أوزبكستان والجمهورية الثانية

قراءة في الاستحقاق النيابي 2019

أوزبكستان والجمهورية الثانية

* أصدر الرئيس ثلاث وثائق رئيسية، هي: برنامج لإصلاح النظام القضائي والقانوني؛ واستراتيجية عمل بشأن خمسة مجالات ذات أولوية لتنمية البلد للفترة 2017 - 2021؛ ومفهوم الإصلاح الإداري
* في ضوء الرؤية الجديدة التي حملها الرئيس «شوكت ميرضائييف» لبناء أوزبكستان الجديدة، كان ثمة حرص على ضرورة العمل على توسيع حجم مشاركة المواطنين في الشأن العام عبر المشاركة في الاستحقاقات السياسية التي تشهدها البلاد
* الرئيس «ميرضائييف» طلب في 22 ديسمبر 2017 من البرلمان إعداد هذا التشريع بما يتفق والقواعد والمعايير الدولية، وهو التشريع الذي اعتمده المجلس التشريعي في 18 فبراير 2019
* نصت المادة السابعة والثلاثين من القانون على منح الحق الحصري للأحزاب السياسية فقط للتقدم للترشح لعضوية المجلس التشريعي وانتخابات المحليات وهو ما يستهدف خلق مناخ تنافسي صحي بين الأحزاب السياسية
* شهد الاستحقاق النيابي هذه المرة تطوراً مهماً في أكثر من مستوى، بدءاً بحجم المشاركة للأحزاب السياسية التي تخوض المنافسة الانتخابية، وصولا إلى التنظيم المتميز للعملية التصويتية
* رغم أن التجربة الديمقراطية الأوزبكية لا تزال في بدايتها، فإن الخطوات المتميزة التي تم اتخاذها من شأنها أن تحفز المنافسة الموسعة بين القوى السياسية بهدف توسيع قاعدتها الانتخابية خاصة بين الشباب


طشقند: لم يكن عام 2019 عاما عاديا في جمهورية أوزبكستان الواقعة في قلب منطقة آسيا الوسطى، فإلى جانب أنها كانت «بلد العام» وفقا لتصنيف مجلة «ذي إيكونوميست» البريطانية، معتبرة أنه «لم تذهب أي دولة بعيدا إلى هذا الحد في 2019»، في إشارة واضحة إلى ما شهدته أوزبكستان من تحولات واسعة على مختلف المستويات وفي المجالات كافة، سياسيا واقتصاديا واجتماعيا. جاء الاستحقاق السياسي لاختيار المجلس التشريعي في البرلمان الأوزبكي ليعزز من فرص نجاح عملية التحول الديمقراطي التي يشهدها البلد منذ وصول الرئيس «شوكت ميرضائييف» إلى الحكم عام 2016، وذلك عقب وفاة أول رئيس لجمهورية أوزبكستان ما بعد الاستقلال في بداية تسعينات القرن المنصرم «إسلام كريموف». ويستعرض هذا التقرير عبر محاوره ما شهدته الانتخابات التشريعية الأوزبكية وذلك على النحو الآتي:
 
أولا: البرلمان الأوزبكي... التشكيل والاختصاصات
يتشكل البرلمان الأوزبكي وفقا للدستور الصادر في 8 ديسمبر (كانون الأول) 1992 وتعديلاته التي جرت عام 2014. من غرفتين: الأولى يطلق عليها المجلس التشريعي وهو الغرفة السفلى، ويتكون من 150 نائبا، وقد كان فيما سبق حتى الانتخابات التي جرت عام (2014)، يتم اختيار 135 نائبا طبقا للدوائر الانتخابية الجغرافية وعلى أساس من التعددية الحزبية، في حين يمثل فيه 15 نائبا عن حركة البيئة في أوزبكستان. إلا أن هذا الأمر تغير وفقا للتعديلات التي جرت على التشريعات المنظمة للعملية الانتخابية بإلغاء نسبة التخصيص وجعل المنافسة تامة بين جميع القوى السياسية.
أما الغرفة الثانية فيُطلق عليها «مجلس الشيوخ»، وهو الغرفة الأعلى، ويتشكل من النواب المنتخبين عن الأجهزة التمثيلية المحلية للسلطة الحكومية في الاجتماع المشترك بينهم، وذلك بأعداد متساوية بواقع ستة أفراد من جمهورية قاراقال باكستان، ومثلهم من المقاطعات ومن مدينة طشقند. كما يقوم رئيس جمهورية أوزبكستان بتعيين 16 عضوا لمجلس الشيوخ، يتم اختيارهم من بين الشخصيات المرموقة الأكثر اهتمامًا بالعمل الوطني في البلاد.
وفي هذا الخصوص، تجدر الإشارة إلى ما نص عليه قانون الرقابة البرلمانية الصادر في أغسطس (آب) 2016. إذ نص على أن تنفذ الرقابة البرلمانية أثناء مناقشة الميزانية العامة واعتمادها ورصد سير تنفيذها، والاستماع إلى تقارير مجلس الوزراء بشأن أهم مسائل التنمية الاجتماعية والاقتصادية في البلد، وتقارير رئيس الوزراء وأعضاء الحكومة وديوان المراجع العام ومكتب النائب العام، وتقارير المصرف المركزي واللجنة الحكومية المعنية بالشؤون الإيكولوجية وحماية البيئة، وأثناء النظر في طلبات واستفسارات البرلمان والنواب، وإجراء التحقيقات البرلمانية، وما إلى ذلك. كما ازداد اهتمام البرلمان بعمل أجهزة إنفاذ القانون، وأُنشئت من أجل ذلك لجان خاصة تابعة لمجلس الشيوخ من أجل تنفيذ الرقابة البرلمانية فيما يتعلق بمراعاة أجهزة النيابة العامة والشؤون الداخلية لمسائل المشروعية وحقوق الإنسان في عملها. فضلا عما سبق، فقد تم عام 2017 إدخال تعديلات على قانون مفوض مجلس الشيوخ المعني بحقوق الإنسان (أمين المظالم)، حيث نصت على تعزيز المركز القانوني لديوان أمين المظالم ومنحه صلاحيات واختصاصات إضافية تتيح إمكانية تعزيز فعالية عمله في مجال رد الحقوق المستلبة للمواطنين.

 

رئيس أوبكستان شوكت ميرزاييف


 
ثانيا: الاستحقاق النيابي والبيئة السياسية... نحو مزيد من التحول الديمقراطي
في واحدة من أبرز التحولات السياسية التي عاشتها أوزبكستان منذ وصول الرئيس «ميرضائييف» إلى السلطة منذ ثلاث سنوات، أي في سبتمبر (أيلول) 2016، تبنيه لبرنامج إصلاحي اقتصاديا وسياسيا يهدف إلى إعادة تشكيل المشهد السياسي الداخلي، حيث أصدر الرئيس ثلاث وثائق رئيسية، هي: برنامج لإصلاح النظام القضائي والقانوني؛ واستراتيجية عمل بشأن خمسة مجالات ذات أولوية لتنمية البلد للفترة 2017 - 2021؛ و«مفهوم الإصلاح الإداري.
وغني عن البيان أن البرنامج واستراتيجية العمل، يركزان على ضمان سيادة القانون، وإصلاح النظام القضائي، وتشجيع التحرير الاقتصادي، وتنمية المجال الاجتماعي. وذلك من خلال التركيز على عدد من الأهداف الفرعية التي إذا تم تنفيذها بالكامل، من شأنها أن تتغير العلاقة بشكل أساسي بين الحكومة وشعبها، فضلا عن العمل على رفع مستوى منظمات المجتمع المدني لتصبح شركاء مع الحكومة في تحقيق النهضة المجتمعية. في حين يهدف مفهوم الإصلاح الإداري إلى إيجاد نظام فعال وشفاف للإدارة العامة قادر على حماية حقوق المواطنين وتعزيز القدرة التنافسية الاقتصادية لأوزبكستان على الصعيد العالمي، وقد حُددت ستة مجالات ذات أولوية، من بينها: تحسين الإطار المؤسسي والتنظيمي والقانوني لأنشطة السلطات التنفيذية، وتشكيل نظام فعال للخدمة المدنية المهنية، وإدخال آليات فعالة لمكافحة الفساد في نظام السلطات التنفيذية.
وإذا كان صحيحا أن ثمة خطوات فعلية تم اتخاذها في هذا الصدد، فإن مردودات هذه الاستراتيجيات لا تزال في بدايتها، إذ إنه من الصعوبة بمكان تقييم نتائجها خلال الفترة القليلة الماضية، ولكن بدأت مؤشراتها في الظهور من خلال ما تحقق من نمو اقتصادي واستقرار سياسي جعلت من أوزبكستان نموذجا إيجابيا لدول منطقة آسيا الوسطى، حيث شهدت أوزبكستان الدولة الأكثر سكانا (ما يزيد على 34 مليون نسمة) والأكثر أهمية جيوسياسية لوقوعها في قلب المنطقة، تطورات سياسية ملموسة تجلت في كثير من الخطوات الإصلاحية التي اتخذها الرئيس «ميرضائييف»، منها:
-               إجراء الانتخابات على المستويات المحلية، وجعلها انتخابات تنافسية بين الأحزاب السياسية، وهو ما يعطي مؤشرا مهما على التحول نحو اللامركزية في إدارة الشأن العام بما ينعكس بدوره على جعل السياسات أكثر شفافية وديمقراطية.
-               الموافقة على خطة عمل للإصلاح القضائي، شملت ضمان الاستقلال الحقيقي للقضاء، وزيادة فعالية الجهاز القضائي وسلطته، وضمان الحماية القضائية القوية لحقوق المواطنين وحرياتهم، مع خفض الحد الأقصى لاحتجاز الشخص قبل عرضه على قاضٍ من 72 إلى 48 ساعة.
-               إصدار مرسوم رئاسي يحظر صراحة استخدام التعذيب للحصول على اعترافات، والقبول بها كدليل في إجراءات المحاكم.
-               إلغاء بعض القيود غير المبررة على الحق في حرية التعبير، مع السماح لوسائل الإعلام بنشر التقارير ذات الأهمية بالشأن الداخلي والتي كان يمنع نشرها أو إذاعتها سابقا.
-               إلغاء الشروط القانونية لحصول المواطنين الأوزبكيين على إذن بمغادرة البلد بدءا من هذا العام.
-               إطلاق سراح الكثير من السجناء المدانين بتهم ذات دوافع سياسية.
-               إصدار مرسوم رئاسي يحظر رسميا التجنيد القسري للأطفال، والطلاب، والعاملين في المجال الطبي، وأعضاء هيئة التدريس للعمل في حقول القطن.
-               دعوة المنظمات غير الحكومية الدولية ووسائل الإعلام الدولية إلى زيارة أوزبكستان والاطلاع على حقائق الأمور على الواقع. بل الأكثر من ذلك السماح لوجود ممثل دائم لمكتب المفوض السامي لحقوق الإنسان في العاصمة الأوزبكية (طشقند).
-               زيادة أعداد مؤسسات المجتمع المدني الفاعلة، إذ يذكر أنه منذ تولى الرئيس الحكم عام 2016 وحتى أوائل عام 2019. نجحت 685 منظمة في التسجيل في وزارة العدل أي بزيادة قدرها 8 في المائة.

 

المرشحون على المستوى المحلى


 
ثالثا: البيئة القانونية... نحو مزيد من الضمانات
في ضوء الرؤية الجديدة التي حملها الرئيس «شوكت ميرضائييف» لبناء أوزبكستان الجديدة، كان ثمة حرص على ضرورة العمل على توسيع حجم مشاركة المواطنين في الشأن العام عبر المشاركة في الاستحقاقات السياسية التي تشهدها البلاد. وانطلاقا من ذلك تضمنت رؤيته ضرورة إعادة النظر في التشريعات المنظمة للمشاركة في العملية الانتخابية بحيث يتم تضمينها في تشريع واحد يلغي التعارض الذي يمكن أن يتواجد فيها، وهو ما يعني إلغاء خمسة تشريعات وهي: انتخابات رئيس جمهورية أوزبكستان»، و«انتخابات نواب الشعب عن المجالس المحلية في الأقاليم والأحياء والمدن»، و«انتخابات برلمان جمهورية أوزبكستان»، و«اللجنة المركزية للانتخابات لجمهورية أوزبكستان»، و«ضمانات الحقوق الانتخابية للمواطنين»، مع إلغاء بعض المواد الواردة في قوانين أخرى ذات صلة، على أن يتم وضع إطار قانوني يضمن للمواطنين التعبير بحرية عن إرادتهم وفقا للمعايير والمبادئ الدولية المعترف بها في هذا الخصوص، بما يكفل لكل مواطن الحق في التصويت والترشح لعضوية المؤسسات التمثيلية في الدولة، مع إنشاء الآليات القانونية لكفالة النزاهة والشفافية في العملية الانتخابية.
ومن هذا المنطلق، جاء إصدار القانون الموحد للانتخابات في 26 يونيو (حزيران) 2019. وفكرة إصداره ضمن رؤية الرئيس «ميرضائييف» الذي طلب في 22 ديسمبر (كانون الأول) 2017 من البرلمان إعداد هذا التشريع بما يتفق والقواعد والمعايير الدولية، وهو التشريع الذي اعتمده المجلس التشريعي في 18 فبراير (شباط) 2019، ووافق عليه مجلس الشيوخ في 28 فبراير من العام ذاته، ليصدره الرئيس لبدء سريان العمل به في اليوم التالي لتاريخ إصداره. ويتألف هذا التشريع من 18 فصلاً و103 مواد، راعى فيها المشرع الأوزبكي كافة التوصيات التي أبداها مكتب المؤسسات الديمقراطية وحقوق الإنسان التابع لمنظمة الأمن والتعاون الأوروبي ومنظمة التعاون الإسلامي، وقد تركزت أبرز هذه التعديلات فيما يأتي:
-               الحق الانتخابي العام (مادة 4)، يتمتع كل مواطن أوزبكي لدى بلوغه الثامنة عشر من العمر في يوم الانتخابات بالحق في التصويت وذلك بغض النظر عن الجنس أو العرق أو القومية أو اللغة أو الدين أو الأصل الاجتماعي أو المعتقد أو الحالة الشخصية والاجتماعية أو التعليم أو الأصل أو طبيعة العمل.
-               إلغاء مبدأ الحصص المخصصة لمقاعد النواب الممثلين لحركة البيئة في أوزبكستان، حيث نصت المادة السابعة والثلاثين من القانون على منح الحق الحصري للأحزاب السياسية فقط للتقدم للترشح لعضوية المجلس التشريعي وانتخابات المحليات وهو ما يستهدف خلق مناخ تنافسي صحي بين الأحزاب السياسية من خلال منحها فرصاً متكافئة، دون تمييز، ومع إلغاء التمييز الذي كانت تحصل عليه هذه الحركة حتى الانتخابات الأخيرة (2014)، حيث كان يتم تخصيص 15 مقعدا نيابيا لها.
-               الحق الانتخابي المتكافئ (مادة 5)، وذلك من خلال وضع قائمة إلكترونية موحدة للناخبين في كافة أنحاء الجمهورية، وذلك اعتمادا على المصادر الرسمية التي تضم كافة المعلومات الخاصة بالمواطنين الذين لهم حق الانتخاب كافة، على أن تشمل هذه القائمة (عناوينهم، ومحال إقامتهم الدائمة والمؤقتة)، وذلك بهدف منح الحق الانتخابي المتكافئ للجميع بما يضمن مشاركة كل ناخب بصوت واحد فقط منعا لأي تلاعب يمكن أن يحدث.
-               الحق الانتخابي المباشر (مادة 6)، وذلك بوضع بطاقة انتخاب موحدة للتصويت يوم الانتخابات، بما في ذلك التصويت قبل الموعد المحدد.
-               الانتخاب السري (مادة 7)، حيث نص على أن يجري التصويت في الانتخابات على نحو حر وبصورة سرية دون فرض أي رقابة على إرادة المواطنين.
-               علانية وشفافية الانتخابات (مادة 8)، حيث وضع التشريع مجموعة من القواعد الناظمة لتشكيل اللجان الانتخابية المستقلة التي تتمتع بالصلاحيات الواسعة والأدوات التقنية الحديثة. مع منح وسائل الإعلام تغطية كافة الخطوات التحضيرية وإجراء الانتخابات، فضلا عن وجود مراقبين محليين ودوليين على العملية الانتخابية.
-               تسجيل الأحزاب لدى وزارة العدل (مادة 68)، حيث اشترط القانون لمشاركة الحزب السياسي في الانتخابات أن يكون مسجلا لدى وزارة العدل وذلك في موعد لا يتجاوز أربعة أشهر قبل إجراء الانتخابات. على أن يبدأ الحزب بتقديم مرشحيه قبل خمسة وستين يوما من الانتخابات (مادة 70).
-               تسجيل مفوضي الأحزاب السياسية الراغبة في الانتخابات (مادة 34)، حيث ينص القانون على أن تتولى اللجنة الانتخابية المركزية تسجيل مفوضين عن الأحزاب الراغبة في الانتخابات شريطة أن يحصل الحزب على جمع 40 ألف توقيع من الناخبين الذين يؤيدون مشاركته في العملية الانتخابية (مادة 40).
ولم يقتصر الأمر على ذلك فحسب، بل كان من أبرز ما تضمنه التشريع استبعاد المعيار الذي يقيد مشاركة الأشخاص المسجونين لارتكاب جرائم لا تشكل خطرا اجتماعيا كبيرا، وأيضا للجرائم الأقل خطورة. وهو ما يمثل خطوة مهمة في ضمان الحقوق الانتخابية للمواطنين، بالإضافة إلى ذلك، تضمن القانون بندا خاصا بتهيئة الظروف المواتية للمواطنين ذوي الإعاقة لممارسة حقوقهم الدستورية.

 

العيادة الطبية المتكاملة داخل اللجان الانتخابية


 
رابعاً: الانتخابات الأوزبكية... قراءة في مؤشرات جديدة
شهد الاستحقاق النيابي هذه المرة تطورا مهما في أكثر من مستوى، بدءا من حجم المشاركة للأحزاب السياسية التي تخوض المنافسة الانتخابية، وصولا إلى التنظيم المتميز للعملية التصويتية، بما تشمله من بدء إعداد جداول الناخبين، وتوزيعها على اللجان الانتخابية المختلفة، فضلا عن التسهيلات التي تمت لضمان رفع مستوى المشاركة السياسية، وهو ما يمكن توضيحه من خلال أربعة مؤشرات مهمة على النحو الآتي:
الأول: تزايد أعداد الأحزاب السياسية المشاركة في العملية الانتخابية، حيث شارك في هذه الانتخابات خمسة أحزاب مقارنة بأربعة أحزاب كانت مشاركة في الاستحقاق السابق عام (2014). مع الأخذ في الاعتبار أن هذه المشاركة لم تكن جديدة على مستوى التمثيل داخل المجلس التشريعي، وإنما كانت جديدة بالنسبة لخوض غمار المنافسة الانتخابية. بمعنى أكثر وضوحا، لم تختلف القوى السياسية المشاركة في العملية الانتخابية من حيث دورها في الحياة السياسية الأوزبكية، إذ مثلت الأحزاب الأربعة المشاركة في هذه الانتخابات الخريطة الانتخابية في الانتخابات السابقة إلى جانب مشاركة حركة البيئة الأوزبكية في العمل البرلماني عبر نسبة مشاركة محددة سلفا عبر نظام التخصيص، حيث كان يُخصص لها 15 مقعدا. الأمر الذي اختلف مع هذه الانتخابات تطبيقا لأحكام القانون الجديد، حيث خاضت هذه الانتخابات للمرة الأولى بعد تحولها إلى حزب حمل ذات الاسم. ويعني كل ما سبق أن خريطة القوى السياسية التي ستمثل في المجلس التشريعي لن تختلف عن المجلس السابق وإن تباينت حصة كل منهم في عدد المقاعد.
الثاني: التواجد الملموس للمرأة الأوزبكية في هذا الاستحقاق السياسي على مستوى المرشحين للانتخابات النيابية أو المحلية، إذ إنه وفقا للنظام الانتخابي يسمح لكل حزب التقدم بمرشح واحد عن الدائرة الانتخابية، وقد لوحظ أنه في كثير من الدوائر كان للمرشحات النصيب الأوفر، فعلى سبيل المثال في ولاية بخارى نجد أن المرشحين الخمسة كان من بينهم ثلاثة مرشحات للمستوى النيابي، وهي ذات النسبة على مستوى الوحدات المحلية. ولم يقتصر الأمر على ذلك فحسب، بل كشفت المتابعة الفعلية من خلال التواجد في كثير من اللجان الانتخابية عن تزايد أعداد الناخبات، الأمر ذاته ينسحب على رؤساء اللجان الانتخابية حيث تتولى المرأة رئاسة كثير من هذه اللجان. 
ما نود أن نشير إليه أن هذا الاستحقاق كشف عما حققته المرأة الأوزبكية من نجاح ملحوظ على المستوى السياسي، وهو ما يمكن أن نرجعه لعاملين: الأول يتعلق برؤية القيادة السياسية الأوزبكية لدور المرأة في بناء المجتمع وتوعيته. الثاني، إصرار المرأة الأوزبكية للحصول على حقوقه السياسية ومشاركتها الفعلية في الحياة الاقتصادية.
 

كبار السن يحرصون على المشاركة فى العملية التصويتية



الثالث: تبني مجموعة من الإجراءات الهادفة إلى ضمان الشفافية والنزاهة في العملية الانتخابية، ومن أبرزها:
1-           دعوة كثير من الجهات الدولية والإقليمية للمشاركة في الرقابة على العملية الانتخابية، حيث تجاوز عدد المراقبين (600) مراقب من أكثر من 25 دولة ومنظمة دولية وإقليمية، هذا فضلا عن الرقابة المحلية من جانب المنظمات الأوزبكية.
2-           السماح لممثلي الأحزاب الخمسة المشاركة في العملية الانتخابية بتواجد مندوب لكل منهم طوال اليوم داخل اللجنة الانتخابية لمتابعة كل ما يجري داخلها، بدءاً من ضمان تسجيل الناخب لبياناته على جهاز الحاسب الآلي المرتبط بشبكة موحدة على جميع أنحاء الجمهورية، مرورا بتسلمه أوراق التصويت (ثلاثة أوراق للتصويت: واحدة للانتخابات البرلمانية، والثانية للانتخابات على مستوى الولايات، والثالثة للانتخابات على مستوى المدن)، وصولا إلى وضع أوراق التصويت بعد اختيار من يؤيده من المرشحين في صندوق انتخابي شفاف يُظهر ما بداخله من محتويات.
3-           السماح لبعض الجهات الدولية المشاركة في الرقابة على الانتخابات من التواجد بشكل مستمر داخل اللجان الانتخابية عبر تخصيص مقاعد خاصة بممثلي هذه الجهات، فضلا عن السماح للمراقبين من الدول والجهات الأجنبية والمحلية بدخول اللجان الانتخابية ومتابعة عملية التصويت من خلال شرح واف للإجراءات التي تتم داخل اللجنة مع السماح لهم بالتصوير إذا تطلب الأمر ذلك.
4-           السماح للمرشحين والمواطنين بالطعن على قرارات اللجنة المركزية للانتخابات، حيث نصت المادة 102 من القانون على أنه يمكن الطعن على قرارات لجان الانتخابات من قبل هيئات الأحزاب السياسية التي دفعت بمرشحيها لانتخابات النواب، أو من قبل المرشحين أنفسهم، ووكلائهم، والمراقبين والناخبين، وتقديم الطعن إلى اللجنة الانتخابية العليا أو إلى القضاء، وذلك في غضون عشرة أيام بعد صدور تلك القرارات. كما يمكن الطعن على قرار اللجنة المركزية للانتخابات أمام المحكمة العليا لجمهورية أوزبكستان في غضون عشرة أيام بعد صدور القرار.
الرابع: اتخاذ حزمة من الإجراءات الهادفة إلى توسيع حجم المشاركة، ومن أبرزها:
1-           اختيار موعد مناسب لإجراء العملية الانتخابية، حيث أجريت الانتخابات في يوم الأحد وهو يوم عطلة رسمية بما يسمح للناخب بالذهاب إلى لجنته الانتخابية في الموعد الذي يناسبه طوال فترة التصويت الممتدة من الثامنة صباحا وحتى الثامنة مساءً.
2-           توزيع الناخبين على عدد كبير من اللجان الانتخابية في المناطق الجغرافية المختلفة بما يجعل من السهولة بمكان على الناخب الإدلاء بصوته دون الحاجة إلى الانتظار في طوابير قد تجعلهم يحجمون عن المشاركة.
3-           وضع جميع اللافتات الحاملة لكل البيانات المنظمة للعملية التصويتية سواء على الموقع الإلكتروني للجنة المركزية للانتخابات ووسائل تواصلها الاجتماعي، أو على جدران اللجان الانتخابية.
4-           تخصيص مكان ملائم لتصويت ذوي الاحتياجات الخاصة بما يتناسب وطبيعة الإعاقة التي يعانون منها.
5-           السماح بذهاب مندوب معتمد من لجنة الانتخابات المركزية إلى المواطنين كبار السن غير القادرين على التواجد داخل اللجان الانتخابية، حيث يحمل المندوب صندوقا شفافا مرفقا مع أوراق التصويت للاختيار بين المرشحين.
6-           تزويد اللجان الانتخابية بعيادات طبية مزودة بأحدث الأجهزة الطبية لمساعدة كبار السن وذوي الاحتياجات الخاصة إذا ما وقع حادث.


 

مكان مخصص لذوى الاحتياجات الخاصة


 
خامساً: نتائج الانتخابات الأوزبكية... قراءة أولية
شارك في هذه الانتخابات كما سبقت الإشارة خمسة أحزاب سياسية، وهي: حركة رجال الأعمال - حزب أوزبكستان الديمقراطي الليبرالي، وحزب «Milliy tiklanish» (النهضة الوطنية) الديمقراطي، والحزب الديمقراطي الشعبي، وحزب «Adolat» (عدالت) الديمقراطي الاجتماعي، وحزب البيئة الأوزبكي بترشح ممثليها في انتخابات نواب المجلس التشريعي لدى المجلس الأسفل بجمهورية أوزبكستان وأعضاء المجالس المحلية في المحافظات والمناطق والمدن، إذ بلغ عدد المرشحين – طبقا لما أعلنته اللجنة المركزية للانتخابات - 750 مرشحاً بينهم 310 من الإناث وذلك بنسبة تزيد 10 في المائة عما كان عليه الحال في انتخابات 2014. وقد شهدت هذه الانتخابات مشاركة تصويتية كبيرة، إذ بلغ عدد الناخبين الذين شاركوا في هذه الانتخابات – طبقا لما أعلنته اللجنة المركزية للانتخابات - ما يقرب من 13.960 مليون ناخب من بينهم 200.1 ألف أوزبكي يعيشون في الخارج، أي إن نسبة المشاركة بلغت نحو 71.1 في المائة، وتعتبر الانتخابات صالحة في حال تجاوزت نسبة الناخبين الذين أدلوا بأصواتهم 33 في المائة وذلك وفقا للنسبة التي حددها القانون.
وجاءت نتيجة الانتخابات على النحو الآتي: الحزب الليبرالي الديمقراطي حصل على 43 مقعدا، وحصل الحزب الديمقراطي في أوزبكستان (ميلي تيكلانيش) على 35 مقعدا، وحزب عدالت الديمقراطي الاجتماعي 21 مقعدا، والحزب الديمقراطي الشعبي 18 مقعدا، وحزب الخضر (البيئة) 11 مقعدا. ويلاحظ أن المرأة حققت تميزا في هذه الانتخابات حيث حصدت 36 مقعدا. في حين يظل ثمة منافسة بين 74 مرشحا على 20 مقعدا في 22 دائرة في مرحلة إعادة الانتخابات التي سوف تتم بعد أسبوعين.
وتكشف القراءة الأولية لهذه النتائج عن ملاحظتين مهمتين: الأولى، شهدت الانتخابات تباينا بسيطا في ترتيب الأحزاب الفائزة، إذ إنها في الوقت الذي احتفظ فيه كل من الحزب الليبرالي الديمقراطي بالمرتبة الأولى وإن تراجعت عدد مقاعده بعدما كانت 52 مقعدا بفارق 10 مقاعد، واحتفظ الحزب الديمقراطي لأوزبكستان بترتيبه في المرتبة الثانية ولكن مع خسارة مقعد حيث كان (36 مقعدا)، نجد أن حزب الشعب الديمقراطي تراجع من المرتبة الثالثة إلى المرتبة الرابعة، بخسارة (11) مقعدا، حيث كان عدد مقاعده (27) في الانتخابات السابقة، في حين صعد حزب العدالة الديمقراطي الاجتماعي إلى المرتبة الثالثة مع كسبه مقعدا جديد مقارنة بما كان عليه حيث كان له 20 مقعدا في السابق. 
 

ممثل اللجنة الانتخابية يحمل صندوقا للتصويت لكبار السن فى منازلهم



الملاحظة الثانية، خسر حزب البيئة الأوزبكي أربعة مقاعد كانت مضمونة له في الانتخابات السابقة حينما كان لحركة البيئة قبل تحولها إلى حزب وخوض العملية الانتخابية، عدد (15 مقعدا) بالتخصيص كما سبقت الإشارة. ولكن رغم هذه الخسارة إلا أنها تحمل في جوهرها مكسبا للحزب إذ إنها المرة الأولى التي يخوض في العملية الانتخابية ويدخل في منافسات كثيرة مع أحزاب خبرت العمل الانتخابي، ولذا ما حققه يعتبر نجاحا نسبيا، كما يمكن له تعويض هذه الخسارة في حالة الإعادة المزمع أجراؤها خلال أسبوعين من تاريخ إعلان النتيجة، وهو ما يعني أن النتائج المعلنة وتراتبية الأحزاب المشاركة ليست نهائية وإنما هي مرهونة بما ستفزره جولة الإعادة، وبما تفصل فيه اللجنة المركزية من شكاوى انتخابية إن ثبتت صحتها يمكن أن يترتب عليها إبطال النتيجة وإعادة الانتخابات.
نهاية القول، رغم أن التجربة الديمقراطية الأوزبكية لا تزال في بدايتها، إلا أن الخطوات المتميزة التي تم اتخاذها وخاصة فيما يتعلق بإجراء الاستحقاقات السياسية وفقا لرؤى جديدة، من شأنها أن تحفز المنافسة الموسعة بين القوى السياسية المسجلة رسميا بهدف صقل برامجها ومضاعفة جهودها لتوسيع قاعدتها الانتخابية خاصة بين الشباب الذي يمثل النسبة الأكبر من سكان الدولة، الأمر الذي من شأنه الانتقال بخطوات أسرع في مسيرة التحول للوصول إلى نظام سياسي أكثر انفتاحًا يحتضن حرية التعبير وتكوين الجمعيات والتجمع، ليوفر بدوره فرصة لاستكمال خطوات بناء دولة عصرية تحقق طموحات الشباب وتطلعاته في غد يعيد لها مكانتها العلمية والروحية التي كان لها تاريخ مشرف في رفد الحضارة الإسلامية بكبار العلماء والباحثين الذين قدموا أسس العلم وفنونه إلى العالم أجمع.
 
 

font change