باسيل... يحرج لبنان واللبنانيين أينما حل ومهما فعل

باسيل... يحرج لبنان واللبنانيين أينما حل ومهما فعل

* يكتشف بعض مناصري باسيل اليوم الوجه الحقيقي للرجل، فالجوع والإفلاس على ما يبدو لهما تأثير كبير على الوعي
 
عندما تتحدث إلى بعض العونيين تلاحظ مدى شعورهم بالسخط من تيار أعطوه كل شيء، كأصواتهم، وخسروا غالبا كثيرا من الأشياء، كصداقاتهم، بسبب سجالات، تنبع من ولع غير مفهوم وغير مبرر لهذا التيار ورئيسه باسيل. سجالات حامية وقاسية بوجه منتقديه.
 
لكن الأزمة الاقتصادية الموجعة التي يعرفها لبنان والتي اختبرها أنصار التيار العوني كونهم جزءا من هذا المجتمع، أزالت، عن عيون البعض، الغشاوة التي كانت تغطي الحقيقة التي لطالما رفضوا مواجهتها؛ وهي أن كل الطبقة الحاكمة إما فاسدة وإما متواطئة ومسؤولة عن إفقار اللبنانيين وإفلاس البلد والتيار جزء من هذه الطبقة. ويسألون أين الجنرال الثائر من هذا الواقع؟ لماذا لا يقلب الطاولة على الجميع؟ ليردف آخر: وما همه فإن باسيل لن يتأثر بهذه الأزمة الاقتصادية والمالية وهذا هو المهم بالنسبة للجنرال الهرم. أما نحن الذين صّدقنا وعده «بالإصلاح والتغيير ومحاربة الفساد وإقامة الدولة المدنية واسترجاع حقوق المسيحيين» فندفع الثمن. نحن ليس لدينا «أصدقاء» يستطيعون أن يمدونا بالدعم المالي الكافي لنتفادى الإفلاس.
وقبل ثورة 17 تشرين كان مناصرو «صهر الجنرال» يقولون عنه إنه نشيط يعمل بلا كد. ثم يعددون إنجازاته في حقول الكهرباء والغاز والدبلوماسية. لا الأرقام ولا الوقائع كان يمكن أن تجرّهم إلى مراجعة عقلانية بسيطة للرجل وسمعته لديهم.
فخطة الكهرباء مثلا والتي يفتخر وزراء التيار بإنجازها كتابة ونثرا فقط لم ينفذ منها شيء. مراجعة بسيطة لتلك الخطة تثبت فشلهم. فهم لم يستطيعوا طوال إمساكهم بهذا القطاع خفض الهدر الفني وغير الفني أو تحسين الجباية أو زيادة القدرة الإنتاجية وتحسين فعاليتها وخفض كلفة المحروقات من خلال استخدام الغاز الطبيعي وصولا إلى زيادة التعرفة بعد حصول اللبنانيين على 24 ساعة تغذية. وزراء التيار الذين تعاقبوا على تلك الوزارة فاتتهم شجاعة إصلاح واحد فقط يتمثل خصيصا بخفض التوظيفات العشوائية والسياسية ورفد الموظفين غير المنتجين في القطاع لتخفيف كلفة عجز الكهرباء على موازنة الدولة. هذا لم يحصل خوفا من إغضاب حليف كان وما زال يستنزف الدولة وماليتها عبر توظيفه فائضا من الموظفين غير المنتجين في كل دائرة ومديرية ووزارة موجودة.
«إنجازات» باسيل لم تقتصر على قطاع «الكهرباء» بل تعدته لتشمل الدبلوماسية أيضا. نشاطه انحصر في التكثيف من سفراته للخارج وعلى حساب الدولة طبعا من دون مردود يذكر. أما مواقفه السياسية المتماهية مع «حزب الله» ولي نعمته فهي وتّرت علاقات لبنان بدول الخليج خاصة التي لطالما ساعدته في محنه.
أما في وزارة الاتصالات فقد قام عندما كان وزيرها بتوظيف 1000 موظف في شركتي الاتصالات ومن بينهم السيدان ​شربل قرداحي،​ ورفيق حداد، في مراكز مالية متقدمة وهما مسؤولان ماليان في التيار الوطني. طبعا بالإضافة إلى المشاكل التقنية التي تسبب بها جراء تحميل شبكات التليفون المحمول أعدادا تفوق إمكانياتها ما تسبب غالبا بانقطاع اتصالات اللبنانيين مرارا. وهذا غيض من فيض.
ولكن ورغم كل تلك الوقائع كان البعض يصر أن باسيل «شغيل» ولكن «الآخرين» منعوه من تحقيق الكثير.
يكتشف بعض مناصري باسيل اليوم الوجه الحقيقي للرجل، فالجوع والإفلاس على ما يبدو لهما تأثير كبير على الوعي.
الآن هذا البعض مقتنع أن من يملك أكبر كتلة في مجلس النواب وأكبر عدد وزراء في الحكومة على مدى عشر سنين يتحمل المسؤولية الأكبر لتبعات الأزمات الاقتصادية والمالية والاجتماعية التي يمر فيها لبنان. والكلام عن أن الأزمة الاقتصادية سببها رفيق الحريري هو كلام تحريضي وغير دقيق، لأنه يتجاهل واقع الوصاية السورية التي كانت تتحكم بكل مفاصل هذا البلد. ولكن إقحام سوريا في هذا الجدل لا يناسب التيار الوطني الحر الذي ما كان رئيسه سيعود إلى لبنان لولا موافقة نظام بشار الأسد على هذه العودة.
لم يعد يمر حديث باسيل عن رغبة الكثيرين في إقصائه من العمل السياسي لسبب نجاحه في كل المهام التي أوكلت إليه ولأنه يحرج البعض الفاسد ويفضحه.
الحقيقة أنه يحرج لبنان واللبنانيين أينما حل ومهما فعل.
في آخر الإحراجات هذه إصراره على الذهاب إلى مؤتمر دافوس للمشاركة في ندوة تديرها الصحافية المتمرسة هادلي غامبل. كان المشهد مروعا. فغامبل ضليعة بالملف اللبناني وبمسيرة باسيل السياسية، وبإخفاقاته وهي على علم بسذاجة الرجل. فنظرة واحدة على تغريداته كفيلة بإعطاء صورة واضحة عن مستوى ذكائه وثقافته. كمَنت غامبل الصحافية الذكية له بسؤال عن طريقة وصوله لدافوس. واثقا من نفسه، مزهوا كمن تنبه للفخ الذي ينتظره في السؤال، قال بكل ثقة إنه لم يكلف خزينة الدولة قرشا واحدا. أحد الأصدقاء أهداني تلك الرحلة.
لم يفهم باسيل سبب صدمة الوزيرة الهولندية المشاركة في الندوة تلك. لماذا لا يستطيع مسؤول حكومي تقبل هدايا من أصدقاء؟
باسيل للأسف هو أحد أوجه النظام الطائفي المعمول به منذ 1943 والذي لا يحاكي قطعا تطلعات الشباب والجيل الجديد. وهو أيضا معيار نجاح ثورة 17 تشرين؛ فإن استمر بالسياسة تكون الثورة فشلت.
 
font change