إيران: الاحتجاجات تزداد... والعدالة الغائب الأكبر

عائلات المعتقلين يتخوفون من تكرار الفظاعات التي ارتكبها النظام بحق المحتجين خلال الحركة الخضراء قبل 10 سنوات

إيران: الاحتجاجات تزداد... والعدالة الغائب الأكبر

* كان القرار الحكومي المفاجئ برفع سعر البنزين 3 أضعاف نقطة انطلاق الاحتجاجات. ولكن الشعب الذي نزل إلى الشارع لم يكن همه الوحيد ارتفاع سعر المحروقات وإن كان ذلك شرارة أشعلت الغضب الشعبي
* ترى شريحة كبيرة من الرأي العام في إيران أن المشاكل التي يواجهونها والتي لا حصر لها ناتجة عن عدم جدارة المسؤولين وعجز النظام الديني والفساد المستشري وغياب الديمقراطية والشفافية والمغامرات المكلفة والتمييز والاضطهاد بأشكاله المختلفة وغياب العدالة


 

لندن: تحولت الاحتجاجات والمظاهرات المناهضة للنظام التي اندلعت في أكثر من 100 مدينة إيرانية والقمع الشديد الذي يمارسه النظام ضد المحتجين إلى محط اهتمام وسائل الإعلام الدولية.
كان القرار الحكومي المفاجئ برفع سعر البنزين بنحو 3 أضعاف نقطة انطلاق الاحتجاجات. ولكن الشعب الذي نزل إلى الشارع لم يكن همه الوحيد ارتفاع سعر المحروقات وإن كان ذلك شرارة أشعلت الغضب الشعبي. إنهم يشعرون بالاستياء الشديد من الظروف المعيشية وسوء تدبير المسؤولين وسوء إدارة النظام لمشاكلهم.
صرح وزير النفط الإيراني بيجن زنغنه في 16 نوفمبر (تشرين الثاني) بأن الحكومة ستحصل على 31 ألف مليار تومان من خلال زيادة أسعار الوقود يتم تخصيصه لمساعدة الشرائح الفقيرة.
وقال رئيس منظمة التخطيط والميزانية إن الإيرادات سيتم إنفاقها لتغطية الاحتياجات المعيشية لـ18 مليون أسرة من الطبقة الفقيرة والطبقة المتوسطة الدخل التي تشمل نحو 60 مليون إيراني.
تقدم هذه الأرقام الحكومية صورة قاتمة عن حالة الفقر التي يعاني منها أكثر من نصف السكان البالغ عددهم نحو 83 مليون نسمة في 2019، وفقا لعلي أكبر مخزون، المدير العام لمكتب تعداد السكان والقوى العاملة في مركز الإحصاء.
وبالطبع فإن هذه الأرقام تعني أن أكثر من نصف سكان البلاد بحاجة لمساعدات مالية لتأمين احتياجاتهم اليومية وأنهم يتعرضون لضعوط اقتصادية هائلة. وإن دل هذا على شيء فإنما يدل على فشل سياسات الحكومة والنظام في توفير الرفاه في بلد يتمتع بمصادر إنسانية وموارد نفطية وغازية هائلة وذلك بعد مرور 40 عاما على قيامه.
ترى شريحة كبيرة من الرأي العام في إيران أن المشاكل التي يواجهونها والتي لا حصر لها ناتجة عن عدم جدارة المسؤولين وعجز النظام الديني والفساد المستشري وغياب الديمقراطية والشفافية والمغامرات المكلفة والتمييز والاضطهاد بأشكاله المختلفة وغياب العدالة.
اتفق المسؤولون الإيرانيون وعلى رأسهم المرشد على تخوين الاحتجاجات واتهام المحتجين بتلقي الأموال من الخارج ووصفهم بالعملاء.
يقول المسؤولون الإيرانيون إن المحتجين اعتمدوا تصرفات وإطلاق هتافات معادية للنظام ولكن أليس ذلك ناتجا عن السياسات الفاشلة للنظام سواء الداخلية والخارجية والفساد الهيكلي وامتناع النظام عن القيام بالإصلاحات السياسية والاقتصادية مما أدى إلى المأزق السياسي والأزمة الاقتصادية والفقر والتمييز الصارخ في الوقت الراهن؟
تظهر ردود أفعال الساسة والقيادات العسكرية في إيران أنهم لا يدركون مدى يأس الشعب واستيائهم ويعتبرون كل هذه الاحتجاجات جزءا من مؤامرة كونية تحاك ضد النظام.
قال المتحدث باسم الحكومة علي ربيعي إن «النظام يعتبر الاحتجاجات حقا للشعب» ولكنه لم يوضح كيف يمكن القيام بالاحتجاجات وتنظيم مسيرات احتجاجية منتقدة لسياسات النظام؟ وكم مرة سمح النظام للجماعات التي تشعر بالاستياء من أداء الحكومة السياسي والاقتصادي بتنظيم مظاهرات والتعبير عن مطالبها وفقا للدستور؟
في الوقت الذي تؤكد المادة الـ27 من الدستور الإيراني على حق القيام بالتجمعات والمسيرات والمظاهرات بشرط أن تكون غير مسلحة ولا تنتهك الأصول الإسلامية يلجأ النظام إلى اعتماد سياسة مزدوجة بهذا الشأن. فالجمهورية الإسلامية تطبق هذه المادة ولكن على طريقتها الخاصة أي إنها تسمح بانطلاق المسيرات والتجمعات الداعمة لها ولسياساتها في حين تعتبر التجمعات والمسيرات التي تنظم من الجماعات المنتقدة لسياساتها بأنها غير مرخصة وغير قانونية وبالتالي تلجأ فورا إلى اتهام المنظمين والمشاركين فيها بالعمالة لـ«الاستكبار العالمي والصهيونية».
عندما لايجد المواطن أي سبيل للتعبير عن مطالبه في ظل غياب الأحزاب المستقلة والفاعلة والمؤسسات المدنية في المشهد الإيراني وفي ضوء غياب انتخابات حرة وشفافة وحظر التجمعات الاحتجاجية فإنه سيصل إلى مرحلة الانفجار حيث يمكن لأي إجراء وخطوة حكومية أن يؤدي إلى ظهور موجات احتجاجية متكررة بشكل ما رأيناه خلال الاحتجاجات في 2009 وديسمبر (كانون الأول) 2017.
يرى الكثير من المراقبين في الشأن الإيراني أن سوء الإدارة من قبل المسؤولين على أعلى المستويات والتمييز الهيكلي يشكلان جزءا كبيرا من المشكلة الإيرانية في الوقت الراهن، حيث لا يقتصر سوء الإدارة وضعفها على السلطة التنفيذية وحكومة الرئيس حسن روحاني.
قال روحاني خلال خطاب فوزه بفترة رئاسية ثانية في 20 مايو (أيار) 2017 إن إعادة انتخابه تظهر أن الناخبين يرفضون التشدد.
وبالفعل فإن الناخبين الذين صوتوا لصالح روحاني كان هدفهم عدم دخول البلاد في ورطة جديدة بسبب منافسه المتشدد إبراهيم رئيسي.
ولكن السياسات التي انتهجتها حكومة روحاني تؤكد على عدم رغبة حقيقية للإصلاح حيث إن المشاكل بقيت على حالها كما هي على غرار التضخم والبطالة والغلاء والفساد الهيكلي في النظام الإداري وغياب الشفافية في المؤسسات الحكومية. لم تتمكن حكومة روحاني ونظيراتها السابقة من إيجاد حلول حتى لمشاكل على غرار أزمة المياه وتلوث الهواء وارتفاع نسبة حوادث الطرق وضربت بيد من حديد كل حركة إصلاحية تقدمية ينظمها الشباب والنساء والشعوب غير الفارسية وغيرها.
لم يتوان النظام الإيراني عن إقصاء الكوادر المتخصصة والمحترفة واعتبار «التعهد والإيمان بمبدأ ولاية الفقيه» أعلى من التخصص والعلم وبالتالي قلل من قيمة آراء الخبراء والعلماء في كافة القطاعات.
إذن، نحن نواجه بلدا يجب أن يخضع كل القرارات المصيرية والهامة فيه لمصادقة المرشد ومكتبه وفقهاء مجلس صيانة الدستور. لا يتمتع هؤلاء الفقهاء في أغلب الأحيان بالمعرفة والدراية اللازمة بغالبية قطاعات إدارة البلاد. وهذه السياسات الخاطئة تولد استياء شعبيا عميقا.



 
لماذا تندلع الاحتجاجات المناهضة للنظام بين حين وآخر؟
لا تتمتع الصحافة والأحزاب السياسية والنقابات ومؤسسات المجتمع المدني بحرية وبالتالي لا تتمكن هذه المؤسسات من التعبير عن أصوات المحتجين.
إن شريحة واسعة من المجتمع الإيراني غير قادرة على التصويت لمرشحها المفضل في الانتخابات الرئاسية والبرلمانية لأن مجلس صيانة الدستور يفصل الانتخابات على قياس الموالين لولاية الفقيه وإقصاء جميع المنتقدين عن العملية الانتخابية.
لا توجد سلطة قضائية مستقلة عن رأي المرشد والحرس الثوري المتهمين من قبل الشعب باختلاس أموال البلاد. فالعدالة هي الغائب الأكبر في إيران حيث إن الجزء الأكبر من الثروات والإمكانيات وميزانية الحكومة تذهب لمؤسسات رجال الدين والحرس الثوري وأنصار ولاية الفقيه والتدخل في شؤون الدول الأخرى. ولا أحد في إيران يتحمل مسؤولية هذه الانتهاكات، إذ تتهرب كل المؤسسات والمسؤولين في النظام من الرد لهذا السؤال ألا وهو: أين تذهب كل أموال البلاد والتي يتم إنفاقها من دون أن ينتفع الشعب الجائع منه بشيء؟
بالتالي فإن الموجات الاحتجاجية في البلاد لم تتوقف. وإذا لم يتم حل هذه المشاكل ستستمر الاحتجاجات في الشوارع.
 
ولكن من أين يأتي العنف في الاحتجاجات؟
إذا ألقينا نظرة خاطفة على الاحتجاجات السابقة في إيران سنجد أن المحتجين ينطلقون في احتجاجات سلمية ولكن الاحتجاجات تأخذ منحنى عنيفا بسبب تدخل قوات الشرطة ومكافحة الشغب والقوات الأمنية من ذوي الملابس المدنية بهدف قمعها واعتقال المشاركين فيها.
تنظر السلطات إلى المحتجين والمنتقدين في إيران على أنهم «مثيرو الفتنة» و«مثيرو الشغب» و«أشرار» يجب اعتقالهم لأن التجمعات الاحتجاجية لا معنى لها أساسا في قاموس النظام.
ورغم أن الفترة بين الموجات الاحتجاجية في إيران بعد الحركة الخضراء في 2009 أصبحت أقل ولكن يتسع نطاقها في كل مرة. ويبدو أن النظام عقد عزمه على قمعها ومعها يزيد المحتجون إصرارا في مواصلة الاحتجاجات. وشاهدنا أن الاحتجاجات الأخيرة كانت أكبر نطاقا وعددا بالمقارنة مع احتجاجات ديسمبر (كانون الأول) 2017.
يصر النظام الإيراني على إسكات صوت المعارضين والمنتقدين ولذلك قتل أكثر من 300 شخص على يد القوات الأمنية.
إن حجم الاستياء والغضب الشعبي العارم من النظام في ارتفاع كبير وإن النظام المستبد غير مستعد للكف عن القمع والاعتراف رسميا بحق المواطنين في الاحتجاج. تتسع الفجوة بين السلطة الحاكمة والشعب يوما بعد يوم. السلطة الحاكمة لا تسمع لمطالب المحتجين. وهذا ما يوفر الأرضية لمزيد من الكبت وبالتالي المزيد من الاحتجاجات الشعبية في المرحلة المقبلة. تتعرض كافة أطياف المجتمع بينها النساء والشباب والشعوب غير الفارسية ونشطاء البيئة وحقوق الإنسان وأتباع المذاهب مثل السنة إلى التمييز والظلم من قبل السلطة الحاكمة.
قال مقصود فراست خاه عالم الاجتماع والأستاذ الجامعي خلال مقابلة مع جريدة «آرمان» الإصلاحية في 2018 إن هناك علامات مثيرة للقلق بشأن الانهيار الاجتماعي، منها عدم مشاركة الناس في صنع القرار وغياب التماسك الاجتماعي والهروب من القانون والشذوذ وغياب نظام أخلاقي وعدم كفاءة المؤسسات الاجتماعية والفساد وخيبة الأمل والغموض بشأن المستقبل واعتقاد نحو 80 في المائة من الشعب بأن المشاريع الوطنية فاشلة.
هذا وأفادت وسائل إعلام إيرانية معارضة أخبارا عن نقل معتقلي الاحتجاجات الأخيرة إلى سجن فشافويه في جنوب طهران.
ونشر موقع «إيران وير» الإيراني تحذير رئيس مجلس بلدية الري في جنوب طهران حسن خليل آبادي بشأن اكتظاظ معتقل فشافويه.
وقال خليل آبادي إن عدد المعتقلين في هذا السجن ارتفع خلال الأسابيع الماضية وإن السجن لا يستوعب هذا الكم من النزلاء.
وأضاف أن «هذا المعتقل يفتقر إلى الإمكانيات اللازمة ومن الصعب أن يتواجد كل هؤلاء المعتقلين بهذا المكان».
وأشار خليل آبادي إلى نقص الإمكانيات في السجن قائلا: «موظفو السجن يعانون هم أيضا من ظروف صعبة هناك فما بالك بالمعتقلين».
وتابع خليل آبادي أنه يتم احتجاز سجناء الجرائم الخطرة في فشافويه.
ويعد سجن فشافويه أحد أكثر المعتقلات رعبا في إيران.
وتابع تقرير «إيران وير» أن أحد المعتقلين في هذا السجن باسم علي رضا شير محمد علي قد قتل بضربات سكين مصنوع يدويا على يد سجينين منذ أشهر.
وقال «إيران وير» إن الشاب المقتول قد طالب المسؤولين بنقله إلى معتقل آخر لكي يقضي عقوبته مع سجناء سياسيين.
وأضاف «إيران وير» أنه تم نقل أكثر من ألف شخص من المعتقلين خلال الاحتجاجات الأخيرة إلى سجن فشافويه.
وبدأت وسائل إعلام إيرانية معارضة ونشطاء حقوق الإنسان في إيران وعائلات المعتقلين يتخوفون من تكرار سيناريو سجن كهريزك والفظاعات التي ارتكبها النظام بحق المحتجين خلال الحركة الخضراء في 2009.
وكان كهريزك معتقلا صغيرا للجرائم الخطرة ولكن السلطات عمدت إلى نقل المحتجين هناك وفاق العدد قدرته الاستيعابية بـ4 مرات. وقامت السلطات بممارسة كافة أشكال التعذيب والترهيب بحق المحتجين آنذاك.
 


 

font change