لبنان: مبادرت إنسانية ترسخ طقوس شهر رمضان

مبادرات ومساعدات لإعانة المحتاجين في ظل الوضع الاقتصادي الصعب

لبنان: مبادرت إنسانية ترسخ طقوس شهر رمضان

* الظروف القاسية التي يمر بها اللبنانيون لم تؤثر على الأجواء الرمضانية ولم تفقد الشهر الكريم معناه الإنساني
* وجبات إفطار وسلال غذائية وكسوة للعيد وبرادات مجهزة بالأطعمة: مساهمات لجمعيات ومبادرات إنسانية لمساعدة الأيتام والفقراء والمحتاجين
* رئيس بلدية عنجر: مبادرة برادات الرحمة ليكون الطعام بمتناول الفقراء قبل أذان الإفطار وكي لا ينام أي إنسان جائعاً

بيروت: يحلّ شهر رمضان هذا العام على اللبنانيين وسط ظروف اقتصادية صعبة من جهة ومخاوف جدية تهددهم على مستويات عدّة من جهة أخرى، في ظلّ الحديث عن مخاوف أمنية جدية تهدد لبنان. إلا أن هذه الظروف لم تؤثر على الأجواء الرمضانية المعتادة في مختلف المناطق اللبنانية حيث عمّت الشوارع والأسواق والمقاهي والمطاعم الزينة الرمضانية ولافتات الاحتفاء بالشهر الفضيل.
المعاني الإنسانية لشهر رمضان لم تغب أيضا عن بال اللبنانيين حيث شهدت مختلف المناطق اللبنانية على مبادرات ومساعدات لإعانة المحتاجين في ظل الوضع الاقتصادي الصعب.
وتتواجد اليوم في لبنان عشرات الجمعيات والمنظمات الأهلية، إضافة إلى المبادرات الفردية والشبابية، التي تعمل خلال شهر رمضان على تعبئة حصص غذائية وتقديم مساعدات مادية وعينية للعائلات المحتاجة، لمساعدتها على تحمل نفقات شهر رمضان التي تفوق النفقات المعتادة في غيره من الأشهر. إلى ذلك اهتمت بعض الجمعيات بجمع مساعدات لتأمين «كسوة العيد» لأبناء هذه العائلات.


 
المبادرات الإنسانية في رمضان... إفطار خير ورحمة
للسنة التاسعة على التوالي، تساهم أربع شابات لبنانيات من صاحبات الأيادي البيضاء بنشاط إنساني تحت عنوان «إفطار خير ورحمة» خلال شهر رمضان، في بيروت، بالتعاون مع جمعية «Save the grace» حيث يعمل على تأمين إفطار رمضاني للأطفال الأيتام والمحتاجين.
ويوم السبت القادم الذي يصادف 25 مايو (أيار) سيكون هؤلاء الأطفال على موعد مع مبادرة «إفطار خير ورحمة» في حرش بيروت.
إحدى منظمات المبادرة، المهندسة هاجر العرب، قالت لمجلة «المجلة»، إن «هذه المبادرة بدأت منذ تسع سنوات ولا تزال مستمرة، مشيرة إلى أن العام الفائت استطاعوا تأمين وجبة الإفطار لـ120 طفلا إلا أن هذا العام انخفض العدد إلى مائة طفل».
وأوضحت العرب أن «هذه المبادرة قائمة أيضاً على مساهمات وتبرعات أصحاب الأيادي البيضاء لإدخال الفرح والبهجة إلى قلوب هؤلاء الأطفال». وأضافت أنه للعام الثاني على التوالي يقع اختيارنا على حرش بيروت كمكان لإقامة هذا النشاط الذي يتخلله إضافة إلى وجبة الإفطار، برنامج ترفيهي وتقديم هدايا وكوبونات شرائية لثياب العيد».


 
سوق ثياب العيد
هذه المبادرة بدأت من فكرة ابتكرتها الصحافية اللبنانية شيرين قباني تحت اسم «ثياب العيد»، ساعدت من خلالها الكثير من الفقراء والمحتاجين، على مدى ثلاثة أعوام، ولا تزال حتى اليوم.
وبالفعل طورت قباني فكرتها القائمة على تأمين كسوة العيد للعائلات والأطفال المحتاجين عبر افتتاح متجر في منطقة برج أبي حيدر في بيروت، أطلقت عليه اسم «ثياب العيد»، تستقبل فيه تبرّعات العائلات الميسورة من ثياب وأحذية وألعاب مستعملة وغيرها، حيث تعيد غسل وتنظيف هذه الثياب من أجل توزيعها للمحتاجين، واستقبالهم أيضا في المتجر لاختبار ما يلزمهم مجانًا، من دون أي مقابل مادي علماً بأن باب هذا المتجر يفتح أبوابه على مدار السنة وليس فقط في الأعياد.
ومؤخراً لم تقتصر المساعدات التي تقدمها قباني على الألبسة فحسب، إنما طورتها لتشمل توزيع طعام وحصص غذائية أيضًا.
وفي شهر رمضان، تعتزم بدورها على تنظيم معرض «سوق ثياب العيد المجاني» قبل نهاية الشهر الفضيل، في ملعب بيروت البلدي وذلك بالتعاون مع جمعية Beastوالنائبة رولا الطبش.
 
القرية الرمضانية في بيروت
تساهم «القرية الرمضانية ببيروت»، المقامة بعقار تابع لدار الفتوى وسط العاصمة اللبنانية بتقديم وجبات إفطار مجانية للصائمين المحتاجين، وتستقبل هذه القرية التضامنية، التي تشرف عليها مؤسسة للعمل الخيري بتعاون مع جمعيات المجتمع المدني يوميا ضمن خيمتها المخصصة لذلك نحو ألف صائم، وتوفر ما يقرب من 84 مائدة إفطار بأطباق متنوعة. ويتألف فريق عمل القرية من 190 متطوعا من جمعيات ومنظمات المجتمع المدني يعملون إلى جانب 150 متطوعا مستقلا من مختلف الأعمار.


 
برادات الرحمة
في سابقة هي الأولى من نوعها في البقاع، ومع بداية شهر رمضان المبارك، قامت بلدية مجدل عنجر بتوجيهات رئيسها سعيد ياسين، بحملة توزيع أكثر من خمسة برادات لحفظ الطعام في كافة أحياء بلدة مجدل عنجر بالقرب من مساجدها، تحت عنوان «برادات الرحمة»، لتكون بمتناول الفقراء قبل أذان الإفطار، وكي لا ينام إنسان جائع في ظل هذه الظروف الاقتصادية الصعبة.
رئيس بلدية مجدل عنجر، سعيد ياسين، قال لـ«المجلة» إن «هذه الفكرة جاءت في ظل الظروف المادية والمعيشية القاسية التي يعيشها عدد كبير من العائلات في مجدل عنجر وهي مساهمة منا كي لا ينام أي شخص جائعاً»، موضحاً أن «عدداً من العائلات تقوم بوضع الطعام الفائض قبل الإفطار أو بعده يوميا في البرادات لتكون بمتناول الجميع»، مؤكدا أن «هذه المساهمة ليست حكراً على اللبنانيين فحسب إنما أيضا يمكن للسوريين والمحتاجين من مختلف الجنسيات الاستفادة وأخذ ما يحتاجون من هذه البرادات».
وأشار ياسين إلى أنه «قام يتكليف عناصر من شرطة البلدية للقيام بجولة على البرادات عند الساعة الحادية عشر ليلا حرصا على أن تكون جميع المأكولات الموجودة فيها صالحة للأكل»، لافتا إلى أن «ثمة عددا من البلدات المجاورة حذت الحذو نفسه».
إلى ذلك، لفت ياسين أنه «نظرا لتدهور الأوضاع وعدد المحتاجين الكبير في المنطقة سوف نعمل على استمرار هذه المبادرة الخيرة إلى ما بعد شهر رمضان»، مؤكدا على أنه يتم التحضير لمشروع خيري على مستوى البقاع مع نهاية هذا الشهر.
وفي طرابلس قامت جمعية «Life goal» بالتعاون مع مجموعة من الشبان والشابات بتأمين حصص غذائية لـ66 عائلة لبنانية محتاجة في منطقة «طلعة الرفاعية» وهي من المناطق الفقيرة شمال لبنان، وقد تم جمع التبرعات والمساهمات لشراء المواد الغذائية الأساسية لهذه العائلات التي تعيش في وضع مالي صعب.


 
المشروع الإماراتي «لإفطار صائم» في لبنان
تحت عنوان «إفطار صائم»، تساهم دولة الإمارات بالقيام بمشروع إفطارات جماعية يومية في الملعب البلدي – بيروت للأيتام والأرامل وكبار السن، إلى جانب العائلات المحتاجة برعاية رئيس مجلس الوزراء سعد الحريري وبالشراكة مع جمعية «Beast» التي تتعامل مع مروحة كبيرة من الجمعيات والمنظمات والمؤسسات والجمعيات الأهلية والمجتمع المدني من أجل أن تكون موائد الرحمن عامرة بالخير والبركة ويجتمع حولها الناس من مختلف الطوائف والمناطق والجنسيات ليتشاركوا في هذا الشهر.
كما تنظم ملحقية «الشؤون الإنسانية والتنموية» إفطارات في مختلف المناطق اللبنانية بالتعاون مع هيئة الإغاثة والمساعدات الإنسانية بدار الإفتاء وعدة جهات لبنانية للأيتام والنازحين السوريين، إلى جانب توزيع السلال الغذائية والتمور في المناطق الأكثر حاجة ولا سيما الحدودية.
المسؤول في مكتب هيئة الإغاثة والمساعدات الإنسانية بدار الإفتاء في عرسال، علي الحجيري، تحدث لـ«المجلة» بأنه «تم تجهيز مطبخ يعمل فيه نحو أحد عشر موظفاً يقومون بإعداد وجبات الإفطار التي يتم توصيلها لمخيمات السوريين في عرسال حيث يتم توزيع الطعام على 500 عائلة ضمن مخيمات معينة على أن يتم تغيير الأسر المستفيدة من هذه المبادرة أسبوعيا كي يستفيد العدد الأكبر منها من هذه المساعدات وذلك بدعم ملحقية الشؤون الإنسانية والتنموية التابعة لدولة الإمارات».
 
صيدا
أما في صيدا، فتقوم جمعية «أهلنا» بمشروع خلال هذا الشهر تقدم فيه الإفطارات الرمضانية لنحو 850 عائلة، بالإضافة إلى توزيع وجبات سحور للعائلات وهدايا للأطفال، وأيضًا يتم توزيع حصص من اللحوم والدجاج على 203 عائلات وتوزيع 1567 حصة غذائية، عدا عن تأمين ملابس عيد الفطر لـ950 طفلاً... وتوزيع صدقة الفطر لـ92 عائلة، إضافة إلى توزيع عيديات لـ147 طفلاً يتيمًا وطفلاً من ذوي الاحتياجات الخاصة ولـ67 مسنًّا ومسنة.
صحيح أن التغيرات المجتمعية غيرت بعض ملامح شهر رمضان إذ بدلت بعض العادات والتقاليد وتحولت هذه المناسبة أحيانا أخرى لمناسبة استهلاكية من الدرجة الأولى حيث ينفق خلاله المواطن ما ينفقه خلال أشهر. إلا أنه رغم ذلك لا يزال هناك أصحاب قلوب نيرة وأياد بيضاء لم ينسوا المعاني الأساسية لهذا الشهر الفضيل التي تتجلى بالعطاء والإحساس بالفقير والجائع واليتيم فرمضان فرصة لاستعادة الإنسانية المفقودة فلو امتد شهر الرحمة والعطاء اثني عشر شهرا في السنة لما كان بيننا مسكين وجائع.

font change