المرأة الحديدية للجزائر تواجه الإعدام بتهمة التآمر

المحكمة العسكرية ترفض الإفراج عن لويزة حنون

المرأة الحديدية للجزائر تواجه الإعدام بتهمة التآمر

* حزب العمال أطلق حملة سياسية للإفراج عن أمينته العامة، وطالب الحزب كل الفاعلين السياسيين من نقابيين وأحزاب ونواب برلمانيين بالتخندق في صف حنون
* رغم حملة التضامن مع حنون، فإن كثيرين طالبوا بترك العدالة تأخذ مجراها القانوني
* كثيرون يعتبرون حنون رمزاً من رموز النظام السابق، فهي عضوة في البرلمان منذ نحو عشرين عاماً، كما أنها لا تخفي علاقتها باللواء محمد مدين المتابع الأبرز في قضية استهداف المؤسسة العسكرية ومحاولة تشويهها
 

الجزائر: في خُطوة غير متوقعة، ومُفاجئة، أظهر التلفزيون الحكومي الجزائري في التاسعمن مايو (أيار)الماضي مشاهد لزعيمة «حزب العمال» التروتسكية لويزة حنون، وهي تمشي باتجاه مدخل المحكمة العسّكرية في مدينة البليدة غربي العاصمة الجزائر، ورغم أن المعلومات الأولية أشارت إلى أن حنون تم استدعاؤها كشاهدة في قضية اعتقال شقيق الرئيس الأسبق السعيد بوتفليقة، ورئيسي جهاز المخابرات سابقا: الفريق محمد مدين المشهور بالجنرال التوفيق، واللواء بشير طرطاق، غير أن الذي حدث بعد ذلك هو أن حنون تم الزّج بها في السجن المؤقت، بناء على أمر صدر من قاضي التحقيق بعد الاستماع لأقوالها.

وقبل ذلك، شهدت الجزائر قبل أسبوعين أحداثًا ساخنة، وغير مسبوقة، على وقع مشاهد محاكمة واعتقال شخصيات من الوزن الثقيل، أبرزهم شقيق الرئيس الأسبق السعيد بوتفليقة، ومعه رئيس جهاز المخابرات الأسبق محمد مدين وخلفه على نفس الجهاز عثمان طرطاق، ولطالما كان اعتقال هؤلاء ضمن المطالب الأساسية للحَرَاك الشعبي الذي انطلق في الثاني والعشرين من فبراير (شباط) الماضي، تحت شعار «يرُوحو قَاع» أي يرحلوا جميعًا، بداية بالرئيس الأسبق عبد العزيز بوتفليقة، ونهاية بجميع رموز نظامه، إلا أن استدعاء حنون واعتقالها بعد ذلك أثار الكثير من التساؤلات باعتبارها شخصية سياسية، وكانت تُحسب من المعارضة، وتدعم الحَرَاك الشعبي للجزائريين، وأثيرت علامات استفهام واسعة بشأن أسباب اعتقالها، والتهم التي ارتكبتها حتى تستدعى من طرف القضاء العسكري وليس القضاء المدني، وإيداعها السجن المدني بعد ذلك وبقرار عسكري، يعني حسب مراقبين أن التهم الموجهة للمرأة التي تسمى «المرأة الحديدية» هي تهم ثقيلة وخطيرة.

هذه التوقيفات تأتي في سياق الحملة التي أطلقها القضاء لمكافحة الفاسدين تطبيقًا لتوجيهات قيادة الأركان التي كشفت في بيانها الشهير الذي سبق استقالة بوتفليقة بيوم واحد عن وجود عصابة تقف وارء فساد كبير كانت له تداعيات كبيرة على اقتصاد البلاد، وأعلن البيان في ذلك الوقت أن تجمعات مشبوهة عقدت بمشاركة رئيس جهاز الاستخبارات الأسبق محمد مدين هدفها الإساءة للمؤسسة العسكرية، وتهديد استقرار البلاد، وتعهد البيان أن أسماء المشاركين في ذلك الاجتماع المشبوه سيتم الكشف عنها في الوقت المناسب.

وفي بيان أصدره محامي المتهمة لويزة حنون عقب اعتقالها بساعات كشف فيه عن بعض الجوانب الغامضة من قضية موكلته، حينما أكد مقران آيت العربي أن موكلته تواجه تهمتين الأولى «جريمة التآمر بهدف المساس بسلطة قائد تشكيلة عسكرية»، مؤكدا أن عقوبتها من خمس إلى عشر سنوات سجنا، والتهمة الثانية هي «التآمر لتغيير النظام» وعقوبتها منصوص عليها في المادة 77 من قانون العقوبات وهي الإعدام.

وقال آيت العربي في بيانه: «موكلتني السيدة لويزة حنون وكلتني للدفاع عن حقوقها أمام المحكمة العسكرية في البليدة، فوافقت، وبعد إتمام إجراءات التوكيل والحصول على رخصة الاتصال والاطلاع على الملف، قمت بزيارتها مع زملاء آخرين موكلين لنفس الغرض، ولاحظت أن معنوياتها عالية جدا».

وأوضح آيت العربي أنه وافق على الدفاع عن موكتله حنون فقط، وكمحام أكد أنه «يجد نفسه بين ضرورة المحافظة على سرّ التحقيق وحتميات حقوق الدفاع، وقصد التوفيق بين الحتميتين، ومعاملة وسائل الإعلام على قدم المساواة، وقصد تجنب التصريحات عن طريق الهاتف والتي يمكن تأويلها، ومن أجل العمل في وضح النهار، وفي إطار القانون، وأصول المهنة والمعاهدات الدولية التي صادقت عليها الجزائر»، أقدم البيان التالي- يقول آيت العربي: «علينا أن نفرق بين ما يمكن أن يؤثر على التحقيق من وقائع، والتي تبقى سرًا لغاية التصرف في القضية، وبين الإجراءات المتخذة ضد لويزة حنون والتهم الموجهة إليها»، وبالتالي «سأكتفي- يتابع آيت العربي- بالإجراءات دون الخوض في الموضوع».

وكشف المحامي أن «موكلته تم استدعاؤها كشاهدة في قضية سعيد بوتفليقة ومن معه، وأنها ذهبت للمحكمة العسكرية بإرادتها استجابة للاستدعاء، وتم السماع إلى أقوالها بهذه الصفة، وبعد ذلك وجه لها قاضي التحقيق التهمتين، وأمر بحبسها»، وكشف أنه «تم استئناف أمر الإيداع أمام غرفة الاتهام بمجلس الاستئناف العسكري بالبليدة الذي سينظر في هذا الاستئناف يوم 20 مايو الجاري»، مؤكدًا أنه «سيعود إلى هذه القضية بعد جلسة غرفة الاتهام المقبلة»، مضيفًا أنه «ليس له أحكام مسبقة بشأن القرار الذي سيصدر».

وكانت القيادية في حزب العمال الذي تترأسه حنون، الدكتورةناديةشويتم، قد قالت في بيان لها نشر عبر الصفحة الرسمية للحزب: «نُعلم الرأي العام أنه تقدم اليوم وفد مكون من أطباء معالجين للسيدة لويزة حنون للمحكمة العسكرية بالبليدة، بطلب الترخيص بزيارتها وهي في اليوم الخامس من الحبس المؤقت، رغم كل المحاولات والإلحاح والحجج الطبية لميُسمح لهم بزيارة مريضتهم وتم إخبارهم بأن هنا كأطباء مكلفين بالتكفل بالسجناء».

وحسب نص البلاغ، فإن طلب زيارة حنون لا يتعلّق بعدم الثقة في أطباء السجن، وإنما بعلاقة الأطباء المعالجين للويزة حنون كمريضة استنادا إلى ما ينص عليه قانون الصحة ومواثيق المنظمة العالمية للصحة وأخلاقيات مهنة الطب، وأكد البلاغ على أن طلب الزيارة «يدخل في إطار إنساني، خاصة أنها تمر بظروف استثنائية وعصيبة ونحن في شهر رمضان»، كما عبّر الوفد الطبي في نص البلاغ عن «قلقه ورغبته في الاستمرار بطلب الزيارة الطبية».

وفي تصريح له لموقع «كل شيء عن الجزائر» الناطق بالفرنسية، قال بوجمعة غشير وهو أحد أعضاء هيئة الدفاع عن حنون: «معنويات لويزة حنون مرتفعة، وهي متمسكة برفض كل التهم الموجهة إليها، فيما بات يُعرف بقضية توفيق، السعيد وطرطاق، لتقويض سلطة الجيش والتآمر ضد سلطة الدولة».

وأضاف المحامي، أن لقاء موكلته مع السعيد، تم بصفته مستشارا في رئاسة الجمهورية، وقبل استقالة شقيقه عبد العزيز بوتفليقة، من منصبه يوم الثاني من أبريل الماضي، ما يعني أن «اللقاء رسمي وعلني ولم يتم بصفة سرية للتخطيط لشيء ضد الوطن، كما أنها لا تملك أي سلطة لتنحية شخص معين من منصبه أو قيادة انقلاب ضده»، وفق تعبيره.

ويرى محامي دفاع لويزة حنون، أن «الأخيرة مسؤولة سياسية والتقت السعيد بطلب منه لاستشارتها في أوضاع البلاد، ولم ترتكب أي جريمة، منبهًا إلى أنه تم استدعاؤها إلى المحكمة العسكرية كشاهد، قبل أن تُوجّه لها التهم».

حزب العمال وفي مبادرة منه لإطلاق سراح أمينته العامة، أطلق حملة سياسية دعما لمطلب الإفراج عنها، وطالب الحزب كل الفاعلين السياسيين من نقابيين وأحزاب ونواب برلمانيين بالتخندق في صف حنون.

أمانة المكتب السياسي للحزب وفي اجتماعها الأربعاء، وصفت اعتقال حنون بـ«الاعتقال التعسفي»، معتبرة أن «هذه الخطوة جد خطيرة تفتح عهدا جديدا حمّالا لكل الانزلاقات والانحرافات». واعتبرت أن «الاتهامات الموجهة لحنون لا أساس لها من الصحة وأنها تجريم للعمل السياسي كما يشكل هذا الاعتقال هجمة شرسة ضد الديمقراطية والتعددية الحزبية وأغلبية الشعب الجزائري الذي يناضل دون هوادة منذ 22 فبراير (شباط) من أجل إرساء سيادته كاملة غير منقوصة». ورغم أن هيئة دفاع حنون تقدمت بطلب الإفراج المؤقت عنها، إلا أن المحكمة رفضت في قرارها الصادر بتاريخ 20 من الشهر الجاري طلب الإفراج.
 

رمضان تاعزيبت


 

وفي حديث خصّ به «المجلة» يرى القيادي في الحزب رمضان تاعزيبت أن قضية حنون هي «قضية سياسية بامتياز»، وبرأيه «لا يعقل أن يسجن مسؤول سياسي بقرار صادر عن المحكمة العسكرية، وخاصة أن هذا القرار صدر في عزّ الثورة الشعبية التي يسعى من خلالها الجزائريون إلى نقل البلاد إلى برّ الأمان، وإلى جمهورية الحريات والمساواة والقانون».

وجزم تاعزيبت أن «حنون اليوم في السجن المؤقت نتيجة موافقها وتصريحاتها السياسية الداعمة للحراك ولثورة الجزائريين وعدم الالتفاف عليها».

وعن تعليقه بخصوص التهم التي تواجهها حنون، قال تاعزيبت: «لا يمكنني أن أعلق على هذا الموضوع، لكن الذي أؤكده- يتابع- هو أنه لا يمكن لأي مؤسسة أو جهة أن تقيم نشاط أو مواقف حزب سياسي سوى الشعب وذلك الحزب من خلال مناضليه»، وبرأيه «لا يمكن سجن حنون السياسية بسبب لقاء»، لذلك يشدد على أن «حنون هي سجينة رأي سياسي لأنها صرحت ورافعت من أجل انتصار الثورة وعدم الالتفاف عليها»، واصفاً سجنها بـ«الخطوة الخطيرة التي تفتح الباب لأي انزلاقات»، واعتبر أن الأمر سابقة في الجزائر، فلأول مرة يقول: «منذ بداية التعددية السياسية بعد التسعينات يسجن سياسي بسبب موافقه».

وعن موقفه من حملة التضامن التي أطلقها الحزب، ومدى التجاوب معها، أكد تاعزيبت أن «الحملة كانت غير مسبوقة وحققت تأييداً واسعا»، وكشف أن «حنون جد سعيدة بعد أن بلغ مسامعها مدى التجاوب مع هذه الحملة، وحيت كل الضمائر الحية والأصوات الحرّة»، لأن وضع حنون في السجن على حد تعبيره الهدف منه «تخويف الناس وتهديد الديمقراطية».

وعن معنويات حنون بعد سجنها يؤكد تاعزيبت أن «معنوياتها جد مرتفعة»، وكشف أنه «في كل مرة تزورها عائلتها أو هيئة محاميها ينقلون عنها ذلك»، والسرّ في ذلك برأيه «أنها بريئة من التهم الموجهة إليها فهي لم تتورط ولن تتورط في أي أنشطة تمسّ بأمن واستقرار البلاد».

ورغم حملة التضامن مع حنون، فإن كثيرين طالبوا بترك العدالة تأخذ مجراها القانوني، وكثيرون يعتبرون حنون رمزا من رموز النظام السابق، فهي عضوة في البرلمان منذ نحو عشرين عاما، كما أنها لا تخفي علاقتها باللواء محمد مدين المتابع الأبرز في قضية استهداف المؤسسة العسكرية ومحاولة تشويهها، ويصفها كثيرون بـ«الديكتاتورية»، فهي لم تغادر منصب رئاسة حزبها منذ تأسيسه، كما تعرف حنون بولعها وتمسكها الشديد بفكرة المؤامرات الخارجية التي تستهدف الجزائر، وكثيرون أيضا يتهمونها بمساندة الحكومة في عدة قرارات كانت محل رفض شعبي واسع أشهرها تأييدها ومساندتها لخيار الحكومة في استخراج الغاز الصخري في الجنوب الجزائري، وهو الأمر الذي أثار سابقا عاصفة من الغضب الشعبي ترجم في مسيرات منددة ضخمة.

حنون اليسارية حَدّ التطرف برأي البعض، ولدت في السابع من أبريل (نيسان) عام 1954 في منطقة جبلية بمحافظة جيجل المدينة الساحلية الجميلة والهادئة، هي من أسرة متواضعة، انخرطت في السياسة مع نهاية السبعينات، وكان حضورها قويًا، ولافتًا لأن اشتغال المرأة بالسياسة في ذلك الوقت كان أمرا نادرا.

نشطت في مجال حقوق الإنسان، وكانت ناشطة وسياسية متمردة وجريئة، تعاطفت مع الإسلاميين المعتقلين ودافعت عنهم، خلال التسعينات حتى قال عنها الرجل الثاني في الحزب الإسلامي المحظور بالجزائر علي بلحاج «هي الرجل الوحيد في الجزائر» اعترافا بمواقفها الشجاعة وجرأتها النادرة، وبالمقابل لا تتوانى في المطالبة بقانون أسرة مدني ومعارضة قانون الأسرة الحالي الذي يستمد نصوصه من الشريعة الإسلامية.

دخولها السجن لم يكن سابقة في تاريخ نضالها السياسي الطويل، ولأنها تقحم نفسها في كل صغيرة وكبيرة، فدائما ما كانت تواجه الصعاب والمتاعب، في عام 1983زُج بها في السجن، رفقة نساء أخريات بتهمة المساس بالمصالح العليا للدولة والانتماء لتنظيم من المفسدين، ولم يصدر حكم ضد السجينة لويزة حنون ورفيقاتها إلى حين تم الإفراج عنها في شهر مايو من عام 1984. أي بعد قضاء ما يقارب الخمسة أشهر بالسجن.

خلال أحداث الخامس من أكتوبر (تشرين الأول) 1988، وهي الأحداث الدامية التي شهدتها الجزائر للمطالبة بالإصلاحات السياسية، كانت حنون في الصفوف الأولى للمتظاهرين، فألقت قوات الأمن القبض عليها رفقة جزائريين آخرين كثيرين، وتم اعتقالها لمدة ثلاثة أيام.

عام 1984 انضمت إلى منظمة المساواة بين الرجال والنساء التي كانت ترأسها آنذاك وزيرة الثقافة السابقة ورفيقة دربها خليدة تومي المعروفة باستماتتها في الدفاع عن حقوق المرأة.

في عام 2004 وبمناسبة انتخابات الرئاسة دخلت حنون التاريخ السياسي الجزائري من أوسع أبوابه، بعد أن تمكنت من جمع أكثر من 75 آلف توكيل من أجل الترشح لانتخابات الرئاسة، فكانت أول امرأة على مستوى العالم العربي تنافس على هذا المنصب، لكنها لم تتحصل إلا على 1 في المائة من مجموع أصوات الناخبين.

font change