لبنان ينتفض

السلطة السياسية عاجزة عن احتواء غضب الشارع

لبنان ينتفض

* عون في خطابه المنتظر يخيب آمال المحتجين... ويلهب الشارع!
* تواصل الاحتجاجات في لبنان: استقالة 4 وزراء والحكومة تترنح
* شرارة الانتفاضة... فساد وضرائب دون إصلاحات
* قراءة في انتفاضة 17 أكتوبر: لحظة تاريخية وتأسيسية

بيروت:يبدو أن انتفاضة الشعب اللبناني ضد المنظومة السياسية لن تتوقف إلا برحيلها، هذا ما تعكسه الوقائع منذ اندلاع التحركات الشعبية ليل الخميس الفائت حتى هذه الساعة.
في السياسة، المشهد في لبنان تسيطر عليه الضبابية لا سيما أن الشارع مفتوح أمام جميع الاحتمالات في ظلّ الإصرار على استقالة الحكومة كمطلب أولي، لكن المؤكّد أن ما يشهده لبنان هو ظاهرة غير مسبوقة، ساحات لبنان من أقصى الجنوب إلى أقصى الشمال تتوحد بمطالبها. طرابلس تعانق الهرمل، صور تلاقي جل الديب والزوق تمد اليد إلى النبطية وزحلة، فيما تتواصل ساحتا الشهداء ورياض الصلح ببحر الشعب الهائج ضد الفساد وهدر المال العام.
المشهد نفسه يتكرر يوميا، الشعب في الشارع، والسلطة المحتقنة بمفعول شعاراته تبحث عن درب خلاص يقيها غضبه والسقوط.
 
الشرارة الأولى «للانتفاضة الشعبية»
تحولت شرارة ليل الخميس إلى شعلة متوقدة في الأيام التالية، وما كان احتجاجًا وبضعة آلاف من الغاضبين سرعان ما انقلب إلى انتفاضة مباغتة. واللبنانيون فاجأوا أنفسهم بقدر ما فاجأوا السلطة النائمة.
فقد تسبب أغرب اقتراح ضريبي متمثل في فرض رسم 20 سنتًا على خدمة «الواتساب» في الهواتف الخليوية على كل أول اتصال يوميًا، موجة غضب عارمة ترجمت عبر مواقع التواصل الاجتماعي أولاً ومن ثم عبر الاعتصامات والمسيرات التي بدأتها مجموعات من الناشطين من المجتمع المدني، مساء الخميس الفائت، وسط بيروت وقطع الطرق المستمرة حتى اليوم رغم محاولات القوى الأمنية فتحها بالقوة.
في اليوم الأول والثاني للحراك الشعبي اتخذت المظاهرة طابعًا حادًا، إذ حدثت مواجهات بين عدد من المحتجين والقوى الأمنية إضافة إلى أعمال الشغب والفوضى ترجمت بالاعتداء على الأملاك العامة والخاصة في عدد من المناطق، إلا أنه سرعان ما تمّت السيطرة عليها وتحولت جميع ساحات الاعتصام إلى ساحات احتفال بشكل حضاري وسلمي.


 
الأحد العظيم
وعلى الرغم من إعلان وزير الاتصالات محمد شقير التراجع عن البند الضرائبي على «الواتساب» يوم الجمعة الفائت، إلا أن هذه المحاولة لم تنجح بامتصاص غضب الشارع، والأحد العظيم كما أطلق عليه تفوّق على «أكبر مظاهرة في تاريخ لبنان» قبل 14 عامًا في ربيع 2005 إذ سجل تجمع مليونين ونصف المليون لبناني في ساحات الاعتصام.
والأهم أن المظاهرة لم تقتصر على بيروت فحسب، إنما الجغرافيا اللبنانية بأسرها تحولت إلى ساحة واحدة، كل المدن والقرى والبلدات تحولت إلى مكان للاعتصام والتظاهر والاحتفاء. بدا هذا تعبيرًا عن إصرار واعٍ بتأكيد انتماء كل ناحية وكل قرية وكل بلدة وكل مدينة إلى الانتفاضة الشاملة. تأكيداً على «تحرير» كل الجهات من هويات الولاء أو التبعية.
 
الورقة الإصلاحية
لم تنجح محاولات الدولة اللبنانية في امتصاص غضب الشارع، وعلى الرغم من إعلان رئيس الحكومة سعد الحريري ورقته الإصلاحية الاقتصادية والمالية، عاودت الانتفاضة الشعبية في الشارع إثبات نفسها، متجاوزة هذه الورقة، ضاغطة على الحكومة لتقديم تنازل جديد يتمثل بالاستقالة مؤكدين أن لا ثقة بالسلطة الحاكمة مجتمعة، وبدا أنّ البلاد دخلت في الجولة الثانية من الكباش، ما يعني أنّ لعبة عضّ الأصابع بين الحكومة والشارع مستمرّة، لا سيما أن الحراك ما زال محافظًا على قوّة الدفع والاستمرار حتى تحقيق المطالب.
وتتضمن مقترحات ورقة العمل الاقتصادية إقرار موازنة 2020 من دون أي عجز، من خلال المزيد من التقشف في النفقات العامة وتصفير حسابات خدمة الدين العام في سنة 2020 وزيادة ضريبة الأرباح على المصارف من 17 في المائة إلى 34 في المائة لسنة واحدة. بالإضافة إلى خفض أجور النواب والوزراء الحاليين والسابقين بـ50 في المائة، وخصخصة قطاع الاتصالات إما جزئيا وإما بالكامل، وإقرار قانون استعادة الأموال المنهوبة.
 

مصطفى علوش



في هذا السياق، قال القيادي في تيار المستقبل، النائب السابق مصطفى علوش، لـ«المجلة» إن «مع تطورات الشارع ثمة ثلاثة خيارات مطروحة؛ أولا الورقة الإصلاحية التي رفضها الشارع، ثانيا تعديل الحكومة عبر انسحاب الشخصيات الاستفزازية كوزير الخارجية جبران باسيل، والخيار الثالث الاتفاق على حكومة مصغرة خلال 48 ساعة تكون من اختصاصيين».
كما أكّد علوش أن «الخيار الأسهل للرئيس الحريري هو الاستقالة ومغادرة البلاد، لكنه لا يقدم على هذه الخطوة لأن الاستقالة دون أن يكون هناك بديل يعني الفوضى والذهاب نحو المجهول وخراب البلد لا سيما في ظل هذه الأوضاع الاقتصادية الصعبة».
كما رأى علوش أن أفضل الممكن هو الذهاب نحو تعديل حكومي عبر استقالة شخصيات معينة لأن الناس بحاجة لضحايا لتنفيس غضبهم، وعن مشكلة الثقة بالسلطة وإمكانية تنفيذ الإصلاحات قال علوش «لا يوجد أسهل من الرفض لمجرد الرفض، لا سيما أنه لا يوجد خيارات أخرى وحتى الآن لا بدائل لدى الحراك، مشددا على أنه يجب إعطاء فرصة لأن البلد يمر بمنعطف خطير».
وحتى الآن يمكن القول إن السلطة عاجزة عن امتصاص الغضب الشعبي، حتى إن رئيس الجمهورية ميشال عون في كلمته الأولى منذ انطلاق الحراك بعد ثمانية أيام على الحراك لم يقدم أي شيء جديد؛ إذ اكتفى بإطلاق الوعود دون الإقدام على أي خطوات عملية، وقد تلقف المعتصمون في الساحات كلمته، فأعرب المتظاهرون عن رفضهم مضمون الخطاب، مؤكدين استمرارهم في الانتفاضة حتى سقوط الحكومة. وأكد عون أن «الورقة الإصلاحية التي عملنا عليها ستكون الخطوة الأولى لإنقاذ لبنان وإبعاد شبح الانهيار المالي والاقتصادي عنه»، معتبرا أنها «كانت أول إنجاز لكم، لأنكم ساعدتم في إزالة العراقيل من أمامها وأقرت بسرعة قياسية، ويجب أن تواكبها مجموعة تشريعات». مشيرا إلى أنه «حاضر لالتقاء ممثلين عن الحراك للاستماع إلى المطالب».



مطالب الحراك الشعبي
واتسم اليومان الماضيان بتزايد الاحتضان الشعبي للمتظاهرين في الساحات العامة والفرعية في مختلف المناطق اللبنانية، فيما لوحظ أن المتظاهرين صوبوا غضبهم باتجاه مصرف لبنان، حيث سجلت تجمعات من الحراك أمام المصرف المركزي في الحمراء وطرابلس، هتفت ضد الحاكم رياض سلامة محملينه مسؤولية الانهيار المالي والنقدي في البلاد، في حين استمرت عمليات قطع الطرق والأوتوسترادات التي تربط العاصمة بيروت بالمناطق الأخرى، وحتى داخل العاصمة، ما تسبب بمواجهات بين المحتجين والجيش اللبناني الذي كان يعمل على فتح الطرقات بالقوّة لكن دون جدوى مع مواجهات المحتجين القوي باللحم الحي مؤكدين على استمرارهم في التحرك.
وللمرة الأولى منذ بدء حركة الاحتجاجات، عقدت أكثر من 15 مجموعة من الحراك، مؤتمرًا صحافيًا في ساحة الشهداء للرد على ورقة الحكومة الاقتصادية وتحديد خطوات المواجهة المستقبلية، مؤكدة استمرار المظاهرات حتى تحقيق المطالب.
وفي الوقت، الذي تحدثت فيه معلومات عن طرح فكرة جدية لتعديل وزاري، يقلص عدد وزراء الحكومة الحالي، إلى ما بين 14 و16 وزيرا، ظهر بيان، تلاه العميد المتقاعد جورج أبي نادر، يوم الأربعاء الفائت باسم «هيئة تنسيق الثورة» يدعو لاستمرار الاعتصام والتحرك، ويحدد أولويات التحرّك بـ:
1 - استقالة الحكومة فورًا، وتشكيل حكومة إنقاذ وطني من خارج المنظومة الحاكمة
2 - استرداد الأموال المنهوبة منذ عام 1990
3 - معالجة الملفات الحياتية والمالية الضاغطة، وانتشال الوطن من الهاوية
4 - العمل على إجراء انتخابات مبكرة في غضون 6 أشهر
5 - مطالبة المواطنين بالاستمرار في التظاهر والاحتجاج حتى تحقيق المطالب
6 - مطالبة القوات المسلحة، وعلى رأسها الجيش، بحماية المتظاهرين في كافة المناطق
وكان لـ«المجلة» حديث مع الناشط في جمعية «حقي» المهندس المعماري عماد عامر وهو أحد المشاركين في احتجاجات وسط بيروت، الذي أكد أن «المحتجين في الساحات هم من كل الناس حتى من لديهم بعض الولاءات السياسية الذين وضعوا علامات استفهام على أحزابها بسبب سوء الأوضاع منذ 2011 والتراكمات التي حدثت وصولا إلى اليوم». 
وتابع: «المواطنون كانوا يضعون علامات استفهام على الطبقة السياسية التي لم تخجل وظلت مستمرة في سياساتها الضاغطة على الشعب عبر فرض الضرائب وإفقار الشعب من دون المساس بمزاريب الهدر الأساسية المعروفة للجميع، إضافة إلى السياسات المالية لمصرف لبنان والمصارف الأخرى، فضلا عن الثروات التي تراكمت منذ 1992 حتى اليوم، إذ كانت تبلغ قيمة أرباح القطاع المصرفي 14 مليار دولار آنذاك، واليوم بلغت ما يقارب الـ80 مليارا، بالمقابل الدولة اللبنانية كان لديها عجز في 1992 بقيمة ملياري دولار، واليوم أصبح مائة مليار دولار».
إلى ذلك أكد عامر أن «لا أحد يستطيع أن يوقف غضب الشارع، وهو أكبر من الدولة اللبنانية حتى إن حجم الانتفاضة الشعبية تجعل الشعب اللبناني لا يصدق ردة فعله تجاه الطبقة السياسية عبر كسر الحاجز الطائفي».
وفيما يتعلق بالشائعات ومحاولة شيطنة الحراك باعتبار أنها مؤامرة مدفعة من السفارات، قال عامر إن «ثمة عدة محاولات من قبل بعض القوى السياسية لتخريب الحراك وهو أمر متوقع»، مشيرا إلى أن الأمر وصل إلى إرسال مندسين إلى الساحات يقومون بتوزيع البيانات المسيّسة والتحدث عبر الإعلام باسم الحراك إضافة إلى إرسال مسيرات درجات نارية لتخويف المحتجين.
وأضاف أن محاولات بعض القوى السياسية نجحت في مكان وفشلت في مكان آخر، مع العلم أنه حتى الآن لا يوجد جهة منظمة للحراك، وبالتالي لا يمكن معرفة إلى متى سيصمد الشارع أمام هذه المحاولات، ولكن في الوقت نفسه الناس في الطرقات تثبت أن لديها الوعي الكافي للتصدي والمواجهة عبر التأكيد على سلمية الحراك واستمراريته في هذا النهج عبر تفهم دوافع المتحزبين الذين يحاولون تخريب الحراك. داعيا «الجميع إلى التظاهر حتى المتحزبين للمطالبة بحقوقهم وكسر القيود».
وبينما توجد كثير من علامات الاستفهام والمخاوف التي يطرحها البعض حول المستقبل، قال عامر إنه «قبل هذه الثورة كانت هذه العلامات مطروحة مع تراكم الدين العام وإمعان الطبقة السياسية بالفساد والمراوغة، وفعليا كانوا ذاهبين إلى تدابير وإجراءات أقسى على الشعب اللبناني عبر فرض مزيد من الضرائب مقابل استمرارهم بتجميع الثروات والإمعان بتقسيم هذا الشعب طائفيا وأكثر من مستوى، وبالتالي الانتفاضة الشعبية وضعت النقاط على الحروف وأول انتصار حققه الشارع في أول 72 ساعة لم تستطع أن تحققه الدولة بـ30 عاما»».



وعن الورقة الإصلاحية، قال عامر إن «الرد كان واضحا في الشارع فالناس لا تثق على الإطلاق في الطبقة السياسية وتدرك أن الجميع متورط بالفساد والمحاصصة وغيرها وصرخة الشعب واضحة (كلن يعني كلن)».
إلى ذلك أكد أن «مطالب الحراك بالدرجة الأولى إسقاط هذه الحكومة وتشكيل حكومة مصغرة من اختصاصيين خارج الطاقم السياسي الحالي وأي رهان على غير ذلك خاطئ، إضافة إلى الذهاب نحو انتخابات نيابية مبكرة كأهم مطلب».
وعن البيان الصادر الأربعاء عما يسمى بـ«هيئة تنسيق الثورة»، أوضح عامر أنهم يمثلون أنفسهم ولا يمثلون نبض الشارع الحقيقي، لا سيما أنهم ليس لديهم شرعية، فلم يقوموا باستفتاء شعبي كتكليف شرعي لهم وبالتالي لا يمكن مصادرة قرار الشعب مرة أخرى، لذا أفضل ما يمكن تحقيقه هو إيجاد آليات تنسيق بين المناطق لتحديد الخطوات المقبلة عبر إعداد أوراق سياسية ومناقشتها»، مشيرا إلى أن «هذه الخطوات لا تزال غير واضحة ولكن الأهم أن قائد الثورة هو الشعب اللبناني ولا يوجد أي جهة يسمح لها أن تتكلم باسم هذه الثورة».
 
استقالة القوات والخيارات البديلة
في أجواء الحراك الشعبي الذي تواصل فصولاً، وبعد استقالة وزراء القوات من الحكومة، بدت فكرة التعديل الحكومي التي طرحها البعض غير ذي موضوع، إذ إن بعض أهل السلطة تجاوزوها إلى البحث في تعيين بدلاء لوزراء «القوات اللبنانية» المستقيلين، كذلك تجاوزوا ما همس به البعض من فكرة تأليف حكومة غير كبيرة. وفي وقت أبلغ فيه رئيس الحكومة سعد الحريري رئيس مجلس النواب نبيه بري أنّ استقالة الحكومة أو تعديلها ليسا واردين لديه. وكانت جرت اتصالات بين المعنيين لإجراء تعديل حكومي.
إلى ذلك، ثمة أصوات تعترض على تحميل الحكومة المسؤولية كاملة لا سيما أن النظام السياسي بأكمله والعهد أيضا مسؤولان عن التدهور الحاصل إلى جانب الأصوات المطالبة في الحراك الشعبي بإسقاط العهد بأكمله وليس فقط الحكومة ولو كان مطلب الاستقالة بالنسبة لهم أوليا.
ومع استقالة القوات مع بداية الانتفاضة الشعبية اعتراضا على سياسة العهد والسلطة مجتمعة وتأكيد رئيس حزب القوات سمير جعجع أنه سينضم إلى الحراك، إلا أن ذلك لم ينجح مع رفض الحراك الشعبي انضمام أي حزب من السلطة إليه، في هذا السياق رأت مصادر متابعة أن محاولة القوات ركوب موجة الانتفاضة وتسجيل موقف سياسي بوجه العهد لم ينجح إذ فشلت القوات في تحقيق أهدافها المنشودة شعبيا وسياسيا، أما المفارقة اليوم مع ما كشفته المعلومات، أن موفد القوات اللبنانية قبل يومين إلى بكركي قال أمام البطريرك الراعي أن رئاسة الجمهورية خط ٌ أحمر ومطلبنا هو نفسه استقالة الحكومة وتشكيل حكومة تكنوقراط. وهو ما يطرح علامات استفهام كبيرة على موقف القوات من العهد تارة وتحميل وزر الأوضاع الراهنة إلى الحكومة فقط ما يشير إلى توجيه القوات سهامها فقط لمنصب رئاسة الحكومة دون التعرض للعهد ورئاسة الجمهورية.
إلى ذلك كان السيناريو أن يطلب رئيس الجمهورية ورئيس الحكومة من بعض الوزراء تقديم استقالاتهم رضائيًا لتلافي اللجوء إلى البند 2 من المادة 69 من الدستور، التي تقضي بإقالة الوزير بمرسوم يصدره رئيسا الجمهورية والحكومة بعد موافقة أكثرية الثلثين الوزارية.
 

الصحافي والمحلل السياسي نبيل بومنصف



إلى ذلك، أكد الصحافي والمحلل السياسي نبيل بومنصف، لـ«المجلة» أن الوضع اليوم تجاوز استقالة القوات من الحكومة بكثير، فالأحداث تسير بوتيرة متسارعة جدا وأصبحت استقالة القوات من الماضي، أما اليوم فقد أصبح المطروح مصير الحكومة بأكملها لا سيما مع إصرار المحتجين على استقالة الحكومة بأكملها»، لافتا إلى أن «ما نراه في الشارع يشير إلى أن أقل ما يمكن القبول به هو استقالة الحكومة، في الوقت الذي لا تزال فيه الحكومة تكابر وهذا خطأ كبير».
وأكد بومنصف أنه «يجب أن يدفع شخص ما الثمن لاحتواء الأزمة وإلا سنكون أمام تداعيات أكثر مما نشهده اليوم، وبالتالي مسألة استقالة القوات لن تعالج وحدها، ولا يمكن أن تتعاطى الحكومة مع التطورات كأن شيئا لم يكن لتعاود ترميم نفسها، فالحكومة جميعها مطروحة للتغيير».
وفيما يتعلق بالخيارات المقترحة، رأى بومنصف أن الحل الوحيد الذي من شأنه البداية باحتواء الانتفاضة هو المتمثل بالاستقالة أولا، ومن ثم تشكيل حكومة اختصاصيين، وإذا كانت الحكومة الحالية تراهن على الوقت وتعب الانتفاضة فهي مخطئة، لا سيما أن الأمور بدأت تتخذ منحى سلبياً مع استمرار قطع الطرق، وهو ما يشكل خطرا على الانتفاضة، ولا يمكن أن يستمر الحراك بهذا الشكل، وشل البلد، نظرا للتداعيات الخطيرة على جوانب أخرى في ظل الوضع الاقتصادي والمالي المتهرئ»، مشيراً إلى أنه «إذا بقي الوضع على حاله فسنكون قد دخلنا حلقة متسارعة من الانهيار. وستبدأ في الأسابيع المقبلة الاضطرابات الاجتماعية وتتفاقم الأزمات تباعًا، وقد ينعدم وجود الدولارات لاستيراد المواد الأساسية».
هذا وأشار بومنصف إلى «مشكلة أخرى متمثلة في عدم وجود قيادة للانتفاضة ولا تزال في مرحلة تفاعل الغضب بانتظار الإطار العملي التنفيذي من جهة واقتناع السلطة من جهة ثانية بعدم قدرتها على المناورة».
وعن إمكانية استقالة الحكومة في ظل تأكيد الأمين العام لـ«حزب الله» السيد حسن نصر الله بأن هذا المطلب لن يتحقق، قال بومنصف إن «كلام نصر الله كان له رد فعل عكسي بدليل استمرار الحراك حتى في بيئته، والملاحظ أن موقف «حزب الله» قريب مع موقف القوى التقليدية الموجودة في الحكومة وموقف العهد»، لافتا إلى أن «موقف «حزب الله» غير مستغرب، حتى إنه أربك أكثر من غيره لأن الحراك تسلل للمرة الأولى إلى الشارع الشيعي بشكل لافت وقوي بعد أكثر من ثلاثة عقود من السيطرة على هذا الشارع من قبل الثنائي حركة أمل وحزب الله».
وتوازيا، كشفت مصادر مقربة من رئيس الحكومة سعد الحريري أن رئيس الحكومة يعمل على إحداث نقلة حكومية فاعلة تكون قادرة على مواكبة ومحاكاة الحراك الشعبي وتنفيذ برنامج العمل الذي تم الاتفاق عليه في بعبدا. وأشارت المصادر إلى أن هذا الأمر يستلزم مشاورات سياسية للتوصل إلى وضع حكومي فعال في ضوء استقالة وزراء القوات اللبنانية، كاشفة عن خيارات مطروحة لم يتم البت فيها بعد ومن ضمنها تخفيض عدد أعضاء الحكومة. وقالت المصادر إن تعيين بدلاء من وزراء القوات المستقيلين هو من اختصاص رئيسي الجمهورية والحكومة وما يحكى عن تعديل وزاري أو تخفيض عدد الوزراء أمر لم يبحث بعد.
إلى ذلك، أفادت معلومات صحافية بأن «رئيس الجمهورية ميشال عون كان قد طرح استقالة 4 وزراء مسلمين بعد استقالة 4 وزراء مسيحيين للقوات، أو الذهاب إلى حكومة من 16 وزيرا» لكن اقتراحه رُفض من قبل رئيسي الحكومة والمجلس و«حزب الله».


 

الصحافي والمحلل السياسي وسام سعادة


 
قراءة في «الحراك الشعبي» والخطوات القادمة
رأى الصحافي والمحلل السياسي وسام سعادة، في حديث لـ«المجلة»، أن ما نشهد اليوم في لبنان أمر غير مسبوق في تاريخ لبنان، ولا يشبه أي منعطفات مرت على البلد سابقا. هذه المرة هناك حركة من أقصى الشمال إلى أقصى الجنوب بطابع اجتماعي حاد ضد النظام الاقتصادي بشكل عام وضد هذه الحكومة والسلطة التنفيذية بشكل خاص»، مشيرا «حتى الآن يمكن القول: إنها ظاهرة انتفاضية بامتياز، ومن المبكر الحديث عن ثورة».
إلى ذلك أكد أن «هذه الانتفاضة تتناغم مع تصدع كبير يعيشه النظام المالي منذ الدخول بأزمة شحّ الدولار والتي لم يعالجها المعنيون بشكل فعال إضافة إلى السياسات المالية للمصرف المركزي، وبالتالي «سبب الانتفاضة في الواقع هو واضح وهو متمثل بوضع الليرة وطريقة معالجتها». وأشار «جميع المخاوف حيال المستقبل لا أساس لها فلا خوف لطالما أن نظام الصرف بالعملتين لا نستطيع إيجاد حل له»، لافتا إلى أن «الورقة الإصلاحية تحدثت عن كل المشاكل إلا عن هذه الأزمة التي بحاجة إلى خطة إنقاذ قبل أن نصبح أمام كارثة، مؤكدا أن ورقة الإصلاحات خارجة عن الموضوع».
كما تحدث سعادة عن أنه عندما يكون هناك مليون ونصف المليون في الشارع وعندما تشمل التحركات كافة المناطق لا يمكن الحديث عن تنظيم ولا يمكن تحديد المطالب كما يحكى، ولكن الأهم هو استقالة الحكومة وهو ليس مطلبا تعجيزيا، ولكن هذا لا يعني أن بعد هذه الخطوة سيتم حلحلة الأزمات إنما يجب اتخاذ تدابير محددة لمنع الليرة من الانهيار بشكل طارئ وما عدا ذلك نحن ذاهبون إلى فترة فراغ بكل وضوح».
إلى ذلك أكد سعادة: «لا توجد أهلية للسلطة السياسية والآن وصلنا إلى مكان لا يمكن عودة لبنان إلى ما قبل يوم الخميس»، وأضاف: «المطلوب مراجعة عميقة للنظام الاقتصادي وطبيعة الفوارق في الطبقات الاجتماعية في لبنان وطبيعة التغلب بين فئات مسلحة وغير مسلحة أو ممثلة وغير ممثلة».
في الختام شدد سعادة على أن «ثمة تركيبة لا يمكن استمراريتها وهذا لا يعني اليوم أننا ذاهبون إلى تركيبة أكثر عدالة، إنما نحن أمام مخاض خطير ولا يزال اليوم في المرحلة الرومانسية لكن كلما توجهنا إلى الأمام الوضع مرشح لمزيد من التوترات»، مؤكدا أن «اتفاق الطائف انتهى وتعطل وبالتالي الأنظمة السياسية لا تنتظر وجود بدائل كي تسقط، لكن هل يمكن إيجاد بديل للاتفاق على كيفية إدارة المرحلة الانتقالية بالبلد؟ 
هذا السؤال سيتم طرحه في المستقبل والأهم إدارته عبر تحاشي الكوارث وحدوث الأزمات الأمنية، مشيرا إلى أن «جميع الوقائع تشير إلى أن التحركات مستمرة ولن تتوقف بسهولة».

font change