إيران تشتعل

البنزين... سكب زيت الغضب على نيران الاحتجاجات الشعبية

إيران تشتعل

* بعدما لجأت القوات الأمنية إلى العنف لقمع الاحتجاجات أخذ عدد من المحتجين في إغلاق الطرق العامة بواسطة إحراق إطارات السيارات
* تستمر الاحتجاجات الليلية بهتافات: «الموت لهذا النظام الذي يخدع شعبه»، و«الموت لمبدأ ولاية الفقيه». كما أحرق المحتجون في مدينة كازرون الحوزة الدينية هناك
* الأمين العام للأمم المتحدة أنطونيو غوتيرش يعرب عن قلقه بسبب التقارير الواردة حول الاحتجاجات في إيران، وقال إنه «يشعر بالحزن» لقتل المحتجين
 

طهران: لم تمض شهران على انطلاق الاحتجاجات العارمة في العراق ولبنان حتى اشتعلت شوارع المدن الإيرانية بنيران الاحتجاج والغضب بسبب زيادة سعر البنزين بنسبة 300 في المائة.
وانطلق الإيرانيون في مسيرات عفوية في المدن في الساعات الأولى من 15 نوفمبر (تشرين الثاني) للتعبير عن سخطهم بسبب القرار الصادر من المجلس الأعلى للتنسيق الاقتصادي الذي يضم رؤساء السلطات الثلاث. ودخل القرار برفع سعر البنزين حيز التنفيذ بشكل مفاجئ وذلك بهدف التعويض عن نقص الإيرادات النفطية التي طالتها العقوبات الأميركية.
وأعلنت الشركة الوطنية لتوزيع المنتجات النفطية الإيرانية بأن سعر البنزين لكل لتر سيشهد زيادة بنسبة 3 أضعاف. وبحسب الشركة فإن أسعار البنزين بجميع تصنيفاته تضاعفت. ارتفع سعر لتر البنزين المدعوم حكوميا من 1000 إلى 1500 تومان (13 سنتا أميركيا). أما سعر لتر البنزين غير المدعوم حكوميا فأصبح 3000 تومان (26 سنتا أميركيا). وسجل سعر البنزين الممتاز ارتفاعا وأصبح 3500 تومان (30 سنتا أميركيا) للتر الواحد.



 
الاحتجاجات طالت المدن الكبيرة والصغيرة
شهدت طهران والمدن الكبرى في إيران تدابير أمنية مشددة، حيث استقرت مجموعات كبيرة من القوات الأمنية المسلحة والمجهزة بالغازات المسيلة للدموع في الشوارع والميادين.
وقبل ورود أنباء عن القتلى جراء الاحتجاجات قام محتجون في مدن على غرار سيرجان وشيراز بإيقاف سياراتهم وسط الطريق العام وشل حركة المرور. وبعدما لجأت القوات الأمنية إلى العنف لقمع الاحتجاجات أخذ عدد من المحتجين في إغلاق الطرق العامة بواسطة إحراق إطارات السياراتورمي الحجارة باتجاه المؤسسات العامة وتحطيم زجاج المصارف وإحراق مقار للشرطة ودوائر حكومية والباسيج.
وأظهرت الصور ومقاطع الفيديو المنتشرة أن المحتجين أحرقوا صور مرشد الثورة ونددوا بالدعم الذي يقدمه النظام الإيراني للميليشيات اللبنانية وجماعات في فلسطين.
ورغم تساقط الأمطار والثلوج بغزارة في غالبية المدن والطقس البارد فإن الاحتجاجات العارمة لم تتوقف.
ولحق إقليم الأهواز بركب الاحتجاجات المناهضة للحكومة منذ انطلاقها، حيث شهدت المدن المختلفة في الأهواز اشتباكات بين المحتجين وقوات الأمن. وعمت المظاهرات المناهضة للحكومة شوارع العاصمة وأطلق المحتجون هتافات على غرار «يا أبناء مدينتي الغيارى، أطفئوا محركات سياراتكم»، و«لا تخافوا فنحن جميعا متحدون».
وأغلقت مجموعة من المحتجين في مدينة العميدية في الإقليم الطريق الرئيسي المؤدي إلى مدينة أغاجري بضعة ساعات. وأطلق المحتجون في مدينة بهبهان هتافات تقول: «أصبح البنزين أغلى وأصبح الفقير أفقر».
وأطلق المحتجون في مدينة المحمرة هتافات مناهضة للحكومة.
وكانت الاحتجاجات في مدينة شيراز (عاصمة إقليم فارس) خلال الأيام الأخيرة أكثر حدة من بقية المدن مما أدى إلى إغلاق جامعة المدينة.
وأفادت التقارير المتداولة في الشبكات الاجتماعية بأن المحتجين سيطروا على أحياء في مدينة شيراز وأحرقوا عددا من المؤسسات الحكومية وأشعلوا النيران في إطارات السيارات.
وتستمر الاحتجاجات الليلية في شيراز على غرار بعض المدن الأخرى بهتافات على غرار «الموت لهذا النظام الذي يخدع شعبه»، و«الموت لمبدأ ولاية الفقيه». وأحرق المحتجون في مدينة كازرون في الإقليم الحوزة الدينية فيها.
ولجأت القوات الأمنية في شيراز على غرار المدن الأخرى إلى استخدام العنف وأطلقت القوات الأمنية من ذوي الملابس المدنية النار واستخدمت الغاز المسيل للدموع لتفريق المتظاهرين.



ولا توجد إحصائيات دقيقة عن عدد القتلى الذين سقطوا برصاص القوات الأمنية ولكن بعض المواقع الإيرانية المعارضة نشرت أسماء بعض القتلى، ومنهم طالب في فرع القانون يدعى «مهدي نكويي علي آبادي». وقتل الشاب خلال الاشتباكات التي وقعت أمام مخفر الشرطة في حي معالي آباد في مدينة شيراز. وقالت أسرة الشاب بأن القوات الأمنية لم تسلمهم جسده.
وأحرق المتظاهرون مكتب خطيب الجمعة في شهرك صدرا بالقرب من مدينة شيراز.
وشهدت مدينة سيرجان اشتباكات عنيفة بين قوات الأمن والمحتجين وأطلق الأمن الرصاص الحي باتجاه المتظاهرين.
وتصاعدت حدة المواجهات بين المحتجين وقوات الأمن في المدن الكردية على غرار مدينة جوان رود في إقليم كرمانشاه ومدينة مريوان في إقليم كردستان.
وأشارت التقارير التي نشرتها منظمة حقوق الإنسان الكردية في إيران (هه نكاو) بأن 45 شخصا من المحتجين لقوا مصرعهم على أقل تقدير بسبب إطلاق الرصاص الحي من قبل القوات الأمنية وأن عدد المصابين في هاتين المدينتين في ارتفاع في المدن الكردية.
وقد وقعت مواجهات بين المحتجين وقوات الأمن في كرمانشاه، وأفاد الإعلام الرسمي الإيراني عن مقتل ضابط في الشرطة يدعى إيرج جواهري.
وأغلق المحتجون في مدينة بوكان الواقعة في إقليم أذربيجان الغربية الشوارع، وقدم النائب عن المدينة استقالته احتجاجا على التداعيات الناجمة عن ارتفاع أسعار البنزين.
وتسود أجواء أمنية في كافة مناطق العاصمة خاصة الوسط والجنوب والشرق. واستقرت قوات أمنية وتعزيزات عسكرية وسيارات مكافحة الشغب وعناصر الباسيج في هذه المناطق.
وتتركز المواجهات في شرق وغرب العاصمة حيث تقع الاشتباكات الليلية بين المحتجين وقوات الأمن في الوقت الذي تكون فيه المناطق الشمالية والمركزية في العاصمة أكثر هدوءا.
وتوقفت الحركة في بازار طهران منذ اليوم الأول حتى الثالث من الاحتجاجات.
وانضم طلبة جامعة طهران إلى الاحتجاجات العارمة وبدأوا بتنظيم مسيرات طلابية وإطلاق هتافات على غرار «أصبح البنزين أغلى وأصبح الفقير أفقر»، و«الطلبة والعمال في صف واحد».
ووقعت اشتباكات عنيفة في المدن القريبة من طهران على غرار مالارد وبهارستان وإسلام شهر. وأفادت وكالة «إيسنا» للأنباء بأن مرتضى إبراهيمي قائد كتيبة الإمام الحسين، ومصطفى رضائي أحد أعضاء الباسيج، قتلا في مدينة مالارد.
وواجه المحتجون في مدينتي كرج وشهريار الرصاص، واستمروا في المظاهرات.
وأفادت الأخبار المتداولة في الشبكات الاجتماعية بأن القوات الخاصة والقوات الأمنية بالملابس المدنية والحرس الثوري وقوات الباسيج قاموا بعمليات القنص من فوق الأسطح.
وأظهرت مقاطع فيديو من «فيسبوك» قيام قوات الأمن بإطلاق الذخيرة الحية باتجاه المحتجين. وقام المحتجون في المقابل بإحراق مقر للباسيج في مدينة أنديشه وعدة مقار للشرطة ومجسم لخاتم الإمام الخميني مؤسس الجمهورية الإسلامية.
وتكون الاحتجاجات والاشتباكات في المناطق والمدن القريبة من طهران على غرار إسلام شهر في جنوب العاصمة أكثر حدة من العاصمة.
ونقلت وكالة «إرنا» للأنباء عن والي إسلام شهر، مسعود مرسل بور، قوله إنه بحاجة لتعزيزات إضافية من محافظة طهران والمحافظات المجاورة لمواجهة المحتجين.
وتسود أجواء أمنية في ميناء معشور الواقعة في جنوب إقليم الأهواز. وقام المحتجون بإحراق محطة وقود في المدينة وإشعال إطارات السيارات في المدن.
وأظهر مقطع فيديو اندلاع النيران في محطة للوقود في مدينة بوشهر جنوب إيران.
وتكررت عملية إغلاق الطرق بواسطة سيارات المحتجين في محافظة خراسان.



وقام المحتجون في مدينة تبريز في إقليم أذربيجان الشرقية بإحراق حافلة للشرطة. كما أطلق الطلبة في جامعة تبريز خلال مسيرة طلابية هتافات على غرار «لا للغلاء»، و«الحركة الطلابية لم تمت».
وأغلقت جامعة أصفهان والشوارع الرئيسية والسوق الرئيسية في المدينة وفق الفيديوهات المنتشرة.
وأظهرت مقاطع الفيديو بأن محتجين يضرمون النار في الحوزة العلمية الزينبية في أصفهان.
وهاجم عدد من المحتجين مكتب ممثل ولي الفقيه وخطيب الجمعة في مدينة يزد.
وأفادت منظمة العفو الدولية بأن 106 أشخاص على الأقل لقوا حتفهم في 21 مدينة إيرانية خلال الاحتجاجات.
وفي الوقت الذي يرتفع فيه عدد قتلى الاحتجاجات يوما بعد يوم لم يعلن المسؤولون إحصائيات عنهم وأقروا بمصرع 5 من المحتجين فقط.
وأفادت وكالة «فارس» للأنباء التابعة للحرس الثوري عن اعتقال نحو 1000 محتج حتى لحظة إعداد التقرير.
وقالت الوكالة: «إن عدد المؤسسات التي تم إحراقها أو نهبها تجاوز 100 مصرف و57 متجرا كبيرا في محافظة واحدة فقط».
وتابع التقرير الذي نشرته وكالة «فارس» بأن حجم الخسائر المالية والبشرية خلال الاحتجاجات الأخيرة أكبر من تلك التي وقعت في ديسمبر (كانون الأول) 2017.
وأشار التقرير إلى أن «حجم العنف والتخريب اللذين قام بهما الأشرار أكبر من تلك التي وقعت في ديسمبر (كانون الأول) 2017 وبالتالي فإن الخسائر البشرية والمالية أكبر».
ولقي 25 شخصا على الأقل حتفهم خلال الاحتجاجات العارمة في إيران في ديسمبر (كانون الأول) 2017 ويناير (كانون الثاني) 2018 حسب الإحصائيات الرسمية.



 
خامنئي يرد
وقال المرشد الإيراني علي خامنئي في تصريحات أدلى بها في 17 نوفمبر بأن خطوة رفع سعر البنزين «مدروسة» وأن المحتجين «أشرار» و«حاقدون».
وطالب خامنئي الأجهزة الأمنية بـ«رد حاسم» على المحتجين.
وهدد رئيس السلطة القضائية ووزارة الاستخبارات المحتجين بالقمع بعد أن بارك المرشد الإيراني خطوة ارتفاع أسعار البنزين.
وطالب رئيس السلطة القضائية إبراهيم رئيسي من المدعين العموم بعدم التساهل مع المحتجين. ونشرت وزارة الاستخبارات بيانا قالت فيه إن «واجبها يقضي بمحاربة الأشرار».
وقال الرئيس الإيراني حسن روحاني إنه سيتم كشف هوية المحتجين من خلال كاميرات المراقبة.
واعتبر أمين المجلس الأعلى للأمن القومي الإيراني علي شمخاني أن المحتجين تابعين لـ«المنافقين» وهو المصطلح المستخدم من قبل النظام للتعبير عن مجاهدي خلق، المنظمة المعارضة الإيرانية.
وبادرت وزارة التعليم بإغلاق المدارس في المدن التي تشهد احتجاجات على غرار العميدية وميناء معشور في إقليم الأهواز ومدن في إقليم شيراز ومحافظة البرز ومحافظة طهران ومحافظة جهار محال وبختياري وذلك بذريعة برودة الطقس وهطول الثلوج.
 
انقطاع خدمة الإنترنت
وشهدت إيران منذ مساء السبت 16 نوفمبر ضعفا في سرعة الإنترنت وعلى أثرها انقطعت الخدمة بشكل شبه كامل.
وقالت منظمة «نت بلوكس» لمراقبة أنشطة الإنترنت في العالم إن أكبر مشغلي شبكات الهواتف المحمولة في إيران بما في ذلك إيرانسل ورايتل، سقطت في وضع عدم الاتصال.
ورغم ذلك فإن المحتجين تحدوا القيود المفروضة على خدمة الإنترنت ونشروا فيديوهات ومقاطع كثيرة في الشبكات الاجتماعية ووسائل إعلام خارج البلاد حول استمرار الاحتجاجات وانتشارها في أرجاء إيران.
وأثارت الاحتجاجات في إيران ردود فعل دولية منها وزير الخارجية الأميركي مايك بومبيو الذي قال في تغريدة: «بعد 40 عاما من الطغيان لا يصمت الشعب الإيراني في وجه انتهاكات حكومته ونحن أيضا لن نسكت. رسالتي للشعب الإيراني هي: لقد سمعت الولايات المتحدة أصواتكم. إن الولايات المتحدة تدعمكم وتقف إلى جانبكم».
هذا وأعرب الأمين العام للأمم المتحدة أنطونيو غوتيرش عن قلقه بسبب التقارير الواردة حول الاحتجاجات في إيران، وقال إنه «يشعر بالحزن» بسبب قتل المحتجين.

 

font change