انتفاضة الهلال الشيعي

انتفاضة الهلال الشيعي

* من المبكر الحديث عن نجاح الثورة الإيرانية بإسقاط نظام الولي الفقيه، ولكن الأكيد أن إيران اليوم أمام مرحلة صعبة، فهل ستتوقف عن سياستها بتصدير ثورتها الإسلامية وتلتفت إلى الداخل الإيراني

تواجه الجمهورية الإسلامية في إيران التي لطالما تباهت بسيطرتها على أربع عواصم عربية انتفاضة شعبية، بل انتفاضات في الأربع دول، وصلت إلى عقر دارها. فالمشترك في دول الهلال الشيعي الذي تحدثنا عنه وحذر منه الملك الأردني عبد الله الثاني، ليس فقط سيطرة السياسة الإيرانية على صناعة القرار فيه، بل صار المشترك هو الانتفاضة الشعبية ضد الفساد والمنظومة الحاكمة، وإن اختلفت الأسباب المباشرة من دولة لأخرى.
من بيروت إلى بغداد وصولاً إلى طهران نفسها، وحكمًا سوريا الثائرة منذ عام 2011. نزل الناس إلى الساحات ليقولوا كفى، كفى فسادًا وكفى إذلالا، نزلوا ليطالبوا بحياة كريمة لهم ولأولادهم.
الشعارات التي استطاعت من خلالها إيران استمالة الكثير من الشباب العربي لم تعد تنفع، والشعوب العربية، التي كانت حتى الأمس مقتنعة بمحور الممانعة، لم تعد مقتنعة بشعارات الموت لأميركا ومحاربة الإمبريالية العالمية، فإيران نفسها تلهث وراء الولايات المتحدة مستجدية رفع العقوبات عنها، ولم يعد شعار طريق القدس يمر من بغداد وبيروت ودمشق، ولا حتى من طهران، يحرك مشاعر الناس بعد اليوم، فطريق القدس معروف وهو الطريق الذي تتفادى إيران وميليشياتها الاقتراب منه. فقبل أيام تكرر القصف الإسرائيلي على مواقع الحرس الثوري الإيراني في سوريا، وككل مرة لن نرى ردًا من إيران، إلا باستخدام المزيد من العنف ضد الشعوب الثائرة.
لا غرفة عمليات مشتركة للثورات في دول «الهلال الشيعي»، ولا شرارة واحدة أطلقت هذه الانتفاضات، ففي كل مكان اندلعت الثورات لأسباب محلية ومطلبية، نزل اللبنانيون ضد زيادة الضرائب، ونزل العراقيون بسبب الفساد المستشري، وصرخ الإيرانيون نريد استرجاع أموالنا من «حزب الله». ولكن بالتأكيد هناك غرفة عمليات مشتركة تُدار من طهران لقمع هذه الثورات، وما العنف المستخدم ضد المتظاهرين خصوصًا في إيران والعراق إلا بداية الطريق الذي ستسلكه الجمهورية الإسلامية لوأد هذه الثورات، أساسًا هي لا تعرف أسلوبًا آخر، وقد شاهدنا مستوى العنف الذي قد تلجأ إليه إيران وميليشياتها في سوريا وفي إيران نفسها إبان الثورة الخضراء.
قد تكون إيران نجحت في السيطرة على كل من العراق ولبنان وسوريا، ولكنها بالتأكيد فشلت في إدارة هذه الدول، وفشل أتباعها في تأمين الحد الأدنى من الأمور المعيشية للمواطنين، فأينما حلت إيران بنظامها الحالي، حل الفساد.
الوثائق المسربة عن سيطرة إيران على العراق ليست إلا تأكيد المؤكد، كما هو الأمر عندما نتحدث عن تبعية أمين عام «حزب الله» حسن نصر الله لإيران، وكما هو حال النفوذ الإيراني في سوريا. قد لا يكون سبب اندلاع الثورات المباشر هو الهيمنة الإيرانية، ولكنها بكل تأكيد هي السبب المباشر لتردي الأوضاع التي ثارت عليها الشعوب. صرخت سيدة في شوارع طهران بوجه الملالي «لقد خطفتم بلادنا»، هي محقة لقد خطفوا بلادنا أيضاً.
من المبكر الحديث عن نجاح الثورة الإيرانية بإسقاط نظام الولي الفقيه، ولكن الأكيد أن إيران اليوم أمام مرحلة صعبة، فهل ستتوقف عن سياستها بتصدير ثورتها الإسلامية وتلتفت إلى الداخل الإيراني، أم أنها ستصب جام غضبها وتلجأ للعنف المفرط من خلال ميليشياتها في هذه الدول وتستحضر داعش مجددًا؟ مخاض عسير تعيشه المنطقة، يُشبه مخاضها يوم استقلت هذه الدول، ولو أن المرحلة اليوم أصعب، إلا أن الشعوب أصبحت أكثر وعيًا وجهوزية لقيام دول مدنية ديمقراطية بعيدًا عن الشعارات الشعبوية والديماغوجية التي سادت القرن الماضي.

font change