32 قطعة سلاح لكل مائة شخص في لبنان

تفلت السلاح والرصاص العشوائي يتصدر المشهد اللبناني

32 قطعة سلاح لكل مائة شخص في لبنان

* عام 2017 ضحايا السلاح المتفلت بلغت 500 من بينهم 170 قتيلا، انخفضت في 2018 إلى 300 ضحية من بينهم 120 قتيلا
* مستشار الرئيس الحريري للأمن الإنساني فادي أبي علام: التقدم وإحقاق الحقوق ممكن دون اللجوء للسلاح
* د. أحمد الزين رئيس جمعية «أفروديت»: إطلاق سراح الجاني إثر التدخلات السياسية بعد القبض عليه يلغي الصفة الرادعة للقانون

بيروت: تعدّدت الأسباب والموت الواحد، مرة جديدة يتصدر السلاح المتفلت المشهدية في لبنان والذي راح ضحيته ابن الـ15 عاما بعد أن أطلق النار من مسدس حربي على رأسه فور تبلغه نبأ رسوبه في الشهادة المتوسطة (البروفيه) قبل أسبوع. أما يوم الأحد الفائت فقد اهتزّ جبل لبنان بحادثة أمنية خطيرة سقط فيها قتيلان وجريحان، بمشهد أعاد إلى الأذهان صور ‏الحرب المشؤومة التي كان شهدها الجبل عام 1983 وسقط فيها عشرات الآلاف من القتلى وخلّفت دمارًا هائلاً ما زال العمل جاريًا ‏حتى الآن لمحو آثاره.‎
 
إشكال في جبل لبنان... سقوط قتيلين وجريحين
انفجر التأزم السياسي اللبناني في الجبل، بمناسبة زيارة رئيس «التيار الوطني الحر» وزير الخارجية جبران باسيل إلى منطقة عاليه، على شكل اشتباك مسلح بين أنصار النائب طلال أرسلان الحليف لباسيل، وأنصار رئيس «الحزب التقدمي الاشتراكي» النائب السابق وليد جنبلاط، فسقط قتيلان نعاهما حزب أرسلان، كانا يرافقان وزير الدولة لشؤون النازحين صالح الغريب، إضافة إلى عدد من الجرحى.
أزيز الرصاص والمظاهر المسلحة في الجبل بغض النظر عن خلفيات الإشكال كانا كفيلين بإعادة طرح ملف السلاح المتفلت في لبنان بعد أن أعادت إلى الذاكرة حقبة الفوضى التي كانت سائدة قبل سنوات على خلفية الملفات السياسية المتأزمة بين أركان السلطة، ما يطرح تساؤلات حول أسباب هذا الانفلات الأمني؟ وكيفية مواجهته؟
 

النائب هادي أبو الحسن



عضو اللقاء الديمقراطي النائب هادي أبو الحسن تأسّف لما جرى في الجبل، وقال لـ«المجلة» إن «ما حدث هو نتيجة وليس سببا وهو نتجية لتراكم توترات بدأت من فريق معين لم يراعِ أن جميع مكونات الجبل يعيشون بوئام وتفاهم على قاعدة الشراكة الوطنية».
وأكّد أبو الحسن أن «هناك من يصر على تكرار زياراته علما بأن المكان يرحب بالجميع لكن ضمن سقف منضبط لا يمس على الإطلاق بأسس العيش المشترك ولا يستحضر مفردات الماضي كما لا يؤدي إلى نبش القبور ولا يذكر بمحطات الحرب الأليمة»، وتابع عندما يأتي أحدهم إلى منطقة حصل فيها دماء ومجازر وطوت هذه المنطقة تلك المرحلة بكل قناعة وشجاعة ليطلق مواقف مثبتة، فإن هذا يستفز الأهالي الذين عبروا باعتراض سلمي من خلال قطع الطريق، ولكن هناك من كان يصر على أن يمرّ في طريق معين حاولنا مع بعض القوى الأمنية والفعاليات أن نرى مخرجا وسبيلا آخر لم يتم التجاوب معه وحصل هناك احتكاك ومن ثم إطلاق نار بدأ من الموكب الذي يرافق الوزير صالح الغريب وهو ما أظهرته الفيديوهات المنتشرة، ما أدى إلى سقوط ضحايا وبالتالي عمت حالة من الفوضى وبالنتيجة هناك ضحايا دفعوا الثمن وهناك دماء سالت ونحن لا نريد أن نفرط بأحد لأن أي نقطة دم تسقط هي خسارة على الجميع».
وفيما بتعلق بالمظاهر المسلحة في الجبل، قال أبو الحسن إن «السلاح الفردي موجود لدى كل اللبنانيين دون استثناء إلا أنه في حادثة الجبل من كان يحمل السلاح هو هذا الموكب الذي كان مدججا بالأسلحة وخرج من السيارات وأطلق النار عشوائيا مما أدى إلى ردة فعل للدفاع عن النفس»، مشيرا إلى أن كل هذ لا يبرر ما حصل، إذ لا ضرورة لاختراق المعترضين».
ودعا أبو الحسن الجميع إلى أن يكونوا تحت سقف الدولة والقانون والاحتكام إلى لغة العقل، مؤكدا «لبنان أغلى أمانة بين أيدينا فلنحافظ على وحدته الداخلية وعلى سلامته خصوصا أن أمامنا تحديات كبرى ونحن بغنى عن أي مواجهة داخلية».

 

حادثة قبرشمون


 
ضحايا السلاح المتفلت
ويشهد لبنان على نحو مضطرد حالة من التفلت الأمني من سرقات وعمليات سطو مسلح فضلا عن الظاهرة الأخطر وهي استخدام السلاح بشكل كبير في معظم الإشكالات الفردية التي تحصل وتهدد حياة العابرين من الأبرياء، إضافة إلى ظاهرة إطلاق النار في مناسبات الفرح أو الحزن ما يؤدّي في معظم الأحيان إلى وقوع ضحايا نتيجة الرصاص العشوائي.
وبحسب الأرقام عام 2017 ضحايا السلاح المتفلت بلغت 500 من بينهم 170 قتيلا، وفي عام 2018 انخفض العدد إلى 300 ضحية من بينهم 120 قتيلا.
وثمة الكثير من الحوادث التي لا تعدّ ولا تحصى في لبنان يذهب ضحيتها مواطنون أبرياء نتيجة السلاح المتفلت والرصاص الطائش يدفعون ثمن جهل المجتمع وقلّة الوعي لخطورة حيازة السلاح من جهة وثمن إهمال الدولة وعدم وضعها حلاً للسلاح المتفلّت بين الناس من جهة ثانية.

 

عباس يزبك


 
انتحار ابن الـ15 عامًا بعد رسوبه بواسطة سلاح حربي
في سابقة لم يعهدها لبنان، لجأت وزارة التربية إلى إصدار نتائج الشهادة المتوسطة بعد منتصف الليل عبر رسائل نصّية تلقاها الطلاب على هواتفهم الخلوية من أجل التخفيف من وهج إطلاق النار ابتهاجًا بالنتائج، إلى أنّ هذه الاستراتيجية الجديدة لم تروّض «رصاص الفرح» الذي عمّ مناطق لبنانية عدة على عين السلطات وتحذيراتها المتكررة، لكن الكارثة الأكبر وما لم يكن في الحسبان أن يقضي ابن الـ15 ربيعا ليس بسبب الرصاص العشوائي إنما بسلاح موجود في منزل أبويه إذ أقدم عباس يزبك إلى إطلاق النار على رأسه فور تبلغه نبأ رسوبه. وهو ما يشير إلى مدى خطورة حيازة الأسلحة وإيوائها في المنزل فبدلا من أن تكون أداة للحماية تصبح أداة قتل.
 
ثلاثيني ضحية الرصاص الطائش
شاب ثلاثيني راح ضحية السلاح المتفلت في لبنان بعد أن أصيب الشهر الفائت عن طريق الخطأ برصاص طائش بعد إلقاء مجهولين قنبلة على مصلى في السعديات ما استدعى رداً من قبل حرس المصلى بإطلاق النار على الفاعلين إلا أن الرصاص أصاب الشاب محمد علي المولى حيث كان يمر بسيارته عن طريق الصدفة مكان الإشكال.
 
 

سلاح متفلت



انتشار السلاح في لبنان
يتحمل تجار الأسلحة مسؤولية كبيرة تجاه تفشي هذه الظاهرة في المجتمع اللبناني، أكان من ناحية توزيع السلاح أو بيعه لأهداف سياسية، لكن الجدير ذكره أن ثمة جهات سياسية وحزبية كما جهات نافذة تغطي عددا من تجار السلاح. وبات يُحكى عن نحو مليون ونصف المليون قطعة سلاح ما بين خفيف ومتوسط، موزعة بين الناس وموجودة في المنازل، تتراوح بين الـ«آر بي جي» مرورًا بالرشاش وصولاً إلى المسدس.
رئيس حركة السلام الدائم مستشار رئيس الحكومة للأمن الإنساني، فادي أبي علام، قال لـ«المجلة» إن «ثمة عدّة نقاط يجب التحدث عنها عند التطرق لملف السلاح المتفلت في لبنان، الأولى: هي مسألة توفر السلاح بحد ذاته والذي بات جزء كبير منه متوفراً أثناء الحرب الأهلية بين عامي 1975 – 1990 والتي جعلت لبنان يحتل المرتبة التاسعة عالميا من ناحية حيازة الأسلحة أي إن لكل مائة شخص هناك ما يقارب 32 قطعة سلاح أي ما يقارب مليون ونصف المليون قطعة سلاح وذلك بحسب المؤسسة السويسرية (small arms survey)».
أما النقطة الثانية بحسب أبي علام فهي ثقافة السلاح بحيث تشكل حيازة السلاح جزءا من عاداتنا وتقاليدنا لأننا نرى فيه عنوانا للبطولة فيما هو في الواقع من مؤشرات الضعف، مؤكدا أن «التقدم وإحقاق الحقوق ممكن دون اللجوء للسلاح».
ولفت أبي علام إلى أن مجتمعنا يفتقد أيضا لثقافة التعامل مع السلاح بشكل صحيح، مشيرا إلى أنه «في دول العالم المتحضر لم يعد الحديث عن جمع السلاح لأنه غير قابل للتطبيق وبالتالي لجأت إلى سبل أخرى للتعامل مع هذه القضية من خلال العمل على أن يكون السلاح في مكانه وتحت السيطرة من قبل الجميع».

 

فادي أبي علام


 
السلاح لا يحمي
كما رأى أبي علام أن الأهم هو معرفة مدى الحاجة وضرورة حيازة السلاح، مشيرا إلى أن «ثمة الكثير من الحوادث تبرهن على أن الإنسان يكون أكثر أمانا في حال عدم وجود السلاح وثمة الكثير من الإحصاءات تؤكد أن من يأتي لارتكاب جرم تصبح إمكانية القتل أقل بمرات في حال عدم مواجهته بالسلاح، وبالتالي السلاح لا يحمي هذا يعني أن الإنسان يضع أداة قتل في منزله لأسرته ولنفسه قبل الآخرين».
كما شدّد أبي علام: «في حال وجود ضرورة لحيازة السلاح يجب التنبه أن لا يكون بمتناول أي كان إنما فقط بمتناول الحاصل على رخصة الحيازة، مشيرا إلى أنه «لا يكفي أن يكون لدى الإنسان الأهلية لحيازة السلاح إنما أيضا يجب أن يتمتع بالكفاءة لذلك الغرض عبر وضعه في مكان آمن يصعب الوصول إليه من قبل أفراد العائلة إضافة إلى فصل الذخيرة عنه وذلك تجنبا للحوادث التي تحصل عن طريق الخطأ أو الانتحار في لحظة غضب إذ إن معظم الجرائم المرتكبة تحصل ضمن الأسرة الواحدة».
كما شدّد أبي علام على أن القانون اللبناني يمنع إطلاق الأعيرة النارية في كل مكان وزمان لكن القانون وحده لا يكفي إنما يجب العمل أيضا على ثقافة المجتمع، وتابع: «عمليا القوى الأمنية تقوم بمهامها على أعلى المستويات مقارنة بدول العالم وهي إضافة إلى مهامها تقوم بدور توعوي إلا أن هذا الدور يجب أن يقابله تعاون من قبل الجمعيات والمؤسسات التربوية، الإعلامية، الدينية، الفنية والحزبية وجميعها قادرة على حلّ هذه الأزمة».
أما من الناحية القانونية، فقد قال أبي علام إن «القانون المتعلق بالسلاح كان عام 1959 يعاقب بالسجن لمدة أسبوعين ودفع غرامة لا تتجاوز 1500 ليرة لبنانية أي لا تتجاوز الدولار الواحد لمن يطلق النار في مكان مأهول واستمر على ذلك حتى عام 2016 حيث تم تعديله بمرسوم اشتراعي لتصبح العقوبة مجرد إطلاق الأعيرة النارية بسلاح مرخص أو غير مرخص في كل الأمكنة السجن لمدّة 3 إلى 6 أشهر وتغريمه من 8 إلى 10 أضعاف الحدّ الأدنى للأجور أي ما يقارب المليون والـ500 ألف ليرة لبنانية إضافة إلى سحب رخصة السلاح ويصادر السلاح كما يحرم من الاستحصال على رخصة أخرى إلى الأبد».
وأشار إلى أن القانون أيضا يتضمن التوعية على المخاطر بحد ذاتها والتوعية على مضمون القانون ليكون رادعا كما تسهيل مهمات السلطات الأمنية والقضائية لتطبيق القانون»، لافتا إلى أنه «قبل عامين ألقت القوى الأمنية القبض على 70 شخصا أطلقوا النار بمناسبة نتائج الشهادة المتوسطة إلا أنه أطلق سراحهم بعد يومين بسبب التدخلات السياسية».
على الرغم من بعض الممارسات ثمة بعض الانعكاسات الإيجابية بسبب المجهود الذي يقام على أرض الواقع، فعام 2017 كان هناك 500 ضحية من بينهم 170 قتيلا، في 2018 انخفض العدد إلى 300 ضحية من بينهم 120 قتيلا، بحسب أبي علام.
ختاماً، لفت أبي علام إلى «خطورة الشحن السياسي وخطابات الكراهية في مجتمع فيه نزاعات وحساسيات ومليء بالأسلحة وهو ما يرتب على الجميع تحمل المسؤولية والتعلم من الماضي».

 

الدكتور أحمد الزين


 
تدخلات سياسية تبطل مفعول القوانين الرادعة
الدكتور أحمد الزين رئيس جمعية «أفروديت»، قال في حديثه لمجلة «المجلة» إن ثمة أعدادا كبيرة من ضحايا السلاح المتفلت والرصاص العشوائي لا تذكر في الإعلام يذهبون ضحية أصحاب العقول المتخلفة الذين يعتقدون أنهم يبرهنون عن رجولتهم عبر إطلاق النار»، وأضاف: «فمن غير المقبول أن يحوّل البعض أفراحهم إلى مأتم لدى عائلات أخرى».
كذلك أكّد الزين أن ما يشهده لبنان هو آفة لا بد من معالجتها ووضع حد لها عبر اتخاذ سلسلة إجراءات تكون رادعة بما فيه الكفاية لمطلقي النار وتنفيذ القانون بعيدا عن التدخلات السياسية، لافتا إلى أنه «في أكثر الحالات عند إلقاء القوى الأمنية القبض على أحد مطلقي النار ينقضي الأمر بالوساطة والتدخلات السياسية دون اتخاذ التدابير القانونية اللازمة بحقه وهو ما يؤثر بشكل سلبي على فعالية القوانين وبالتالي لا يصبح هناك أي رادع بوجه الآخرين».
وأشار الزين أن «القانون تم تعديله عام 2016 عبر تشديد العقوبة فمجرد إطلاق النار دون وقوع إصابات يسجن الفاعل من 6 أشهر إلى 3 سنوات إضافة إلى تغريمه ثلاث مرات الحد الأدنى للأجور إلا أنه للأسف في أغلب الأوقات لا يتم تطبيقه».
كما تأسف الزين أن معظم البيوت اللبنانية أصبح فيها سلاح ولا يقتصر الأمر على السلاح، مشيرا إلى أن «الدولة لا تتخذ قرارات حازمة»، مشددا على أن المطلوب من الدولة أن تضرب بيد من حديد».
وفي الختام تمنى الزين وضع حد لآفة السلاح المتفلت والرصاص العشوائي دون انتظار وقوع المأساة وسقوط مزيد من الضحايا كي يتم اتخاذ الإجراءات المناسبة.
أمام هذا الخطر المحدق والذي بات يهدد سلامة المجتمع اللبناني كله بات من المحتم اتخاذ إجراءات تجاه ظاهرة السلاح المتفلت للحد منها، وعلى الدولة وأجهزتها القيام بخطوات سريعة وفعالة لضبط هذا السلاح والحد من انتشاره في كل المناطق اللبنانية دون استثناء.

font change