اليابان والثلاثي الخليجي

قراءة في زيارة شينزو آبي إلى السعودية والإمارات وعمان

اليابان والثلاثي الخليجي

* العامل الذي يُكسب الزيارة مزيدا من الأهمية يتمثل في المكانة المتميزة التي حققتها المملكة العربية السعودية في استضافتها للمرة الأولى لقمة العشرين، حيث تعتبر أول دولة عربية تتولى رئاسة هذه المجموعة، وكانت هذه الرئاسة محوراً من محاور المحادثات خلال الزيارة
* جاءت زيارة رئيس الوزراء الياباني شينزو آبي إلى المملكة العربية السعودية ضمن سلسلة من اللقاءات المتبادلة بين رئيس الوزراء الياباني وقادة المملكة، لتضيف مزيداً من نقاط القوة إلى مسار علاقات البلدين
* حملت مشاركة رئيس الوزراء الياباني في فعاليات «أسبوع أبوظبي للاستدامة 2020» دلالة مهمة على تعزيز التعاون الاقتصادي بين البلدين في مجالات اقتصادية أوسع من التعاون في مجال الطاقة
* رغم التحديات الاقتصادية والسياسية التي يمر بها العالم بصفة عامة والمنطقة على وجه الخصوص، إلا أن العلاقات الإماراتية اليابانية تشهد مزيداً في رسوخها وصلابتها، انعكاساً لحرص القيادات العليا للبلدين في دفع عجلة العلاقات نحو مزيد من التطور والنمو خلال الفترة الماضية

باكو: لم يكن الخليج بعيدا عن توجهات السياسة الخارجية اليابانية التي تستهدف منذ نهاية الحرب العالمية الثانية العمل على ترسيخ الاستقرار والأمن والتعاون ليس فقط في جوارها الإقليمي وإنما في مختلف مناطق العالم وخاصة تلك الملتهبة منه كما هو الحال في منطقة الخليج العربي التي تمثل شريانا حيويا للاقتصاد الياباني سواء كمصدر مهم للطاقة أو لانفتاحها على العالم.
ومن هذا المنطلق، تستقبل منطقة الخليج بين الحين والآخر زيارات لكبار المسؤولين اليابانيين كان آخرها زيارة رئيس الوزراء الياباني شينزو آبي إلى الخليج خلال الأسبوع الثاني من شهر يناير (كانون الثاني) 2020. والتي شملت ثلاث محطات خليجية بدأت بالمملكة العربية السعودية مرورا بدولة الإمارات العربية المتحدة وصولا إلى سلطنة عمان.
وغني عن البيان أنه رغم تعددية الزيارات المتبادلة بين الجانبين خلال السنوات السابقة، إلا أن هذه الزيارة اكتسبت أهميتها من ثلاثة عوامل: الأول، توقيت الزيارة حيث جاءت في أعقاب ما شهدته المنطقة من توتر وصل إلى حد أن كتم جميع الأطراف انفاسهم عقب مقتل قاسم سليماني قائد فيلق القدس الإيراني في غارة أميركية استهدفت موكبه في المطار العراقي، والتي لم يتأخر الرد الإيراني كثيرا على هذه العملية بإقدامها على توجيه ضرب إلى القواعد الأميركية في العراق، صحيح أن الضربات الإيرانية لم تصب أحدا بسوء إلا أنها أعطت رمزية للموقف الإيراني الذي هدد بالانتقام من مقتل أحد قادته المتهمين بإشعال فتيل الأزمات في كثير من الدول المجاورة وخاصة تلك التي تشهد تواجدا إيرانيا كما هو الحال في العراق وسوريا واليمن ولبنان. فزيارة رئيس الوزراء الياباني في أعقاب هذا التصعيد رغم أن موعدها كان معروفا سلفا، إلا أنها أعطت دلالة لحرص طوكيو على التواجد في قضايا المنطقة رغم ما نُشر حينها عن إلغاء هذه الزيارة بسبب التوترات في المنطقة، ولكن الناطق باسم الحكومة اليابانية يوشيهيدي سوجا نفى هذه الأنباء مؤكدًا قيامها في موعدها. 
إضافة إلى ما سبق، اكتسبت الزيارة أهمية مضاعفة بتزامنها مع بدء تنفيذ قرار الحكومة اليابانية إرسال قوات إلى منطقة الخليج، حيث اُتخذ قرار ياباني قبيل الزيارة مباشرة يقضي بإرسالها للمدمرة الحربية «تاكانامي» التي يبلغ وزنها 4650 طنا، وطائرتي مراقبة من طراز «بي- 3سي» من دون الانضمام إلى التحالف الذي تقوده واشنطن في المنطقة، وذلك للقيام بدوريات في هذه المنطقة بهدف المساعدة في تأمين المرور الآمن للسفن التجارية اليابانية في المسارات البحرية، وهو ما يؤكد بدوره على إصرار طوكيو على المشاركة الفعالة في الممرات البحرية وأمن الخليج، إذ يذكر أن طوكيو تخطط في العام المالي الجديد لإنفاق 4.68 مليار ين (42.7 مليون دولار) على هذه القوة، التي تستمر في مهامها لمدة عام، حتى 26 ديسمبر (كانون الأول) 2020. 
أما العاملالثانيالذي يُكسب هذه الزيارة أهميتها يتمثل في أنها عكست رؤية يابانية في تعاملها مع دول الخليج، فإلى جانب زيارة رئيس الوزراء الياباني إلى كل من المملكة العربية السعودية والإمارات اللتين تمثلان محورا خليجيا رافضا للسياسات التي تنتهجها بعض دول الخليج وتحديدا قطر في الإضرار بالأمن والاستقرار في المنطقة، إلا أنه حرص على أن تشمل الزيارة سلطنة عمان والتي تمثل خطاً وسطاً في ظل الأزمة الخليجية، وكأنه يريد أن يبعث برسالة بموقف دولته الرافض للانقسام الخليجي وأهمية التعاضد الخليجي في مواجهة التحديات الراهنة كما جاء في تصريح رئيس الوزراء شينزو آبي أن: «اليابان والسعودية والإمارات، يجب عليها العمل سويا، لتخفيف حدة التوتر في الخليج». صحيح أن الظروف التي واجهتها سلطنة عمان قبيل الزيارة مباشرة والمتمثلة في وفاة السلطان قابوس بن سعيد وتولي السلطان الجديد هيثم بن طارق أدت إلى أن غلب على الزيارة الطابع البروتوكولي متمثلا في تقديم واجب العزاء إلى الشعب العماني دون أن تتطرق إلى قضايا المنطقة وملفات العلاقات الثنائية بين البلدين. 
والعامل الثالث الذي يُكسب الزيارة مزيدا من الأهمية يتمثل في المكانة المتميزة التي حققتها المملكة العربية السعودية في استضافتها للمرة الأولى لقمة العشرين، حيث تعتبر أول دولة عربية تتولى رئاسة هذه المجموعة، وكانت هذه الرئاسة محورا من محاور المحادثات خلال الزيارة كما ذكر المتحدث باسم وزارة الخارجية اليابانية أن: «لقاء رئيس الوزراء الياباني شينزو آبي مع ولي العهد السعودي الأمير محمد بن سلمان تناول ثلاثة محاور رئيسية، هي التوترات الحاصلة بالمنطقة، والعلاقات الثنائية بين البلدين، واستضافة السعودية لقمة مجموعة العشرين».
وفي خضم هذه الأهمية التي اكتسبتها زيارة رئيس الوزراء الياباني شينزو آبي، إلى الدول الخليجية الثلاث، يستعرض هذا التقرير قراءة في مضمون هذه الزيارة من خلال المحاور الاتية:


 
أولا: اليابان والسعودية... توافق الرؤى يعزز التعاون المشترك
على مدار ما يزيد على ستين عاما من العلاقات اليابانية السعودية، شهدت خلالها البلدان زيارات متبادلة ولقاءات متعددة، وأبرمت خلالها كثير من الاتفاقات وبروتوكولات التعاون في مختلف المجالات السياسية والاقتصادية والثقافية والاجتماعية، وهو ما عكسته كثير من المؤشرات الدالة على مدى التوافق السعودي الياباني بشأن كثير من القضايا والملفات، حيث يحمل الطرفان رؤية مشتركة حيال القضايا الراهنة في المنطقة، وذلك انطلاقًا من الفهم المشترك بأن تعاونهما يمثل أهمية كبيرة من أجل الاستقرار والازدهار في الشرق الأوسط والمجتمع الدولي بصفة عامة، حيث تلتزم الرياض وطوكيو بتحقيق السلام الدائم والشامل في منطقة الشرق الأوسط، وفقًا لمبادرة السلام العربية وقرارات الأمم المتحدة ذات الصلة، وإدانتهما للانتهاكات المستمرة لحقوق الإنسان. كما يشترك الطرفان في الرغبة في تعزيز الحوار الأمني، ليشمل الأوضاع الإقليمية، والأمن البحري وأمن خطوط الملاحة البحرية، وحظر الانتشار النووي، ومكافحة الإرهاب، والمساعدات الإنسانية وإغاثة الكوارث.
وقد انعكس هذا التوافق على مسار الشراكة التجارية بين البلدين، إذ أعطى لعلاقاتهما الاقتصادية دفعة قوية، لتأتي المملكة ضمن أهم عشرة شركاء تجاريين لليابان، فيما تأتي اليابان كثالث أكبر شريك تجاري للمملكة، كما تحتل المملكة المرتبة الأولى في تزويد اليابان بالنفط الخام ومشتقاته، بما يشكل أكثر من ثلث إجمالي واردات اليابان من النفط، فضلا عن تزايد حجم الاستثمارات المتبادلة بين البلدين والذي وصل لأكثر من ثلاثين مليار دولار، كما يوجد بين البلدين 69 محورًا للتعاون من بينها عملية التصنيع المحلي، وتطوير الموارد البشرية ورفع طاقتها، والتعليم، والثقافة، بل حظي القطاع الأخير باهتمام سعودي كبير وذلك في إطار ما تقوم به المملكة من سعي معرفي لتقديم الثقافة العربية والحضارة الإسلامية في صورتها الصحيحة، فقد جاء إنشاء المعهد العربي الإسلامي في طوكيو عام 1982، بمثابة نموذج حي لما تقدمه المملكة من خدمات ثقافية وتعليمية لشعوب العالم قاطبة من أجل إقامة جسور التواصل القائم على حوار المعرفة والتفاهم للوصول إلى تحقيق التفاهم والتعاون على الخير والسلام.
وفي ضوء ذلك جاءت زيارة رئيس الوزراء الياباني شينزو آبي إلى المملكة العربية السعودية ضمن سلسلة من اللقاءات المتبادلة بين رئيس الوزراء الياباني وقادة المملكة، لتضيف مزيدا من نقاط القوة إلى مسار علاقات البلدين، فقد كان لقيام رئيس الوزراء شينزو أبي بارتداء الزي السعودي وحضوره لفرق شعبية سعودية هدفا لاستكشاف الثقافة السعودية في مخيم شتوي في محافظة العلا التاريخية على هامش لقائه مع ولي العهد السعودي الأمير محمد بن سلمان، بما يمهد لمزيد من التقارب السعودي الياباني في المجالات الثقافية.
وفي السياق ذاته، أكدت الزيارة على مدى التوافق بين البلدين فيما يتعلق بالخطوة اليابانية بإرسال بعض القوات العسكرية إلى المنطقة، حيث عبر وزير الخارجية السعودي الأمير فيصل بن فرحان في تصريحات لهيئة الإذاعة والتلفزيون اليابانية بأن: «الجيش السعودي سيعمل مع قوات الدفاع الذاتي اليابانية التي ستأتي إلى الخليج، للتنسيق وتبادل المعلومات».
ملخص القول إن لقاءات القمة المتعاقبة ولقاءات كبار المسؤولين بين الجانبين وإبرام الكثير من الاتفاقيات وعقد الكثير من اجتماعات اللجان المشتركة، يؤكد حرص الحكومتين على بناء شراكة حقيقية لا تستثني أي نشاط، وأن يكون التعاون شاملاً وملبيًا لمصالح شعبي البلدين.


 
ثانيا: اليابان والإمارات... الاقتصاد يعضد التقارب السياسي
«العلاقات بين الإمارات واليابان متجذرة وعميقة وشهدت قفزات نوعية مهمة في مجالات التجارة والطاقة والاستثمار والتكنولوجيا والفضاء والتعليم وغيرها، خلال العقود الماضية... واليابان كانت من أوائل الدول في العالم التي أقامت علاقات دبلوماسية مع الإمارات في عام 1971» بهذه الكلمات رحب الشيخ محمد بن زايد آل نهيان ولي عهد أبوظبي نائب القائد الأعلى للقوات المسلحة بزيارة رئيس الوزراء الياباني شينزو آبي إلى الإمارات، تلك الزيارة التي أكدت على أمرين مهمين: الأول، اقتصادي متمثل في توقيع اتفاقية للتعاون في مجال الطاقة بين المجلس الأعلى للبترول، ممثلاً بشركة بترول أبوظبي الوطنية «أدنوك» ووكالة الموارد الطبيعية والطاقة اليابانية، لتخزين أكثر من 8.1 مليون برميل من النفط الخام في مرافق تخزين يابانية. وتعد هذه الاتفاقية تجديدًا وتوسعة لاتفاقية سابقة بين الطرفين لتخزين النفط الخام انتهت عام 2019. ويذكر أنه وفقًا لشروط الاتفاقية الجديدة التي تمتد إلى ثلاث سنوات، تستطيع «أدنوك» الإماراتية تخزين النفط الخام في مرافق يابانية وبيعه لعملائها، على أن توفر كميات محددة منه للسوق اليابانية في حال حصول نقص في إمدادات النفط في اليابان. وجدير بالإشارة أن اليابان تعد أكبر مستورد عالمي لمنتجات النفط والغاز من «أدنوك»، إذ تستورد ما يقرب من 25 في المائة من نفطها الخام من الإمارات، حيث تأتي دولة الإمارات ضمن أكبر 5 دول مصدرة للنفط لليابان، كما تحتل الإمارات المرتبة الأولى في تصدير الغاز الطبيعي المسال والثانية في تصدير النفط الخام، وهو ما حرص ولي عهد أبوظبي التأكيد على استمراره وذلك بقوله: «موقف الإمارات الثابت في ضمان تدفق النفط من الخليج العربي إلى اليابان والعالم وصيانة أمن الممرات الملاحية الدولية». فضلا عن ذلك، حملت مشاركة رئيس الوزراء الياباني في فعاليات «أسبوع أبوظبي للاستدامة 2020» دلالة مهمة على تعزيز التعاون الاقتصادي بين البلدين في مجالات اقتصادية أوسع من التعاون في مجال الطاقة فحسب، بل تجسد عمق التعاون المشترك من أجل تعزيز استدامة التنمية على المستويات كافة محليا وإقليميا ودوليا، خاصة أن العلاقات الاقتصادية بين البلدين تشهد مزيدا من التطور سواء على مستوى حجم التبادل التجاري والذي بلغ خلال عام 2018 ما يقرب من (14.570 مليار دولار) أو حجم الاستثمارات المتبادلة، فقد بلغت الشركات اليابانية العاملة في الإمارات 111 شركة، في حين اقتصر عدد الشركات الإماراتية العاملة في اليابان على 5 شركات. 
أما الأمر الثاني، فهو سياسي - أمني يتعلق بأوضاع المنطقة وأزماتها، فإلى جانب انضمام الإمارات إلى التحالف الدولي لأمن وحماية الملاحة البحرية وضمان سلامة الممرات البحرية، مع حرصها على الإسهام في أي جهد دولي أو إقليمي لردع الأخطار التي تهدد الملاحة الدولية وإمدادات الطاقة العالمية، جاء الترحيب الإماراتي بالخطوة اليابانية لإرسال قواتها إلى المنطقة، حيث جاء في تصريح ولي عهد أبوظبي الشيخ محمد بن زايد أن هذه الخطوة: «تتماشى مع موقف الإمارات الداعم لكل خطوة تسهم في سلامة الملاحة وحريتها في المنطقة ويتوافق مع سياسة دولة الإمارات الداعمة لترسيخ ركائز الأمن والاستقرار في المنطقة».
وما نود التأكيد عليه هو أنه رغم التحديات الاقتصادية والسياسية التي يمر بها العالم بصفة عامة والمنطقة على وجه الخصوص، إلا أن العلاقات الإماراتية اليابانية تشهد مزيدا في رسوخها وصلابتها، انعكاسا لحرص القيادات العليا للبلدين في دفع عجلة العلاقات نحو مزيد من التطور والنمو خلال الفترة الماضية، ارتكازا على أسس صحيحة ومنطلقات سليمة تحقق طموحات الطرفين معا.
 
ثالثاً: اليابان وعمان... زيارة بروتوكولية
كانت أجندة زيارة رئيس الوزراء الياباني إلى سلطنة عمان ضمن جولته الخليجية مليئة بالقضايا والملفات، إلا أنها تحولت إلى زيارة بروتوكولية تركزت في تقديم واجب العزاء إلى الشعب العماني في وفاة السلطان قابوس بن سعيد، وفي ذات الوقت تقديم التهنئة إلى السلطان هيثم بن طارق مع توليه المسؤولية. ولذا، لم يشهد جدول الزيارة مناقشات مستفيضة بشأن قضايا المنطقة وملفاتها، بل اقتصر الأمر على مجرد التأكيد على الموقف التوافقي للبلدين في أهمية تعزيز الأمن والاستقرار في المنطقة، ذلك الموقف الذي عبر عنه أسعد بن طارق، الممثل الخاص للسلطان العماني عن تأييد بلاده لخطة طوكيو المتعلقة بإرسال قوات الدفاع الذاتي اليابانية للمساعدة في تأمين الملاحة البحرية في منطقة الشرق الأوسط التي تتزايد فيها الاضطرابات بشكل مستمر.
نهاية القول إن زيارة رئيس الوزراء الياباني شينزو آبي إلى ثلاث دول خليجية على مدى خمسة أيام وعقد لقاءات مع كبار قادة هذه الدول، تؤكد على الأهمية التي يشغلها الخليج وقضاياه في السياسة الخارجية اليابانية، وهو ما يعكس حجم المصالح اليابانية في تلك المنطقة. ولكن من الأهمية بمكان الأخذ في الحسبان طبيعة توجهات السياسة اليابانية في تجنبها للتورط في النزاعات الإقليمية خارج محيطها الإقليمي، وهو ما يعني أن تحركاتها تجاه التوترات في المنطقة سيقتصر على التحركات السياسية من خلال العلاقات الثنائية أو في إطار جماعي إذا ما رأت طوكيو في ذلك مصالحها، وهو الأمر ذاته الذي ينطبق على إرسالها لقوات إلى المنطقة، إذ تستهدف منها حماية مصالحها والممرات المؤدية إليها. ومن ثم، فالقوات اليابانية المزمع إرسالها سوف تتشارك في المهام مع القاعدة العسكرية اليابانية الموجودة في جييوتي والتي تهدف إلى حماية خليج عدن ومنطقة باب المندب بما يسهم في تأمين الملاحة البحرية والممرات المائية في الخليج، وذلك التزاما بما ينص عليه الدستور الياباني خاصة في مادته التاسعة التي تحد من قدرات طوكيو على المشاركة في التحالفات العسكرية الدولية، ولذا تصر الحكومة اليابانية على وصف مهمتها العسكرية الجديدة في الخليج بأنها إحدى مهمات التحقيق والبحث، حيث يتفادى هذا الوصف القيود الدستورية، لأن قانون قوات الدفاع الذاتي، وفقا لمادته الرابعة، لا تحتاج إلى موافقة البرلمان أو حتى رئيس الوزراء في مثل هذه المهام، حيث تكون لوزير الدفاع وحده القدرة على اتخاذ قرار إرسال قوات الدفاع الذاتي إلى أي مكان.
إضافة إلى كل ما سبق نخلص إلى التأكيد على أنه رغم أهمية هذه الزيارة – كما سبقت الإشارة – إلا أن مخرجاتها لم تكن على المستوى المأمول، وهو ما يمكن تفسيره في ضوء عاملين: 
الأول، توقيت الزيارة، فإذا كان التوقيت أحد أهم عوامل أهمية الزيارة إلا أن تفاقم الأوضاع في المنطقة جعل من الحفاظ على الهدوء والاستقرار الهدف الأسمى لأية لقاءات تعقد على مثل هذا المستوى. بمعنى أكثر وضوحا لم تكن الظروف مواتية لأن تشهد الزيارة توقيع مزيد من الاتفاقات التعاونية، بل كان قصر مدة الزيارة والتي امتدت لمدة خمسة أيام فقط شملت الدول الثلاث يؤكد على صعوبة إجراء مزيد من اللقاءات والمحادثات وهو ما جعل جل الاهتمام هو كيفية الحفاظ على الأمن والاستقرار في المنطقة. صحيح أن المباحثات دارت حول كثير من القضايا كما هو الحال في المباحثات السعودية اليابانية التي شملت النظر في التعاون في مجالات السياحة وأمن الإمدادات والذكاء الاصطناعي والطاقة المتجددة. 
أما العامل الثانيوراء ضعف مخرجات الزيارة، فهو ذلك الظرف الخاص الذي واجهته إحدى محطات الزيارة ويقصد بها سلطنة عمان بسبب وفاة السلطان قابوس بن سعيد، رغم أنه قد تم عقد جلسة مباحثات بين السلطنة واليابان حيث ترأس الجانب العماني فهد بن محمود آل سعيد نائب رئيس الوزراء لشؤون مجلس الوزراء والجانب الياباني دولة شينزو آبي رئيس وزراء اليابان، تناولت وسائل تفعيل كافة أوجه التعاون خاصة في المجالات الاقتصادية والتجارية والاتصالات وتقنية المعلومات ومشاريع الطاقة والثروة المعدنية والنقل والمرافق الإنشائية إلى جانب تبادل الخبرات، إلا أنها لم تشهد توقيع أي مذكرات تفاهم أو اتفاقات ثنائية.
في ضوء ذلك، يصبح من الأهمية بمكان أن تشهد الشهور القليلة القادمة زيارات لمسؤولين من الجانبين لاستكمال المباحثات والمناقشات بشأن ملفات المنطقة وقضاياها من ناحية، والعلاقات الثنائية بين اليابان وكل طرف خليجي من ناحية أخرى، ترسيخا لدور ياباني مهم في منطقة تزداد قضاياها التهابا وتصعيدا.
 

font change