كلمة السر في ملف قبرشمون

انتهى بالمصالحة والمصارحة

كلمة السر في ملف قبرشمون

* ما الذي دفع بفريق العهد ومن يقف خلفه إلى إطفاء توتر بات يهدد بالانفجار؟
* ما الدور الذي لعبه بيان السفارة الأميركية؟ وهل هو كلمة السر؟ وهل هو سبب وجود الحريري في واشنطن؟
* ما صحة لقاء جنبلاط-«حزب الله» المزمع عقده؟ وما الهدف منه؟
* بلال عبد الله: الحل صناعة لبنانية
* زياد أسود: تمت حلحلة الأمور سياسياً إنما لم تحل بالمفهوم القانوني لأن الإجراءات ما زالت قائمة
* مصطفى علوش: زيارة الحريري إلى واشنطن مرتبطة بالعقوبات الأميركية على لبنان في ظل الأخبار عن أن العقوبات سوف تشمل حلفاء «حزب الله»
* منير الربيع: أثبت جنبلاط من خلال عدم تنازله بأنه قادر على إعادة التوازن في لبنان وأنه عصي على الكسر

بيروت: فجأة دون سابق إنذار انقلب المشهد السياسي في لبنان من بركان يغلي بعد التصعيد في المواقف والسقوف المرتفعة إلى حمامات سلام. الراية البيضاء رفعت من قبل جميع الأفرقاء المتخاصمة، اجتمعوا تصارحوا وتصالحوا لينتهي بذلك كابوس ملف «قبرشمون».
في ساعات حاسمة عاد رئيس الحكومة سعد الحريري الأسبوع الفائت إلى لبنان بعد كلام عن «اعتكاف»، وإذا برئيس الجمهورية ميشال عون يتراجع عن رفضه السابق بأن يكون «شيخ صلح»، أما رئيس «اللقاء الديمقراطي» النائب طلال أرسلان أيضا فقد تراجع عن مواقفه الرافضة للمساومة على دم «الشهداء» والإصرار على طرح القضية على طاولة مجلس الوزراء، لينقلب المشهد السياسي رأسا على عقب، واذا بالحكومة اللبنانية تلتئم، السبت الفائت، للمرة الأولى منذ أكثر من أربعين يومًا، غداة التوصل إلى مصالحة درزية–درزية بين طرفي الخصومة في «حادثة عالية»، بعدما رعى رئيس الجمهورية ميشال عون في قصر بعبدا جلسة مصالحة بين رئيس الحزب التقدمي الاشتراكي، الزعيم الدرزي وليد جنبلاط، ومنافسه في الطائفة الدرزية رئيس الحزب الديمقراطي طلال أرسلان، بحضور رئيس مجلس النواب نبيه بري، والرئيس الحريري.
لقاء المصالحة، أو كما أراد البعض تسميته لقاء «المصارحة»، سبقه قبل ساعات بيان شديد اللهجة من قبل السفارة الأميركية في بيروت حذرت فيه من «أي محاولة لاستغلال الحادث المأساوي الذي وقع في قبرشمون في 30 يونيو (حزيران) الماضي، بهدف تعزيز أهداف سياسية، مؤكدة على «دعم الولايات المتحدة المراجعة القضائية العادلة والشفافة دون أي تدخل سياسي». هذا البيان المقتضب لم يكن تطورًا مألوفًا بل اكتسب دلالات استثنائية نظرًا إلى أنه في الشكل والمضمون عكس خروج التداعيات السياسية والقضائية للحادث عن إطارها الداخلي الصرف للمرة الأولى ليدفع بسفارة الدولة الأقوى في العالم للتدخل واتخاذ موقف منه.
كما أن الدلالة الأبرز التي اكتسبها البيان تمثلت في التشديد على ضرورة تجنب استغلال الحادث لأهداف سياسية بما يعني ضمنًا التحذير من تسييس القضاء، وهو تطور لا يمكن تجاهل تأثيره في مجريات الاحتدام الداخلي الناشئ عن تصاعد المواجهة بين العهد والحزب التقدمي الاشتراكي.
هذا البيان أيضاً جاء في وقت كثر فيه الحديث في الكواليس السياسية منذ بداية أزمة قضية قبرشمون عن تدخل عدد من السفارات في معالجة القضية وتأمين غطاء سياسي لجنبلاط، بعدما شعر أن هناك استهدافا له بالمباشر وهذا ما لم ينفه الوزير وائل أبو فاعور في مؤتمره الصحافي الذي أكد على لقاء جنبلاط مع عدد من سفراء الدول، وهو ما يشير إلى أن هذا البيان بمثابة الدعم القوي لوليد جنبلاط..
وعلى خط آخر للمصالحة، تحدثت الأوساط السياسية عن أن الرئيس بري، الذي لعب دورًا واضحًا في تحقيق المصالحة والمصارحة في بعبدا ‏بين جنبلاط وأرسلان برعاية الرؤساء الثلاثة، سيتحرّك قريبًا جدًا في سياق ‏مبادرته لعقد مصالحة بين «حزب الله» و«الحزب التقدمي الاشتراكي»، ومن خلالهما بين الأمين العام للحزب ‏حسن نصر الله ورئيس الحزب الاشتراكي وليد جنبلاط.‎
ولكن، ما انتهت إليه حادثة قبرشمون تشير إلى أن الأمور خرجت عن سيطرة «حزب الله» وفريق العهد، وجاء ما لم يكن في الحسبان، الذي غيّر المعادلة وقلب المشهد السياسي ودفع بهذا الفريق إلى التراجع عن استغلال هذه الحادثة والرضوخ حتى لو أن اللقاء عقد على قاعدة لا غالب ولا مغلوب.
لكن ما هي كلمة السرّ؟ وما الذي دفع بفريق العهد ومن يقف خلفه إلى التراجع، علماً بأن «حزب الله» أدان بيان السفارة واعتبره تدخلا «سأفرا» في الشأن الداخلي؟ ومن جهة ثانية ما صحة لقاء جنبلاط–«حزب الله» المزمع عقده؟ وما الهدف منه؟

 

النائب بلال عبد الله


 
تغيير في المشهد السياسي وارساء مبدأ المصالحة
عضو اللقاء الديمقراطي، النائب بلال عبد الله، نفى أن تكون ثمة علاقة لأي جهة خارجية بالمصالحة، مشيرا إلى أن «محاولات لملمة الوضع قام بها الرئيس بري منذ اليوم الأول لحادثة قبرشمون»، مضيفا: «وبعد المسار الطويل والصعب توافق الأفرقاء فيما بينهم على إنقاذ الوضع»، مؤكدا على أن «الحل هو صناعة لبنانية».
وأمل عبد الله في النهاية «أن تكون هذه الحادثة دافعا أكبر للاهتمام بالشؤون الاقتصادية والإنمائية وقضايا الناس على أن تتم معالجة الأمور السياسية الخلافية عبر الحوار».
إلى ذلك رأى عضو تكتل «لبنان القوي» النائب زياد أسود، أن تدخل السفارة الأميركية لم يكن مفيدا ولا يدل سوى على أن البعض يلتجئ للسفارات على حساب هويته الوطنية، مضيفا: «في النهاية هذا الملف كان بحاجة إلى حل لكن الحل لا يأتي على حساب القانون وما دام القضاء لا يزال يقوم بدوره بأي شكل من أشكال الحلول يكون مريحا للبنانيين إلا أنه لن يكون على حساب العدالة والدم الذي سقط»، مشيرا إلى أنّ المحكمة العسكرية لا تزال قائمة رغم التشكيك فيها والمجلس العدلي لا يزال اللجوء إليه احتمالا مفتوحا، ومن هذا المنطلق لا يمكن تسمية ما حصل تنازلا، إنما يمكن القول إنه خطاب حل ضمن حدود مرسومة بالقوانين».
وعن اتهام «حزب الله» بأنه من يقف وراء الحملة التي تشن على جنبلاط، قال أسود إن الصراع بين الحزب الاشتراكي و«حزب الله» هو صراع سياسي إقليمي ودولي، لافتاً «على الرغم من وجود اختلاف بين الطرفين لكن هذا لا يعني أن ما حدث في قبرشمون هو نتيجة أو ردة فعل مبررة ولا حتى يعني أننا نحن كتيار أداة من أدوات هذا الصراع».
وشدّد أسود على أن الذي تغيّر في المشهد السياسي هو بروز هذا الحل لقضية قبرشمون لكن الواقع الفعلي لم يتغير للجريمة فالوقائع والأدلة على ارتكاب الجريمة لا تزال قائمة، ومخطئ من يظن أنها تغيّرت»، مضيفا: «على الناس أن تدرك أن هناك تسجيلات وأدلة تثبت حتى اليقين نيّة ارتكاب الجرم بحق الوزير باسيل وهذا لا يعني أن الجرم بحق الغريب عرضي إنما أيضا قصدي ويؤدي إلى النتيجة نفسها والآثار والمفاعيل القانونية على ارتكابها»، لذلك الذي تغير في الإطار الشكلي هو حلحلة الأمور سياسياً إنما لم تحل بالمفهوم القانوني لأن الإجراءات ما زالت قائمة».


 
كلمة السرّ في البيان الأميركي
الكاتب والصحافي منير الربيع، أكّد لمجلة «المجلة» على أن بيان السفارة الأميركية سبق بتحرك أميركي لافت في السر مع مسؤولين لبنانيين أوصل إليهم رسائل تحذيرية بأن هذا المسار سوف يؤدي إلى فرض عقوبات على بعض القوى وقد يؤدي إلى فرض عقوبات على الدولة اللبنانية، لأنه يمنع تعطيل عمل المؤسسات إذا كان لبنان يريد الاستفادة من المساعدات الدولية»، مشيرا إلى «دخول الأميركيين بقوة على خط حفظ التوازن في لبنان بعد كلام بأنهم لم يسمحوا لـ«حزب الله» بالاستفراد بالدولة اللبنانية وبالتالي التهديد بالعقوبات وهذه التحذيرات هي التي دفعت جميع القوى السياسية إلى التراجع لا سيما القوى التي كانت متشددة بموضوع تصفية الحساب مع جنبلاط»، وتابع: «أثبت جنبلاط من خلال ذلك بصموده أولا وعدم تنازله بأنه قادر على إعادة التوازن في لبنان خاصة أنه استطاع استدراج مواقف دولية داعمة له وهذا دفعه إلى تسجيل جملة نقاط تمثلت بتراجع القوى الأخرى عن مطالبها وسقوفها العالية وتمثلت أيضا بأن جنبلاط عصي على الكسر»، نافيا كل الكلام الذي تم تداوله عن تدخل روسي لصالح جنبلاط.
وعن السبب وراء تراجع جنبلاط عن مطلبه بلقاء يجمعه بـ«حزب الله» قبل أي لقاء مع أرسلان، قال الربيع إنه «تراجع قدمه بسبب الضغوط والوضع المالي والاقتصادي الذي دفع القوى الأخرى للاستعجال لعقد هذه المصالحة»، مشيرا إلى أنه «مقابل هذا التنازل الذي قدمه جنبلاط أنه ربح عدم الذهاب إلى المجلس العدلي».
وقال: «كذلك رئيس الجمهورية قال إنه لا يريد أن يكون شيخ صلح وكان مصرا على القضاء إلا أن هذا لم يحدث وكذلك الأمر بالنسبة لأرسلان الذي أكد مرار وتكرارا أنه لن يلتقي جنبلاط على حساب دم الشهداء»، وتابع: «بالتالي «جنبلاط تنازل عن نقطة واحدة إنما خصومه تنازلوا عن الكثير من النقاط».
وفيما يتعلق بموضوع الضمانة من «حزب الله» والعلاقة بين الطرفين قال الربيع إن «هذا الأمر يعمل عليه الرئيس بري وثمة لقاء سيعقد قريبا في عين التينة والهدف منه تخفيف حدّ التوتر»، مضيفا: «جنبلاط كان يعتبر نفسه مستهدفا من قبل كل المحور الذي ينتمي إليه (حزب الله) وبالتالي بعد تسجيله هذه النقاط أصبح لا بد من عقد لقاء مباشر مع الحزب لتخفيف حدة التوتر ووقف القطيعة وإعادة التوازن»، مشيرا إلى أن «لا شيء أبدي في لبنان وكل هذه الخلافات والمصالحات ومن ثم تجدد الخلافات والمصالحات هي جزء من اللعبة السياسية اللبنانية وكل طرف يريد تسجيل نقاط على حساب الطرف الآخر».
وفي الختام أكّد الربيع أن سبب رضوخ «حزب الله» لمبدأ إرساء المصالحة هو تخوفه من العقوبات لأن هناك معلومات أميركية تؤكد أن العقوبات ستأتي على لبنان وعلى أشخاص من خارج جسم «حزب الله» التنظيمي وهو الذي دفع كل المسؤولين إلى التراجع».
 
زيارة الرئيس الحريري إلى واشنطن
وبانتظار تبيان ترجمة مفعول الأولويات التي اتفق عليها في اجتماع قصر بعبدا يوم الجمعة بين الأفرقاء المتخاصمة، ‏ترصد الأوساط الرسمية والدبلوماسية والسياسية بدقة الأجواء التي ستواكب لقاءات الرئيس الحريري في واشنطن. ولعل ‏اللافت في الرصد الجاري لزيارة الحريري أنه يعكس اهتمامًا داخليًا لبنانيًا متعددا لا سيما بعد الحديث عن عقوبات أميركية ستطال جهات خارج بيئة «حزب الله».

 

مصطفى علوش


عضو المكتب السياسي في تيار المستقبل النائب السابق، مصطفى علوش، قال في حديث لمجلة «المجلة»، إن زيارة الحريري غير مرتبطة بحادثة قبرشمون مؤكدا «إنها لا شك لها علاقة بالعقوبات الأميركية على لبنان وهي أمر أساسي لا سيما في ظل الأخبار التي يتم تداولها عن أن العقوبات سوف تتوسع لتشمل حلفاء «حزب الله» وخطورة الأمر على الاقتصاد اللبناني»، لافتا إلى أن «اللقاءات سوف تدور حول كيفية معالجة الأمر دون أن يؤدي إلى زيادة الضغوطات على الوضع الاقتصادي والمالي في لبنان».
وعن البيان الأميركي الذي أفضى في نهاية المطاف إلى تغيير المشهد السياسي وإرساء أجواء التهدئة والمصالحة أشار علوش إلى أنه «يبدو أن السيناريو المتوافق عليه أن السفارة الأميركية اجتمعت بالأوساط السياسية قبل إصدار هذا البيان ما يشير إلى أنه فعل فعله حيث حلت روح القدس على الجميع والتزموا بالتهدئة»، مضيفا: «قناعتي أن جميع الأطراف من ضمنهم (حزب الله) كانوا موافقين على وضع حد لهذه المعمعة حتى صدر بيان السفارة فالبعض أخذه ذريعة لوقف السجال والبعض الآخر أطلق سهامه على البيان منتقدا إياه لكن في جميع الأحوال الأكيد أن البيان الأميركي هو الذي غيّر المعادلة»، مشيرا إلى أن «حزب الله ليس له مصلحة بتوتير الوضع في لبنان في هذه اللحظة نظرا لانشغاله بأمور أخرى عدا عن أن الفريق اللصيق بالنظام السوري هو نفسه مطلوب منه التصعيد إنما لم يجدوا الدعم الكافي للاستمرار بهذا التصعيد».
ما يمكن قوله إذن أن المصالحة قد غيّرت من المشهد السياسي في لبنان. ولا شك أنه سيبنى على هذا التحوّل الكثير لتكون ما بعد تلك اللحظة ليس كما قبلها، ومنها تكريس مبدأ التوازنات في لبنان من جهة وضبط طموحات وجموح فريق العهد من جهة ثانية.

font change