلى عمل وزيرة الداخلية والبلديات ريا الحسن بحكم أنها تسلمت حقيبة معنية ومختصة بهذا الشأن، عدا عن أن الحسن دعت بعدّة مناسبات لإنهاء هذا الملف ومنح هذا الحق للمرأة».
كما رفضت شبو ما يحكى مؤخرا عن إعطاء «greem card»، مشددة: «لا نريد بطاقات ملونة إنما نريد حق مواطن ومواطنة في القانون».
وقالت شبو إنه «من منطلق حقوقي لا يمكن مراعاة أي طرف سياسي على حساب الحق وبالتالي لا يمكن القبول بالحلول الوسط لإرضاء هواجس ومخاوف بعض الأطراف السياسية والحق يجب أن يكتسب بالتساوي للجميع».
إلى ذلك، يعدّ لبنان متأخرا عن بلدان عربية مثل: تونس، والجزائر، والعراق، ومصر، والمغرب، واليمن، التي تسمح للنساء بمنح جنسيتهن لأطفالهن، فيما في لبنان يتم حصر رابطة الدم بالأب ولا تزال المرأة محرومة من أبسط حقوق الأمومة بالمواطنة الكاملة.
 

font change