الأبقار في قفص الاتهام

هل يتطلب كبح جماح تغير المناخ من الجميع أن يصبحوا نباتيين؟

الأبقار في قفص الاتهام

• غاز الميثان وأكسيد النيتروز هي من أهم الغازات الدفيئة الناتجة من الثروة الحيوانية
• الثروة الحيوانية هي المسؤولة عن 14.5 في المائة من غازات الدفيئة العالمية
• هناك حاجة إلى استراتيجيات للتخفيف من كثافة الانبعاثات في قطاع الثروة الحيوانية وذلك مع تزايد التوقعات العالمية بزيادة الطلب على اللحوم بسبب زيادة عدد سكان الكرة الأرضية
• يمكن أن تساعد الإدارة المناسبة لرعي الماشية في التخفيف من تغير المناخ
• تنتج الأبقار غاز الميثان أثناء عملياتها الحيوية مثل التجشؤ والتنفس
• من المتوقع أن يزيد انبعاث الميثان من الماشية بشكل ملحوظ بسبب الزيادة المتوقعة في الطلب العالمي على الحليب واللحوم بحلول عام 2050م.

جدة: لعل العنوان مثير للغرابة، فما هي علاقة الأبقار بقضية تغير المناخ العالمية! وتساهم الزراعة بشكل عام وإنتاج الماشية، على وجه الخصوص، في ظاهرة الاحتباس الحراري من خلال انبعاثات الميثان وأكسيد النيتروز. ولتلبية الاحتياجات المستقبلية لعدد متزايد من السكان على كوكب الأرض، وسيحتاج إنتاج الثروة الحيوانية إلى زيادة في أعداد الماشية التي ستحتاج بالتأكيد إلى مساحات خضراء لعلف الماشية. إن إحدى الطرق الرئيسية لتحقيق هذا الهدف هو اعتماد استراتيجيات تخفيف فعالة. وكما هو معروف فإن الأبقار نوع من الثدييات التي تسمى بالمجترات، أي أنها علميا تقوم بتخمير الأعلاف التي تمضغها في معدتها، حيث تنتج عن عملية التخمير في الأمعاء، وإطلاق كميات من الغازات حيث تتجشأ وتسرب كميات غاز الميثان من أجزاء من جسدها. وأهم غازات الدفيئة الناتجة عن الزراعة الحيوانية هي غاز الميثان وأكسيد النيتروز. والميثان، الذي ينتج بشكل أساسي عن طريق التخمير المعوي وتخزين السماد، وهو غاز له تأثير على الاحترار العالمي أعلى 28 مرة من ثاني أكسيد الكربون! أكسيد النيتروز، الناشئ عن تخزين السماد واستخدام الأسمدة غير العضوية، هو جزيء له قدرة على الاحترار العالمي أعلى بمقدار 265 مرة من ثاني أكسيد الكربون!
 
غاز الميثان إحدى غازات الاحتباس الحراري...
غاز الميثان هو أحد الغازات الدفيئة المسببة لمشكلة الاحتباس الحراري وبالتالي ارتفاع درجة حرارة الأرض وتغير للمناخ. ووفقا لمنظمة الفاو العالمية، فإن قطاع الثروة الحيوانية يساهم بنسببة 14.5 في المائة من إجمالي انبعاثات غاز ثاني أكسيد الكربون في العالم من إنتاج اللحوم والألبان. ومثلا في الولايات المتحدة الأميركية يساهم الإنتاج الحيواني فيما نسبته 25 في المائة من إجمالي انبعاثات الميثان. ولذلك فإن الانبعاثات من الماشية والإنتاج الحيواني مشكلة كبيرة ومتنامية. لكن اللجنة الحكومية الدولية المعنية بتغير المناخ تحذر من أن مراقبة انبعاثات غاز الميثان أمر ضروري لوقف احترار الكرة الأرضية.
 
هل يمكن أن تكون الأبقار جزءًا من الحل لتحدي تغير المناخ؟
يدور الجدل في أوروبا وأميركا نحو الأثر الذي قد يحدثه تغيير ممارسات الرعي للماشية، وإمكانية تقليل الانبعاثات الناتجة عن إطلاق الأبقار لكميات من غاز الميثان في عملياتها الحيوية. وتشير أصابع الاتهام إلى طبيعة العشب والأعلاف التي تتناولها الأبقار، حيث تتم الزراعة باستخدام الأسمدة المصنعة وغالبا ما تحتوي على كميات كبيرة من الكربون والنيتروجين. وحتى الأراضي العشبية يمكنها تحمل كلفة بيئية من مدخلات الأسمدة أو إزالة الغابات. ومن المسلمات أنه مع تربية الماشية، ينبعث الميثان بشكل رئيسي نتيجة لعدم هضم المجترات بشكل صحيح. 
لماذا؟
لأن أعلاف الماشية ليست مناسبة لهم؛ فهي تحتوي على نسبة عالية جدًا من مشتقات الذرة أو الصويا، وهي مواد غذائية لا تمتصها بشكل صحيح الأجهزة الهضمية في الأبقار. يمكن أن يساعد تغيير مغذيات الماشية في خفض انبعاثات الميثان، ومعالجة تغير المناخ في هذه العملية. إلى أي مدى يمكن للحوم البقري العشبية أن تخفف من تأثير تغير المناخ على الماشية؟ ووفقا للدراسات العلمية فإنه مع ممارسات الإدارة الدقيقة والظروف الآيكولوجية الزراعية المحددة للغاية، يمكن أن تعوض الماشية التي تتغذى على الأعشاب ما بين 20 و60 في المائة من انبعاثات أنظمة الرعي. إن أحد أفضل وأبسط الأشياء التي يمكننا القيام بها في المراعي للمساعدة في التخفيف من تغير المناخ هو الحفاظ على النظم الآيكولوجية للمراعي والحفاظ على الكربون المخزن بالفعل في تربة المراعي المخزنة بأمان. على الرغم من أن ممارسات الرعي المستدامة لن تقضي على الميثان الناتج عن الأبقار، إلا أنه يمكن لهذا الحل عزل 16 جيجا طن من ثاني أكسيد الكربون بحلول عام 2050.
هذا وستظل الحقيقة أن الماشية تنتج الكثير من الميثان أحد غازات الاحتباس الحراري كما أشرنا، ولتكون الثروة الحيوانية جزءاً من الحل في قضية تغير المناخ، يمكن للتغيرات الغذائية مثل نوع العلف والنباتات التي تتناولها الأبقار، أن تقلل من إنتاج غاز الميثان. بالإضافة إلى ذلك، هناك إمكانية مطالبة مصنّعي منتجات الألبان والماشية لاستخدام ممارسات مستدامة في إدارة المراعي للتخفيف من حدة الانبعاثات جعل نظامهم الغذائي عالي الألياف سهل الهضم، لذلك كثيرا ما يلجأ العلماء إلى التغذية بالمكملات الغذائية لهذا الغرض، مثل إضافة الأعشاب البحرية، إضافة إلى الاستفادة من التقنيات الحديثة يمكن أن تقلل من تجشؤ الأبقار، مثل إضافات الأعلاف المحسنة وتحسين جودة الأسمدة واستخدام التقنيات التي تمنع تحول النيتروجين في نفايات الحيوانات إلى أكسيد النيتروز والذي كذلك يمكن أن يقلل من انبعاثات الغازات الدفيئة في القطاع الزراعي. هذا وستمكن التحسينات في كفاءة إنتاج الثروة الحيوانية أن تقلل على حد كبير من استخدام الأراضي والانبعاثات.
إن تحسين جودة العلف والرعاية البيطرية، واستخدام ممارسات الإدارة المحسنة مثل الرعي الدوراني يمكن أن يعزز الإنتاجية وصحة التربة مع تقليل الانبعاثات. وزيادة الإنتاجية، بدورها، يمكن أن يضغط على الغابات المدارية عن طريق تقليل الحاجة إلى مزيد من المراعي. إلى جانب انبعاث غازات الدفيئة، هناك انتقاد آخر شائع لإنتاج اللحم البقري هو أن الأبقار تقود الرعي الجائر في المساحات والمراعي الخضراء، يمكن أن يضعف صحة التربة والتنوع البيولوجي. ومع ذلك، يجادل الباحثون بأن الأبقار التي تتم إدارة مراعيها بشكل صحيح، تساعد في استعادة التربة السليمة، والحفاظ على النباتات البرية وتعزيز البيئة. وقد كشفت دراسة لمزارع الألبان في كينيا أن إضافة حمية غذائية نموذجية للماشية بأعلاف عالية الجودة مثل شجيرة الأعشاب ونباتات الغنية بالبروتين، والتي يمكن أن تؤدي إلى نمو أسرع للماشية وزيادة إنتاج الحليب - يمكن أن تقلل من انبعاثات الميثان لكل لتر من الحليب بنسبة 8 - 60 في المائة. إن الممارسات الرعوية المستدامة بالتأكيد ستهيئ الماشية، لتكون جزءًا من الحل، حيث إن تقليل أي مصدر لانبعاث الغازات الدفيئة سيفيد كوكبنا.
 
دعوات للتخلي عن استهلاك لحوم الأبقار...
يطالب المدافعون عن البيئة بشكل متزايد إلى التحول إلى نظام غذائي خال من اللحوم، ويقود ذلك التوجه حملات إعلانية مكثفة تدعو لاتباع حمية غذائية نباتية كحل لمعالجة مشكلة تغير المناخ! حيث يرى مؤيدو النظام الغذائي المعتمد على الخضراوات كمصدر للغذاء، أن هذا التوجه سيساهم في الحد من الاعتماد على لحوم الأبقار بكثافة في النظام الغذائي وبالتالي التحرك نحو مستقبل غذائي أكثر استدامة بحسب رأيهم. وهناك 1.4 مليار رأس ماشية في العالم وهذا العدد في تزايد مع زيادة الطلب على لحوم البقر ومنتجات الألبان. جنبا إلى جنب مع غيرها من حيوانات الرعي، فإنها تسهم بنسب مرتفعة من انبعاثات غاز الميثان. ويبرز سؤال هنا هل يمكن لهذا الحل التغلب على تغير المناخ؟ هل التوجه نحو الاعتماد بشكل رئيسي على المنتجات الزراعية أكثر استدامة من أكل لحوم الأبقار، ماذا عن الكميات الكبيرة من الأسمدة الكيماوية والمبيدات الحشرية للتحول إلى نظام غذائي نباتي؟ جميع هذه الأسئلة المشروعة تبين لنا أن هذا الحل ليس مستداما ولن يخدم البيئة. الخبر السار أنه يمكن للنظام البشري الغذائي المساعدة في تخفيف آثار تغير المناخ، إن جعل النظام الغذائي جزءا من الحل يعني أن تكون المراعي خارج المناطق الصناعية التي يتم فيها عزل الأبقار وتوفير نوع واحد من الأعشاب، حيث تشير الدراسات إلى أن الرعي في المراعي الطبيعية هو من أنجع الحلول للتقليل من الانبعاثات التي تتسبب فيها المواشي. هذا ومن المتوقع أن يزداد الطلب على لحوم الأبقار خصوصا في الدول النامية بنسبة 80 في المائة عام 2050م.

font change