فكرة «التيفو»... رسوم كاريكاتيرية عملاقة تلخص مطالب الجزائريين

شباب «البرج» يصنعون الاستثناء في حَرَاك الجزائر

فكرة «التيفو»... رسوم كاريكاتيرية عملاقة تلخص مطالب الجزائريين



* قوبلت فكرة «التيفو» بترحيب واسع من طرف الجزائريين الذين بادروا باستنساخ التجربة في عدة محافظات أخرى أبرزها البويرة، والمسيلة، وغيرهما
 

الجزائر: منذ بداية الحَرَاك الشعبي الجزائري في 22 فبراير (شباط) الماضي، نجح المتظاهرون في العاصمة الجزائر في لفت الانتباه داخليا وخارجيا، بصناعة لوحات جمالية غير مسبوقة للتظاهر السلمي المتحضر.

وعلى مدار أسابيع، ظلت الأعناق مشرئبة صوب العاصمة لمتابعة أخبار الحشود البشرية الهائلة التي تطالب برحيل الرئيس الأسبق عبد العزيز بوتفليقة وكل رموز نظامه، لكن الحال لم يظل كذلك، فرغم استمرار الزخم الكبير لمسيرات العاصمة، إلا أن محافظة «برج بوعريريج» 400 كلم شرق عاصمة البلاد، تمكنت من تغيير اتجاه البوصلة، ونجحت في أن تتحول إلى محط أنظار المهتمين بأخبار الحَرَاك من داخل وخارج البلاد، والسبب في ذلك هو الأساليب التعبيرية المبتكرة للشباب البرايجي منذ الأسبوع الثالث للحراك.

فكرة «التيفو» أو اللافتة العملاقة، هي الفكرة المبتكرة التي تمكن من خلالها شباب البرج أو من يطلق عليهم «أولاد الجباس» وهو أحد أقدم أحياء هذه المحافظة الهادئة، من صناعة الفارق، وتتلخص فكرة «التيفو» في رسم لافتة عملاقة تتضمن رسوماً كاريكاتيرية وشعارات تلخص مطالب الجزائريين.

عبد المجيد سليني هو أحد أبرز الشباب الناشط، وهو شاب طموح يتحدث بحرقة عن وطنه الذي يشهد مخاضاً عسيراً من أجل التحول الديمقراطي، ويتحدث لـ«المجلة» وكله أمل في أن تتحسن أوضاع بلاده نحو الأحسن، كيف وهو الشاب الذي حظي بفرص للهجرة خارج البلاد، إلا أنه تشبث بوطنه على أمل أن يحظى فيه بمستقبل أكثر إشراقا وأملا، يقول مجيد وهو رسّام تشكيلي إن «فكرة التيفو جاءت بعد تجربته الواسعة في ملاعب الكرة، حيث كان يتصدى في مباريات الدوري المحلي لرسم لافتات عملاقة لمناصرة فريقه اتحاد البرج»، لذلك قرر هو ومجموعة من المشجعين لفريقه استغلال موهبتهم الفنية خدمة للحراك فجاءت فكرة «التيفو».

سليني يقول إن «فكرة التيفو أيضا كانت بسبب كون الحَرَاك دخل في الروتين، وبدأ يدخل مرحلة الملل، لذلك كان اللجوء والبحث عن أفكار إبداعية للتعبير عن مطالب الجزائريين أكثر من ضرورة لتبقى الهمم عالية، فجاءت فكرة التيفو العملاق».

ومع كل يوم جمعة يتوافد المتظاهرون أمام الساحة الرئيسية لمدينة برج بوعريرج، وهي الساحة التي يتواجد بها مبنى عملاق في طور الإنشاء يضم عدة طوابق أطلق عليه المتظاهرون اسم «قصر الشعب»، حيث يتوافد عليه الشباب ويقومون بإنزال التيفو من الطابق الأعلى أمام مرأى مئات الآلاف من المتظاهرين الذين ينتظرون لحظة إطلاق التيفو على أحر من الجمر، فالتيفو يلخص لهم خريطة الطريق للأسبوع المقبل، ويلخص أهم المطالب التي تم تجسيدها.

وعن فكرة الشعارات التي تكتب، وكيف يتم التحضير لها، يقول مجيد إنه «بعد كل جمعة يجتمع شباب البرج على مدار أيام الأسبوع لمتابعة آخر التطورات ومناقشتها، بعد ذلك يتم طرح عدة شعارات لتبادل الآراء بشأنها، ثم الاتفاق على شعارات محددة وفقاً لمطالب الجزائريين في كل محافظات البلاد».

 

عبد المجيد سليني

وقد لاقت فكرة التيفو ترحيبا واسعا من طرف الجزائريين الذين بادروا باستنساخ التجربة في عدة محافظات أخرى أبرزها البويرة، والمسيلة، وغيرهما.

فكرة «التيفو» ليست الفكرة الإبداعية الوحيدة لشباب البرج، فتحت شعار «من الحَرَاك السياسي إلى الحَرَاك الثقافي والاجتماعي» أعلن مجموعة من الشباب عن مبادرة جديدة أطلقوا عليها اسم «لجان السّعادة»، وأعلنوا عن إطلاق جلسات تبادل أفكار خلال السهرات الرمضانية قصد تأسيس لجان السّعادة على مستوى أحياء المدينة، تكون منسجمة مع روح المجتمع المدني الحقيقي والفعّال والمبادر.

وأبرز الروائي والقاص ومدير نشر «الجزائر تقرا» عبد الرزاق بوكبة، وهو أحد أبرز الشباب الذين يقفون خلف هذه المبادرة اللافتة، أن هذه اللجان تتولى عدة مسؤوليات أبرزها: تنظيف الحي وتزيينه وتشجيره، وبعث مبادرات ثقافية وفنية، ورعاية المواهب، وبرامج خاصة بالمسنين، وإصلاح مرافق الحي، ونشر ثقافة القراءة بزرع مكتبات صغيرة في البيوت والمقاهي وساحات الحي، وإحياء ثقافة زيارة القرية، والاعتناء بالأرض من جديد، وتنظيم مواعيد إخراج القمامة واستعمال علب تجميع كاتمة للروائح.

وإلى جانب ما سبق أوضح بوكبة لـ«المجلة» أن «اللجان ستتولى مسؤولية زرع ثقافة المبادرة بين السكان، والخروج من عقلية انتظار كل شيء من المؤسسات الحكومية، من خلال التفتّح على المؤسسات الخاصة لرعاية بعض المبادرات، التي تقتضي تمويلا. والتنسيق مع إمام الحي ليكون درس الجمعة منسجماً مع الحاجات الاجتماعية إلى إصلاح معين في التفكير والسلوك، مع عرض مبادرات ذات جدوى اجتماعية حقيقية، على لجنة المسجد لتمويلها من صندوق الزّكاة».

ومن مهام اللجان، حسب حديثه: «التنسيق مع إدارات المؤسسات التعليمية، التي يتعلم فيها أبناء الحي لبعث مبادرات ثقافية وتربوية، ولاحتضان جلسات حوار دورية بين الأسر والمعلمين والتلاميذ، واستقدام أطباء لنشر الثقافة الصّحية، واستقدام نفسانيين في مناسبات معيّنة مثل الامتحانات».

وكشف بوكبة عن «جائزة المواطن الصالح شهرياً، وتمنح وفق معايير تتعلق بحسن السلوك وروح المبادرة ونفع سكان الحي».

ومن الأفكار اللافتة العمل على تسويق منتجات المرأة الماكثة في البيت، بالتواصل مع الفضاءات التجاريّة المعنية في المدينة. مع تخصيص صندوق الدّيون، لدفعها عن أحد سكان الحي، أو اللجوء إلى الصندوق عند الحاجة القصوى، من غير فوائد. مع محاولة إحياء العادات الشعبية، في الختان والعرس والحلاقة الأولى للطفل والنفاس وما إليها، حسب خصوصية كل أسرة.

وأوضح بوكبة أن «اللجنة تؤمن بالاختلافات السياسية واللغوية والحزبية والمذهبية، بين سكان الحي، وتترك ذلك للخيارات والانتماءات الشخصية للمواطنين، وتنأى بنفسها في برامجها عمّا يفرّق ويثير الحساسية».

 

افطار جماعي

وفي الجمعة الـ12 من عمر الحراك الشعبي، وبعد اعتصام حاشد أمام قصر الشعب، اختتم المتظاهرون يومهم بإفطار جماعي ضخم شارك فيه نحو 1800 شخص قدموا من عدة محافظات للمشاركة في هذا العرس غير المسبوق، وقبل الإفطار تم ذبح ثلاثة عجول وتم توزيع لحومها على الفقراء والمحتاجين، وهي المبادرة التي لاقت استحسانا كبيرا، وطالب كثيرون بضرورة تعميمها لتمتين أواصر المحبة والتضامن بين الجزائريين.

font change