الكرة في ملعب عون

الأزمة الحكومية اللبنانية «مكانك راوح»... والمخاوف تتزايد

الكرة في ملعب عون

* علوش: الكرة اليوم في ملعب رئيس الجمهورية ميشال عون الذي يتلكأ عن قيامه بتحديد موعد للاستشارات النيابية الملزمة وفق الدستور
* أبو فاضل: لبنان لا يحتمل حكومة من لون واحد ومن الصعب تطبيقها في ظل ما تشهده المنطقة من تحولات
* هناك أزمة ثقة بين المواطنين الذين نزلوا إلى الشارع والنظام والسلطة والرئيس بري أحدهم

بيروت: دخلت استقالة الحكومة اللبنانية أسبوعها الثالث، فيما بدأت الانتفاضة الشعبية شهرها الثاني ومصير لبنان مجهول حتى اليوم، فلا موعد بعد للاستشارات النيابية الملزمة المخصصة للتكليف ومن ثم التأليف لإخراجه من أزمته الاقتصادية والمالية والاجتماعية، وأزمة شرعية مؤسساته التي باتت رهنًا بإرادة الشارع بعد أن أطاح المتظاهرون للمرة الثانية بالجلسة النيابية التشريعية ومنعوا النواب من الوصول إلى البرلمان، كما أجهضوا قبل أيام تسمية الوزير السابق محمد الصفدي لترؤس الحكومة.
أزمة التكليف لا تزال عالقة حول شكل الحكومة بين «تكنوقراط» الشعب والتي يتمسك بها أيضًا رئيس حكومة تصريف الأعمال سعد الحريري، كشرط للقبول بتكليفه، وبين «تكنوسياسية» كما يصرّ عليها حزب الله وحركة أمل والتيار الوطني الحر والذين يعتبرون أنه لا يزال الرئيس الحريري حاجة وضرورة لكي تعبر أي حكومة جديدة الشروط الدولية والأوروبية ولاستعادة الثقة الداخلية والخارجية.

 

مصطفى علوش



وفي حديث مع «المجلة» رأى عضو المكتب السياسي في تيار المستقبل النائب السابق مصطفى علوش أن «الكرة اليوم في ملعب رئيس الجمهورية ميشال عون الذي يتلكأ عن قيامه بتحديد موعد للاستشارات النيابية الملزمة وفق الدستور، بل جدد إصراره أمام زواره على أن «الحكومة الجديدة ستكون سياسية وتضم اختصاصيين وممثلين عن الحراك الشعبي»، وهذا التصريح يؤكد أن فخامة الرئيس لم يستوعب بعد مضي 37 يومًا على ثورة 17 تشرين الأول ورسالة الشارع ومطالبه».
 
وقال: «إن كان الرئيس عون مقتنعًا بأن حكومة تكنوسياسية، كالحكومة المستقيلة والتي أسقطها الشارع اللبناني، سترضي اللبنانيين فليحدد فورًا موعدًا للاستشارات النيابية ولتختار الأكثرية النيابية رئيسًا للحكومة يشكلها وتنال ثقة المجلس النيابي، فلا داعي لمزيد من تضييع الوقت والتأخير، خاصة أن وضع البلد بلغ مستويات في منتهى الخطورة على كل الصعد».
كما أكد أن «لبن العصفور» والتنازلات التي قدمها الفريق الآخر أي فريق رئيس الجمهورية والثنائي حزب الله وحركة أمل، للرئيس الحريري لا تناسب مطالب الشارع المنتفض، فهو يصرّ على حكومة تكنوقراط ويعتبر أنها الحلّ الوحيد الذي سيسهل عملية إنقاذ لبنان على الصعيد المالي والاقتصادي وتقنع المتظاهرين والمجتمع الدولي، كما أنّ الرئيس الحريري مصرّ على عدم العودة إلى طريقة الحكم السابقة، ولن يكون مترئسا بوجه الناس ومكبلاً دون أن يكون لديه القرار».
واستغرب علوش الكلام الذي يصدر من بعض المحسوبين على فريق الثامن من آذار بأنّ هناك ضغوطات وإملاءات خارجية أدت إلى استقالة الرئيس الحريري وتتحكم اليوم بقرار وشروط عودته، مقابل تأكيدهم الدائم على تمسكهم بالرئيس الحريري لترؤس الحكومة الجديدة، لافتًا إلى أن «فريق 8 آذار يتّبع سياسة التخوين دائمًا مع كل من يعارضه ويتهمه بتنفيذ أجندات خارجية، وبالطبع هذا الفريق لا يرى في قرارات حزب الله المرتبطة بخيارات إيران في لبنان أمرًا غير طبيعي وتنفيذًا لأوامر الولي الفقيه».
وأضاف: «إذا كان حزب الله وحلفاؤه مقتنعين بأن هناك إملاءات خارجية على الرئيس الحريري فما عليهم كونهم يشكلون الأكثرية النيابية إلا الذهاب إلى استشارات نيابية وتعيين رئيس حكومة لا يتجاوب مع إملاءات خارجية».
وحول التسوية الرئاسية ومصيرها، يعتبر علوش أنها انتهت بمجرد استقالة الرئيس الحريري، خاصة أن الخلافات أصبحت كبيرة جدا بين تيار المستقبل والتيار الوطني الحر وبوجود شخصية مثل «الوزير جبران باسيل الذي يريد أن يأخذ كل شيء ولا يريد أن يعطي شيئا».
وعن المفاوضات الأخيرة التي أدت إلى تسمية الوزير السابق محمد الصفدي رئيسا للحكومة، أكد علوش أن «الرئيس الحريري وافق الأفرقاء الآخرون على تسمية الصفدي بعد أن كانوا قد رفضوا كل الأسماء التي طرحها ولكنه لم يسمه، مبديًا استعداده للتعاون معه وتقديم الدعم الكامل، والحقيقة أن الشارع اللبناني وخاصة مدينة طرابلس رفضت الصفدي وأسقطت إمكانية ترؤسه للحكومة الجديدة، والرئيس الحريري لم يستطع إقناع رؤساء الحكومات السابقين بتأييد تكليف الصفدي».
وقال: «إن عملية التأليف قبل التكليف مخالفة للدستور، ولكن الدستور لا يمنع أخذ آراء الأفرقاء المعنيين قبل أن تقرر الكتل النيابية لمن ستصوّت، الأمر المؤكد والمخالف للدستور هو تعيين وتسمية رئيس مجلس الوزراء قبل الاستشارات النيابية الملزمة».
لا يستبعد علوش الكلام عن أن حزب الله بدأ ينفد صبره ومن المحتمل أن يلجأ لاستخدام القوة لإنهاء المظاهرات في لبنان، فبرأيه حزب الله كحزب عسكري مستعد للذهاب إلى أقصى درجات الإجرام عندما يصل إلى مرحلة «الوجود من عدمه».
وحول موقف تيار المستقبل من فتح القضاء اللبناني ملفات الفساد، أكّد علوش أن ليس لدى تيار المستقبل عُقدة أن هذه الملفات تطال فريقا دون آخر ولن نجادل بالأمر ولن نحمل وزر الفاسدين في تيارنا إذا أثبت القضاء اللبناني تورطهم بالفساد، ونشدّ على يد القضاء المستقل العادل ونقول لهم «يعطيكم العافية».


 

سيمون أبو فاضل



من جهة ثانية أشار المحلل سياسي سيمون أبو فاضل أن باب المشاورات والمفاوضات بين الرئيس الحريري وحركة أمل وحزب الله لا تزال مفتوحة لكن نقطة الخلاف اليوم هو أن أمل وحزب الله يريدان ضمانات في الحكومة المقبلة من خلال حصولهما على الثلث المعطل ولا يريدان تكرار تجربة حكومة الرئيس السنيورة عام 2006 التي استمرت بعملها آنذاك بعد استقالة وزراء التيار الوطني الحر وأمل وحزب الله منها.
ورأى أن «الرئيس الحريري ومن خلال التحولات في المنطقة وقراءته للمشهد السياسي يريد أن يعطي ضمانات للمجتمع الدولي والخليجي بأنه أقرب إليهم من أن يبقى متماهيًا مع حزب الله، وبالتالي يصرّ على حكومة لا يكون فيها حزب الله هو المؤثر والمتحكم وهذا ما يخاف منه الحزب ويدفع باتجاه مواجهته».
وأضاف: «الرئيس الحريري بعد مشهد الانتفاضة الشعبية التي عمّت كل مناطق لبنان، أصبح اليوم متمسكا بخياره؛ أي بتشكيل حكومة تكنوقراط تلبّي مطالب الشعب اللبناني وتضع لبنان على سكة الإنقاذ من خلال استعادة ثقة المجتمع الدولي والخليجي لكسب دعمهما من خلال إسقاط صفة الممانعة عن الحكومة الجديدة».
وحول إمكانية تشكيل حكومة من لون واحد أي من فريق الممانعة، اعتبر أبو فاضل أن وضع لبنان لا يحتمل حكومة من لون واحد، ومن الصعب تطبيقها في ظل ما تشهده المنطقة من تحولات، أضف إلى ذلك أن فريق الممانعة لا يستطيع تكليف رئيس حكومة يشكل تحديا لنصف اللبنانيين وبالأخص للشارع السني الذي يؤيد بأكثريته تسمية الرئيس سعد الحريري لتشكيل الحكومة المقبلة، وتحديا آخر للمجتمع الدولي، كما شكل انتخاب ميشال عون نوعا من التحدي، نظرًا لكونه حليف حزب الله.
وقال: «الأزمة الحكومية ترتبط بنقطتين الأولى حول إقدام الرئيس الحريري لتزكية شخصية سنية وازنة لتولي رئاسة الحكومة والثانية هي التفاهم مع حزب الله حول عدة نقاط، لكن المطلوب اليوم هو أن يحظى التوافق على رئيس للحكومة بثقة الجميع وخاصة المتظاهرين الذين رفضوا تسمية الوزير الصفدي ويتهمونه بالفساد، أما بالنسبة للرئيس سعد الحريري فهو طرح عدة أسماء من بينها السفير اللبناني السابق لدى الأمم المتحدة نواف سلام الذي رفضته القوى الأخرى وبالتحديد حزب الله على قاعدة أنه حاد ومتماهٍ مع الرئيس السنيورة وسيكون على عقلية مضادة لـحزب الله.
وتعليقًا على إفشال انعقاد الجلسة النيابية التشريعية من قبل المتظاهرين، قال أبو فاضل: «كان رهان الرئيس بري وحزب الله على أن يقوم الجيش اللبناني والقوى الأمنية بفتح الطرقات بالقوة لتأمين وصول النواب إلى المجلس لكنه فوجئ بما حصل واعتبرها ضربة موجهة له». 
ونقلاً عن الرئيس بري علّق النائب بزي بالقول: «بغض النظر عن الذي حصل بالأمس فالأهم أنه لم تسقط نقطة دماء واحدة وكان المطلوب في الغرف السوداء التخطيط لإراقة الدماء وهذا ما لا نقبله والأولوية كانت وستبقى لبنان والسلم الأهلي».
ولفت أبو فاضل إلى أن «هناك أزمة ثقة بين الذين نزلوا إلى الشارع والنظام والسلطة والرئيس بري أحدهم، فمضمون الجلسة التشريعية التي كان قد دعا إليها الرئيس بري يدفع للقلق، ومن هنا جاء الاعتراض من الشارع وهذا لا يسمّى بالتأكيد بانقلاب على حزب الله وحركة أمل كما يتم التسويق لها، حزب الله مأزوم ماليًا ويعتبر نفسه مستهدفًا مع بدء العقوبات الأميركية ضده واستقالة الحكومة، وخيار لجوئه إلى الشارع سيرتد سلبًا عليه لأنه سيكون كالزيت الذي سيزيد لهيب الثورة الشعبية».
وكانت الأمم المتحدة قد جددت دعوتها إلى «سرعة تشكيلحكومةفي لبنانتستجيب لتطلعاتالمحتجين وحضّتقوات الأمنعلى حماية المتظاهرين السلميين».
يبدو أن لا حل للأزمة الحكومية يلوح في الأفق مع استمرار شدّ الحبال بين الأطراف المعنية في هذا الملف وتقلّص الخيارات المتاحة، فالأجواء توحي حتى اليوم بأن أمد حكومة تصريف الأعمال ستطول وسط احتقان وقلق ومخاوف من انفجار سيجرف لبنان اقتصاديا وأمنيا وسياسيا.

font change