برنامج إيران النووي يعزز سباق التسلّح في الشرق الأوسط

برنامج إيران النووي يعزز سباق التسلّح في الشرق الأوسط

[caption id="attachment_55234561" align="aligncenter" width="620" caption="ايران نووية بمباركة دينية"]ايران نووية بمباركة دينية[/caption]

في الوقت الذي أصبحت فيه الحرب الكلامية بين إيران والولايات المتحدة - وبالضرورة إسرائيل - أكثر سخونة، يوشك مؤتمر دولي يستهدف إقامة مناطق خالية من أسلحة الدمار الشامل في الشرق الأوسط على الانعقاد. ولابد من الإشارة إلى أن هذا الهدف يعد طموحا للغاية، أخذا في الاعتبار تردد آية الله خامنئي في الدخول في المفاوضات.

من المقرر عقد مؤتمر دولي خلال العام الحالي في فنلندا حول إخلاء منطقة الشرق الأوسط من القنبلة النووية وغيرها من أسلحة الدمار الشامل. ولكن حلم وجود شرق أوسط خالٍ من أسلحة الدمار الشامل يتراجع سريعا، حيث لم تحاول كل من السعودية والإمارات الحصول على المزيد من الأسلحة وتجهيز نفسيهما بتكنولوجيا عسكرية معاصرة فقط، ولكنهما تبرران كذلك فكرة إنشاء برنامج نووي. فيما تسير بعض دول المنطقة - بما فيها تركيا - على المسار نفسه.

ويظل الأمل الوحيد لتحقيق شرق أوسط خالٍ من السلاح النووي متوقفا على منع إيران من الحصول على الإمكانات النووية. وفيما تبرر إسرائيل امتلاكها السلاح النووي أساسا بزعم أنها ضرورة لحماية دولة محاطة بأعدائها، فإن مساعي إيران للحصول على تلك الإمكانات تظل غير مبررة في عيون الغرب وجيرانها الذين جعلوا التخلص من طموحات إيران النووية أولوية قصوى لهم. ومن دون الجهود الحثيثة للسعودية ودول الخليج في تعزيز العقوبات على إيران، لن تصبح الجمهورية الإسلامية منعزلة اقتصاديا وسياسيا كما هي اليوم. وفي ظل تصاعد العقوبات خلال العام الحالي، أعلنت السعودية وغيرها من دول الخليج أنها مستعدة لتعويض خسائر الأسواق الأوروبية من النفط الإيراني عبر تغطية العجز ومن ثم تمهيد الطريق لعزلة إيرانية طويلة.
ومن جهة أخرى، فإن الجمهورية الإسلامية لديها العديد من الأسباب لكي تسعى للحصول على السلاح النووي. حيث يؤمن المرشد الأعلى، آية الله علي خامنئي، بأن الهدف الرئيس للغرب من الضغط على إيران للتخلص من برنامجها النووي ليس هو إنهاء البرنامج في حد ذاته ولكن إسقاط النظام.

وبالنسبة له، فإن الجمهورية الإسلامية والغرب يقعان تماما على طرفي نقيض. حيث يعتقد خامنئي أن إيران أصبحت، بعد انهيار الشيوعية في العالم، تمثل القطب الجديد - الإسلام السياسي - الذي يمكنه معادلة القطب الآخر، أي الغرب. وفي رؤيته المانوية، سوف تستمر المعركة بين الخير والشر حتى ينتصر الخير. وبالتالي فإن أي تسوية مع الغرب أو تطبيع للعلاقات يتناقض مع طبيعة الجمهورية الإسلامية.



وبالنسبة للمرشد الأعلى في إيران، فإن السيادة الإقليمية على المحك. فإذا ما تمكنت الولايات المتحدة وحلفاؤها من الهيمنة على الشرق الأوسط، سيصبح بإمكانهم قهر إيران عندما يرغبون في ذلك وعبر القضية التي يرغبون فيها. ولكن الحصول على الإمكانات النووية سوف يغير ذلك ويجعل من الصعب على الغرب فرض إرادته على إيران.

ففي خطاب له في 22 فبراير (شباط) قال آية الله خامنئي:
"يعتمد مستقبل إيران والمصالح الوطنية على التقدم العلمي والتقني للتكنولوجيا النووية.. فإذا استطاعت الدول أن تحقق وحدها التقدم في المجال النووي، والفلكي، والتكنولوجي، والعلمي، والصناعي، فإنها لن تترك أي مساحة لهيمنة القوى العظمى الغاشمة.. لقد كانت العقوبات موجودة منذ بداية الجمهورية الإسلامية ولكن القضية النووية أمر حديث. ومن ثم، فإن مشكلة الغرب الرئيسة هي وجود أمة عازمة على أن تصبح مستقلة، أمة ليست مستعدة للخضوع أمام القمع، أمة عازمة على كشف المعتدين، أمة ترغب في أن تخبر الأمم الأخرى أنها حققت ذلك الهدف وأنها سوف تحقق المزيد من الإنجازات".


دروس مهمة



إن التسوية كلمة مخيفة بالنسبة لآية الله خامنئي. فهو يكره مثل تلك الخطوات التكتيكية سواء في التعامل مع الأعداء المحليين أو في إدارة السياسة الخارجية، ففي لقاء مع إسماعيل هنية، زعيم حركة حماس في غزة، قال خامنئي ناصحا هنية بأن أي خطوة تضعف المقاومة تتعارض مع مستقبل الأمم المسلمة. وأكد فكرة أنه «من الضروري أن نقف باستمرار ضد اختراق عناصر التسوية لجماعات المقاومة». وهو ما يعكس بوضوح ما يعتقده حول العديد من القضايا بخلاف النزاع العربي الإسرائيلي.

وخلال الـ23 عاما الماضية، نجح خامنئي في عرقلة كافة المساعي للتواصل الجاد مع الولايات المتحدة بالإضافة إلى أي محاولات تستهدف بناء الثقة على المستوى الدبلوماسي. وقد تم تهميش كل من الرئيس السابق أكبر هاشمي رفسنجاني ومحمد خاتمي اللذين أعربا عن استعدادهما لحل الأزمة النووية عبر السبل الدبلوماسية، وتم النظر إليهما باعتبارهما خطرا يهدد سلطة المرشد الأعلى. كما جعل خامنئي من كلمة «المقاومة» كلمة مقدسة كما أنه يرغب في أن ينظر إليه العالم الإسلامي باعتباره الممثل الوحيد للفكرة.

وتقدم كل من باكستان وليبيا دروسا مهمة بالنسبة لإيران، حيث تخلت ليبيا عن برنامجها النووي، وتم خلع النظام بمساعدة حلف شمال الأطلسي. وقد حصلت باكستان على البرنامج النووي إلا أن الغرب يعترف بالحكومة رغم كل المشكلات التي تتسبب بها.



في الثمانينيات، مرت إيران بثماني سنوات من الحرب مع العراق مما أسفر عن مئات الآلاف من الضحايا. وتعتقد العديد من الجماعات في الجمهورية الإسلامية أنه إذا ما كانت إيران قد حصلت على القدرات النووية قبل ثلاثين عاما، ما كانت لتتعرض لمثل تلك الحرب المدمرة. والآن تنظر إيران إلى نفسها وهي محاطة بالأعداء وقد أخفقت في تأسيس علاقات طيبة مع معظم الدول العربية (عدا سوريا). حيث تتهم الدول السنية العربية إيران بمحاولة نشر التشيع في العالم العربي ونشر آيديولوجيتها الثورية والحشد ضد حكوماتها.

وترفض إيران تلك التهم وتؤكد أن آيديولوجيتها ليست طائفية ولكنها تسعى إلى الوحدة الإسلامية. كما تدور حرب باردة بين إيران والسعودية داخل وخارج البلدين. حيث تزعم إيران أن المملكة تقوم بدعم الجماعات المسلحة في المقاطعتين الكردية والبلوشية في إيران، ردا على تمويل إيران للشيعة في المنطقة الشرقية بالمملكة وصعدة في شمال اليمن وكذلك في البحرين. وتستفيد الجماعات المتمردة في أفغانستان وباكستان وآسيا الوسطى ولبنان والعراق والأراضي الفلسطينية بدرجات مختلفة من دعم الدولتين.

ومن جهة أخرى، يعزز تقدم إيران في البرنامج النووي إمكانية نشوب سباق تسلح في المنطقة. ففي حوار حديث مع «الأسوشييتد برس»، قال وزير الخارجية السعودي الأمير تركي الفيصل - الذي يدافع عن فكرة وجود الدول الأعضاء الدائمين بمجلس الأمن التابع للأمم المتحدة لتوفير غطاء أمني نووي للدول الشرق أوسطية للانضمام للمنطقة الخالية من الأسلحة النووية - إن دول الخليج ملتزمة بعدم الحصول على أسلحة الدمار الشامل «ولكننا لسنا اللاعبين الوحيدين في المنطقة. فلديك تركيا، والعراق التي لديها سجل سابق من الرغبة في الحصول على السلاح النووي. ولديك مصر، التي لديها برنامج للطاقة النووية منذ الستينيات. ولديك سوريا، وغيرها من الدول في المنطقة التي بإمكانها أن تفتح صندوق باندورا». ويقول الأمير إنه من الواضح إن السعودية لن تتخلف في سباق التسلح المفترض: "ما أقترحه بالنسبة للمملكة وغيرها من دول الخليج.. هو أن ندرس بعناية كافة الخيارات بما في ذلك خيار الحصول على أسلحة دمار شامل. فلا يمكننا ببساطة أن نترك الأمور لأي شخص آخر ليقرر نيابة عنا".


شرق أوسط خالٍ من السلاح النووي




وفي ظل مثل تلك الظروف، فإن الأمل الوحيد للحصول على شرق أوسط خالٍ من السلاح النووي هو منع إيران من الحصول على تلك الإمكانية. حيث إن فكرة الاحتواء المتوقف على العقوبات ربما تفلح في ما يتعلق بإيران ولكنها لن تثبط عزيمة غيرها من الدول في المنطقة من الذهاب للنووي. ولا يمكن أن تمنع مثل تلك الاستراتيجية إيران من توفير التكنولوجيا النووية وطرائق العمل للدول الأخرى. فقد أكد المسؤولون الإيرانيون بما فيهم الرئيس محمود أحمدي نجاد، مرات عدة أن إيران مستعدة لتقديم مثل تلك الخدمات للدول المسلمة. فربما يكون الاحتواء قد نجح حتى الآن مع دول مثل كوريا الشمالية وباكستان ولكنه لم يخلق أي عقبات أمام تسريب التكنولوجيا النووية والمعرفة لدول مثل إيران.

كما أن المزيج من العقوبات والعمليات السرية مثل اختراق أنظمة الحاسوب واغتيال علماء النووي هي السياسة الغربية الحالية. وهي تستهدف إبطاء البرنامج النووي الإيراني وإجبار إيران على العودة إلى طاولة المفاوضات. ولكن هناك بعض الصعوبات في ذلك: حيث يعتقد زعماء إيران أن العقوبات والمساعي العقابية ما هي إلا استراتيجية الغرب لخلع النظام عبر التأثير على اقتصاده وعزل الدولة.



وعندما تتزامن تلك الاستراتيجية مع التصريحات الغربية حول حقوق الإنسان والحركة الديمقراطية في إيران، فإن ذلك لا يترك مساحة من الشك في عقول الشخصيات الحكومية البارزة بأن الهدف الخفي هو تغيير النظام. بل ويعتقد آية الله خامنئي أن الغزو الثقافي الغربي لإيران يستهدف القضاء الكامل على الآيديولوجيا الإسلامية وتمكين القوى العلمانية الليبرالية في المجتمع الإيراني. ويعتقد أيضا الزعماء الإيرانيون المصابون بالبارانويا أن طلاب الدراسات الإنسانية والأكاديميين والصحافيين والفنانين والكتاب، والنساء، ونشطاء حقوق الإنسان، ومصممي الموضة هم إما عملاء خفيون للغرب أو "جنود متطوعون في حرب الغرب الناعمة ضد إيران".

فهل الغرب قادر على إقناع إيران بأن سياسته لا تستهدف تغيير النظام ولكن إنهاء الطموحات النووية الإيرانية؟ طالما كان آية الله خامنئي مسؤولا عن البلاد، من المستحيل أن يستطيع الغرب تحقيق ذلك. وربما يغير خامنئي مفهومه حول هدف الغرب إذا ما تم رفع عقوبات الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي والأمم المتحدة قبل إجراء أي مفاوضات جدية ولكن ذلك يبدو غير واقعي. بل وربما ينظر إليه زعيم إيران باعتباره خطوة مخادعة.

ولن تتمكن إيران من النجاة من العقوبات الحالية غير المسبوقة في استهداف النظام المصرفي وصناعة النفط. كما أن تلك العقوبات محاولة ضعيفة لإقناع قادة إيران بأن تغيير النظام ليس جزءا من سياسة الغرب. وبغض النظر عن رؤية قادة إيران للعقوبات، يجب على العالم أن يبذل جهودا مضنية لتفعيل العقوبات الحالية، حيث ترزح إيران حاليا تحت وطأة أزمة اقتصادية طاحنة، ستؤدي، بلا شك، إلى تقسيم دائرة صناع القرار خاصة الحرس الثوري الإيراني النافذ. وهو ما يمكن أن يؤدي إلى إحداث تغيرات جوهرية في السياسة النووية لإيران.
font change