توتر بين اللبنانيين والنازحين السوريين

على خلفية اتهامات بـ«العنصرية» وسوء المعاملة

توتر بين اللبنانيين والنازحين السوريين

* سلسلة إجراءات اتخذتها السلطات اللبنانية لتنظيم العمالة الأجنبية
* دعوات مشبوهة للإضراب تحت عنوان «سوريون فقدوا الحياة في لبنان»
* وزير العمل: نرفض الاتهامات بالإساءة للنازحين والإجراءات طالت المحال غير الشرعية والمقيمين بشكل غير قانوني بعد فترة سماح للنازحين لتسوية أوضاعهم
* مستشار رئيس الحكومة للشؤون الروسية: ثمة ضرورة للاستفادة من وجود الموفد الروسي للضغط على النظام في ملف العفو العام والتجنيد الإجباري وكذلك تسهيل عودة النازحين

بيروت: ثماني سنوات على الأزمة السورية... أرواح أُزهقت، وأحياء يعيشون على أنقاض الموتى، هي الأزمة التي أنهكت حتّى الحجر... مئات آلاف الضحايا والجرحى والمشتتين في أصقاع الأرض. ثماني سنوات كانت كفيلة بأن تطال شظايا هذه الحرب المنطقة بكاملها في كافة نواحي الحياة، ويعدّ لبنان المتضرر الأكبر من بين الدول المستضيفة نسبة لبنيانه الهش أصلا واستقباله 1.5 مليون نازح على أراضيه.
للأسف نجحت في لبنان المحاولات الشعبوية لبعض القوى السياسية في أن تخلق توترا بين اللبنانيين وأشقائهم السوريين وأن تصم الشعب اللبناني بـ«العنصرية» عبر صرف النظر عن جوهر أزمة النزوح في لبنان وطريقة معالجتها من جهة، وتحميل النازحين مسؤولية عدم وضع الدولة اللبنانية استراتيجية واضحة لإدارة ومعالجة الوجود السوري وتداعياته في لبنان من جهة ثانية.
في الواقع لا ينكر أحد أحقية مطالب اللبنانيين بتنظيم اليد العاملة وتنظيم سوق العمل تفاديا لحصول المضاربات والمنافسات لحماية العمالة الوطنية، لكن ممارسات بعض أفراد السلطة ساهمت بتجييش البعض ضد السوريين في لبنان، محملين إياهم مسؤولية تدحرج الوضع الاقتصادي في البلد والأزمات المتراكمة، أما فائض الـ«libanity» لدى وزير الخارجية والمغتربين في لبنان على حدّ وصفه، فقد وضع ما تبقى من لبنانيين على أرض الوطن ومن هاجر منهم بحثا عن لقمة عيش في مأزق، وذلك بعد تبريره أن خطاباته الشهيرة ليست موجهة فقط ضد السوريين إنما ضد كافة اليد العاملة الأجنبية في لبنان ومنها دول الخليج ودول أجنبية أخرى، ما كاد أن يخلق أزمة دبلوماسية بين لبنان وبين هذه الدول التي تحتضن مئات الآلاف من الشباب والعائلات اللبنانية.


 
دعوات للسوريين للإضراب في لبنان
من جهة ثانية، وفي خضم انكباب الوزارات المعنية لا سيما العمل والداخلية، على تنظيم العمالة السورية، وإقفال المحال التي يديرها سوريون خلافاً للقانون، خرجت دعوات من قبل جهات مجهولة عبر مواقع التواصل الاجتماعي تندد بالإجراءات اللبنانية وتدعو إلى الإضراب احتجاجا، فنشرت قبل أيام بعض الصفحات على مواقع التواصل بيانًا موقعًا باسم «سوريون فقدوا الحياة في لبنان»، يدعون من خلالها إلى المشاركة في إضراب أطلقوا عليه اسم «إضراب الكرامة»، بسبب ما اعتبروه «الإجراءات القاسية من قبل الحكومة اللبنانية بحق النازحين، وبسبب عنصرية الشعب اللبناني في التعامل مع الشعب السوري»..
والبيان الذي لم تتبنه جهة معروفة حتى الآن، ولم تُعرف بعد الجهة التي تقف وراءه، يطالب السوريين الموجودين في لبنان بالمشاركة في الإضراب ومقاطعة القطاعات الاقتصادية اللبنانية لمدة ثلاثة أيام، ما أثار جدلا واسعا حول هذه الدعوات ما بين تأييدها وانتقادها.
كما أن اللافت أن هذه الدعوات في لبنان أتت عشية وصول المبعوث الرئاسي الروسي لسوريا ألكسندر لافرنتييف ونائب وزير الخارجية سيرغي فرشينين إلى بيروت يوم الثلاثاء الفائت، في زيارة استمرت يومين هدفها الرئيسي البحث في ملف إعادة النازحين السوريين.
 
إجراءات حكومية بحق النازحين السوريين
تصاعدت حدّة التوترات في لبنان بين اللبنانيين والسوريين بعد سلسلة إجراءات اعتمدتها الأجهزة المعنية منها هدم الأبنية الإسمنتية في المخيمات الأسبوع الماضي (علما بأن المجلس الأعلى للدفاع أمهل النازحين لمدة زمنية لاستبدال الأسقف الإسمنتية بأخرى من قماش، خشية فرض التوطين على أن يسمح لهم ببناء خمسة مداميك بارتفاع متر واحد لحمايتهم من الثلوج والشتاء والشمس) إلا أن هدم هذه الأبنية أثار موجة غضب لدى النازحين السوريين وبعض اللبنانيين.
كما ساهم أيضًا مقطع فيديو لمناصري «التيار الوطني الحر» يدعو لإخراج السوريين من لبنان تم تداوله على منصات وسائل التواصل إلى إثارة التشنجات بين بعض اللبنانيين والسوريين حيث يظهر المقطع المتداول وقفة احتجاجية أمام محل للمأكولات السورية، هتف خلاله المتظاهرون بشعارات تطالب بخروج السوريين من لبنان.
في حين أعاد وزير الخارجية اللبناني جبران باسيل نشر محتوى هذا الفيديو على صفحته الرسمية على موقع «تويتر»، وعلّق عليه بأن «تجربة اللاجئ الفلسطيني لن تتكرر مع النازح السوري الممنوع من العودة حتى الآن من عدة أطراف بسبب عدة عوامل».
وأضاف باسيل: «كل من يتحدث عن عودة النازحين ليس عنصريًّا ولا فاشيا، ومن يتهمنا بالعنصرية إما أنه مستفيد أو متآمر، ولا يمكن أن نقبل أن يُحرم اللبناني من عمله وأن يعمل السوري خلافًا للقانون».
هذه الأحداث الأخيرة فيما يتعلّق بملف النازحين أثارت امتعاض النازحين السوريين والجمعيات الإنسانية والحقوقية في لبنان التي تحركت ونظمت وقفات احتجاجية عدّة تنديدا لبعض الممارسات العنصرية تجاه النازحين، إلا أن الدعوة الأخيرة دارت حولها الشبهات لا سيما أن الجهة التي دعت إليها غير معلنة، وهو ما دفع البعض للتساؤل عن حقيقة دعوة الإضراب هذه وما إن كانت من قبل سوريين مقيمين في لبنان بالفعل، أم إن هناك بعض الأطراف تقف خلفها محذرين من الفتنة نتيجة انتشار مثل هذه الدعوات.


 
حقيقة دعوات الإضراب
مدير الأبحاث في معهد عصام فارس للسياسات العامة والشؤون الدولية، الدكتور ناصر ياسين، رأى أن هذه الدعوة تدعو للشك لا سيما أن الجهات التي دعت لها مجهولة مع العلم أنه تم تنفيذ تحركات الأسبوع الفائت تضامنا مع النازحين وكان أغلب المحتجين لبنانيين وإعلاميين وباحثين والمجتمع السوري أيضا كان مشاركا ومرحبا، إلا أن هذه الدعوة غريبة في لهجتها وتبدو كأنها تهدف لخلق المزيد من التوترات.
وأشار ياسين إلى أنه «منذ فترة نرى استراتيجية تظهر عناوينها التشدد تجاه السوريين وممارسة الضغط عليهم أكثر وأكثر في لبنان لدفعهم إلى العودة بطريقة تبدو وكأنها طوعية، في حين أنها على العكس من ذلك، كما أن جزءا منها هدم بعض الأبنية الإسمنتية في بعض المخيمات والتشديد على مصالح السوريين وإقامات العمال السوريين، وكذلك الضغط على الجمعيات التي يعمل فيها سوريون أو المعنية برعاية النازحين»، 
ولفت ياسين إلى أن «مخاوف السوريين بعدم العودة إلى بلدهم هي أكبر من الهاجس اللبناني حيال التوطين، لا سيما أن الأغلبية الساحقة من السوريين يريدون العودة نظرا لصعوبة ظروفهم الحياتية في لبنان ولكن الأوضاع في سوريا لا تزال غير حاضرة من حيث الشق الأمني وإعادة الإعمار».
كما تساءل ياسين: «حتّى لو مورست شتّى أنواع الضغوطات على النازحين للعودة إلى بلادهم ما الذي يمكن فعله في حال عدم موافقة النظام السوري على عودتهم إلى سوريا؟».
وحول محاولات الجهات المعنية تنظيم سوق العمل، مقابل اتهامها بممارسة الضغوطات على النازحين، قال ياسين إن «سوق العمل في لبنان بشكل عام غير منظمة ولا أحد يرفض التنظيم فمن حق الدولة تطبيق القانون وتنظيم القطاعات الاقتصادية ولكن يجب أن يتم بطريقة هادئة وضمن مهل زمنية معينة لتصحيح أوضاعهم على أن تتم المحاسبة بعد تلك المدة»، مشيرا إلى أنه «يجب عدم تحويل هذه الأجراءات كعملية ممنهجة ضدّ فئة معينة».
كما أوضح ياسين أن «الخلاف يتمحور حول الأسلوب والهدف من هذه الإجراءات، إذ لا يبدو أن الهدف منها التنظيم، إنما خلق رأي عام مناهض للنازحين وإقناع اللبنانيين أن الأزمة الاقتصادية والمعيشية هي بسبب محال ومصالح السوريين في لبنان»، وتابع: «هذا الرأي العام يغذيه بعض المسؤولين الشعبويين غير المسؤولين».
 
وزارة العمل اللبنانية
وزير العمل اللبناني كميل أبو سليمان، أكّد في حديثة لـ«المجلة» على أن الإجراءات التي تتخذها وزارته غير عنصرية إنما هي محاولة لمعالجة مسألة العمالة الأجنبية بطريقة علمية عبر وضع حد للمحال التجارية غير المرخصة وكذلك منع أصحاب العمل من توظيف المقيمين غير الشرعيين»، مؤكدا على أن «هذا لا يعني منع الإخوان السوريين من العمل إنما المقصود أن يكون وجودهم في لبنان شرعيا».
كما شدّد أبو سليمان على أن «وزارة العمل مرنة بإعطاء إجازات العمل للنازحين السوريين شرط توفُر الشروط القانونية»، رافضا الاتهامات الموجهة لوزارة العمل بالإساءة في التعامل مع السوريين، وأكد سليمان «على العكس نحن نتعاطى بإنسانية وبهدوء لحل هذا الملف عدا عن أن هذه الإجراءات اتخذت بعد فترة سماح أمهلتها الوزارة للنازحين لتسوية أوضاعهم»، وتابع: «ليس الهدف إلحاق الضرر بمصالح السوريين أو إغلاقها إنما دفعهم إلى شرعنة أوضاعهم».
هذا ورأى أبو سليمان أن الدعوات للإضراب من شأنها مضاعفة التشنجات بين اللبنانيين والنازحين، مشيرا إلى أن «لبنان يتحمل عبئا كبيرا جراء النزوح السوري نظرا لأن أعداد النازحين أصبحت تتخطى ثلث سكان لبنان ما خلّف تداعيات اقتصادية واجتماعية قوية يجب التعامل معها بهدوء»، لافتا إلى أنه «حتى لو كانت هناك بعض التجاوزات في التعاطي إلا أنني لا أؤيد أي ردود فعل من شأنها زيادة التشنجات».
وعن زيارة الموفد الروسي إلى لبنان، قال سليمان: «نحن كقوات لبنانية نؤيد المبادرة الروسية في هذا الملف ونؤيد جميع الإجراءات التي من شأنها تأمين عودة آمنة للنازحين إلى بلادهم بأسرع وقت، وبما أن سوريا لديها تأثير على النظام ولديها وجود في سوريا نؤيد مبادرتها كونها قادرة على التوصل إلى نتيجة في هذا الملف».


 
أحياء المبادرة الروسية لإعادة السوريين
فيما وجّه الموفد الروسي لرئيس الجمهورية اللبناني ميشال عون الأربعاء الفائت دعوة لحضور لبنان الاجتماع المقبل لمسار آستانه التفاوضي للحل السياسي في سوريا، إلا أن البعض رأى بزيارة الموفد الروسي إلى بيروت إحياء دور موسكو بإعادة النازحين السوريين إلى بلدهم والتوسط لدى النظام السوري لتسهيل هذا الأمر. فهل وضعت المبادرة الروسية على النار مجددا؟
مستشار رئيس الحكومة اللبنانية للشؤون الروسية، جورج شعبان، قال لـ«المجلة» إن «زيارة الموفد الروسي إلى لبنان هدفها الرئيسي تفعيل المبادرة الروسية فيما يتعلق بإعادة النازحين إلى بلدهم من جهة، ودعوة لبنان إلى مؤتمر آستانه كعضو مراقب الشهر القادم، حيث سيتم البحث بأزمة النزوح بحضور وفدي النظام والمعارضة السورية، إضافة إلى تركيا، وإيران، والأمم المتحدة».
كما أشار شعبان إلى أنه «في الزيارة تم البحث في سبل تفعيل المبادرة الروسية لعودة النازحين كما بحثت الأزمة السورية والوضع في المنطقة بشكل عام».
هذا وأكّد شعبان أن ثمة معطيات جديدة فيما يتعلق بملف النازحين يتم بحثها، وتابع قائلا: «لا أظن أن هناك تجاوبا من قبل النظام السوري حتى الآن لحل هذا الملف، مشيرا إلى ضرورة الاستفادة من وجود الموفد الروسي للضغط على النظام في ملف العفو العام والتجنيد الإجباري وكذلك تسهيل عودة النازحين».
هذا ورأت مصادر مطلعة لـ«المجلة» أن المبادرة الروسية في روحيتها بنيت على أساس جمع التمويل لإعادة الإعمار على أن يتم بعد هذه الخطوة إعادة النازحين، لكن الدول المانحة من دول الخليج وأوروبا وأميركا لا تزال غير مقتنعة باستثمار أموالها بوجود هذا النظام»، وتابعت المصادر: «لن تصبح هناك عودة قبل أن تتم عملية الإعمار ولن يصبح هناك إعمار قبل أن تتم مصالحات مبنية على تغيير أو تعديل سياسي في سوريا». ورأت المصادر أن إعادة إحياء المبادرة الروسية هي محاولة التذكير بها لتخفيف الضغط عن الحكومة اللبنانية مع وجود مبادرة لحل مسألة النزوح».
وما يمكن قوله إن هذه الحملة الشعبوية التي تشنها إحدى القوى السياسية على اللاجئين السوريين في لبنان، ساهمت بتضييع البوصلة والإساءة للبنانيين قبل السوريين، خصوصا أن مثل هذه المطالب المحقة التي تتمحور حول حماية العمالة الوطنية، لا يمكن معالجتها بهذا الأسلوب نظرا لما يمكن أن تنتجه من فعل وردود فعل لدى الجهتين، وأولى ردود الفعل الدعوات من فئات مجهولة للإضراب، وهو ما يمكن أن يزيد التوتر الحاصل في لبنان.

font change