الجوزية حلوى ارتبط اسمها بأعرق مدن الجزائر قسنطينة

الجزائريون يستعدون للعيد بحلويات تقليدية عريقة

الجوزية حلوى ارتبط اسمها بأعرق مدن الجزائر قسنطينة



الجزائر: مع حلول عيد الفطر السعيد، تحرص العائلات الجزائرية بالتحضير لهذه المناسبة الدينية بتحضير العديد من الحلويات التقليدية العريقة التي يزخز بها الموروث الثقافي الجزائري تبعا لكل منطقة، ففي قسنطينة عروس الشرق الجزائري تزخر بالعديد من الحلويات التقليدية التي توراثها القسنطينيون أبا عن جد، ومن أبرز حلوياتهم التراثية ما يسمى ب « الجُوزِية »  القسنطينة.
قسنطينة هي مدينة جزائرية، وثالث أكبر مدنها بعد كل من الجزائر العاصمة ووهران، تسمى مدينة « الجسور المعلقة »  وعاصمة الشرق الجزائري، وتعتبر من كبريات مدن الجزائر تعدادا ، يطلق عليها عدة تسميات منها مدينة « الصخر العتيق »  نسبة للصخر المبني فوقه  المدينة و« قيرتا »  هو اسمها الفينيقي ، وتمسى أيضا « أم الحواضر»  باعتبار أن قسنطينة من أقدم المدن في العالم وتعاقبت عليها عدة حضارات، وتعود جذورها حسب ما أكده الباحث في تاريخ المدينية مولود بن سعيد ل « المجلة » إلى أكثر من 3 الالف سنة ، تتميز المدينة القديمة بكونها مبنية على صخرة من الكلس الصلب، مما أعطاها منظراً فريداً ومبهراً.
للعبور من ضفة إلى أخرى شُيّد عبر العصور عدة جسور، فأصبحت قسنطينة تضم أكثر من 8 جسور بعضها تحطم لانعدام الترميم، وبعضها ما زال يصارع الزمن، لذا سميت قسنطينة مدينة الجسور المعلقة،. يمر وادي الرمال على مدينة قسنطينة القديمة وتعلوه الجسور على ارتفاعات تفوق 200 متر.
ولتاريخ الثقافي العريق والزاخر كانت مدينة قسنطينة عاصمة للثقافة العربية 2015 ، وقد انطلقت في أبريل/ نيسان 2015 واختتمت في 16 أبريل/نيسان 2016 عرفت فيها المدينة تنظيم عدة مهرجانات وتفاعلات من طرف الوفود العربية المشاركة ، أغلبها نظم بالتحفة المعمارية الجديدة قاعة أحمد باي ( زينيت قسنطينة).
وكجزء من هذا التاريخ يحافظ السيد عمر خلفة عن إرث والده وهو محل عريق بحي المنظر الجميل بوسطة المدينة، والذي يعود إلى أربعينيات القرن الماضي حيث أسس المحل الشهير في المدينة بمحل « الصيد » أو «  جوزية سيرتا »، والذي يستقطب على مدار العام زبائنه من مختلف المدن الجزائرية، بل وحتى أولئك الذين قدموا من خارج البلاد فهم يحرصون على زيارة المحل واقتناء حلوى الجوزية الأصيلة غير المقلدة.



« المجلة »  زارت المحل، والتقت بالسيد عمر (61 سنة) نجل الحاج رابح خلفة المعروف باسم «  الحاج الصيد»  ، وهو لقب ثوري أطلق عليه خلال فترة الستعمار الفرنسي للبلاد، ومعناه الأسد في اللهجة القسنطينية، عمر قصّ ل « المجلة »   حكاية ولوجه عالم صناعة حلوة الجوزية حينما أكد أنه ورث هذه الصناعة من والده الحاج الصيد، مؤكدا أن « الجوزية الأصلية لها تقاليد تميزها من عدة جوانب سواء المكونات أو طريقة الإعداد » ، وتأسف عن «  انتشار واسع للجوزية المقلدة في قسنطينة وغيرها من المناطق، حيث يتم الاعتماد في إعدادها على جوز ذو نوعية رديئة، مع الاعتماد على عسل السكر بدل العسل الحر، وهو ما يسيء إلى هذا التراث ويهدد الجوزية الأصلية في استمرارها لأن التقليدية ذات سعر أقل بكثير» .
السيد عمر أقر بأن صناعة هذا النوع من الحلوى ليس بالأمر الهين، فمدة تحضير نحو 30 كليوغرام منها يتطلب نحو عشر ساعات كاملة، كما أن طريقة تحضيرها صعبة، وتطلب صبرا وحبا كبيرا لهذه الحرفة، كما يعد اختيار المواد الأولية رهانا حقيقيا، لذا اختار التعاقد مع مربي نحل للحصول على العسل الصافي طيلة العام.
تصنع الجوزية بمزج السكر والعسل الطبيعي وبياض البيض مع قطع من الجوز، تفرش في الصواني وتُصفف لتصبح متجانسة، ثم تقطّع إلى مربّعات، يوضع الجوز في أعلاها ليشكل ما يشبه التاج، وقد أصبحت الآن تلف داخل قطع من السيلوفان للحفاظ على النكهة والطعم والليونة



السيد عمر يؤكد أن «  ما تركه الأجداد والآباء من وصايا لا يمكن الخوض فيها. فهي بمثابة قوانين ثابتة أدت لنجاح كبير، وكسب سمعة من ذهب» .
وأضاف عمر أن «  صناعة الجوزية لا يتقنها إلا عدد قليل من الأشخاص، خاصة بعد وفاة شريف بن توالى وبراشي ومتقر الذين تميزوا بالجودة » ، وقال إن «  جوزية الصيد الوحيدة التي حافظت على الذوق الأصلي لهذا المنتوج» .
الباحث في تاريخ المدينة مولد بن سعيد يشكف ل « المجلة »  أن أصل الجوزية يعود إلى الحقبة العثمانية، تم اختراعها داخل قصر « الباي أحمد » الذي كان حاكماً على قسنطينة من العام 1826 لغاية العام 1837.
ويكشف بن سعيد أن « طباخ القصر تمكن من صنع حلوى ذات تركيبة سرية أطلق عليها اسم اللوزية، لكنها في البداية كانت تصنع باللوز وليس الجوز، ولمذاقها الجميل طلب الباي أحمد من الطباخ عدم الإفشاء بسر الخلطة لعامة الشعب، لتكون مادة خاصة بمائدته فقط، وبقيت الخلطة سرّاً إلى ما بعد موت الباي بـ 163عاما تقريباً».  
الجوزية وعلى شهرتها ليس الحلوى الوحيدة التي تزين موائد الجزائريين في العيد ومختلف مواسم الأفراح والاحتفال، فهناك حلويات أخرى ليست أقل شهرة وليست أقل مذاقا، ومنها « المقروط »  الذي يسمى ب «  ملك الحلويات الجــزائرية »  وقد تربع على عرش الحلويات التقليدية منذ القدم، إذ لا يمكن أن تخلو منه أي صينية حلويات جزائرية، إنه سيدها وملكها المتوج.



المقروط له حضور منقطع النظير في كل بلدان المغرب العربي وخاصة الجزائر، يتمتع بمذاق لذيذ وشكل جميل يفتح الشهية إذ لا تخلو مناسبة من حضوره و لا سهرة سمر من وجوده، يحضر بالسميد والزبدة الذائبة وماء الزهر ويستعمل التمر للحشو، ثم يقلى في الزيت أو يطبخ في الفرن ويوضع في العسل بمحل في ماء الزهر، ويزين بالسمسم والمكسرات مما جعله يستقطب كل الزبائن ومن مختلف الفئات العمرية الذين أدمنوا عليه حيث أنه يجمع شمل العائلات أثناء العديد من المناسبات، إضافة لنكهته وذوقه اللذيذين يرفق بأكواب الشاي الساخن بالنعناع يزيده نكهة لا تضاهيها نكهة أخرى.
حلوى البقلاوة هي الأخرى باتت من الحلويات الأكثر شهرة بالجزائر بل في العالم أسره منذ عصور خلت، وتركت بصمتها عبر مختلف الأزمنة إلى يومنا هذا، وحافظت البقلاوة على مكانتها في أذواق الجزائريين وظلت من بين الأشهر الحلويات الأكثر رواجاً بالجزائر وفي كل الفصول ولا تمر المناسبات السعيدة كالختان أو الزفاف أو العيد أو نجاح دراسي، إلا وتجد هذا النوع من الحلوى يتصدر قائمة الحلويات تحضر بطبقات ورقية رقيقة من العجين و الجوز المفروم والعسل وماء الورد ومنها ما يحضر بالفستق بشكل رئيسي.
وتوجد بالجزائر العديد من أطباق حلوى البقلاوة وبمذاق مختلف حسب الأصناف التي أبدعت في صناعتها أنامل المرأة الجزائرية التي تمكنت من تطويرها بعد أن أدخلت عليها تغييرات وإضافات فأبدعت وتفننت فيها من حيث الأشكال والأحجام والأصناف ما جعل البقلاوة من أهم الأطباق المفضلة عند الجزائريين.
 

font change