الفيضانات تحاصر إيران... وحكومة روحاني تواجه أزمة حقيقية

المتحدث باسم منظمة إدارة الأزمات: السيول تسببت في إغلاق 2199 طريقا ريفيا وقضت على بعض منها بالكامل

امرأة إيرانية تسير في شارع غمرته المياه في مدينة بول دوختار في مقاطعة لورستان ، في 2 أبريل 2019. (غيتي)

الفيضانات تحاصر إيران... وحكومة روحاني تواجه أزمة حقيقية

* حاصرت الفيضانات خلال الأسابيع الماضية 26 محافظة، على الأقل، من أصل 31، خاصة في الأجزاء الغربية والجنوبية الغربية
حجم المساعدات التي تقدمها الجهات الحكومية لا يذكر مقارنة بالأضرار الهائلة حيث يشكو منكوبو الفيضانات من تملص المسؤولين وغياب الإمكانيات.
حضور أمني كثيف لقوات الحرس الثوري وقوات مكافحة الشغب المسلحين بالهراوات الكهربائية لفرض أجواء بوليسية وأمنية في المناطق المنكوبة.
 

واشنطن: لقد توسعت رقعة الفيضانات العارمة والأمطار الغزيرة التي ضربت مدن آق قلا وكنبد في الشمال، وشيراز في الجنوب، منذ 19 مارس (آذار) أي قبل أيام من بدء العام الشمسي الجديد في البلاد، لتشمل معظم المحافظات الإيرانية.

وحاصرت الفيضانات وطغيان الأنهار خلال الأسابيع الماضية على الأقل 26 محافظة من أصل 31، خاصة في الأجزاء الغربية والجنوبية الغربية.

وانقطعت المياه والكهرباء في الوقت الراهن عن كثير من المدن والقرى، وانهارت جسور كثيرة تربط بين الطرق الرئيسية والفرعية بسبب الفيضانات الجارفة.

ونقلت وكالة الطلبة الإيرانية للأنباء (إيسنا) عن المتحدث باسم منظمة إدارة الأزمات في إيران، بهنام سعيدي، بأن الفيضانات تسببت في إغلاق 2199 طريقا ريفيا وقضت على بعض منها بالكامل.

وأضاف سعيدي بأن حالة الطوارئ أعلنت في 6 محافظات، وهي إيلام وكرمانشاه ولرستان وخوزستان وتشارمحال وبختياري وكهكيلويه وبوير أحمد.

وفي الوقت الذي لم يتم تصرُّف المياه في المناطق المنكوبة حذرت دائرة الأرصاد الجوية الإيرانية من إمكانية هطول موجة جديدة من الإمطار التي قد تتسبب بوقوع كارثة أعظم مما حدث وذلك في أقاليم كرمانشاه وإيلام وكهكيلوية وبوير أحمد وبوشهر والأجزاء الشمالية من إقليم فارس والأجزاء الغربية والجنوبية الغربية في البلاد.

وتتدهور الظروف المعيشية والحالة الإنسانية في المناطق المنكوبة بالفيضانات أكثر فأكثر ويعيش المواطنون في المناطق المنكوبة ظروفا كارثية لا توصف. هذا وأدت السيول المدمرة إلى مقتل 70 شخصا حتى لحظة إعداد التقرير.

 

الرئيس الإيراني حسنيتفقد المناطق التي اجتاحتها الفيضانات من الجو في مقاطعة جولستان شمال إيران في 21 مارس 2019. (غيتي)


إقليم لرستان 

تعتبر محافظة لرستان الواقعة غربي إيران من المناطق التي أعلنت فيها حالة الطوارئ وتم تعليق الرحلات في مطار خرم آباد (عاصمة الإقليم) بسبب تكدس مياه الأمطار فيه والتي بلغ ارتفاعها في مدرج مطار المدينة 40 سنتميترا.

وتظهر الصور من مدينة بل دختر (الواقعة في جنوب المحافظة) أن الفيضانات غمرت كل المدينة تقريبا والبيوت حتى السقف في الوقت الذي تغرق فيه القرى في مدينة بل دختر بمياه الفيضانات واحدة تلو الأخرى. ولجأ المواطنون إلى الجبال والمرتفعات تفاديا للغرق في المياه الجارفة.

ونقلت وكالة أنباء «تسنيم»، عن حميد رضا كاظمي، النائب عن مدينتي بل دختر ومعمولان في البرلمان الإيراني، أن «مياه الفيضانات تحاصر أكثر من 100 قرية في هذه المنطقة».

وتشير الصور المتداولة إلى مدينة دلفان نور آباد (شمال غربي إقليم لرستان) التي تغمرها المياه رويدا رويدا.

وقال النائب عن مدينة أليكودرز (في إقليم لرستان) إن الفيضانات أدت إلى إغلاق الطرق في 290 قرية في الإقليم. كما أن سكان القرى لا يستطيعون توفير الطعام ولا يمكن الوصول إلى القرى من خلال الطرق البرية.

وأضاف: «تعرض 80 في المائة من المنشآت في القرى إلى أضرار وأدت الفيضانات إلى نفوق المواشي في معظم القرى».

ولا توجد إحصائيات دقيقة حول حجم الدمار الذي تعرضت له المنشآت الرئيسية على غرار البيوت والمزارع وعدد المواشي التي نفقت في إقليم لرستان ولكن الصور والفيديوهات المتداولة تشير إلى حجم هائل من الدمار حيث يرى السكان في المناطق المنكوبة بأنهم خسروا كل شيء.

وتتحدث امرأة في قرية من مئات القرى الفقيرة في إقليم لرستان حول أنها خسرت كل ما تملكه بسبب الفيضانات، وتقول بنبرة فيها كم هائل من الغضب وفي صدرها غصة، في أحد الفيديوهات المتداولة: «لم يبق لدي شيء. لم أعد أملك حتى زيا أرتديه أو مالا أشتري به الغذاء لأولادي، لقد جرفت المياه كل حياتي والمواشي التي كنت أملكها».

يشار إلى أن حجم المساعدات التي تقدمها الجهات الحكومية لا يذكر مقارنة بالأضرار الهائلة والعدد الكبير للقرى المتضررة في إقليم لرستان حيث إن منكوبي الفيضانات يشكون تملص المسؤولين من مسؤوليتهم تجاههم وغياب الإمكانيات.

وقد وصفت نداء وهي ساكنة في قرية واقعة في بل دختر من خلال تغريدة عبر حسابها في «تويتر» الظروف التي تمر بها هي وأسرتها في ظل الفيضانات قائلة: «صدقوني المساعدات لا يجب أن تقتصر على شراء المياه الصالحة للشرب أو المعلبات الغذائية فقط. حجم الدمار والطين والحمأة كبير للغاية ولا يمكن السيطرة عليه. قد يتم تنظيف الأزقة والشوارع من قبل البلدية ولكن ماذا عن داخل البيوت؟ تتدهور الأوضاع الصحية يوما بعد يوم هنا. لقد نصبوا ما يتراوح بين 10 و12 حنفية مياه أمام مبنى منظمة المياه وسكان كل المدينة مضطرون لتوفير المياه التي يستهلكونها من هذا المكان فقط. كنت أغسل ملابسي المغطاة بالطين في نفس المكان الذي كانت تغسل فيه امرأة أواني الطبخ وبعدها جاء رجل ليغسل فيه رجليه المتسختين بالوحل».

وأفادت مصادر حكومية بأن أكثر من 500 بناية سكنية في معمولان الواقعة جنوب إقليم لرستان غرقت في مياه الفيضانات وأدت الفيضانات إلى تدمير 35 قرية بالكامل فيما انقطعت الاتصالات عن هذه المنطقة التي يسكنها أكثر من 6 آلاف نسمة.

لقد تداول رواد الشبكات الاجتماعية مقطع فيديو لخطيب جمعة معمولان وهو ينتقد المسؤولين بسبب فشلهم وإهمالهم في مساعدة منكوبي الفيضانات، ويقول: «إن 60 قرية انقطعت أخبارها ولا نعلم ماذا حل بسكانها. قالوا إنهم دشنوا مستشفى متحركا ولكن لا نرى شيئا في الواقع. ولا نرى أي تواجد لهيئات الإمداد. طارت المروحيات في سماء المنطقة ولكنها لم تهبط على أرض معمولان».

وكتب صانع الأفلام الوثائقية جواد موكويي في جزء من ذكريات زيارته للرستان «لاتوجد المياه في مدينة معمولان وانقطعت الكهرباء عن نصف المدينة. يتمتع عدد محدود من الأحياء بخدمة الغاز. والي المنطقة الذي كان غائبا عنها منذ انطلاق الفيضانات حتى الآن لقد تم عزله. قامت قوات الحرس الثوري بنصب مطابخ لإعداد الوجبات الدافئة. تستوعب المطابخ إعداد الطعام لـ1000 شخص في حين يبلغ عدد سكان المدينة 25 ألف نسمة. أقسم بالله، السكان جائعون. لقد توفرت خدمة الإنترنت ولكنها بطيئة. يقوم الحرس الثوري بتجريف الشوارع الرئيسية في المدينة من الطين. لم تصل قوات الإمداد إلى القرى. لم يصل أحد إلى القرى ولا أحد يعلم شيئا هل هم أحياء أم لا».

من جهة أخرى، فإن تجريف البرك العميقة من الطين والأوساخ التي تسببت بها الفيضانات في البيوت والشوارع والأزقة بحاجة إلى الأجهزة والمعدات الثقيلة. ويقول رجل باللهجة اللورية وهو يرى بيته يغرق بالطين والأوساخ والمياه في إحدى مقاطع الفيديو التي انتشرت عن منكوبي الفيضانات في لرستان لزوجته: «لقد جرفت المياه كل جهازك (جهاز العروس) وأنا لم أستطع أن أمنع ذلك. لا يمكنني إنقاذ بيتنا».

ويقول عدد من السكان في المناطق المنكوبة إن أفرادا غرباء يتواجدون في هذه المناطق ويقومون بنهب المساعدات المرسلة للأهالي».

وتشكل التضاريس والجغرافيا الطبيعية والانزلاقات الأرضية وإغلاق الطرق من جهة وغياب المروحيات وزوارق الإنقاذ الكافية لإيصال الإمدادات عوامل تصعب وصول الإمدادات إلى لرستان.

وقال مدير جمعية الهلال الأحمر في لرستان: «لم تتمكن المروحيات من التحليق بسبب الطقس السيئ. لدينا 3 مروحيات ولكننا لا نستطيع فعل أي شيء عن طريق الجو لمساعدة السكان المحاصرين بالفيضانات في قرية بابازيد التابعة لمدينة بل دختر».

ينتقد ناصر كرمي الخبير البيئي في تغريدة سوء إدارة السلطات قبل الأزمة وبعدها ويقول: «الأهم هو أن الكل كانوا يعلمون بوقوع الفيضانات منذ أسبوع قبل انطلاقها وأن أحدا لم يفعل شيئا. كان يفترض بهم على الأقل مساعدة المواطنين في نقل مستلزماتهم المعيشية الأساسية. وكان يمكنهم إنقاذ كثير من الأمكنة من خلال نصب سدود مؤقتة».

 

ايرانيون يتجمعون لأخذ الطعام من طائرة هليكوبتر تابعة للهلال الأحمر في مدينة سوسانجير في مقاطعة خوزستان الإيرانية في 9 أبريل 2019. (غيتي)


إقليم الأهواز (خوزستان) تحاصره الفيضانات

تهدد السيول حياة أكثر من 400 ألف شخص من سكان إقليم الأهواز (خوزستان) الواقع جنوبي إيران.

وقد أعلنت حالة الطوارئ في الإقليم بسبب طغيان مياه أنهار كارون والكرخة والدز واستمرار هطول الأمطار الغزيرة في المحافظات الشمالية التي تجري نحو الأهواز (خوزستان).

وتهدد الفيضانات أكثر من 110 قرى واقعة في أحواض أنهار كارون والدز والكرخة. وأكدت السلطات المحلية ضرورة إخلاء هذه المناطق.

واضطر ساكنو بعض المدن في الإقليم إلى إخلاء بيوتهم في الوقت الذي يفتفرون فيه إلى مكان يؤويهم أو ملاجئ مؤقتة. ولم ينس سكان الأهواز سنوات الحرب التي أدت إلى تشتيتهم وهم الذين يعانون منذ سنوات طويلة من موجات الغبار وشح المياه والفقر ولكنهم اليوم لم يعودوا يثقون بوعود رجال الدولة ويئسوا منهم.

وتم إيواء نحو 300 شخص من سكان قرية قلعة سحر (بامدج) في عربات القطار بشكل مؤقت وذلك بعد أن غرقت منازلهم بمياه الأمطار والسيول.

وأفادت التقارير بأن كميات المياه المخزنة في سدود الدز والكرخة في تزايد مستمر وقد يغرق عدد من القرى في الإقليم بالمياه بعد فيضان المياه من السدود.

وقال كيخسرو جنغلوايي رئيس مديرية الزراعة في الإقليم بأن «الفيضانات دمرت 71 هكتارا من الأراضي وأن المزارعين ومربي المواشي وسكان القرى هم الأكثر تضررا».

وفي الوقت الذي أفادت فيه وسائل إعلام محلية بأن السلع والإمدادات وصلت إلى المناطق المنكوبة في هذا الإقليم فإن الصور ومقاطع الفيديو المتداولة تشير إلى استياء واسع بين العشائر وسكان القرى والمسنين الذين أنهكت الفيضانات قواهم بسرعة وباتوا يشتكون الافتقار إلى مكان يؤويهم.

لم تلق أصوات اللوم والانتقادات التي رفعتها النساء في القرى واللواتي يساهمن بشكل فاعل في اقتصاد الأسرة آذانا صاغية بين المسؤولين بل تعرضت لعدم مبالاة السلطات.

ويظهر أحد مقاطع الفيديو امرأة من قرية ألبونيس في إقليم الأهواز (خوزستان) وقد غمرتها مياه الفيضانات حتى رقبتها وترفع حزمة أغراض فوق رأسها. وتقول المرأة التي تهز يديها بقلق وتوتر: «لا أحد يساعدنا. وصل السارقون إلى قريتنا أسرع من المسؤولين. دمرت الفيضانات كل شيء. نحن معرضون للغرق في مياه الفيضانات. قام السارقون بسرقة منازلنا. لم يساعدنا أحد».

وفي فيديو ثان، يقول أحد سكان قرية ألبونيس المنكوبة: «الفيضانات تحاصرنا منذ 4 أيام. لا يوجد الماء ولا مواد غذائية ولا زوارق ولا مروحيات. نقطع طريقا بمسافة نحو 3 كيلومترات في المياه مشيا على الأقدام. لا أحد يساعدنا».

وأظهرت الصور والفيديوهات المتداولة الملاجئ المؤقتة لمنكوبي الفيضانات في قرى الإقليم وهي تغمرها مياه الفيضانات مما يدل على أن المساعدات الحكومية لا تمثل شيئا بالمقارنة مع الحجم الهائل للدمار والخسائر.

وأفادت الأنباء بأن الفيضانات أدت إلى تدمير 189 شقة سكنية في إقليم كرمانشاه غربي البلاد.

وقال النائب عن إقليم إيلام، جلال ميرزايي، إن أجزاء من مدينة إيلام تعيش ظروفا متأزمة لأن الفيضانات والانهيارات الأرضية تسببت بمشاكل كبيرة في المدينة.

وأدت الفيضانات إلى تدمير 800 شقة سكنية على الأقل وخسائر بقيمة 330 مليار تومان شرقي إقليم مازندران.

وقال والي بلدة أسد آباد الواقعة في مدينة همدان (غربي البلاد) إن أغلب القرى التابعة لأسد آباد تحاصرها المياه وتم إعلان حالة طوارئ في عدد من القرى.

وتحدثت التقارير عن حضور أمني كثيف لقوات الحرس الثوري وقوات مكافحة الشغب المسلحين بالهراوات الكهربائية لفرض أجواء بوليسية وأمنية في المناطق المنكوبة في الغرب والجنوب الغربي للبلاد.

وأفادت التقارير بقيام الحرس الثوري بإطلاق النار على حشد من الفلاحين وسكان قرية الجليزي بالإقليم مما أدى إلى إصابة عدد من القرويين ووفاة أحدهم في المستشفى بسبب إصابته البالغة.

 

font change