«داعش» واليمين المتطرف... تطابق الدم والأفكار

مرجعيات مختلفة يجمعها قتل الأبرياء

«داعش» واليمين المتطرف... تطابق الدم والأفكار

* جهادي سابق: اليمين المتطرف ظاهرة آيديولوجية عنصرية ترفض المساواة، وتؤمن بوجود فروق عنصرية بين البشر
* باحث بالجماعات الأصولية: ما يجمع بين معتنقي الأفكار الإرهابية ومعتنقي أفكار اليمين المتطرف في الغرب هو «المرض النفسي»

القاهرة: على الرغم من اختلاف مرجعيات كل منهم وأهدافه، فإن ثمة تشابها في الأفكار بين التنظيمات الأصولية الإسلامية وعلى رأسها تنظيم داعش، وبين أفكار اليمين المتطرف في الغرب، فكلاهما يبدأ رحلة القتل من مفهوم رفض الآخر، ولا يتوقف التشابه عند حد الآيديولوجيات والأفكار المتطرفة، بل يمتد إلى استخدام نفس التكتيكات للعمليات الإرهابية التي يستهدف معظمها مدنيين أبرياء ليسوا طرفا في الصراع، ليتحول مصطلح «الذئاب المنفردة» من ملكية فكرية إرهابية لتنظيم داعش إلى دلالة على تطابق الأفكار والدم.
مذبحة المسجدين في نيوزيلندا التي ارتكبها الأسترالي برينتون تارانت، 28 عاما، الجمعة الماضي 15 مارس (آذار) الجاري وراح ضحيتها عشرات المصلين المسلمين لم تكن الأولى في جرائم اليمين المتطرف التي تستهدف المهاجرين والأجانب، لكنها أعادت المخاوف والنقاش حول خطاب الكراهية وأفكار اليمين المتطرف، وتشعبت النقاشات والأسئلة الجدلية التي فرضت نفسها بقوة أكثر من ذي قبل على ضمير العالم الذي بدأ يستشعر خطورة أفكار رفض الآخر بغض النظر عن المرجعيات والآيديولوجيات.
ويرى باحثون أن ثمة تشابها كبيرا في الأفكار بين التنظيمات الأصولية الإسلامية واليمين المتطرف، إذ ينطلق كلاهما من فكرة رفض الآخر، وفيما يقوم تنظيم داعش- أكثر التنظيمات الإرهابية دموية- بتكفير الجميع سواء أصحاب الديانات الأخرى أو المسلمين الذين لا يؤمنون برؤيته المغلوطة للإسلام، تنطلق أيضا الأحزاب اليمينية في الغرب من فكرة تفوق العرق الأبيض والعداء للمهاجرين حتى هؤلاء الذين حصلوا على جنسية البلد منذ سنوات.
 

نبيل نعيم



ويقول نبيل نعيم، القيادي السابق في تنظيم الجهاد لـ«المجلة»: «التشابه بين أفكار التنظيمات الأصولية الإسلامية وعلى رأسها داعش وأفكار اليمين المتطرف في الغرب يصل إلى حد التطابق رغم اختلاف المرجعيات والآيديولوجيات، فجميعهم ينطلق من فكرة رفض الآخر المختلف دينيا أو عرقيا، فتنظيم داعش يقتل على الهوية، واليمين المتطرف أيضا يقتل على الهوية، وكلاهما يستهدف المدنيين الأبرياء الذين ليس لهم علاقة بالصراع الآيديولوجي، والطرفان يسعيان من عملياتهم إلى توصيل رسالة سياسية مفادها أنه لا يقبل التعايش مع الآخر المختلف معه دينيا أو عرقيا في تأكيد على أن الصراع إقصائي، ولا يتوقف التشابه عند الأفكار بل يمتد إلى استخدام نفس التكتيكات في العمليات الإرهابية، فلم يعد مصطلح (الذئاب المنفردة) قاصرا على داعش فقط، بل أصبح أحد أهم أدوات اليمين المتطرف، كما يستخدم الطرفان ما يسمى تكتيك (الأهداف الرخوة) وهي الأهداف المفتوحة التي يصعب على أي حكومة في العالم تأمينها».
ويضيف نعيم: «يوجد بعض الاختلافات القليلة بين داعش واليمين المتطرف، أبرزها أن الأخير لا يسعى إلى فرض عقيدة معينة على الآخر، بل يريد ترحيل المهاجرين وأصحاب الجنسيات غير الأصلية، في حين يهدف تنظيم داعش إلى فرض عقيدته على الجميع».
وحذر مرصد الفتاوى التكفيرية والآراء المتشددة التابع لدار الإفتاء المصرية، من استغلال تنظيم داعش الإرهابي الهجوم على المسجدين بنيوزيلندا للتحريض على ارتكاب أعمال إرهابية انتقامية، وقال المرصد في بيان حصلت «المجلة» على نسخة منه، إن التنظيم أعلن الاستنفار بين مقاتليه للدعوة إلى «الجهاد» والتأكيد على أنه يسعى لحماية الإسلام والمسلمين.
وأضاف المرصد أنه «فور وقوع الحادث تم رصد تكثيف هائل من عناصر التنظيم لبث رسائل التحريض على العنف والانتقام، مستغلين حالة الغضب الشديد التي تجتاح العالم الإسلامي جراء الهجوم الإرهابي المروع، حيث نشر التنظيم عبر إحدى منصاته رسالة يقول فيها: (هذه رسالة لجميع المسلمين حول العالم... أن يعلموا أن حرب الدولة الإسلامية مع دول الصليب ورعاياهم إنما تأتي دفاعًا عن الإسلام والمسلمين، وأن حرب الكفار تستهدف كل مسلم على وجه الأرض، فلا فرق عندهم بين موحد مقاتل يحمل السلاح، وبين موحد قعد عن الجهاد والكفاح)».
وبثت منصات تنظيم داعش الكثير من الرسائل التحريضية التي تحث أعضاءه على الانتقام، وقال في إحدى هذه الرسائل: «نجدد الدعوة للموحدين في أوروبا والغرب الكافر وكل مكان، باستهداف الصليبيين في عقر دارهم وأينما وجدوا، وإننا خصوم بين يدي الله لكل مسلم يستطيع أن يريق قطرة دم صليبية واحدة ولا يفعل».
وحذر المرصد من أن: «اليمين المتطرف في الغرب والتنظيمات الإرهابية وعلى رأسها داعش يعملون في الاتجاه ذاته من أجل صدام بين أتباع الأديان والثقافات، وعلى عقلاء العالم من كل جانب أن يتصدوا لهؤلاء جميعا من أجل الحفاظ على الموروث الحضاري والبشري للإنسانية، ولضمان بقاء هذا العالم آمنا لكل إنسان أيا كان لونه أو معتقده أو جنسه».
ويشير نبيل نعيم الجهادي السابق وزعيم تنظيم الجهاد السابق بمصر لـ«المجلة» إلى أن «الأخطر من التلويح بعمليات انتقامية لداعش، هو اتجاه تنظيمات أصولية أخرى لاتباع نفس النهج، ومن بينها تنظيم القاعدة الذي رغم تواريه نسبيا عن دائرة الضوء بسبب استحواذ داعش على الاهتمام الأكبر، إلا أن لديه القدرة البشرية والمادية وخلايا نائمة في الكثير من دول أوروبا تمكنه من تنفيذ عمليات إرهابية كبيرة».



ويرجع ظهور مصطلح «اليمين المتطرف» للمرة الأولى إلى عام 1791 ميلادية، وذلك في اجتماع أعضاء الجمعية العمومية الفرنسية «المجلس التشريعي» حيث جلس ممثلو العمال والطبقات الفقيرة على يسار رئيس المجلس في قاعة الاجتماعات، بينما جلس الأعضاء المنتمون إلى الطبقة الغنية ورجال الكنيسة جهة اليمين، غير أن هذا التقسيم السياسي أخذ منحى مختلفا في العصر الحديث، إذ تتفق كافة الأحزاب اليمينية في أوروبا وأميركا على عدة نقاط، أبرزها الرفض القاطع للمهاجرين، والمطالبة بالحد من وجودهم أو منعهم بصورة مطلقة، وترى الأحزاب أن المهاجرين أحد أهم أسباب زيادة معدل الجريمة وانتشار البطالة.
وبحسب التعريفات السياسية يعد اليمين المتطرف ظاهرة آيديولوجية عنصرية تؤمن بتفوق العرق الأبيض، وترفض المساواة، وتؤمن بوجود فروق عنصرية ما بين البشر تعتبر غير البيض مواطنين من الدرجة الثانية.
ويرتبط المصطلح تايخيا في الذهنية العامة بالفاشية في إيطاليا والنازية في ألمانيا، غير أن صعود اليمين المتطرف في العصر الحديث أثار مخاوف مختلفة خاصة ظهور مصطلح «الإسلاموفوبيا» الذي يربط بين صعود اليمين واستهداف المسلمين والأجانب.
ولم يكن الهجوم على مسجدي نيوزيلندا هو الأول من نوعه، ففي مساء الأحد 29 يناير (كانون الثاني) 2017. اجتاز ألكسندر بيزونيت، 28 عاما، المدخل الرئيسي لمسجد «كيبيك» في كندا، حاملا بندقية آلية، وأطلق النار على المصلين.
ولا يتوقف التشابه بين الهجومين في طريقة التنفيذ، بل يمتد إلى الدوافع، إذ أعلن منفذ هجوم كندا أنه ارتكب الجريمة خشية أن تفتح بلاده الباب لاستقبال المهاجرين واللاجئين، وهي الدوافع ذاتها التي كتبها منفذ مذبحة نيوزيلندا على صفحته بموقع التواصل الاجتماعي «فيسبوك»، حيث قال إنه نفذ الهجوم كي يقلل معدلات الهجرة إلى الأراضي الأوروبية.
وفي فبراير (شباط) 2018 قام الإيطالي لوكا ترايني، بإطلاق النار بشكل عشوائي على المهاجرين في شوارع مدينة ماتشيراتا الإيطالية، واعترف ترايني، خلال المحاكمة بأنه ارتكب جريمته للانتقام لمقتل الشابة الإيطالية، باميلا ماستروبيترو، التي عثر على جثتها مقطعة الأوصال في حقيبة، في بلدة بولينزا الإيطالية.
وتورطت حركة «بيجيدا» التي تسمى «أوروبيون وطنيون ضد أسلمة الغرب» في تنفيذ عدة حوادث عنصرية تستهدف المساجد، منها تعليق دمي على المساجد وكتابة عبارات مسيئة للإسلام، إضافة إلى تنظيم مظاهرات في يناير (كانون الثاني) الماضي أمام أحد مساجد مدينة أوترخت الهولندية.
 

خالد الزعفراني



كما ألقت الشرطة الفرنسية في يوليو (تموز) الماضي، القبض على أعضاء خلية يمينية متطرفة أطلقوا على أنفسهم اسم «حركة القوات الفاعلة»، وقالت الشرطة الفرنسية إن أعضاء الخلية كانوا يخططون لاستهداف مسلمين، وعثر بحوزتهم على بنادق وقنابل يدوية.
ويقول الدكتور خالد الزعفراني، الباحث في شؤون الجماعات الأصولية لـ«المجلة» إن «ما يجمع بين معتنقي الأفكار الإرهابية التي يتبناها داعش والتنظيمات الأصولية الإسلامية، وبين معتنقي أفكار اليمين المتطرف في الغرب هو (المرض النفسي) والعداء للبشرية والإنسانية، فهم في الحالتين نوع من البشر يعانون خللا نفسيا ولديهم تعصب وانغلاق، ويجدون تناغما بين شخصياتهم المريضة والأفكار المتطرفة، فجميعهم يرى أن الآخر المختلف دينيا أو عرقيا على خطأ ويجب التخلص منه، ومثلما يستهدف داعش الأشخاص المأزومين نفسيا، تقوم أيضا التنظيمات اليمينية باستهداف نفس النوع من الأشخاص».
 

font change