ما هي التحديات التي تواجه التصعيد الإيراني؟

خسر «حزب الله» في سوريا عددًا من كبار قادته وأفضل مقاتليه

ما هي التحديات التي تواجه التصعيد الإيراني؟

* رغم توخي طهران الحذر الشديد واحتسابها لكل خطوة حتى لا تتسبب في إشعال حربٍ شاملة، يبدو أنها اختارت احتمال التصعيد وقد تكون اختارت أيضًا القيام بردود فعل عدوانية بدلاً من إجراء مفاوضات
* لدى إيران القدرة على شن هجمات إرهابية في جميع أنحاء العالم عبر فيلق القدس التابع للحرس الثوري الإيراني و«حزب الله». ويوجد عدد من السيناريوهات حول مكان وكيفية حصول ردود فعلها

واشنطن: تتصاعد حدة التوترات مع إيران. فقد قام الإيرانيون بشن عدد من الهجمات التخريبية على ناقلات النفط، واحتجزوا في وقتٍ سابقٍ من هذا الشهر ناقلة نفط بريطانية. وشن وكلاؤها - الحوثيون - هجماتٍ باستخدام طائراتٍ مسيرة على ما لا يقل عن 10 أهداف تتضمن خط أنابيب نفطي رئيسي في السعودية. وعلى الرغم من توخي طهران الحذر الشديد واحتسابها لكل خطوة حتى لا تتسبب في إشعال حربٍ شاملة، يبدو أنها اختارت احتمال التصعيد وقد تكون اختارت أيضًا القيام بردود فعل عدوانية بدلاً من إجراء مفاوضات.
ولدى إيران القدرة على شن هجمات إرهابية في جميع أنحاء العالم عبر فيلق القدس التابع للحرس الثوري الإيراني و«حزب الله». ويوجد عدد من السيناريوهات حول مكان وكيفية حصول ردود فعلها. ولكل سيناريو مزايا وتحديات خاصة به. وعلى الرغم من احتسابها لخطواتها، إلا أن ذلك لا يمنعها من المخاطرة، اعتمادًا على وكلائها والبلدان التي يتواجدون فيها.
 
جبهة «حزب الله» 
يتلقى «حزب الله» - أفضل ذراع عسكرية لإيران - ضرباتٍ متتالية؛ فبالإضافة إلى الضربات الإسرائيلية التي دمرت معظم منشآته في سوريا، لم تنفك العقوبات الأميركية تزيد الضغط عليه. وأصدرت وزارة الخزانة الأميركية في وقتٍ سابقٍ من هذا الشهر لائحة جديدة تتضمن ثلاثة مسؤولين في «حزب الله»، هم مسؤول الأمن وفيق صفا، ورئيس كتلته البرلمانية النائب محمد حسن رعد، والنائب أمين شري. وقد تم إدراجهم بموجب الأمر التنفيذي رقم 13224 الذي يستهدف الإرهابيين ومن يقدمون الدعم للإرهابيين أو لأعمال الإرهاب.
واختارت إدارة ترامب هذه الشخصيات الثلاث تحديدًا لأنها ترمز إلى سيطرة «حزب الله» على الدولة اللبنانية ومؤسساتها. وتم إدراج محمد حسن رعد لإيصال رسالة إلى البرلمان اللبناني ورئيس مجلس النواب نبيه بري.
والجدير بالذكر أن بري هو رئيس حركة أمل- الحليف الشيعي الرئيسي لـ«حزب الله»- ويستخدم منصبه لتعزيز أجندة الحزب.
كما تحذر هذه الخطوة الأميركية البرلمان اللبناني من أنه من الممكن استهداف أعضائه وفرض عقوباتٍ عليهم.
واتهمت الخزينة الأميركية النائب أمين شري بتهديد المصارف اللبنانية بعد تنفيذها التدابير المفروضة بموجب قانون منع التمويل الدولي لـ«حزب الله»، الذي أقره الكونغرس الأميركي عام 2018. وتبعث العقوبات التي فرضت على شري برسالة إلى المسؤولين الحكوميين اللبنانيين والقطاع المصرفي بأنه لن يتم التهاون مع مثل هذه الشخصيات.
أما معاقبة مسؤول وحدة الارتباط والتنسيق في «حزب الله» وفيق صفا فكانت الخطوة الأهم الأكثر إثارة للاهتمام. وبصفته جهة اتصال بين الأحزاب السياسية اللبنانية والشخصية الرئيسية في «حزب الله» داخل المؤسسات الأمنية - لا سيما الجيش اللبناني – لن يتمكن صفا من زيارة أي من رؤساء الأمن اللبنانيين بشكلٍ علني، لا سيما الجيش اللبنانس الذي يتلقى المساعدة المالية والتدريب من حكومة الولايات المتحدة.
وقد خسر «حزب الله» في سوريا عددًا من كبار قادته وأفضل مقاتليه، ومعظمهم خلال الضربات الإسرائيلية التي دمرت معظم منشآته العسكرية، خاصة تلك التي تنتج صواريخ دقيقة.
ويعاني الحزب من أزمة مالية خطيرة بسبب العقوبات الأميركية المفروضة على إيران، التي لم تعد تستطيع إرسال الأموال إلى وكيلها في لبنان. ورغم كل ذلك، لم يستجب «حزب الله» للضغوط الأميركية والهجمات الإسرائيلية. ولكن قد لا يبقى الوضع على حاله في حال قررت إيران الرد من لبنان أو سوريا. وتشير التقارير الأخيرة إلى أن «حزب الله» ينشر قوات له على حدود لبنان وسوريا مع إسرائيل. وبحسب هذه التقارير، فإن الحزب لم يكتفِ بنشر قواته على الجانب اللبناني من الحدود بل عزز أيضًا وجود قواته على هضبة الجولان السورية الواقعة على الحدود مع إسرائيل.
وقال أحد قادة «حزب الله» لصحيفة «ديلي بيست» إن الحزب قد تأثر سلبًا بالعقوبات التي فرضتها الولايات المتحدة على إيران والتي أدّت إلى تخفيض في ميزانيته. وأضاف أن الحزب «مستعد للمبادرة بالأعمال العدائية، إذا ما رأت طهران ذلك ضروريًا وفي الوقت الذي تحدده الأخيرة: «مشيرًا إلى أن العقوبات جعلت الحزب مستعدًا لمواجهة الجبهة الإسرائيلية. وقال: «سنطلق أول طلقة هذه المرة».
ومع ذلك، فإن «إطلاق الرصاصة الأولى» يتطلب الاستعداد لردٍ مدمر وليس لدى الحزب هذه الجاهزية. وإذا قررت إيران استخدام «حزب الله» - في لبنان أو في سوريا - للرد على الضغوط، فقد ينتج عن ذلك خسارة فادحة من جهة الحزب الذي خسر بالفعل أفضل قادته العسكريين في سوريا. بالإضافة إلى ذلك، لا يتحمل «حزب الله» الدخول في حربٍ جديدة لأنه ببساطة لا يستطيع تمويلها فالأزمة المالية التي يمر بها حاليًا تجعل من الصعب تمويل الخدمات اللوجستية والتوظيف لحرب بهذا الحجم. أخيرًا وليس آخرًا، لا يمكن لـ«حزب الله» الدخول في مثل هذه الحرب ما لم يتم ضمان إعادة الإعمار، مثلما حصل بعد الحرب مع إسرائيل في يوليو (تموز) عام 2006. ومع ذلك، قد لا تكون البلدان التي سارعت لمساعدة لبنان في عملية إعادة الإعمار عام 2006 - خاصة دول الخليج - متحمسة هذه المرة. فهذه المرة تختلف لأن لبنان لم يعد أولوية وأصبح الخط الفاصل بين الدولة اللبنانية و«حزب الله» غير واضح أبدًا. وبالتالي فإن إرسال الأموال إلى لبنان اليوم يعني إرسالها إلى «حزب الله».
وعلى أساس كل هذه الأسباب، قد لا تستخدم إيران خيار لبنان أو سوريا بسبب الخسائر الكثيرة التي سيتكبدها «حزب الله».
 
هل العراق ضمن الخيارات؟
في وقت سابق من هذا الشهر، قصفت طائرة مجهولة من دون طيار قاعدة عسكرية لقوات الحشد الشعبي الموالية لإيران وسط العراق. ونفت الولايات المتحدة فورًا ضلوع قواتها في الهجوم، في حين زادت التكهنات حول تورط إسرائيل، وأشارت التقارير إلى أن الهجوم أدى إلى مقتل عناصر لـ«حزب الله» والحرس الثوري الإيراني.
وقع الهجوم بالتزامن مع تنامي التوتر بين الولايات المتحدة وإيران، اللتين تتواجد قوات لهما في العراق. وفرضت وزارة الخزانة الأميركية عقوبات على أربعة عراقيين مقربين من إيران. والعراقيون الأربعة هم ريان الكلداني ووعد قدو (أبو جعفر الشبكي) ومحافظان سابقان، هما: نوفل حمادي السلطان، وأحمد عبد الله الجبوري (أبو مازن).
وكانت الولايات المتحدة قد فرضت بالفعل عقوبات على حركة «النجباء» وزعيمها أكرم الكعبي في مارس (آذار). كما حذر وزير الخارجية الأميركي، مايك بومبيو، خلال زياراته الأخيرة للعراق من أن الولايات المتحدة ستستهدف بعض فصائل الحشد الشعبي المدعومة من إيران في حال وقع أي هجوم ضد المصالح الأميركية في العراق.
ووقعت عدة هجمات ضد المصالح الأميركية خلال الأشهر الثلاثة الماضية، بما في ذلك تلك التي استهدفت السفارة الأميركية وإكسون موبيل، مما أثار مخاوف من حصول مواجهة محتملة بين الولايات المتحدة وإيران على الأراضي العراقية.
لطالما كانت إمكانية حدوث مثل هذه المواجهة خيارًا مطروحًا، ولكن مع تصاعد التوتر في الوقت الراهن أصبحت هذه المواجهة احتمالاً جديًا وخطيرًا. وإذا كانت إيران غير قادرة على الرد من لبنان أو سوريا للأسباب المذكورة أعلاه، فهل يمكن أن يكون الرد من العراق خطتها البديلة؟
ربما لا، لأن المصالح الإيرانية في العراق أضعف مما تبدو عليه بالفعل. فإيران لا تتمتع داخليًا بالسيطرة الكاملة على مؤسسات الدولة كما هو الحال في لبنان. والأهم من ذلك، أن المجتمع الشيعي والقيادة الشيعية منقسمتان حول الوجود الإيراني في العراق ومستوى النفوذ الذي تتمتع به هناك. أما الولايات المتحدة، في المقابل، فلديها قوات كبيرة في العراق ويمكنها إرسال المزيد. ومن شأن الحرب التي تبادر بشنها إيران في العراق أن تضعف وجودها الضعيف بالفعل. وبالتالي، ستفكر إيران بالتأكيد مرتين قبل التصعيد في العراق أيضًا.
وبسبب صعوبة رد إيران من لبنان أو سوريا أو العراق على الضغوط المفروضة عليها، فإن هذا يعني أن الأخطاء وسوء التقدير لن تؤدي إلى حرب شاملة. لكن على أي حال، وبغض النظر عن الجهة التي ستشن الحرب، لن تكون هذه الحرب في صالح إيران أو وكلائها

font change