استهداف المرأة في عالم السياسة

العنف ضد النساء

زهور حول صورة جو كوكس في أثناء وقفة في ميدان البرلمان في 16 يونيو عام 2016 في لندن، بريطانيا (غيتي)

استهداف المرأة في عالم السياسة

* يزداد الهجوم ذو الدافع السياسي ضد المرأة في كل مكان في العالم ووصل إلى ذروة قياسية في عام 2019، حين احتلت النساء 24 % من إجمالي المقاعد في المجالس الوطنية حول العالم
* تشير الأبحاث إلى أن التنوع بين الجنسين في القيادة يتماشى مع مبدأ الحكم الرشيد، حيث ترتفع احتمالات تأييد النساء لقوانين دعم الطفل والرعاية الاجتماعية عن الرجال
* مجالس القرى التي تقودها نساء من الأرجح أن يزيد دعمها للاستثمار في مياه شرب نظيفة وتطعيمات الأطفال والتعليم
* معدلات الفساد تنخفض في البلدان ذات النسبة الأعلى من المشرعين النساء
* كشف بحث أجرته جامعة أوبسالا في السويد أن مشاركة المرأة السياسية مرتبطة بانخفاض احتمالات وقوع حرب أهلية وتدني معدلات ارتكاب الدولة لأحداث عنف سياسي، مثل القتل والإخفاء القسري والتعذيب والاعتقال السياسي

في الأعوام الأخيرة، انتشر النشاط النسائي السياسي في مختلف أنحاء العالم، سواء على الإنترنت أو في الشوارع، رفع ملايين النساء أصواتهن وطالبن بالتحرك ضد الإساءة الممنهجة والتحرش والتمييز. تُرجم هذا النشاط في صناديق الاقتراع إلى زيادة أعداد النساء المرشحات للمناصب إلى أرقام لم تصل إليها من قبل.
وفي عام 2018، أدخل النساء في أفغانستان والعراق، الممزقين جراء الحرب، معركتهن من أجل المساواة في الحقوق إلى الساحة السياسية، إذ ترشحت أعداد غير مسبوقة من النساء في الانتخابات البرلمانية: 417 في أفغانستان و2.011 في العراق. ومن عام 2005 إلى عام 2018، شهد لبنان زيادة بنسبة 27 ضعفًا في أعداد المرشحات البرلمانيات، حيث ارتفع العدد من 4 إلى 111. وفي الولايات المتحدة، خاض ما يزيد على 500 سيدة – وهو رقم قياسي – انتخابات الكونغرس أو على مستوى الولايات في عام 2018. وفي الربيع الماضي، شهدت الانتخابات المحلية في آيرلندا والانتخابات الوطنية في الهند واليابان ترشح عدد من النساء بمعدل يفوق أي انتخابات سابقة في تلك الدول.
كانت النتيجة وصول أعداد أكبر من النساء إلى السلطة. ولأول مرة في تاريخ الولايات المتحدة، تحتل المرأة ما يقرب من 25 في المائة من مقاعد مجلسي النواب والشيوخ. وفي البرازيل، نتج عن الارتفاع التاريخي في عدد المرشحات في انتخابات عام 2018 زيادة تمثيل المرأة بنسبة 35 في المائة في المجالس التشريعية للولايات مقارنة بما كان منذ أربعة أعوام سابقة، بالإضافة إلى ارتفاع تمثيلهن بنسبة 50 في المائة في المجلس الوطني البرازيلي. وفي سريلانكا، بعد تمرير قانون الحصص الانتخابية عام 2016 يخصص للمرأة 25 في المائة من مقاعد المجالس المحلية، تم انتخاب ألفي امرأة في جميع أنحاء البلاد، مقارنة بـ82 امرأة في عام 2011. وكذلك في تونس، أدى قانون صدر عام 2016، والذي طالب بتناوب النساء والرجال على قوائم مرشحي الأحزاب، إلى زيادة هائلة في أعداد النساء داخل المجالس المحلية، ونتيجة لذلك تحتل المرأة الآن ما يقرب من 50 في المائة من المناصب الحكومية المحلية مقارنة بـ27 في المائة في عام 2010. وفي المكسيك، تحقق رقم قياسي إذ خاضت نحو ثلاثة آلاف امرأة الانتخابات في عام 2018، مما أدى إلى التساوي التام بين الجنسين في الكونغرس، وتم انتخاب أول عمدة امرأة في مكسيكو سيتي. وحدثت أكبر نسبة زيادة في أعداد النساء البرلمانيات نتيجة لانتخابات عام 2018 في جيبوتي، والتي ارتفع فيها تمثيل المرأة من مجرد 11 في المائة في عام 2013 إلى 26 في المائة.
من جهة أخرى حدث تراجع في بعض المناطق – مثل أيسلندا حيث انخفضت نسبة التمثيل البرلماني للمرأة من 47 في المائة في عام 2016 إلى 38 في المائة، وهو أدنى رقم وصلت له منذ عام 2007. ومع ذلك، تحسن التمثيل البرلماني للمرأة على مستوى العالم بدرجة كبيرة؛ ففي سبتمبر (أيلول) 2019. احتلت النساء 24 في المائة من إجمالي المقاعد في المجالس الوطنية حول العالم، أي ضعف التمثيل الذي تمتعن به منذ 20 عامًا. وعلى الرغم من أن تمثيل المرأة لا يزال بعيدًا عن المساواة مع الرجل، فإن معدل التغيير في ازدياد.
إن تمثيل المرأة ليس مجرد قضية عدالة. تشير الأبحاث إلى أن التنوع بين الجنسين في القيادة يتماشى مع مبدأ الحكم الرشيد، حيث ترتفع احتمالات تأييد النساء لقوانين دعم الطفل والرعاية الاجتماعية عن الرجال. في الهند، كشف كل من الباحثين راغافيندرا تشاتوبادياي واستير دوفلو أن مجالس القرى التي تقودها نساء من الأرجح أن يزيد دعمها للاستثمار في مياه شرب نظيفة وتطعيمات الأطفال والتعليم. وفي النرويج، ارتبط تمثيل المرأة في المجالس المحلية بزيادة تغطية برنامج رعاية الأطفال، والذي حَسَن قدرة النساء على المشاركة في أماكن العمل. كذلك يتصل التنوع بين الجنسين بانخفاض معدلات الفساد: اكتشفت دراسة أجراها عالما الاقتصاد تشاندان جها وسوديبتا سارانجي، وشملت ما يزيد على 125 دولة، أن معدلات الفساد تنخفض في البلدان ذات النسبة الأعلى من المشرعين النساء.
كذلك على الأرجح تستطيع المرأة مد الجسور وسط الخلافات السياسية: فقد كشفت دراسة أجريت عام 2015 على مجلس الشيوخ الأميركي أن أعضاءه من النساء يعملون بمعدل أكبر بين الحزبين من نظرائهم الرجال. وكشف بحث أجرته جامعة أوبسالا في السويد أن مشاركة المرأة السياسية مرتبطة بانخفاض احتمالات وقوع حرب أهلية وتدني معدلات ارتكاب الدولة لأحداث عنف سياسي، مثل القتل والإخفاء القسري والتعذيب والاعتقال السياسي. كما أظهرت دراسة تحليلية كَمِية أجرتها باحثة العلوم السياسية ماري كابريولي أنه عندما ارتفع تمثيل المرأة في البرلمان بنسبة 5 في المائة، انخفضت احتمالية رد الدولة على أزمة دولية بالعنف إلى الخُمس.
ومع ذلك، بينما تزداد أعداد النساء الساعيات إلى مناصب سياسية، يواجه الأمر رد فعل عكسي. وهذا العداء لم يكن غير متوقع على الإطلاق. أينما تحصل جماعات لا تحظى بتمثيل كاف على سلطة وحقوق، تواجهها معارضة، وفي كثير من الأحيان عنف أيضًا. عندما تدخل النساء إلى عالم السياسة، يواجهن عددًا غير متكافئ من الهجمات، يتخذ كثير منها صورًا قائمة على التمييز ضد المرأة. ومن أجل حماية التقدم الذي تحقق على مدار الأعوام الأخيرة، يجب أن تعمل الحكومات ومنظمات المجتمع المدني والنشطاء معًا لتيسير المشاركة السياسية على المرأة – ولجعل منع صعودها أصعب على آخرين.

 

من اليسار إلى اليمين: مارييل فرانكو، جو كوكس، كارولين سبلمان، ديان رويغارا. (رويترز)


 
البحث عن حماية
يزداد الهجوم ذو الدافع السياسي ضد المرأة في كل مكان في العالم، وبحسب مشروع بيانات مواقع النزاع المسلح وأحداثها، وصل الهجوم إلى ذروة قياسية في عام 2019. وحتى النساء اللاتي كن يمارسن حقهن في التصويت وقعن ضحايا للعنف بمعدل يزيد أربع أضعاف الرجال، لا سيما في مناطق ريفية وفي مراكز الاقتراع ومسيرات تسجيل الناخبين. وفي ظل تحول المرأة من التصويت إلى السعي إلى الترشح، تبعها العنف أيضًا. كشفت دراسات استقصائية أجريت في عام 2017 في كل من ساحل العاجل وهندوراس وتنزانيا وتونس أن 55 في المائة من المسؤولات تعرضن لعنف أثناء ممارستهن مهام حزبية سياسية. وفي الانتخابات البرلمانية التي أجريت في كينيا عام 2017. ترشح عدد قياسي من النساء، ويرجع بعض الفضل في ذلك إلى حكم بعدم استحواذ أحد الجنسين على أكثر من ثلثي المقاعد في أي جهاز حاكم. ولكن في أثناء الحملة، واجه الكثير من هؤلاء المرشحات أنواعا موجهة من العنف منها تهديدات بالتعرية أمام العامة. وطالب كثير من هذه التهديدات بوضوح أن تترك النساء السياسة، أملاً في تثبيطهن عن الدخول إلى الدوائر السياسية التي يسودها الرجال. كذلك وقع عنف مشابه ضد النساء المرشحات والمسؤولات في بوليفيا في الأعوام الأخيرة. وأوضحت كاتيا يوريونا الرئيس السابق للهيئة العليا للانتخابات في بوليفيا: «النساء (يقتربن من المساواة) الآن، ولا يستطيع الرجال تقبل ذلك بسهولة».
كذلك تتعرض النساء المشاركات في الحياة السياسية إلى استهداف إلكتروني غير متكافئ، حيث يتلقين هجمات تحرش على مواقع التواصل الاجتماعي. في دراسة استقصائية أجريت عام 2016 على سياسيات من 39 دولة حول العالم، اتضح أن 82 في المائة منهم تعرضن لأحد صور العنف النفسي، وتعرض 44 في المائة لتهديدات بالعنف. وبالمثل توصلت دراسة أخرى أجريت عام 2018 على برلمانيات وموظفات أوروبيات إلى أن 58 في المائة منهن قد تعرضن لتهديدات بالعنف على الإنترنت، مع تعرض نصفهن لتهديدات بالقتل أو الاغتصاب. وفي أفغانستان، كشفت المؤسسة الدولية للأنظمة الانتخابية الستار عن انتشار التحرش بالمرشحات الانتخابيات، أحيانًا على يد قادة الأحزاب أو ضباط شرطة أو مديري انتخابات. وفي الولايات المتحدة، بحسب دراسة أجرتها شركة ماكس كيلسن الأسترالية لأبحاث الاستخبارات الصناعية، تلقت هيلاري كلينتون على «تويتر» ضعف عدد الإساءات التي تلقاها بيرني ساندرز، خصمها الأساسي في الانتخابات التمهيدية الديمقراطية عام 2016.
يكمن العنصر الخبيث بوجه خاص في الإساءات التي تتحملها المشاركات في الحياة السياسية في طبيعتها الجنسية أو كونها ضد المرأة. وبينما ترجع الإساءات التي يتعرض لها الرجال في عالم السياسة إلى حد كبير إلى واجباتهم المهنية، تزداد كثيرًا احتمالات احتواء المضايقات الإلكترونية ضد المرشحات النساء على تعليقات بشأن مظهرهن الخارجي أو تهديدات بالاعتداء الجنسي. وفي بعض الحالات ينشر المتحرشون صورًا جنسية للسياسيات، كما حدث في رواندا عندما نشر متحرشون صورًا عارية مفبركة لديان رويغارا، المرشحة النسائية الوحيدة للرئاسة في انتخابات عام 2017. كذلك يهدد المتحرشون الأشخاص المقربين من السياسيات؛ ففي عام 2018، كشف باحثون في جامعة برادفورد أن نسبة هائلة تبلغ 62 في المائة من البرلمانيات في بريطانيا قد تلقين تهديدات بإلحاق أذى بدني بأصدقائهن وعائلاتهن في مقابل ستة في المائة فقط من نظرائهن الرجال.
وفي أقصى الحالات يصبح العنف ضد القيادات السياسية النسائية مميتًا. في العام الماضي في البرازيل، اغتيلت مارييل فرانكو - وكانت مستشارة في مجلس مدينة ريو دي جانيرو وناشطة نسوية – على يد أفراد ميليشيا معارضين لمواقفها السياسية. وكذلك انتهت سلسلة من الاعتداءات العنيفة، ضد القيادات النسائية المنتخبة في مختلف أنحاء بوليفيا في 2012، باغتيال جوانا كويزبي، عضو مجلس بلدية أنكورايمس التي تعرضت لهجوم بسبب تقديمها المساعدة لزميلاتها في رفع دعاوى ضد المضايقات التي يتعرضن لها. وفي عام 2016، أقدم شخص، بتأثير مسموم من أفكار عنصرية وكراهية الأجانب وبغض المرأة، على اغتيال جو كوكس البرلمانية البريطانية التي كانت تناصر قضايا المرأة.
ومما يثير الضيق، أن مثل هذا العنف يهدد بتقويض مصداقية النجاح الانتخابي للسياسيات ويقيده. ووفقًا للمعهد الديمقراطي الوطني، أدى العنف ضد السياسيات في الأنظمة الديمقراطية بآسيا وأميركا اللاتينية إلى مكوثهن فترات أقل من زملائهن الرجال في المتوسط. وفي بريطانيا، قرر الكثير من أعضاء البرلمان من النساء عدم إعادة الترشح في ديسمبر (كانون الأول) عام 2019. والسبب الأكبر هو الإساءات التي تعرضن لها، حيث كتبت إحدى هؤلاء النائبات كارولين سبلمان في «تايمز أوف لندن» أن «الخطاب المشحون جنسيًا كان مسيطرًا على الإساءات الإلكترونية التي استهدفت أعضاء البرلمان من النساء، مع تهديدات باغتصابنا. وبالتالي ليس من المفاجئ أن كثيرًا جدًا من الزميلات قررن عدم خوض هذه الانتخابات».
كذلك قد تمنع هذه الإساءات المرأة من خوض الانتخابات في المقام الأول. في دراسة استقصائية أجرتها جمعية الشابات المسيحيات وجامعة أديلايد في أستراليا عام 2014. صرح ثلثا النساء اللاتي شملهن الاستطلاع، وكن قد أعربن عن رغبتهن في الترشح، بأن التهديدات ضد السياسيات جعلتهن يترددن في الأمر. وفي أفغانستان، أخبر بعض النساء المؤسسة الدولية للأنظمة الانتخابية في عام 2019 أن شيوع المضايقات الجنسية كان أحد العوامل الأساسية التي ثبطتهن عن خوض الانتخابات على المناصب العليا. وفي العراق عام 2018، سحبت امرأة واحدة ترشيحها بالكامل من البرلمان بعد أن نُشر لها فيديو جنسي مفبرك.
لا يقتصر الضرر الواقع جراء هذا النوع من التحرش والعنف على الجانب الشخصي للمرأة فحسب، بل يعرقل أيضًا قدرتها على الحكم بفاعلية؛ ففي بحث أجراه الاتحاد البرلماني الدولي عام 2016. صرح 40 في المائة من البرلمانيات اللاتي تمت مقابلتهن وتعرضن للعنف بأن تلك الأفعال عرقلت قدرتهن على التحدث بحرية والوفاء بالتزاماتهن. ولننظر، على سبيل المثال، إلى العبء المالي الذي تواجهه النساء المرشحات والمسؤولات بسبب ما يتطلبه مستوى تأمينهن العالي من حراس مدفوعي الأجر ومنشآت مؤمَنة. في عام 2017 في كينيا، اختارت بعض المرشحات عدم عقد اجتماعات ليلاً، وبالتالي أصبحن أقل فرصًا من خصومهن الرجال. وفي بريطانيا، رفع 100 في المائة من أعضاء المجلس التشريعي من النساء التدابير الأمنية في منازلهن مقارنة بـ75 في المائة من الرجال.

 

رجل يرسم جدارية لناشطة حقوق الإنسان والسياسية مارييل فرانكو في صورة امرأة خارقة، في أثناء مسيرة لنحو ألفي شخص إحياء لذكراها في منطقة فافيلا في ريو دي جانيرو بالبرازيل، في 18 مارس عام 2018 (غيتي)


 
كي نمنع العنف
الدافع وراء أغلب هذا العنف هو كراهية المرأة، تلك الحالة المرضية المتجذرة في أغلب المجتمعات والثقافات والتي لن يتم القضاء عليها في أي وقت قريب. ولكن لا يجب الاستسلام لفكرة أن تغيير السياسات بلا جدوى. في الواقع، تستطيع الحكومات والمنظمات الدولية وشركات التكنولوجيا أن تنفذ إصلاحات من شأنها المساعدة في القضاء على العنف.
في عام 2011. أصدرت الجمعية العامة للأمم المتحدة بيانًا يدعو إلى عدم التهاون مع العنف ضد المرشحات والمسؤولات المنتخبات. بعد ذلك أجرت مقررة الأمم المتحدة الخاصة المعنية بالعنف ضد المرأة دوبرافكا سيمونوفيتش تحقيقًا في عام 2018. كذلك اتخذت أجهزة إقليمية القضية على عاتقها: ففي عام 2015، أقرت الدول الموقعة على اتفاقية البلدان الأميركية لمنع ومعاقبة واستئصال العنف ضد المرأة إعلانًا بإلزام الأحزاب السياسية والاتحادات التجارية والمنظمات الاجتماعية «بتصميم أدواتها وآلياتها الداخلية لمنع ومعاقبة واستئصال العنف و/ أو التحرش السياسي ضد المرأة». وفي استجابة لذلك، طورت أجهزة حكومة المكسيك بروتوكولا لتنسيق جهودها من أجل مكافحة مثل هذا العنف، والذي دعم الناجيات في تقديم الدعاوى وربحها.
كذلك اتخذ عدد متزايد من الدول خطوات لتجريم العنف ضد المرأة العاملة في السياسة. وكانت دول في أميركا اللاتينية قد تولت هذه المهمة، فمررت قوانين قائمة بذاتها وعدَلت قوانين الانتخابات. 
على سبيل المثال في عام 2012. مررت بوليفيا قانونا يُجَرِم التحرش والعنف السياسي ضد المرأة؛ ومنذ ذلك الحين، رفع القانون الوعي والمساءلة في هذه القضية. يجب أن تسير دول أخرى في جميع أنحاء العالم على هذا النهج، ويجب أن تميز تشريعات جديدة التهديدات المحددة التي تتعرض لها السياسيات والمرشحات.
بيد أن الإصلاح القانوني ليس له قيمة إن لم تطبق الحكومات القوانين. وفي مثال على هذه الحالة، تشريع بوليفيا المهم: فعلى الرغم من إجراء ما يقرب من 300 محاكمة، لم تتم إدانة أي شخص. ولكن تستطيع دول مثل بوليفيا أن تزيد معدل تطبيق القانون بتقديم تدريب في مجالي القضاء وإنفاذ القانون للسلطات المحلية المسؤولة عن إجراء المحاكمات.
أولاً، يجب أن تُحَسِن السلطات عملية تتبع جرائم العنف ضد السياسيات، حيث يفاقم عدم الإبلاغ من طبيعة المشكلة المستترة؛ إذ يفضل الكثير من النساء الصمت حتى لا يعززن الفكرة النمطية بأن النساء غير مؤهلات للعمل في السياسة. كما توجد مشكلة أخرى في نقص البيانات التي يمكن أن تسمح للمحللين بالمقارنة بين معدل العنف الذي تتعرض له المرأة وذلك الذي يتعرض له الرجال. ويجب أن تمول الحكومات والمنظمات غير الربحية والمؤسسات الأكاديمية الأبحاث التي تسد هذه الفجوة. علاوة على ذلك، تستطيع الحكومات أن تتطلع إلى منظمات المجتمع المدني التي ابتكرت وسائل لقياس العنف ضد المرأة في السياسة. على سبيل المثال، أنشا المعهد الديمقراطي الوطني أداة تقييم مخاطر تساعد على تعريف المخاطر الشخصية والمهنية والسياسية التي تواجهها المرأة؛ وعلى تشكيل خطط استجابة؛ وعلى إبلاغ الجهاز الحكومي المعني بهذه الحوادث.
وحثت مقررة الأمم المتحدة الخاصة سيمونوفيتش الحكومات على تدريب مراقبين وسلطات لرصد الاعتداءات ضد الناخبات والمرشحات والإبلاغ عنها وتقديم نتائجهم إلى أجهزة رصد تنفيذ المعاهدات، مثل لجنة حقوق الإنسان بالأمم المتحدة. كما يجب أن تُخضِع الدول مسؤولي الانتخابات للمساءلة إذا أخفقوا في اتخاذ إجراءات لمنع المضايقات التي تستهدف السياسيات. ويمكن أن تنشئ الدول أيضًا أجهزة رقابية مستقلة تكون مسؤولة عن رصد العنف ضد أعضاء الأحزاب السياسية من النساء والإبلاغ عنه.
في الوقت ذاته، لا يمتلك سوى عدد قليل من المجالس التشريعية آليات داخلية للتعامل مع المضايقات التي تحدث داخل صفوفها. وكشفت دراسة الاتحاد البرلماني الدولي لعام 2016 أن أقل من عشرة من 42 برلمانا تمت دراستهم، لديهم سياسات تتعلق بالتحرش الجنسي ضد أعضاء البرلمان من النساء، وأقل من نصفهم لديه سياسات لحماية العاملين من النساء. وحتى عندما توجد آليات، أحيانًا ما لا يدركها أعضاء البرلمان أو العاملون فيه. كما أن للأحزاب السياسية دورًا يجب أن تؤديه، عن طريق تبني قواعد سلوك، وإدخال سياسات لا تتسامح مع الخطـأ، ورصد أي خطاب مسيء على حسابات مواقع التواصل الاجتماعي، وتقديم تدريب لأعضاء الحزب. وتستطيع الحكومات أيضًا مكافحة التحرش في الأحزاب عن طريق المصادقة على معاهدة القضاء على العنف والتحرش في عالم العمل الذي تبنته منظمة العمل الدولية في جنيف في 2019 والذي يُلزم الحكومات برصد حالات التحرش في العمل ومنعها وحلها.
يستدعي ظهور الإساءات الإلكترونية التدخل من شركات التكنولوجيا. وكانت شركات التواصل الاجتماعي قد بذلت القليل للغاية لحل مشكلة الإساءة والتحرش التي تتعرض لها الشخصيات العامة النسائية. يجب أن تعمل المنصات مثل «فيسبوك» تلقائيًا على تحديد وحذف المحتوى المسيء – بما فيه تهديدات الاغتصاب – وتمكين المستخدمين من تنبيه الشرطة بأي نشاط إلكتروني غير قانوني. وإذا استمرت الشركات في تأجيل إجراء مثل تلك الإصلاحات، يجب أن تطبق الحكومات تشريعا يُخضعها للمسؤولية. ومن جانبها تتخذ الحكومة الفرنسية خطوات تلزم شركات التكنولوجيا بحذف أي محتوى يحرض على الكراهية في غضون 24 ساعة وإلا ستتعرض لعقوبات مالية قد تصل إلى عدة ملايين من الدولارات. (شجعت فرنسا الحكومات الأخرى على أن تحذو حذوها في أثناء رئاستها لمجموعة الدول السبع في عام 2019. ويجب أن توسع الولايات المتحدة النطاق عندما تتولى قيادتها في عام 2020). ويمكن أن تضع الحكومات الاعتداءات ضد النساء من الشخصيات العامة عبر الإنترنت تحت تصنيف خطاب الكراهية والتعامل معها بناء على ذلك. وفيما يتعلق بمعالجة المخاوف بشأن تأثير تلك الخطوة على حرية التعبير، كان باحثون قانونيون قد أشاروا إلى أن قوانين الاتصالات والإجراءات القضائية سوف تساعد على منع الإساءات الإلكترونية دون الإخلال بحرية التعبير. على سبيل المثال، اقترحت دانيال سيترون أن لا تحظر منصات التواصل الاجتماعي سوى التهديدات التي تحتوي على أسماء أشخاص محددين، وليست تلك التي تستهدف جماعات غير محددة.
يجب على واشنطن أن تستخدم المساعدات الخارجية كوسيلة لدفع عملية الإصلاح. بمعنى أنه ينبغي على الولايات المتحدة أن تخصص مساعدة، خاصة في مناطق النزاعات، من أجل توفير الحماية البدنية للمرشحات في الانتخابات. كذلك يجب على البرامج الأميركية التي تدرب مسؤولي العدالة الجنائية والعاملين في مجال الإعلام في دول أخرى أن تركز على هذه القضية.
يجب أن لا يكون العنف ثمنًا تدفعه النساء للدخول في عالم السياسة. تعاني الحوكمة عندما تتعرض النساء للتحرش فتخرجن من السياسة أو يشعرن بخوف بالغ يمنعهن من الدخول إليها منذ البداية. بينما يرفع نساء حول العالم أصواتهن ويدخلن إلى ساحة السياسة، يجب أن تبذل البلدان الملتزمة بنظام التمثيل الديمقراطي المزيد لضمان عدالة ميدان المنافسة وأمانه.
 
جيميل بيغيو: كبيرة زملاء في برنامج المرأة والسياسة الخارجية في مركز العلاقات الخارجية.
 
* نشر المقال في الأصل في مجلة «فورين آفيرز».

font change