انفصال منطقة القبائل جدل في عمق الحراك

زعيم أمازيغي يثير عاصفة من الانتقادات بالجزائر

انفصال منطقة القبائل جدل في عمق الحراك

* ظهور مهني أقلق الجزائريين نظراً للظروف الاستثنائية التي تشهدها البلاد منذ انطلاق الحراك الشعبي في 22 فبراير (شباط) الماضي
* مهني استغل حالة اليأس والإحباط التي طالت سكان منطقة القبائل، بفعل سياسات النظام القمعية تجاه مطالبهم المتعلقة بالهوية، ليؤسس عام2002  «الحركة من أجل تقرير المصير في منطقة القبائل» بفرنسا المعروفة اختصارا بحركة «الماك»
* دعا الاتحاد الوطني للدكاترة والباحثيين السلطات العليا في البلاد للتحرك السريع لمنع وإيقاف كل المحاولات التي تهدد المساس بوحدة الجزائر وترابها

الجزائر: رغم أن آخر محاضرة له في مدرج جامعة مولود معمري بتيزي وزو، وفي الجزائر ككل، كانت قبل 12 عاما من الآن، إلا أن زعيم «حركة انفصال منطقة القبائل» فرحات مهني طل مجددا على الجزائر، لكن من مقر إقامته بباريس بمحاضرة ألقاها على طلبة جامعة تيزي وزو عن طريق تقنية سكايب، وهي المحاضرة التي أثارت عاصفة من الانتقادات، كونها أحيت ملف انفصال القبائل، وموضوع صراع الهوية الذي أخمد ناره الحراك الشعبي الذي أبان عن وحدة الجزائريين.

ظهور مهني أقلق الجزائريين بالنظر إلى الظروف الاستثنائية التي تشهدها البلاد منذ انطلاق الحراك الشعبي في 22 فبراير (شباط) الماضي.

وفرحات مهني المدعو فرحات إيمازيغن، المولود في 5 مارس (آذار) 1951، هو مغن وسياسي ومعارض جزائري، ينحدر من منطقة القبائل، ولد في «إيلولة أمالو» بدائرة «بوزغن» ولاية تيزي وزو عاصمة الأمازيغ، عرف في بداياته كمناضل في الحركة الثقافية الأمازيغية، وكان وجها رئيسيا فيها، فكان دائم الظهور في الصفوف الأولى في المظاهرات والاحتجاجات، كما كانت أغانيه السياسية مفعمة بالرسائل الموجهة والمنتقدة للنظام الجزائري الذي مارس آنذاك سياسة عزل ممنهجة لكل ما له علاقة بالهوية والثقافة الأمازيغية.

مهني استغل حالة اليأس والإحباط التي طالت سكان المنطقة، بفعل سياسات النظام القمعية تجاه مطالبهم المتعلقة بالهوية، ليؤسس عام2002  «الحركة من أجل تقرير المصير في منطقة القبائل» بفرنسا المعروفة اختصارا بحركة «الماك»، أي بعد مرور عام واحد على مقتل الشاب ماسينيسا قرماح في مقر للدرك الوطني، إثر اندلاع مظاهرات سميت آنذاك «الربيع الأمازيغي الثاني»، عقدت الحركة مؤتمرها التأسيسي في أغسطس (آب)2007 ببلدة «إيغيل علي» بتيزي وزو.

ورغم أن الرجل حقق بعض الانتشار مع بداية مشروعه، إلا أن شعبيته بدأت في الانهيار والتراجع بسبب مواقفه، وخاصة حينما قرر عام 2012السفر إلى إسرائيل، والتقى بنائب رئيس الكنيست، وأعرب عن دعمه وتضامنه مع الكيان المحتل، وقارنه بالقبائل، حيث قال: «نحن في بيئة معادية، كلا البلدين يشتركان في نفس الطريق، ولكن إسرائيل موجودة بالفعل - وهذا هو الفارق الوحيد»، كما تعهد بفتح سفارة إسرائيلية في الجزائر.

وبسبب مساره السياسي ينظر الجزائريون بعين الريبة والشّك لكل أنشطة مهني، لذلك اعتبروا أن إلقاء محاضرة له بمدرج جامعة تيزي وزو الأحد الماضي مؤشر يحمل مخاطر تهدد وحدة واستقرار البلاد، بالنظر إلى الظروف الحساسة التي تمر بها.

ورغم توجهها الآيديولوجي والهوياتي المرتبط بالأمازيغية ونضالاتها، إلا أن الحركة تشهد في الواقع منافسة شرسة من «جبهة القوى الاشتراكية» التي تزعمها في وقت سابق الزعيم التاريخي الراحل حسين آيت أحمد، الذي لم يطالب ورغم ثقله ومكانته بين أمازيغ الجزائر باستقلال المنطقة طيلة مشواره السياسي المعارض للسلطة، والذي بدأ عام 1963. وهي السنة التي أنشأ فيها حزبه ذا الامتداد الوطني الواسع. كما تواجه «الماك» منافسة من «التجمع من أجل الثقافة والديمقراطية»، الذي كان مهني مناضلا ثم قياديا فيه، وهو حزب ولد في المنطقة مع مطلع التعددية السياسية العام 1989. ولم يطالب بالاستقلال هو الآخر.

وأمام سيل الانتقادات الغاضبة، ردت إدارة جامعة مولود معمري، على جملة الانتقادات التي طالتها ببيان أكدت فيه أنها لم تمنح أي تصريح لبث المحاضرة موضوع الجدل، مؤكدة في المقابل اقتناعها بأهمية فتح الباب للحوار والحوار المعاكس، وبينما عبرت عن تمسكها بالحفاظ على المبادئ الوطنية ووحدة البلاد، شكّكت بالمقابل في «نوايا الأشخاص الذين قادوا حملة الانتقادات التي طالت الإدارة»، والتي تهدف حسب نص البيان إلى «الزج بالولاية في انزلاقات خطيرة، من خلال محاولة منع المحاضرة بالقوة المادية والجسدية وهو ما كان سيؤدي إلى اصطدام بين الطلبة ورجال الأمن، من أجل الزج بمنطقة القبائل مرة أخرى في رواق الدم والنار».

وفي الوقت الذي تمسكت فيه وزارة التعليم العالي، بمنع إلقاء محاضرات في الحرم الجامعي حول الحراك الشعبي، راوغ مهني، ولجأ إلى تقنية الفيديو، مكررًا شعاراته بأن «القبائل ليست جزائرية، والجزائر ليست أمة، بل صناعة استعمارية». ودعا إلى إنهاء ما سماه الاحتلال الجزائري لمنطقة القبائل، في تحد كبير للسلطات والوحدة الوطنية، وبررت الوزارة فشلها بأن تنظيم المحاضرة جاء من قبل الطلاب المحسوبين على المنظمة الانفصالية «الماك»، وليس من قبل الجامعة، وأن هؤلاء الطلاب وحدهم هم من قاموا بفتح المدرج وإقامة المحاضرة.

تنظيم المحاضرة أثار ردود فعل واسعة، وفي بيان له تسلمت «المجلة» نسخة منه، عبّر الاتحاد الوطني للدكاترة والباحثيين الجزائرين عن استنكاره الشديد ورفضه المطلق لما شهدته جامعة مولود معمري بمدينة تيزي وزو، باستضافتها لمحاضرة عن بعد بتقنيةéo conférence) vid) للمدعو فرحات مهني زعيم الحركة الانفصالية تحت عنوان الكفاح القبائلي ضد الاحتلال الجزائري، واعتبر الاتحاد أن «الذي حدث يعد انزلاقا خطيرا وغير مسبوق في حق الوحدة الوطنية، واستفزازا لمشاعر الشعب الجزائري الواحد الموحد، لم تشهده الجامعة الجزائرية من قبل»، وحمل الاتحاد «مسؤولية ذلك لمسؤولي الجامعة والوزارة الوصية التي تغط في سباتها العميق، رغم المشاكل الكارثية التي يعاني منها القطاع».

ودعا الاتحاد الوطني للدكاترة والباحثيين السلطات العليا في البلاد للتحرك السريع لمنع وإيقاف كل المحاولات التي «تهدد المساس بوحدة الجزائر وترابها، ومحاسبة كل المسؤولين المتواطئين في مثل هذه المهازل»، كما دعا إلى «اليقظة والتكفل السريع بالمطالب الشعبية الملحة وفتح باب الحوار أمام المواطن لتمكينه من التعبير عن رأيه وانشغالاته بالطرق الشرعية والمشروعة».

البروفسور وخبير علم الاجتماع يوسف حنطابلي اعتبر محاضرة فرحات مهني «خروجا صريحا عن مهام الجامعة التي تحولت إلى منبر عرقي جهوي انفصالي، واستعمال مؤسسات الدولة لصالح أعداء الشعب الجزائري»، واعتبر أن «كل من شارك في هذه المحاضرة خائن للوطن».

الدكتور والخبير الاقتصادي سليمان ناصر، وفي منشور له عبر صفحته الرسمية في موقع التواصل الاجتماعي ذكر بحادثة الكاتب الإيراني سلمان رشدي مؤلف كتاب «آيات شيطانية»، وهي الحادثة التي أثارت آنذاك عاصفة من الغضب. يقول ناصر «في الثمانينات من القرن الماضي، كان هناك كاتب إيراني اسمه سلمان رشدي ألف كتاب عنوانه (آيات شيطانية)، فقامت قيامة المسلمين في شتى بقاع العالم ولم تقعد، حتى إن الخميني أهدر دمه».

ويتابع: «أتذكر يومها أن التلفزيون الجزائري أجرى حوارا مع سفير مصر بالجزائر الدكتور حسين أحمد أمين، نجل الأديب المصري المعروف أحمد أمين، حول هذا الكتاب فأجاب: أنتم بهذه الضجة أيها المسلمون تروجون لكتاب تحاربونه ليحقق أعلى رقم من المبيعات، وتعطون هذا الشخص كل هذا الاهتمام ليصبح مشهورًا وهو لا يستحق».

هذا الكلام الذي وصفه ناصر بـ«الحكيم» رآه ينطبق اليوم على من وصفه بـ«التافه» الانفصالي فرحات مهني، الذي بدأ حياته حسب ناصر بـ«الغناء ففشل فيه ولم يسمعه أحد، وهاهو يحاول نيل الشهرة الآن بهذه الخرجات: التطاول على الوحدة الوطنية، وزيارة إسرائيل، وتنصيب نفسه كرئيس لحكومة انفصالية غير موجودة إلا في ذهنه... إلخ».

وفي تقدير ناصر، فإن «التعامل مع مهني يكون على مستويين مختلفين: شعبي ورسمي. فأما التعامل الشعبي فيكون بتجاهل هذا الشخص وعدم إعطائه شهرة لا يستحقها، فالجزائريون موحدون رغم الشواذ من أمثال هذا الشخص، كما أنه لا يمثل منطقة القبائل التي جاهدت لتكون الجزائرة واحدة وموحدة، وأنجبت في سبيل ذلك مجاهدين أسودا، من أمثال العقيد عميروش الذي أرعب الجيش الفرنسي حيًا وميتًا، وكريم بلقاسم وعبان رمضان وحسين آيت أحمد».

وأما التعامل الرسمي، فيقول إنه «رأى فيه تراخيا وترددا غير مبرر، لأن هذه السلطة التي سمحت بالأمس بإنزال العلم الجزائري ودوسه بالأقدام من طرف شرذمة لا تمثل تلك المنطقة، هي نفسها التي سكتت الآن عن بث هذه المحاضرة الداعية إلى هدم الوطن وتفريق الشعب الجزائري في جامعة حكومية يُفترض فيها أن تكون منبرًا للعلم وبث الوعي والحفاظ على الوحدة الوطنية، فنرجو ممن بيده القرار التحرك قبل فوات الأوان».

أما البروفسور والمختص في التاريخ رابح لونيسي فيعتقد أن «الحراك الشعبي ومنذ بدايته غيب كل الذين يستخدمهم النظام لتقسيم الجزائريين وتوجيه أنظارهم عنه، ويأتي على رأسهم حركة الماك الانفصالية والجماعات الإرهابية».

وتساءل لونيسي بقوله «هل تساءل المواطن ما الهدف من منع هذا النظام محاضرة لبوشاشي في وهران، لكن في نفس الوقت يأمر بإلقاء محاضرة لفرحات مهني بجامعة تيزي وزو بحضور أناس أغلبهم لا نعرف من أين أتوا؟ هل نسي المواطن أن النظام وفرحات مهني كلاهما عملاء لفرنسا؟ وبالتالي هناك عملية خبيثة لإنقاذ النظام برعاية فرنسية».

أما المؤرخ والقيادي السابق في «جبهة القوى الاشتراكية» محند أرزقي فرّاد فقد ندد واستنكر في حديثه لـ«المجلة» «إعطاء وتمكين فرحات مهني من منبر جامعة تيزي وزو». وتساءل فرّاد باستغراب: «لماذا منع بواشي من منبر البليدة، ومنع من إلقاء محاضرة في وهران، في حين يُمكّن فرحات مهني من جامعة تيزي وزو». وعبر عن تخوفه من إمكانية وجود ما سماه «المؤامرة» هدفها تكسير الثورة السلمية من خلال إحياء النعرات الجهوية والعرقية، لذلك شدد على «ضرورة فتح تحقيق من أجل تحديد المسؤوليات» في هذا التجاوز الذي وصفه بـ«الخطير».

وعن امتلاك مهني لقواعد نضالية بين الأمازيغ بشكل يهدد فعلا الوحدة الوطنية للجزائريين، أكد فرّاد أن «فرحات لا علاقة له بالأمازيغ»، وأن «الفكر الانفصالي مرفوض بين الأمازيغ». واعتبر أن «تصريحات الأخير تتماهي مع أهداف أعداء الثورة والحراك السلمي من خلال استهداف وحدة الشعب الجزائري عن طريق إثارة هذه النعرات، أحيانا بالعصبية الدينية وأحيانا أخرى بالعصبية الجهوية».

المخاوف والاتهامات السابقة اعتبرها الناشط السياسي عبان مزيان مجرد افتراء، وفي مقابله له مع منصة أصوات مغاربية رد عن الاتهامات التي توجه لحركة «الماك» بشأن سعيها لـ«تقسيم» منطقة القبائل عن الجزائر بقوله «هذا غير صحيح، النظام هو الذي يقف وراء هذه الاتهامات، وقد سبق واتُّهمت الحركة بالعمالة للخارج وتلقي أموال من جهات أجنبية لتقسيم البلاد وإحداث الفوضى».

وأضاف موضحا: «ماك تطالب بحكم ذاتي لمنطقة القبائل ولمناطق كثيرة في البلاد، وسنبقى ضمن الوطن الأم الجزائر، الحكم الذاتي لا يعني التقسيم أبدا، لاحظوا الصين مثلا، لديها خمسة أقاليم تتمتع بحكم ذاتي وليست هناك أي مشاكل فيها، هدفنا هو عدم مركزة السلطة في يد النظام بل تقسيم السلطة وتوزيعها على كل مناطق الوطن».

وأوضح مزيان أن «الحركة باتت تحشد الشارع وأنصارها في تزايد»، مؤكدا أن «عدد المشاركين في احتفاليات الربيع الأمازيغي الفارطة (20 أبريل/ نيسان)، بلغ 15 ألفا، بعدما كانت الحركة تضم المئات فقط في صفوفها».

font change