معركة «إدلب»

مواجهة روسية تركية حول المناطق الآمنة

معركة «إدلب»

* تخوفات من تغير قواعد الاشتباك على الأرض بين موسكو وأنقرة
* تركيا لم تتوقع على الإطلاق إمكانية تقدم القوات السورية إلى إدلب ووصولها إلى الحدود، لذا كان الأمر مباغتًا، وسوف تسعى أنقرة إلى التهدئة مع روسيا

القاهرة: العملية العسكرية الشاملة التي بدأتها القوات الحكومية السورية بدعم روسي لتحرير محافظة «إدلب» على الحدود التركية من التنظيمات الإرهابية، فجرت صراعًا جديدًا بين موسكو وأنقرة حول اتفاقيات المناطق الآمنة» عقب نجاح الجيش النظامي السوري في تحرير مدينة خان شيخون وعدد من البلدات الأخرى، والذي تضمن مواجهات عسكرية مع قوات تركية، مما أدى إلى توترات بين روسيا وتركيا دفعت الرئيس التركي رجب طيب إردوغان إلى القيام بزيارة عاجلة إلى موسكو الثلاثاء الماضي 27 أغسطس (آب)  الجاري، وهي الزيارة التي تزامنت مع بدء تنفيذ اتفاقية تركية أميركية خاصة بالمنطقة الآمنة على الحدود السورية.
وشهدت العملية العسكرية السورية في «إدلب» مواجهات بين قوات النظام السوري وقوات تركية، وتمكنت قوات النظام من تطويق نقطة مراقبة تركية في بلدة مورك، تُعد الأكبر من بين 12 نقطة مماثلة تنشرها أنقرة في إدلب ومحيطها بموجب اتفاق «سوتشي» الذي سبق وأن وقعته مع روسيا في سبتمبر (أيلول) الماضي لإقامة منطقة منزوعة السلاح بمحافظة «إدلب» على الحدود الروسية التركية، ولم يستكمل تنفيذ الاتفاق، كما تعرض «رتل» تعزيزات عسكرية تركي لقصف من الطيران الروسي في ريف «إدلب» خلال استهداف سيارة مرافقة تابعة لفصيل سوري معارض، حيث تمكنت قوات النظام السوري من السيطرة على طريق دمشق - حلب الدولي خلال تقدمها في مدينة خان شيخون.
وشهدت الأيام الماضية توترات بين الجانبين الروسي والتركي عكستها تصريحات المتحدث باسم الكرملين ديمتري بيسكوف، التي قال فيها قبل يوم واحد من لقاء الرئيسين الروسي والتركي، إن «بوتين يتفهم مخاوف أنقرة، لكنه يشعر بقلق مماثل بشأن هجمات الإرهابيين في محافظة إدلب السورية والتي ينبغي وضع حد لها».
وأعلن الرئيس الروسي، فلاديمير بوتين، أنه حدد مع نظيره التركي، رجب طيب إردوغان، إجراءات إضافية لإرساء الاستقرار في منطقة إدلب لخفض التصعيد بسوريا والقضاء على بؤر الإرهاب»، وقال بوتين في مؤتمر صحافي مشترك مع إردوغان إن «الأوضاع في منطقة إدلب تثير قلقًا متزايداً لدى كل من روسيا وتركيا، فالمجموعات الإرهابية هناك تواصل هجماتها على مواقع الجيش السوري بل القوات الروسية، وقد حددنا مع الرئيس التركي الإجراءات الإضافية المشتركة للقضاء على بؤر الإرهاب في إدلب واستقرار الأوضاع في هذه المنطقة وفي سوريا على وجه العموم».
ويرى محللون سياسيون أن «العملية العسكرية السورية الروسية في إدلب جاءت ردا على قيام تركيا بتوقيع اتفاق المنطقة الآمنة مع الولايات المتحدة الأميركية، والذي يهدف إلى إقامة وإدارة منطقة آمنة في شمال شرقي سوريا تفصل بين مناطق سيطرة المقاتلين الأكراد والحدود التركية.

 

الدكتور وليد قزيحة أستاذ العلوم السياسية بالجامعة الأميركية بالقاهرة


ويقول الدكتور وليد قزيحة أستاذ العلوم السياسية بالجامعة الأميركية بالقاهرة لـ«المجلة» إن «معركة إدلب رد روسي مباشر على الخطوة التركية بتوقيع اتفاق المنطقة الآمنة مع واشنطن، وهي رسالة وضعت إردوغان في موقف صعب ومُعضلة سياسية لن يتمكن من حلها بطريقته التي تعبر عن برغماتية سياسية تتمثل في اللعب على كل الأطراف، فالواقع يؤكد أن روسيا هي الطرف الأقوى في سوريا، والوجود الأميركي ليس له تأثير، بل هو مجرد وجود شكلي».
ويضيف قزيحة: «الرسالة التي وصلت إلى بوتين من توقيع تركيا اتفاقًا للمنطقة الآمنة مع واشنطن هي سعي إردوغان إلى مساعدة ترامب على تضخيم الدور الأميركي شرق الفرات، وهو أمر مستفز بالنسبة لروسيا، لذلك جاء الرد عسكريًا بعملية إدلب، وتقوم كل من روسيا ونظام بشار الأسد بالتعامل مع تركيا بطريقة تجعل الباب مواربا دائمًا نظرًا لأهمية أنقرة بالنسبة للحدود السورية، لكنهم يدركون أيضًا أن إردوغان ليست لديه القدرة على مواجهة أي تصعيد».
واستبعد قزيحة أن يحدث تنسيق روسي أميركي مع تركيا فيما يتعلق بالأوضاع في إدلب، مشيرًا إلى أن «تعارض المصالح بين أميركا وروسيا في سوريا يمنع أي تنسيق فيما يتعلق بالمناطق الآمنة، خاصة أنه تعارض يتعلق بالأهداف الاستراتيجية».
وقال تقرير لمركز المستقبل للأبحاث والدراسات المتقدمة في أبوظبي أن تصاعد الخلاف الروسي التركي حول إدلب أدى إلى تغير قواعد الاشتباك العسكري على الأرض بين الطرفين، مشيرًا إلى أن «الضربة العسكرية الروسية السورية التي استهدفت صد تقدم قافلة تعزيزات عسكرية تركية تشمل 50 مركبة عسكرية في إدلب، زادت من تخوفات المراقبين باحتمال حدوث تصعيد عسكري مباشر روسي– تركي، إذ إن قصف الرتل لم يكن عشوائيًا على نحو بدا جليًا في تصريحات المسؤولين الروس والأتراك حول هذه العملية تحديدًا. فقد بررت روسيا– التي تقود عمليات القصف الجوي غالبًا في المعارك المشتركة مع قوات الجيش السوري - ذلك بأن التعزيزات كانت في طريقها إلى عناصر إرهابية، في حين أعلنت أنقرة أنها كانت تتجه إلى إحدى النقاط الأمنية، والمتصور إجمالاً في هذا السياق أن روسيا ما زالت حريصة على تأكيد أولوية تغيير الأوضاع في إدلب واستعادتها لصالح النظام على حساب التواجد العسكري التركي».
ويضيف التقرير: «اندلع اشتباك دبلوماسي جديد بين الجانبين، إذ لم يكتف وزير الخارجية الروسي سيرغي لافروف بالإشارة إلى تحذيرات موسكو السابقة حيال نفاد صبرها إزاء تنامي الإرهاب في إدلب، وأن اتفاق سوتشي لن يبقى للأبد، وإنما حمّل أنقرة صراحة المسؤولية عن تزايد سيطرة التنظيمات الإرهابية في إدلب من 50 إلى 90 في المائة على حد قوله، بالإضافة إلى استرساله في هذا السياق بتأكيده على أن النقاط الأمنية التي تم إنشاؤها وفقًا للاتفاق لم تباشر مهامها بمقتضاه في تقويض بنية التنظيمات الإرهابية، بما يعني ضمنيًا توجيه اتهام روسي هو الأول من نوعه لتركيا بدعم تنظيمات إرهابية في سوريا».
وذهب التقرير إلى أن «الصدام الحالي بين موسكو وأنقرة يأتي في أعقاب تقارب أميركي– تركي فرضه نجاح واشنطن وأنقرة في التوصل إلى تفاهمات بشأن المنطقة الآمنة على الجانب الآخر شرق الفرات، بعد سلسلة من الخلافات بينهما بسبب إتمام صفقة (إس 400) بين تركيا وروسيا».
وحذر التقرير من أن «استمرار التصعيد ليس في مصلحة أنقرة، بل يضعها في موقف صعب، فرغم أن تركيا تواجه اتهامات من قبل أطراف كثيرة بدعم الإرهاب، وهي الاتهامات التي تلاحقها في سوريا ودول أخرى، إلا أن الأمر يبدو مختلفًا بالنسبة لها، عندما تؤيد روسيا هذه الاتهامات، سواء بشكل ضمني أو صريح، خاصة أن ذلك يعني أن موسكو قد تسعى إلى وضع مزيد من العقبات أمام محاولات تركيا الاحتفاظ بقواعدها العسكرية في إدلب، على نحو سوف ينعكس على العلاقات بين الطرفين التي يمكن أن يتغير نمطها خلال المرحلة القادمة».
واستبعد خبراء عسكريون تطور الأزمة بين موسكو وتركيا إلى مواجهة عسكرية مباشرة في إدلب، موضحين أنه مهما كان عمق الخلافات، إلا أن كل طرف سيسعى للحصول على مكاسب في إطار مصالحه وتطلعاته، كما أن تعارض المصالح وتعدد أطراف الصراع إحدى سمات المواجهات بالمنطقة.

اللواء محمد علي بلال



ويقول المحلل العسكري اللواء محمد علي بلال نائب رئيس أركان القوات المسلحة المصرية الأسبق لـ«المجلة» إن «تركيا لم تتوقع على الإطلاق إمكانية تقدم القوات السورية إلى إدلب ووصولها إلى الحدود، لذا كان الأمر مباغتًا، وسوف تسعى أنقرة إلى التهدئة مع روسيا للحفاظ على وجودها العسكري بالمنطقة وضمان استمرار نقاط المراقبة التي تم تدشينها وفق اتفاق سوتشي، ومن الوارد أن تتسع المفاوضات بين تركيا وموسكو لتشمل التنسيق مع الولايات المتحدة الأميركية فيما يتعلق بالمنطقة الآمنة تجنبًا للصدام العسكري على الأرض، فجميع الأطراف يدركون خطورة ذلك، وسيبذلون جهدهم لتجنبه».
 

font change