أكاديمية التغيير.. التمويل الأجنبي والفوضى الخلاقة

أكاديمية التغيير.. التمويل الأجنبي والفوضى الخلاقة

[caption id="attachment_55236598" align="aligncenter" width="620"]أكاديمية التغيير.. دور مشبوه ودول الخليح الهدف أكاديمية التغيير.. دور مشبوه ودول الخليح الهدف[/caption]



في مطلع فبراير (شباط) عام 2006 استضافت إحدى العواصم الخليجية "منتدى المستقبل"، الذي أثيرت حوله الكثير من نقاط الاستفهام ما اضطر البعض إلى الانسحاب معتبرا المنتدى اجتماعًا مؤامراتيا استخباراتيا فاضحا.

المنسحبون رأوا أنّ حلقات النقاش والاقتراحات كلها لامست مفردات انتقاليّة - حينها كانت انقلابيّة - واضحة عن "الديمقراطية، التغيير الواجب، التحفيز، التدريب، والعمل على دعم الراغبين في تغيير الأنظمة"، كان عرّاب المنتدى كلينتون وابنته، وكانت شعلة الحماس كونداليزا رايس إحدى "المبشرات" بالفوضى الخلاقة التي ستفرز حتما شرق أوسط جديدا.
تقوم اكاديمية التغيير، التي أشرفت على المنتدى، بتدريب الشباب في الدّوحة وفيينا وعبر الانترنت ومواقع اليوتيوب وتحت عناوين كثيرة منها أفكار الثورة، وأفكار للثوار وكيفية التعامل مع القوى التقليدية، وتكتيكات التفاوض وأسلوب "رفع سقف مطالب وتنفيذ خطوات العصيان المدني وإبراز بعض المعاني الرمزية مثل حمل المصاحف وإضاءة الشموع ودق الطبول وحمل الأعلام الوطنية.


مؤسسة التغيير.. بلسانها




بحسب تعريف الأكاديمية لنفسها، فإنها مؤسّسة علميّة بحثيّة غير ربحيّة، تأسّست في لندن في مارس (آذار) من العام 2006. ثم تأسس لها فرع الدوحة في 6 سبتمبر (أيلول) 2009. ثم تأسس فرع فيينا في 1 مايو (أيار) 2010. وتقول في موقعها الإلكتروني إنها "مبادرة شبابية مستقلة، لا تخضع في دعمها لأي دولة أو طرف سياسي"، ويبدو واضحًا أنّ التعريف المختار، تم تعديله بعد الأحداث العربية في العام 2011، فقد كُثفت الاتهامات للجمعيّة بأنها ذات صلة مباشرة بالتيارات الإخوانية، واتهامات بتلقي تمويل من دول محددة.



[blockquote]
مشاري الذايدي: الناس في السعودية تريد كغيرها من الشعوب كرامة العيش، وهي كغيرها من الشعوب أيضا قابلة للتطور في الرؤية للحياة والسياسة، لكنها برهنت في الأيام الأخيرة على وعي - نادر هذه الأيام في العالم العربي - بمسألة الاستقرار والتمسك بالدولة والوحدة الوطنية، لذلك لم يعد أصحاب يوم حنين إلا بخفي حنين!

[/blockquote]


حسب الأكاديمية فإن انتاجها الأكاديمي مبني على أدبيات اللاعنف، والنّضال السلمي والاحتجاج الشعبي، وترتكز على ما تسميه "ثورة العقول، أدوات التغيير، استشراف المستقبل" يُديرها، هشام مرسي "يُصنف على أنه إسلامي عاش في لندن، وهو صهر القرضاوي، اعتقل من قبل المخابرات المصرية بعد الثورة وأفرج عنه بضغط بريطاني" ويعينه أحمد عبد الحكيم، وائل عادل، ويشتركون في ترجمة الكتب وإعداد الدراسات والتدريب.

وفي تعريفها تذكر المؤسسة أنها كانت حلم ثلاثة أشخاص، وأصبحت حلمًا للملايين. وتحاول أن تنفي المؤسسة شبهة تلقيها للتمويل من دول بعينها بالقول بأن تمويلها ذاتي ونشاطاتها تطوعية.
بحسب المؤسسة فإنها تركز على قضية بناء المجتمعات القوية، وترى أن أولى الخطوات العملية هي تحرير كل المجتمعات الأرضية من قوى الاستبداد والظلم والدكتاتورية، عبر النضال السلمي.
تقول الأكاديمية في الرّد حول علاقتها بالثورات "لا يخطط للثورات من داخل الأكاديميات العلمية، قد تبشر بها المؤسسات العلمية باعتبارها نبوءة مؤكدة يدعمها العلم". وتقول "وعندما تثور الشعوب جراء مظالم واقعة بها، يبحث المستبدون عن أي حيلة ليقنعوا الشعوب بأنها لم تثر، لقد كانوا مجرد دمى في يد آخرين". وتؤكّد "ما يعنينا اليوم هو الإجابة عن أسئلة المستقبل التي ستثور في الأذهان بعد ما يقرب من خمس سنوات من الآن".

تواصل الأكاديمية في تعريفها لذاتها "إن المجتمعات التي قطعت شوطاً كبيراً على طريق التحرر من الديكتاتورية عليها أن تجعل العلم دعامة قوتها في كل مجال، ومنها علوم التغيير"، وبأسلوب ذكي يجيبون عن سؤال: إن كانوا سيستمرون في التدريب بعد الثورات؟ فيقولون :"هل نريد أن تنتهي مشاريع التغيير إلى مجتمعات قوية أم ضعيفة؟"، ويطرحون رغبتهم في تحصين الشعوب من القابلية للاستبداد، فاستمراريتهم مرهونة بأن "ثقافة التغيير لا تنتهي"، ويقولون :"تقاوم الديكتاتوريات العلم بتخويف الشعوب من التدريب الملازم له".


مشاريع التثوير




كان أول نشاط للأكاديمية في العام 2006 وكانت البداية منطقة المحلة في مصر بإضراب أكثر من عشرين ألف عامل نسيج ولمدة ستة أيام.
بعد أحداث المحلة تم تأمين الرعاية الإعلامية والقدرات التمويلية اللازمة للأكاديميّة ولقيت عناية عربيّة ورضا "الإخواني" الشيخ يوسف القرضاوي. يرى مراقبون رابطا بينها وبين حركة 6 أبريل وما تلقته من دعم، حيث ساهمت الأكاديمية في تسهيل علاقة 6 أبريل بواشنطن ما سمح في 20 نوفمبر (تشرين الثاني) 2008 بمشاركة وفد من الحركة في اجتماع في نيويورك، وأعقبها مشاركات في المؤتمرات العالمية للشباب في مكسيكو سيتي 2009 ولندن 2010. وانعكس كل ذلك على أداء الحركة بشكل لافت حيّر الشرطة المصريّة.




[blockquote]
فهد الشقيران: صيغة الإخوان المسلمين معروفة، من أبرز مرتكزاتها سهولة "الامتطاء"، هناك منظمات امتطوها لتحقيق مآربهم الانقلابية.. وأكاديمية التغيير مثلا تأتي ضمن سياق آلية الامتطاء الإخوانية المتبعة. ولا شك أن الأحداث الحالية العربية فرّخت عن مرحلة إخوانية أخرى، أو ولادة إخوانية ثانية في الخليج إذ جنّدت الشباب الذين أغرتهم رومانسية الاحتجاجات ليكونوا ضمن سياقها[/blockquote]



كثيرون تحدثوا عما سموه خيوط المؤامرة، وكثيرون تصدوا لها ولدور تيارات دينية وقومية في دعمها والاستفادة منها، وحاول كثيرون رسم الاستراتيجية التي تعتمدها "حركة التغيير" وهو ما لخصه الدكتور علي راشد النعيمي بقوله إن استراتيجية الأكاديمية تبدأ باستهداف رموز الدولة أولاً وبالذات أجهزة الأمن ومن ثم استخدام العديد من الوسائل مثل الاحتجاجات والمظاهرات والاضرابات لتحقيق ذلك، ويؤكد على تحالفها مع الإخوان المسلمين تحديدًا.

يبدو من الصعب استبعاد الربط بين الإسلاميين والأكاديمية، فمديرها العام د. هشام مرسي هو صهر الشيخ القرضاوي. يقول الكاتب والمحلل السياسي مشعل النامي إنّ ملتقى النهضة يعد غطاء لأكاديمية التغيير، ويقول "ليست جديدة هي مشاريع النهضة، لكن الجديدة هي مشاريع التثوير" ويمضي أبعد من ذلك إذ يقول عن جاسم سلطان الإسلامي القطري المعروف، أنه المنظر للأكاديمية، يبدو ذلك حينما يقول "إنّ مشروع النهضة يعتبر المنظر والمرجع لأكاديمية التغيير.

في 12 أبريل 2012 عرضت قناة "العربية" فيلماً بعنوان "البحث عن المؤامرة" تناولت فيه شهادة الكاتب البحريني يوسف البنخليل، والرياضي البحريني والناشط على مواقع التواصل الاجتماعي عبد العزيز مطر عن دور "أكاديمية التغيير". وبحسب إفادات البنخليل ومطر "فإن القائمين على الأكاديمية حاولوا إقناعهما بأنهما قادران على إحداث تغيير في الشارع البحريني، والمساعدة في القضاء على دور الدولة الداعمة للحكم في مملكة البحرين"، وأكدا أنهما "خضعا لبرنامج مكثف في فيينا أكسبهما المعرفة بشأن خلق الفوضى السياسية، وحرب اللاعنف عبر الأدوات الاحتجاجية بقصد تشكيل حراك سني معارض يلتقي مع المعارضة الشيعية لاحقاً لتكوين تكتل معارض يفضي مع الزمن لتغيير نظام الحكم في البحرين".

استشف كثيرون من ذلك أن الخطر لا يقتصر على دول العالم العربي البعيدة، بل يطاول دول الخليج، ولكن كيف يرى القطريون ذلك. جواهر بنت محمد آل ثاني، هاجمت رؤية المؤامرة، التي قالت إن فيلم قناة العربية حبكها حول الأكاديمية ورأت أنه جاء "مخيباً للتطلعات، كما فعل فيلم الجزيرة من قبل، ففيه ثغرات لا تُسد، وأخطاء لا يمكن إغفالها. لا يمكن ربط ما يحدث في البحرين والعالم العربي بنظرية المؤامرة، والأكاديمية، يُشير الفيلم إلى أنها هي من تحوك المؤامرة وتنفث الروح فيها".

أما د. عبد الحميد الانصاري الباحث والأكاديمي القطري، فله موقف "بين بين" حيث يرى أن المساعدات التي تأتي من خارج الوطن يجب أن لا تثير حساسية إذا توفرت شروط الشفافية بحيث نعلم هذا التمويل واين يذهب وما هي اهدافه وكيف يصرف. يقول الانصاري: "التمويل ليس بجريمة طالما لا يخل بوطنية الجهة التي تقبل التمويل، وايضا هنالك منظمات أهدافها لا تتفق والمصلحة الوطنية ولا يضيرها من اين يأتي التمويل وما هي اهداف هذه الجهات.. هنالك بعض منظمات المجتمع المدني يتجاوز مفهومها الاهتمام بالشأن العام إلى العمل السياسي المباشر ولعب دور الاحزاب السياسية".



[blockquote]


سوسن الشاعر: السيناريو العراقي فشل فشلا ذريعا في البحرين رغم ما حشد له من دعم لأن الشعب البحريني كان واعيا وتنبه لهذه اللعبة مع حسابات اقليمية اخرى دخلت في الاعتبار وعطلت المشروع، والان هنالك اعادة قراءة للشارع في البحرين بعد أن تكشفت راديكالية الجماعات المدعومة وتم تعديل الخطة والايام القادمة سنشهد ربما سيناريو جديدا ولكن بتعديل مختلف
[/blockquote]




وعلى الرغم من تحذيره من عدم وضع كل الجمعيات في "سلّة واحدة" يضيف الأنصاري: "ايضا هنالك بعض المنظمات المدنية مخترقة من قبل جهات ذات توجهات ايديولوجية محددة أو من جماعات تسعى للنفوذ والسلطة، وبالتالي ليس لنا منظمات مجتمع مدني بالمعنى الحقيقي تشتغل بالهم العام وانما تنافس الجماعات السياسية وتسعى للكسب الاعلامي والجماهيري.. واشكالية هذه المنظمات لا تفرق في دورها كدور تربوي وتعبوي وفكري وحضاري وهذه مأساة المجتمع المدني العربي، لذلك مفهومها مشوه من جانب الحكومات والجماهير باعتبارها واجهات لجماعات سياسية، لذلك يجب على هذه المنظمات من وقفة ومراجعة دورها الحقيقي حتى لا توصم بتنفيذ أهداف وأجندات خارجية".


السيناريو العراقي




جاسم السعيد النائب في البرلمان البحريني كان مباشرا وواضحا في رفضه للدعم الأجنبي للجمعيات الأهلية في الخليج، كما هو الحال مع ما تقوم أكاديمية التغيير، وأعطى مثالا بالبحرين التي أكد أن "المال الأجنبي" وراء ما يجري من محاولات فاشلة لبث الفرقة بين أبناء الشعب الواحد حيث قال إن أزمة التمويل الأجنبي لمنظمات المجتمع المدني البحريني ليست وليدة الأحداث الاخيرة في فبراير (شباط) مارس (آذار) 2011 لكنها تعود إلى حقبة السبعينات من القرن الماضي عندما مولت إيران حلفاءها في الخليج عن طريق نظام الخميني ودعمت خلاياها النائمة بطرق متلونة ومتنوعة منها ما هو دعوي أو سياسي أو اقتصادي ومنها الأمني والعسكري، وقدمت مئات الملايين من الدولارات لدعم مخططها وسموه الخطة الخمسينية، وهو ما موجود في الوثائق لبعض خلاياهم التي وضعت العديد من أجهزة الامن الخليجية يدها عليها".

ويؤكد النائب البحريني المستقل: "لمنظمات الدعم الخارجي استراتيجية واضحة واهداف محددة هي قلب أنظمة الحكم في دول الخليج وبقية الدول العربية ومنها ما هو إيراني واهدافه معلومة عن خلاياهم من "منظمات شيعية" ومنها ما هو اوروبي وأميركي بدعم منظمات للاسف كانت في البحرين لبعض الشيعة معتمدين في ذلك على الاعلام وتجييش الشباب لقضية يدعون انها شرعية أو دينية.. وإن فشلت الآن مخططاتهم فسيعيدون الكرة مرة أخرى".

من جهتها ترى الاعلامية البحرينية سوسن الشاعر أن اللافت للنظر هو أن الاستراتيجية الأميركية لدعم الديمقراطية في منطقة الشرق الاوسط تم التخطيط لها بعد أحداث 11 ستمبر، وتم وضع استراتجيات لهذه المؤسسات التي تقوم بتقديم المنح والمساعدات لتتصل مباشرة بمؤسسات المجتمع المدني (عابرة للقارات ومتجاوزة للانظمة والحكومات) عبر تقديم موازنات ضخمة ليست من الحكومة الأميركية بل من الاحزاب لتظل هذه الاستراتيجية مستمرة وليست مرتبطة ببرنامج الحكومة الموجودة في السلطة.


[blockquote]

عبد الحميد الانصاري: بعض المنظمات المدنية مخترقة من قبل جهات ذات توجهات ايدولوجية محددة أو من جماعات تسعى للنفوذ والسلطة، وبالتالي ليس لنا منظمات مجتمع مدني بالمعنى الحقيقي تشتغل بالهم العام وانما تنافس الجماعات السياسية وتسعى للكسب الاعلامي والجماهيري.. واشكالية هذه المنظمات لا تفرق في دورها كدور تربوي وتعبوي وفكري وحضاري وهذه مأساة المجتمع المدني العربي[/blockquote]



تقول الشاعر: "هذا التمويل هو الآن الذي يقود التغيير في المنطقة، وللاسف تتقاطع هذه الاستراتيجية مع اهدافها، لانها تهدف إلى دعم الاقليات، وإذا نظرنا إلى ارض الواقع وجدنا أن المستفيد ليست الشعوب بل الأقليات.. مصر والبحرين خير مثال على ذلك، والأقليات هنا (كمعنى وليست كعدد)، وقد استفادت واشنطن من الاقليات في قيادة التغيير.. في البحرين الذي استفاد من ذلك هم الشيعة".

وتضيف: "كثر هم من حضروا برامج التدريب وورش العمل كما حصلت عدد من المنظمات البحرينة على تمويل أميركي، وأخرى على دعم عيني وتدريبات ومساعدة فنية للتقدم لطلب تمويل من مانحين علاوة على التمويل الأميركي لتغطية نفقات تنقلات النشطاء.. وللاسف أقول إنهم كانوا ايديولوجيا يتبعون جماعات راديكالية كحزب الدعوة وحزب الله والشيرازيين.. والمعروف عن هذه الجماعات أنها تتبع العنف كوسيلة للتغيير.. وهذه الجماعات جميعها لها مرجعيات دينية من خارج البحرين، وتحديدا اما في العراق أو في إيران، وبالتالي نجد أن المستفيد الأكبر هي إيران وليست البحرين".

تقول الإعلامية البحرينية إن السيناريو العراقي "دمى تأتي على ظهر الدبابة الأميركية" كان يراد له أن يتكرر في البحرين.. ربما نجح هذا السيناريو في العراق ولكنه فشل فشلا ذريعا في البحرين رغم ما حشد له من دعم لأن الشعب البحريني كان واعيا وتنبه لهذه اللعبة مع حسابات اقليمية اخرى دخلت في الاعتبار وعطلت المشروع، والان هنالك اعادة قراءة للشارع في البحرين بعد أن تكشفت راديكالية الجماعات المدعومة وتم تعديل الخطة والايام القادمة سنشهد ربما سيناريو جديدا ولكن بتعديل مختلف".


خفّا حنين




المخطط الذي يحاك ضد البحرين، حاول البعض تصديره الى السعودية لكن الفشل كان العنوان الأبرز حيث رفض الشارع السعودي الواسع الانصياع وراء دعوات "الفتن الطائفية" التي تلقى لها آذانا صاغية بين الحين والآخر في بعض الدول الخليجية.
في 11 مارس 2012 وأسوة بما حدث في تونس ومصر وبقية دول "الربيع العربي" قامت مجموعة غير معروفة بإنشاء صفحة على الفيسبوك تدعو فيها السعوديين الى "جمعة تظاهر".. لكن ما حصل "يوم حنين" فاجأ من دعا للتظاهر، وإن لم يفاجئ السعوديين أنفسهم، حتى أن عدداً من الذين ساندوا "دعوة التظاهر" قالوا إنهم نادمون و محبطون، بعد "الفشل الذريع" للدعوة واحجام السعوديين عن الاستجابة لهكذا دعوات.

يقول الكاتب والصحافي السعودي مشاري الذايدي في مقال له بجريدة "الشرق الأوسط" أنه "بعد الإخفاق الذريع ليوم "حنين" في السعودية، حيث لم تخرج ولا خمس مظاهرة في السعودية، أسقط في يد القوم، من حرض على حنين، ومن كان يتمنى في نفسه أن تحصل مسيرة تؤكد أوهامه حول وجود حالة غضب "سياسي" لدى السعوديين.
ويتساءل "لماذا هرع بعض السعوديين من النخب الثقافية وبعض شباب الـ"فيس بوك" والـ"تويتر" إلى تصديق أن ثمة جمعة غضب ستجري في السعودية على غرار القاهرة وصنعاء، ورمي كل من يشكك في واقعية هذا التصور بالويل والثبور وعظائم الأمور، ووضعهم في قوائم عار سوداء؟ هذا سؤال مهم حتى لا يتبخر مع الوقت في إيقاع الأحداث".

يجيب "أرجح أن السبب في ذلك، وهذا قد يكون عذرا نفسيا لمن تعجل القراءة والنصيحة الخاطئة المبنية على خلط التصور، أن كثيرا من الناس فقد اتزانه ورؤيته بعد ما جرى من زلزال رهيب في تونس ومصر، وظن أنه قد وقعت الواقعة وحقت الحاقة وأن لا مناص ولا مهرب من وصول موجة التسونامي هذه إلى كل مكان، بما فيه السعودية، وقد كتب بعض الكتاب العرب، بل أغلبهم، أنه لا توجد دولة عربية، بلا استثناء، بعيدة عن آثار الأمواج التونسية والمصرية، خصوصا بعدما ضخت الفضائيات العربية الكثير من هذا الوهم الثوري التسونامي... وتبين للقوم أن الأمر أعقد بكثير من "كتالوج" يطبق بحرفية في كل بلد عربي".




[blockquote]
جاسم السعيد: لمنظمات الدعم الخارجي استراتيجية واضحة واهداف محددة هي قلب أنظمة الحكم في دول الخليج وبقية الدول العربية ومنها ما هو إيراني واهدافه معلومة ومنها ما هو اوروبي وأميركي بدعم منظمات للاسف كانت في البحرين لبعض الشيعة معتمدين في ذلك على الاعلام وتجييش الشباب لقضية يدعون انها شرعية أو دينية.. وإن فشلت الآن مخططاتهم فسيعيدون الكرة مرة أخرى

[/blockquote]


يسأل الكاتب السعودي مجددا: "يظل سؤال ملح.. لماذا هرع بعض النخب في السعودية، مؤخرا، إلى التوقيع على البيانات السياسية ذات المطالب الحادة، على الرغم من أن هذا السلوك ليس من طبعهم أو أنهم عدلوا عنه منذ زمن؟
ويعود للإجابة: "لا ندري، لكن ربما دوخة اللحظة، وضباب الرؤية، جعلا البعض يتخلى حتى عن بعض مواقفه السابقة في التحفظ على التوقيع على البيانات السياسية الجماعية، مثل الداعية السعودي سلمان العودة، الذي وقع أحد هذه البيانات الأخيرة على الرغم من أنه قال قبل نحو سنة مفسرا لماذا عدل عن توقيع البيانات السياسية، بالنص: "كنت إلى وقت قريب أوقع على بعض البيانات التي أوافق عليها، ثم رأيت أن البيانات غالبا تكتب بصيغة توافقية، ولا تعبر عن الشخص بذاته، فعدلت عنها، وصرت أكتب بنفسي ما يعبر عن ذاتي من دون أن أشارك الآخرين أو يشاركوني في الورقة ذاتها". (من حوار أجراه معه المؤلف تركي الدخيل في كتابه "سلمان العودة.. من السجن إلى التنوير"، والحوار أجري بتاريخ 10 يونيو/ حزيران 2010)".

ويختم مشاري الذايدي مقاله: "باختصار.. الناس في السعودية تريد كغيرها من الشعوب كرامة العيش، وهي كغيرها من الشعوب أيضا قابلة للتطور في الرؤية للحياة والسياسة، لكنها برهنت في الأيام الأخيرة على وعي - نادر هذه الأيام في العالم العربي - بمسألة الاستقرار والتمسك بالدولة والوحدة الوطنية، لذلك لم يعد أصحاب يوم حنين إلا بخفي حنين!


قصة المؤامرة




في العصر السّابق للثورات، كانت المؤامرة هي ما ينسجه الإسلاميون والمعارضون السياسيون أجمعين، فكانوا يتخيّلون كل حراك الدّولة ضمن رقعة شطرنج التي رسمتها دولٌ كبرى، فكان الحديث عن مؤامرة التغريب، ومؤامرات تحويل الأديان، وصناعة الدّيكتاتوريات.. الغريب، أن كل من كان يؤمن بالنظرية نفض يده عنها، بعد "الثورات" وتسلمها آخرون، في لعبة لتبادل الأدوار تبدو سمجة.
تصدر الإسلاميين للمشهد بعد "الربيع" وفي أكثر من دولة، بل وبتطابق مذهل في النتائج والتوجهات والطروحات خلق كثيرا من التساؤلات عن علاقة الإسلام السياسي بالمال الأجنبي.

الكاتب والصحافي السعودي فهد الشقيران يرى أنه من ناحية نظرية لا يخفى على المراقب وجود انفتاح أميركي وأوروبي تجاه الإسلاميين، وهذا محل إدراك حتى من الباحثين الغربيين المختصين بالحركات الأصولية الإسلامية ودلائل الانفتاح الغربي على الأصوليين هذا التقارب الذي يجري بين جماعة الإخوان المسلمين ببعض فروعها ونسخها ومع الغرب.

يرى الشقيران أن هناك أحاديث ودية بين الإخوان في مصر وبين الولايات المتحدة، وهذا ينطبق على إخوان تونس، بل وحتى على إخوان الخليج.. "الإخوانيون يريدون امتطاء رياح القرب الغربية لإخافة دولهم التي يعيشون فيها لإثبات أنفسهم كأرقام صعبة لا يمكن تجاهلها أو تهديدها. والدعم الغربي للمنظمات ذات الطابع الأصولي والهيمنة الإخوانية يأتي في سياق هذه الرياح الجديدة".
ويقول: "صيغة الإخوان المسلمين معروفة، من أبرز مرتكزاتها سهولة "الامتطاء"، هناك منظمات امتطوها لتحقيق مآربهم الانقلابية.. وأكاديمية التغيير مثلا تأتي ضمن سياق آلية الامتطاء الإخوانية المتبعة. ولا شك أن الأحداث الحالية العربية فرّخت مرحلة إخوانية أخرى، أو "ولادة إخوانية ثانية في الخليج" إذ جنّدت الشباب الذين أغرتهم رومانسية الاحتجاجات ليكونوا ضمن سياقها، ولّدت الحالة الإخوانية من خلال بذرة ما يسمى بجيل الفيس بوك وتويتر الكثير من النبتات الإخوانية الجديدة التي زرعت في المؤسسات التي تدعم من الغرب".


البديل الآمن




وعن دور المال الأجنبي يقول الكاتب والباحث السعودي يوسف الديني: "يكثر الحديث دائماً عن دور منظمات المجتمع المدني، تنسج أساطير وتغيّب في أحايين أخرى حقائق وإشارات مهمة، من وجهة نظري يجب التمييز بين عدة مستويات عند الحديث عن هذه المنظمات والجمعيات، وذلك من خلال قانونيتها، وحدودها، وطرائق العمل، فالحديث عن جمعيات ومؤسسات دولية تدخل ضمن الاتفاقيات بين الدول وهي عادة مؤسسات ذات أدوار واضحة ومحددة مثل لجنة الصليب الأحمر، يختلف عن تلك الجمعيات ذات الصبغة الفردية وهي في غالبها منح تحوّل إلى نشاط سياسي عبر بوابة دعم المجتمع المدني وحقوق الإنسان وعادة ما تعمل بشكل غير قانوني يتدخل في سيادة الدول أو من خلال العمل من خارج تلك الدول بما يخترق السيادة وربما كان دور مثل هذه الجمعيات هو البديل الآمن لدعم المعارضة مسلحة أو سلمية في حقبة الحرب الباردة".


[blockquote]

يوسف الديني: الجمعيات ذات الصبغة الفردية وهي في غالبها منح تحوّل إلى نشاط سياسي عبر بوابة دعم المجتمع المدني وحقوق الإنسان وعادة ما تعمل بشكل غير قانوني يتدخل في سيادة الدول أو من خلال العمل من خارج تلك الدول بما يخترق السيادة وربما كان دور مثل هذه الجمعيات هو البديل الآمن لدعم المعارضة مسلحة أو سلمية في حقبة الحرب الباردة[/blockquote]



ويضيف الديني: "الأكيد أن مثل هذه الأنشطة تتمايز عن عدد هائل من مراكز الأبحاث وخزانات التفكير التي تقدم أبحاث ودراسات معمّقة عن واقع المنطقة، وربما تقترح حلولاً تهدف إلى خلق مزيد من الوعي السياسي، لكنها لا تتدخل في سيادة الدول كما هو الحال في بعض الجمعيات الفردية المدعومة من دول بعينها، والتي تحولت إلى منصّات لتدشين السلطة البديلة في حال النجاح في زعزعة الأوضاع في البلدان المستهدفة".

السؤال الأهم بحسب الديني هو حالة الفراغ على مستوى المراكز البحثية المحلية أو الدخول في نفق البيروقراطية والتكلس بفعل عدم مواكبة المستجدات حيث إن هذه الحالة يمكن أن تخلق مناخات غير صحّية للاستقطاب السياسي عبر "البروباغندا" السياسية التي تعتمد على استخدام أدوات الحشد والتعبئة والدعم وتتكئ على الخطاب الإعلامي الموجّه والمؤدلج.
وعن الدعم المالي وما يتبع ذلك من إجراءات قانونية وأمنية يقول يوسف الديني إنها تخضع لقانون كل دولة ولا يمكن البحث فيه من وجهة نظر سياسية مستقلة عن السياق القانوني، كما أن كثيراً من تلك المنظمات تعاني من تكريس أزمات واقعها السياسي نفسه من الاستبداد إلى التوريث إلى غموض الملف المالي حتى أصبحت تنتج الديكتاتور ببدلة مدنية. ويتساءل كيف يعقل أن يستمر شخص على رأس جمعية من تلك الجمعيات منذ إنشائها ويرفض أي قابلية لتجديد الدماء، كما أن كثيراً من الأحزاب السياسية غير المرخصة أو التيارات الدينية والمدنية ذات البعد السياسي أصبحت تستبدل نشاط المعارضة المحظور بنشاط المؤسسات كنوع من التحايل على حالة "الفراغ". ويختم: "الإشكالية تكمن في الجمعيات ذات الأجندة السياسية والتي عبر التجربة القصيرة لها خلقت من الفوضى والاستقطاب الحاد بين مكونات المجتمع، بينما تظل الجمعيات التنموية غائبة عن دور حقيقي على الأرض يستلهم الإنسان وليس المكتسبات السياسية الضيّقة".

قد يكون لأكاديمية التغيير والمؤسسات المماثلة لها دور كبير في الذي حدث ويحدث وقد يحدث، لكن الحقيقة تبقى أن كل تغيير يأتي من الخارج وبأموال من الأجنبي هو تغيير لا يمكن بأي حال من الأحوال أن يكون في صالح الشعوب. بالأمس حدث التغيير في تونس ومصر وليبيا واليمن.. وسوريا تنتظر، واليوم بدأ التركيز على الخليج عبر مؤسسات تعمل من داخل الخليج وقد انطلقت المؤامرة من البحرين.. والدور على البقية وما خفي كان أعظم.





د. علي الخشيبان: جمعيات المجتمع المدني

جسر لتمرير القلاقل وتنفيذ مخططات خارجية





* هل يجوز، من وجهة نظركم، أن تتلقى هذه جمعيات المجتمع المدني دعما ماليا وماديا أجنبيا من جهات ومنظمات عالمية؟
- أولا من طبيعة منظمات المجتمع المدني أن يكون الدعم عادة من قبل أعضائها. ولكن في الآونة الأخيرة انتشرت ظاهرة وهي أن هناك دولا قد ترى في هذه الجمعيات ما يسير مع منهجها وما يتوافق مع أهدافها، فتبدأ بالتواصل مع بعض هذه الجمعيات أو المنظمات، ثم تقدم لها الدعم. لكن هل يجوز هذا أم لا يجوز، الواقع أن المسألة معقدة جدا، لأنه إن كان لهذا الدعم أهداف تؤثر على هذه الدول، فهنا نقول إنه أمر لا يجوز، لأنه بذلك تصبح هذه المؤسسات على شكل جسور لتنفيذ مخططات خارجية. أما إذا كان الدعم يهدف إلى تعزيز مؤسسات المجتمع المدني، وتعزيز الديمقراطية والحرية والعدالة في أي دولة من الدول فهذا الجانب
أعتقد أنه مناسب، بشرط ألا يكون خلف هذا الدعم أية أهداف مشبوهة. ولكن من وجهة نظري أنه لا يمكن أن يأتي دعم إلا ويكون تحته أهداف، إلا إذا كان هذا الدعم الذي يأتي على شكل استشارات أي دعم مهني علمي وليس دعما ماليا. فالمال لا بد أن يكون وراءه شيء وبخاصة لبلدان العالم الثالث.



* هل تعتقدون أن لهذه الجمعيات دورا في القلاقل في بعض دول الخليج، وما يسمى ثورات الربيع العربي؟
- بالنسبة لدول الخليج لا يوجد هناك منظمات أو جمعيات مؤسسات مجتمع مدني ظاهرة للعياننقول إنها تتلقى دعما، وإذا كانت هناك صورة من هذا في الخفاء.. ولكن أقول إن هذه الجمعيات فيبعض دول العالم العربي قد تستجيب لأهداف ومرامي هذه الدول الداعمة، ولكن على اعتبار أن هذه الجمعيات قليلة الخبرة في التعامل مع الديمقراطية وقضايا الثورات، لذلك ترتبك وتطلب العون من الخارج، لذا فإن بعض الدول تجد في هذه الجمعيات لقمة سائغة تستثمرها لتمرير بعض الأهداف.
ولكن، وهذا من وجهة نظري، إن مؤسسات المجتمع المدني في البلدان العربية ليست بالنضج الذييؤهلها حقيقة لأن تكون ذراعا قويا للتسبب في قلاقل أو ثورات، ولكن من الممكن أن تكون جسرا لتمرير مثل هذه القلاقل.

* هل ترون أن ثمة مخططا وتنسيقا بين هذه المنظمات ودوائر ومؤسسات أجنبية، في محاولة لزعزعة الاستقرار في دول الخليج؟
- بالتأكيد هناك كثير من المؤسسات لها علاقات، وأهدافها إثارة القلاقل داخل دول الخليج العربي. أيضا هناك جمعيات تحت غطاء ديني تمارس هذا العمل للهدف نفسه. ولكن القضية الأساسية في مؤسسات المجتمع المدني ذات العلاقة بالخارج أنها تصبح أدوات للتنفيذ، لذلك أنا أشك في استقلالية كثير من مؤسسات المجتمع المدني في مجتمعاتنا العربية. لذلك لا يستبعد أن تكون مكانا لتنفيذ بعض الأهداف، وبخاصة أن الخليج العربي بحكم قوته الاقتصادية، والتعاون بين دوله سيكون هدفا مباشرا للكثير من الدول التي تحاول أن تنقل ظاهرة الثورات العربية إلى هذه المنطقة.
font change