شبكات التجسس الإيرانية... دماء على ثوب الدبلوماسية

تستغل البعثات القنصلية في نشاطها

شبكات التجسس الإيرانية... دماء على ثوب الدبلوماسية

* معظم السفراء الإيرانيين ضباط في الحرس الثوري، خاصة في السفارات الهامة
* يتولى الحرس الثوري الإشراف على كافة أنشطة الاستخبارات والتجسس التي تستخدم فيها طهران مظلة البعثات الدبلوماسية
 

القاهرة: تحولت شبكات التجسس الإيرانية إلى صداع جديد في رأس العالم، بعدما أصبح الإعلان عن ضبط جواسيس طهران إلى روتين شبه يومي في صفحات الصحف وتقارير وكالات الأنباء، وأدت الجهود الدولية لمواجهة الأنشطة الإيرانية إلى تسليط الضوء على الجانب الأخطر الذي يتعلق باستخدام البعثات الدبلوماسية غطاء لعمليات التجسس، وهو ما يشكل خطرا جديدا يضع قدسية العمل الدبلوماسي وهيبته في دوائر الشبهات ويعيق مهام البعثات القنصلية.
ويشير باحثون في الشأن الإيراني إلى أن تزايد التعاون الاستخباراتي بين الكثير من الدول الكبرى لمواجهة شبكات التجسس الإيرانية أدى إلى كشف الكثير منها، وكان سببا رئيسيا في تسليط الضوء على خطورة هذه الشبكات على المستويين السياسي والأمني، وسط سعي الدول الأوروبية إلى اتخاذ إجراءات جديدة للحد من أنشطة التجسس على أراضيها.
ففي 9 يناير (كانون الثاني) الماضي، أعلن الاتحاد الأوروبي عن إدراج إدارة الأمن الداخلي التابعة للاستخبارات الإيرانية على قائمة الإرهاب الخاصة به، وذلك كرد فعل على تمدد شبكات التجسس الإيرانية في أوروبا وإحباط الكثير من دول الاتحاد لهجمات على أراضيها.
وهو نفس الإجراء الذي اتخذته فرنسا في 3 أكتوبر (تشرين الأول) 2018. حيث فرضت عقوبات على إدارة الأمن الداخلي التابعة للاستخبارات الإيرانية وشخصين إيرانيين تمثلت في تجميد أصولهم داخل فرنسا، بعد أن اتهمتهم بمحاولة التخطيط لشن هجوم ضد تجمع نظمته المعارضة الإيرانية في يونيو (حزيران) من العام نفسه.
ويحذر دبلوماسيون من مخاطر استخدام إيران لمقار البعثات الدبلوماسية غطاء لأنشطة التجسس، وما يمثله ذلك من «تلويث لثوب الدبلوماسية» وما يتسبب به من وضع مقار البعثات الدبلوماسية والقنصليات تحت رقابة صارمة من الدول المضيفة.
 

السفير محمد العرابي



ويقول السفير محمد العرابي وزير الخارجية المصري الأسبق لـ«المجلة» «إن استخدام إيران لمقار بعثاتها الدبلوماسية لإدارة أنشطة التجسس ينال من هيبة الدبلوماسية التي يحدد عملها القانون الدولي والاتفاقيات المتعلقة بالعمل الدبلوماسي، وهو ما يمثل خطرا شديدا ويعرقل عمل الدبلوماسيين، فمن الإجراءات الأمنية التلقائية أنه عندما يتم ضبط شبكة تجسس أو أنشطة غير شرعية تستخدم الغطاء الدبلوماسي في بلد ما، فإن الدولة المضيفة تقوم على الفور بتكثيف مراقبتها لسفارة البلد المتورط، كما تقوم بمزيد من التدقيق على تحركات الدبلوماسيين وأعضاء البعثات القنصلية بشكل عام، لذلك فإن ما تفعله طهران يضع سفاراتها وأعضاء بعثاتها الدبلوماسية في دائرة الاتهام ووسط خطر كبير، وهو ما يعد فشلا دبلوماسيا واضحا».
ولا تتوقف اتهامات المجتمع الدولي لطهران عند حد استخدام مقار البعثات الدبلوماسية، بل تمتد إلى استخدام شركاتها ومؤسسات مدنية كثيرة في دعم أنشطة إرهابية بكثير من الدول، وهو ما يتضح في قضية شركة الطيران «ماهان إير» الإيرانية، حيث قررت السلطات الألمانية في 21 يناير (كانون الثاني) الماضي إلغاء تصريح التشغيل الخاص بالشركة لديها، وهو القرار الذي ارتبط في جانب منه بالدور الذي تقوم به الطائرات التابعة للشركة في نقل الأسلحة والذخائر وعناصر من الحرس الثوري والميليشيات التي قامت إيران بتكوينها وتدريبها إلى سوريا للمشاركة في الصراع العسكري إلى جانب النظام السوري.
وبحسب خبراء، تسعى إيران إلى توسيع نطاق شبكات التجسس التابعة لها في الكثير من الدول وخاصة دول الاتحاد الأوروبي لتحقيق عدد من الأهداف، منها استهداف مصالح خصومها خاصة الولايات المتحدة الأميركية وإسرائيل، واستهداف عناصر المعارضة الإيرانية بشكل عام، وعلى وجه الخصوص أعضاء وقيادات منظمة مجاهدي خلق والمجموعات التابعة للقوميات التي تتعرض للإقصاء والتهميش داخل إيران، وهي الجهات التي كان له دور في لفت انتباه المجتمع الدولي إلى مخاطر السياسة الإيرانية على المستويين الإقليمي والدولي، إلى جانب ممارسة أنشطة تتعلق بشراء بعض المكونات التي تتصل بالبرنامج الصاروخي في إطار سعيها إلى تحسين قدراتها الصاروخية، إضافة إلى التجسس على انتشار بعض الجيوش الأوروبية في الخارج، وتحديدا في مناطق النزاع، وقامت السلطات الألمانية، في 15 يناير (كانون الثاني) الماضي، باعتقال ألماني من أصل أفغاني للاشتباه في نقله بيانات ومعلومات إلى إيران، حيث كان يعمل مستشارا ثقافيا في الجيش الألماني.
ويشير تحليل الخريطة الجغرافية لشبكات التجسس الإيرانية التي تم الكشف عنها خلال السنوات الماضية إلى أن طهران لا تستثني أيا من دول العالم من أنشطتها التجسسية، إذ تتوزع الوقائع التي تم الإعلان عنها عبر الكثير من العواصم انطلاقا من دول النزاع العسكري في منطقة الشرق الأوسط ووصولا إلى معظم الدول الأوروبية والعربية وأفريقيا وآسيا.
ففي 7 يوليو (تموز) 2018 أعلنت السلطات الهولندية عن طرد اثنين من دبلوماسيي القنصلية الإيرانية في لاهاي، على خلفية الاشتباه في تورطهما بعمليات اغتيال طالت معارضين للنظام الإيراني على الأراضي الهولندية خلال السنوات الماضية.
وفي أكتوبر (تشرين الأول) الماضي، قضت محكمة ألمانية بترحيل الدبلوماسي الإيراني أسد الله الأسعدي، إلى بلجيكا لاستجوابه في اتهامات تتعلق بتورطه في محاولة تفجير اجتماع للمجلس الوطني للمقاومة الإيرانية «المعارض»، إذ كان قد تم توقيفه من السلطات الألمانية بناء على مذكرة أوروبية، وقامت مصر في مايو (أيار) 2011 بترحيل الدبلوماسي الإيراني سيد قاسم حسيني على خلفية اتهامه بالتجسس.

الدكتور محمد محسن أبو النور



ويقول الدكتور محمد محسن أبو النور، رئيس المنتدى العربي لتحليل السياسات الإيرانية لـ«المجلة» إن «أنشطة التجسس الإيراني من المكونات الأساسية والموروثات التاريخية التي نشأت عليها الدولة، فالحضارة الفارسية قائمة منذ نشأتها على الحرب والاستخبارات، وتسعى طهران من خلال أنشطة التجسس إلى الخصم من أرصدة الدول الأخرى واستهداف مصالحها، وتستخدم المعلومات الاستخباراتية في أنشطتها التي تهدف إلى زعزعة استقرار الدول الأخرى».

ويضيف أبو النور: «معظم السفراء الإيرانيين يكونون ضباطا في الحرس الثوري، خاصة في السفارات الهامة، ويتولى الحرس الثوري الإشراف على كافة أنشطة الاستخبارات والتجسس التي تستخدم فيها طهران مظلة البعثات الدبلوماسية، ويبذل المجتمع الدولي خاصة الدول الأوروبية جهدا كبيرا في كشف أنشطة التجسس الإيرانية».
font change