قضية الأحواز... انتهاك إيراني لحقوق الإنسان والمواثيق الدولية

إعدامات وإخفاءات قسرية وتهجير ممنهج وإغراق أراضي

قضية الأحواز... انتهاك إيراني لحقوق الإنسان والمواثيق الدولية

* متخصص في الشؤون الإيرانية: لا حل قريب لمشاكل الأحواز، وإيران تقوم بحشد الداخل أمام الضغوط الغربية

* 72 % من إنتاج النفط الإيراني أحوازي و62 % من نسبة الإعدامات في إيران من الأحواز

* غضب الأحواز مستمر بسبب المعاملة الإيرانية الجائرة بحق السكان

* الحرس الثوري يقوم بفتح السدود لإغراق أراضي الأحواز لتهجيرهم

* الاستيلاء على الأراضي العربية من خلال ذرائع واهية

* الاعتقال التعسفي مستمر من قبل طهران والمنع من الطعام والدواء

* الأحواز إقليم عربي محتل ويتعرض سكانه للبطش والتنكيل والتمييز

* الأحواز نموذج واضح للتعدي الإيراني الممنهج على حقوق الإنسان

* محاولات الإخلال بالتركيبة السكانية لعرب الأحواز مستمرة

القاهرة: تعد قضية الأحواز في إيران نموذجاً واضحاً للتعدي الممنهج على حقوق الأقليات في العصر الحديث، حيث تعاني الأقلية الأحوازية من التعسف والقيود التي تمنعها من ممارسة حقوقها الأساسية في الحياة بشكل آدمي ولائق بما يتناسب مع الحقوق الإنسانية التي كفلتها المنظمات الدولية، وتدفع السلطات الإيرانية في اتجاه تهجير سكان المناطق العربية من أراضيهم، ولا تدخر طريقة لتحقيق هذا الأمر من خلال انتهاج كل السبل لتحقيق ذلك بما فيها القتل والمطاردة والسجن والترهيب والإخفاء القسري، وكان من بين التجاوزات الإيرانية في حق سكان الأحواز قضية الإعدامات التي تمت ضد مجموعة من السكان شهر أغسطس (آب) من العام الجاري 2019. بعدما أعلنت السلطات الإيرانية على مواقعها الرسمية تنفيذ حكم الإعدام ضد اثنين من السكان الأحواز السنة من مدينتي «شاوور» و«الشوش» بعد اتهامهما بمحاربة الله والإفساد في الأرض، والإخلال بالأمن القومي الإيراني، والتورط في حادثة «صافي آباد» في مدينة القنيطرة الأحوازية وإطلاق النار على المشيعين الحسينيين عام 2015 مما أوقع قتيلين وثلاثة جرحى- وذلك بحسب الاتهامات الرسمية

الإيرانية- في حين لم تقم السلطات الإيرانية بنشر أي دلائل تثبت الاتهامات الموجهة للمتهمين، أو اعترافهم بما نسب إليهم مما دفع منظمات حقوقية أحوازية إلى اتهام السلطات الإيرانية بتلفيق التهم للمتهمين ضمن سياسات طهران في الإقليم، وتم الإعدام بالفعل بعد يوم واحد من تأييد حكم المحكمة العليا الإيرانية ومن دون أي حقوق للطعن من قبل المتهمين، وعلى الرغم من جميع المناشدات الدولية من الجهات الحقوقية ومن بينهم منظمة العفو الدولية جاء قرار تنفيذ حكم الإعدام بحسب منظمات حقوقية لوقف الاحتجاجات على الممارسات الإيرانية والتفرقة العنصرية وسوء الأوضاع المعيشية في المدن الأحوازية، فيما تم حبس آخرين في نفس القضية لمدد طويلة بحجة تشكيل جماعة تكفيرية ضد الأمن القومي الإيراني ودعم جماعات مسلحة، فيما ذكرت مصادر حقوقية أحوازية إلى تعذيب العشرات من المعتقلين على خلفية الاتهامات في حادث القنيطرة، ووضعهم في الحبس الانفرادي، وإجبارهم على توقيع أوراق على اعترافات تمت تحت التعذيب، وأشارت المصادر إلى أن إيران تمتلك سجلا مخيفا في تنفيذ عقوبات الإعدام وتحتل الأحواز وحدها نحو 62 في المائة من نسبة الإعدامات التي تتم داخل إيران.


دولة عربية محتلة

ودعا نشطاء عرب في أكثر من مناسبة إلى ضرورة الاعتراف بالأحواز كدولة عربية محتلة من قبل إيران حيث تعد منطقة الأحواز إقليما عربيا تحتله إيران منذ عقود، ومعظم سكانه من العرب السنة الذين يتعرضون للبطش والتنكيل من السلطات الإيرانية.

وبحسب المنظمات الأحوازية تقع منطقة الأحواز بين العراق في الجنوب الشرقي وإيران في جنوبها الغربي، ويعد أغلبية سكان الإقليم من العرب، وساهمت الطبيعة الجغرافية للأحواز التي يحيطها جبال زاغروس من الشمال والشرق، وكذلك الخليج العربي من الجنوب في اختلاف لغة وثقافة سكانها، وساهم في ذلك أيضا متاخمتها لإيران، مما جعل التعدد والتباين من سمات هذه البقعة من العالم التي تنوعت بيئتها الجغرافية بين السهول والجبال والصحراء، ويتباين سكان الأحواز بين المذهب الشيعي والسني، وينتج الإقليم نحو 70 في المائة من النفط الإيراني، واعتنق الكثيرون المذهب السني مما دعا السلطات الإيرانية إلى التضييق عليهم بسبب ذلك حيث تحاول إضفاء المذهب الشيعي على الإقليم ككل للسير وفق توجهاتها.

الضغوط الحقوقية لن تثني إيران عن ممارساتها ضد الأحواز

الدكتور محمد عباس ناجي رئيس تحرير مجلة «مختارات إيرانية»، والباحث بمركز الأهرام للدراسات السياسية والاستراتيجية، قال: «لم يثبت أن تراجعت طهران أمام أي

نوع من الضغوط الحقوقية فيما يتعلق بقضية الأحواز أو غيرها من القضايا على الساحة الإقليمية خاصة بعد التصعيد الذي يجري على الساحة الإقليمية بين طهران والولايات المتحدة الأميركية، وبالتالي لا أعتقد أن المنظمات الحقوقية التي تثير قضية التعسف ضد الأحواز ستؤثر على القرار الإيراني فيما يتعلق بهذا الملف، ولا أرى حلا قريبا لهذه القضية خاصة مع معرفة الجميع لتوجهات النظام الإيراني الحالي، وممارساته المعروفة في الإقليم».

وتابع: «إيران تحاول حاليا تجييش الداخل الإيراني في صراعها مع الولايات المتحدة الأميركية، والاستفادة من الأزمة مع أميركا لتنظيم حشد داخلي داعم للنظام، وبالتالي فإن أي محاولات من قبل المنظمات الحقوقية الإيرانية، أو من جانب الأحواز أو غيرهم ستواجه بمزاعم العمالة والتخوين ضد أصحاب هذه التوجهات، وغيره من الحديث المعروف للنظام الإيراني ضد المعارضين لسياسة طهران».

وأضاف الدكتور محمد عباس: «الأحواز وغيرهم من القوميات الإيرانية لهم كل الحق في المطالبة بحقوقهم الاجتماعية والسياسية والاقتصادية وغيرها، لكن الفترة القادمة لا يتوقع أن يكون هناك استجابة من السلطان الإيرانية لأي دعوات من جانب الأحواز، مؤكدا أن التأثير الأكبر من الممارسات الإيرانية في الأحواز على اعتبار أنها المناطق الأغنى بالموارد والثروات النفطية والمعدنية والزراعية وغيرها، والتي يتم تجريفها والاستفادة منها من جانب النظام الإيراني في غير صالح الأحواز، حيث لا

يستفيد السكان في هذه المناطق من هذه الثروات في رفع مستوى معيشتهم، هذا بالإضافة إلى الممارسات التعسفية التي تتم ضدهم من السلطات الإيرانية».

إمارة عراقية

وصنفت الأحواز في عهد الإنتداب البريطاني كإمارة عراقية تتمتع بالحكم الذاتي ضمها الشاه لإيران عام 1925. وتم القضاء على الإمارة العربية بعد إعدام حاكمها خزعل الكعبي من قبل الفرس، ومنذ ذلك الحين اتبعت الحكومات الإيرانية المتعاقبة نهجا تمييزيا ضد سكان الأحواز من العرب في كل شيء بداية من منعهم من الوظائف والتضييق عليهم في دخول الجامعات الإيرانية، وفي استخدام اللغة العربية وتعلمها بل حتى في تسمية أطفالهم بأسماء عربية، وكذلك تفضيل سكان المناطق الإيرانية عليهم في كل شيء، وحاولت السلطات الإيرانية منذ وقت بعيد فرض اللغة الفارسية على الإقليم، وتوطين آلاف العائلات من المزارعين في داخل الأراضي الأحوازية للإخلال بالتركيبة السكانية للإقليم لصالح الفرس، وساهم في ذلك التغيير اكتشاف النفط في المنطقة عام 1908 مما دفع السلطات الإيرانية إلى الدفع بالمزيد من السكان الفرس لتوطينهم لتغيير التركيبة السكانية.

غضب متزايد

وشهد الإقليم الأحوازي غضبا متزايدا خلال الفترة الأخيرة بعد ما يقارب مائة عام على الغزو الإيراني للأحواز وعملية التفرقة في المعاملة عن باقي المناطق التي تخضع للسيطرة الإيرانية، وكذلك محاولة الإذلال المتعمدة لسكان الإقليم والتي أدت إلى خروج عشرات الاحتجاجات الشعبية الرافضة للسياسة العنصرية ضد الأحواز من قبل السلطات الإيرانية، والمستمرة منذ عقود طويلة، وتتنامى في الفترة الأخيرة بسبب رغبة السكان في الحفاظ على الهوية العربية والثقافية الأحوازية والتي تواجه برفض إيراني رسمي وانتهاكات مستمرة من قبل سلطات طهران تمثلت في الاعتقال التعسفي لعشرات الآلاف من السكان داخل سجون الحرس الثوري الإيراني، ليس هذا فقط ولكن التنكيل بالمعتقلين داخل السجون، وخاصة النشطاء الذين يتم الزج بهم داخل الحبس الانفرادي، ومنهم من تعرض للإعدام، هذا بخلاف المختفين قسريا من دون محاكمات والذين لا تعرف أسرهم عنهم شيئا منذ سنوات طويلة بحسب المنظمة الأحوازية لحقوق الإنسان التي تطالب المجتمع الدولي بإرسال بعثة لتقصي الحقائق لمتابعة وضح السجناء الأحواز في سجون إيران، والكشف عن المختفين قسريا.


مخطط تهجير الأحواز

وكشف عدد من المصادر الأحوازية عن تعرض الكثير من المعتقلين في السجون إلى التعسف من قبل السلطات الإيرانية، ومنع الطعام والدواء عنهم مما دفعهم إلى

الإضراب عن الطعام، بعد رفض السطات أيضا نقلهم لتلقي العلاج داخل المستشفيات بعد تدهور حالتهم الصحية.

ولم يقتصر التعسف الإيراني مع السكان الأحواز على السجون فقط، ولكن تجاوز ذلك إلى الاستيلاء على الأراضي الخاصة بالسكان الأصليين الذين تعرضوا للسجن والتعسف في أكثر من موقف عند الدفاع عن أرضهم عند محاولتهم مقاومة السلطات الإيرانية التي حاولت أكثر من مرة الاستيلاء على الأراضي بالقوة رغم ملكية السكان لها منذ عشرات السنين، وامتلاكهم الأوراق الثبوتية لهذه الملكية، وطالت الاتهامات السلطات الحكومية الإيرانية بمحاولات الاستيلاء على الأراضي من خلال حجج وذرائع إنشاء مشروعات عليها، أو عدم الحصول على ملكيات لها رغم حيازة المواطنين الأحواز لها منذ سنوات طويلة.

تهجير ممنهج

وكشفت تقارير حقوقية أحوازية عن استغلال السلطات الإيرانية الرسمية للكثير من الأزمات ومعظمها مفتعلة لتهجير السكان من مناطقهم العربية، وتحاول السلطات الإيرانية إجبار الأحواز داخل بعض المدن مثل الحويزة والبسيتين والخفاجية والرفيع وغيرهم على مغادرة منازلهم بسبب الفيضانات، وقدر هؤلاء من قبل منظمات حقوقية أحوازية بما يزيد على 300 ألف مواطن، وقامت قوات من الحرس الثوري الإيراني

بالهجوم على القرى الأحوازية والتنكيل بأهلها وقتل وإصابة الكثير منهم بعد إطلاق النار عليهم، واعتقال الرافضين للسياسات الإيرانية التي تمثلت إحداها في فتح السدود لإغراق قطاع كبير من الأراضي بهدف تهجير السكان جماعيا، خاصة في المناطق الريفية على الحدود مع العراق وكذلك في الشمال، ورفضت السلطات الإيرانية دعم المتضررين في الريف من قبل المنظمات الإغاثية، ورفض دخول المساعدات إلى المناطق المتضررة، ورفض الكثير من السكان المحليين عروض السلطات الإيرانية بتهجيرهم إلى محافظات في وسط إيران وذلك إدراكا منهم بالمخطط الحكومي لتغيير التركيبة السكانية للإقليم.

ورغم مسؤولية السلطات الإيرانية عن الكوارث التي تعرض لها السكان الأحواز في مناطقهم فإنها رفضت تقديم الغوث للمتضررين من فتح السدود لإغراق الأراضي الزراعية مما دعا السكان الأحواز العرب في وسط وجنوب شرقي الأحواز إلى المبادرة بإرسال المساعدات لأقرانهم من السكان المتضررين في القرى المختلفة والتي بلغت نحو 13 قرية في مناطق الشعيبية الريفية، ورفضت السلطات الإيرانية الإجابة على أسئلة المنظمات الحقوقية لتصرفاتها بحق الإقليم.

الأمم المتحدة تدعو لوقف سياسة التمييز

وينص ميثاق الأمم المتحدة الذي وقعت عليه الدول الأعضاء على مبادئ الكرامة والتساوي الأصليين لجميع البشر، وأن جميع الدول الأعضاء قد تعهدت باتخاذ إجراءات جماعية وفردية، بالتعاون مع المنظمة، بغية إدراك أحد مقاصد الأمم المتحدة المتمثل في تعزيز وتشجيع الاحترام والمراعاة العالميين لحقوق الإنسان والحريات الأساسية للناس جميعا، دون تمييز بسبب العرق أو الجنس أو اللغة أو الدين، ويؤكد الإعلان العالمي لحقوق الإنسان أن البشر جميعا يولدون أحرارا، ومتساوين في الحقوق والكرامة أمام القانون دون أي تمييز أو تحريض عليه، وأعلنت الأمم المتحدة ضرورة القضاء السريع على التمييز في جميع أنحاء العالم بكل أشكاله ومظاهره، وأن مذهب التفوق القائم على التفرقة العنصرية والتمييز خاطئ وظالم ويمثل خطرا اجتماعيا، ويشكل عقبة تعترض العلاقات الودية والسلمية بين الأمم وتعكير السلم الاجتماعي والأمن بين الشعوب والأشخاص داخل الدولة الواحدة.

وأعلنت الأمم المتحدة عن قلقها لاستمرار مظاهر التمييز العنصري في بعض مناطق العالم، واستمرار السياسات الحكومية القائمة على أساس التفوق العنصري والعزل والتفرقة بين السكان وهي كلها تنتهجها الحكومة الإيرانية ضد السكان الأحواز على مر العصور وذلك في مخالفات صريحة وواضحة لميثاق الأمم المتحدة، وذلك دون أي رادع للممارسات الإيرانية.
font change