لبنان: حكومة دياب انتزعت الثقة وسقطت شعبيًا!

الثورة تحرج السلطة وتعطل النصاب

لبنان: حكومة دياب انتزعت الثقة وسقطت شعبيًا!

* بنصاب منقوص وجلسة مشكوك بشرعيتها... ثقة هزيلة لحكومة «اللون الواحد»!
* جلسة الثقة: السلطة تضع الأجهزة الأمنية بوجه المتظاهرين وسقوط 360 جريحاً
* قاطيشا: البيان الوزاري لحكومة دياب عبارة عن حسابات دفترية وكلام شاعري!
* الحسيني: مسرحية «الثقة» فضيحة كبيرة للعهد وللحكومة ولمجلس النواب وكذلك للسلطة مجتمعة
* أبو زيد: الأهم من نيل الحكومة الثقة، هو تحدّي الثوار لهذه السلطة ومواجهتها... وهو ما يعدّ بحد ذاته انتصاراً للثورة!

بيروت: على قاعدة «إن لم تستحِ فافعل ما شئت»، أمّنت السلطة السياسية في لبنان الثقة لحكومة حسان دياب، رغما عن أنوف مئات المتظاهرين الذين سُحِلوا في الشوارع المحيطة بالمجلس النيابي الثلاثاء الفائت، على أيدي ‏الأجهزة الأمنية والعسكرية التي وضعتها السلطة بوجه الشعب لحمايتها من غضب الثوار.
وقد خرجت حكومة حسان دياب بثقة 63 نائبا من أصل 128 في جلسة اقتصرت على يوم واحد، ‏وبحضور نيابي، جمع الكتل النيابية التي منحت الثقة (تكتل لبنان القوي، «حزب الله»، حركة أمل، كتلة المردة، واللقاء ‏التشاوري)، وتلك التي حجبت الثقة (كتلة «المستقبل»، وكتلة الجمهورية القوية، وكتلة اللقاء الديمقراطي)، والتي تمثلت بـ20 نائبا، في حين امتنع نائب واحد عن التصويت، فيما غاب بقية ‏النواب عن الجلسة بداعي المقاطعة أو الظروف الخاصة.‎
«ثلاثاء الغضب» كما وصفه الثوار، أربك السلطة السياسية على الرغم من تهريبها للجلسة ومنح الحكومة الساقطة شعبيا الثقة، لكن أي قيمة لثقة استولدت بالتهريب على دماء أكثر من 360 جريحا، وبنصاب منقوص وشرعية مشكوك بدستوريتها. فقد نجحت الانتفاضة الشعبية بتعرية السلطة، إذ ظهرت أكثرية 8 ‏آذار عاجزة عن تأمين النصاب القانوني للجلسة وعانت الأمرين لشرعنة حكومتها، وهي المرة الأولى التي تتم فيها مناقشة البيان الوزاري والتصويت على الثقة في اليوم نفسه، إذ سعى بري جاهدًا إلى تقليص عدد طالبي الكلام واختصار ‏الجلسة بيوم واحد بدل اثنين، فبدت المداخلات هامدة، والمواقف الُمعارضة والمؤيدة ظلّت تحتَ سقف التركيز على مرحلة ما بعد منح الحكومة الثقة وإنجازاتها على مختلف الصعُد. وكلّ ذلك تحت وطأة اعتراض الشارع الذي ضغط لحجب الثقة عن الحكومة، من دون أن ينجح في ذلك، وإن كان نجح في أن تخرج الحكومة مثخنة ‏بجراح ثقة هزيلة..
وبعد نيل الثقة، أكد الرئيس حسّان دياب أنه لن يدخل في سجالات سياسية بل يريد العمل ‏فقط والهم الأول هو حماية أموال الناس في المصارفِ، قائلاً للحاضرين والمتغيبين من دونِ عذر: «إن هذه ‏الحكومة ليست من أوصل البلاد إلى هذا الوضع الخطِر».

 

وهبي قاطيشا


‎‎
جلسة غير دستورية
المفارقة تمثلت بمخالفة النظام الداخلي لمجلس النواب، إذ افتتحت جلسة مناقشة البيان الوزاري متأخرة عن موعدها نصف ساعة من دون توافر النصاب القانوني المحدد بـ‏‏65 نائبا، وهو العدد الذي لم يتوافر إلا في وقت لاحق، ما يطرح السؤال عن نتائجها، وتاليًا عن صحة الثقة التي ‏منحتها الحكومة بأكثرية 63 صوتًا من 84 نائبا حاضرًا. وفيما اتهم الحزب التقدمي الاشتراكي بالتواطؤ مع ‏الرئيس نبيه بري لتوفير نصاب لاحق باعتماد التعداد لمن هم داخل حرم المجلس وليس في القاعة العامة، بادر بري عند ‏الساعة 11:36 وقبل اكتمال النصاب داخل القاعة العامة إلى الإيعاز بـ«قرع الجرس»، تمهيدًا ‏لدخوله القاعة العامة مفتتحًا الجلسة بحضور 58 نائبا، فأضفى عليها نصابًا قانونيًا افتراضيًا ‏‏«على اعتبار ما سيكون» بعد وصول نواب «الاشتراكي» فضلاً عن أربعة من كتلة «التنمية ‏والتحرير» الذين كانوا في طريقهم من المطار إلى البرلمان. وفيما كانت «القوات اللبنانية» من الكتل التي ساهمت باكتمال النصاب رغم ادعائها معارضة حكومة حسان دياب، قال عضو كتلة «القوات اللبنانية» العميد الركن المتقاعد النائب وهبي قاطيشا، لـ«المجلة» إن «تكتل «الجمهورية القوية» أعلنت مسبقا المشاركة بالجلسة لتمثيل صوت الثورة داخل البرلمان، لأنه في حال بقائه فقط في الشارع تكون فعاليته محدودة».
وردا على الانتقادات التي وجهت للقوات، قال قاطيشا إن «نواب التكتل لم يدخلوا إلى قاعة المجلس إلّا بعد اكتمال النصاب وتوقيع لائحة النواب الحاضرين التي شملت 67 نائبا»، مشيرا إلى أن «القوات» تعتبر هذه الجلسة دستورية والتغيّب عنها لا يفيد».
ورأى قاطيشا أنّ «النصاب لو لم يتأمّن ولم تُعقد الجلسة، لكانت أُجّلت، وبقينا ندور في حلقة مفرغة».
وعن سبب حجب الثقة، قال: «قاطيشا إن «البيان الوزاري لحكومة دياب عبارة عن حسابات دفترية وكلام شاعري لا يسمن ولا يغني من جوع»، مؤكدا أن «هذه الحكومة غير قادرة على مواجهة الأزمات الاقتصادية والمالية، نظرا لكونها بحاجة إلى رؤية اقتصادية للمستقبل، في وقت أن البيان الوزاري الذي أعدته حكومة دياب ليس عمليا ولم يقدم أي معالجة موضوعية للتصدي لهذه الأزمات».

 

حسان دياب


 
البيان الوزاري
في ظلّ الوعود التي أطلقها دياب منذ تكليفه، وفي وقت عوّل كثيرون على «البيان الوزاري» لحكومة «مواجهة التحديات»، أنه من المفترض أن يراعي طموحات الثوار التي أطاحت بالحكومة السابقة، عبر مراعاة الأوضاع المعيشية الصعبة والأزمات المالية والاقتصادية، إلا أن البيان الذي تلاه دياب في جلسة التصويت لم يحمل كلامًا واثقا واضحًا ولافتًا في كيفية مواجهة الأزمة السياسية والاقتصادية، فيما يحتاج لبنان إلى خريطة طريق جدية أو برنامج للخروج من الأزمة العاصفة؛ إذ بقيت المعالجة بالعموميات، فعلى سبيل المثال تحدث دياب عن الانتقال من اقتصاد ريعي إلى اقتصاد منتج وهو ما يحتاج لسنوات حتى تحقيقه. كما وعدت الحكومة في بيانها الوزاري إلى أنها ستضع خطة طوارئ بعد شهر من الآن، تكون المدخل لوضع خطة إنقاذ لوقف الانهيار الاقتصادي والمالي خلال 100 يوم، وهو ما يطرح علامات استفهام كبيرة خصوصًا أنه يفترض أن تكون مدعومة بخريطة طريق تحدد فيها الأولويات.
والى جانب، الأزمات المالية والاقتصادية كان اللافت أيضا استخدام الأسلوب نفسه الذي اعتمدته الحكومات السابقة فيما يتعلق بالاستراتيجية الدفاعية والمعادلة الثلاثية، إذ عمدت هذه الحكومة أيضا إلى التلاعب على هذا البند، وقد ورد في بيان حكومة حسان دياب، في صيغة: «لن نألو جهدًا ولن نوفر مقاومة للدفاع عن الأراضي اللبنانية وتحرير الأراضي المحتلة، بمواجهة عدو يتربص بالحدود والثروات البرية والبحرية».

 

علي الحسيني


في هذا السياق، علّق الصحافي والمحلل السياسي، علي الحسيني، على مسرحية «الثقة»، قائلا لـ«المجلة» إن «ما جرى هو فضيحة كبيرة للعهد وللحكومة ولمجلس النواب وكذلك للسلطة مجتمعة، إذ نجح الحراك بإحراج السلطة داخليا وخارجيا، في الوقت الذي كانت تعمل فيه على التأكيد للثورة أنها هي من تقرر ومن تسيّر البلاد، إلا أنها فشلت كما فشلت بتشويه صورة الحراك الشعبي»، لافتا إلى أنه «ليس تفصيلا أن يتسلل النواب إلى المجلس خلسة، ويتنكر بعضهم الآخر خوفا من الشعب»، متسائلا: «كيف لسلطة خائفة من الشعب أن تحكم؟».
كما رأى الحسيني أن «فضيحة النصاب ليس قبلها ولا بعدها فضيحة، إذ رفض بري الانكسار أمام إرادة الشعب رافضا الإقرار بوجود انتفاضة حقيقية وأناس قادرين على تغيير المسار في البلد، فتحدى صوت الشعب الذي قرر أن يسقط شرعية هذه الحكومة والمجلس بدمائه، ومن هنا كان اللجوء إلى لعبة النصاب التي هي فعلا فضيحة نظرا لافتتاح بري الجلسة بوجود 58 نائبا فقط، وأضفى عليها نصابًا قانونيًا افتراضيًا متكلا على اتصالات مع المستقبل والقوات والحزب الاشتراكي ضاربا بالنظام الداخلي لمجلس النواب عرض الحائط».
كما أكّد الحسيني أن «بعد الإرباك الذي تسبب فيه الحراك للسلطة، أثبت جدواه وفعاليته وأنه قادر على تغيير المسار بأكمله»، مشيرا إلى أن «الحراك مع الوقت سيتمكن من الدخول إلى اللعبة السياسية وقلب الطاولة عبر تغيير وجه لبنان السياسي بأكمله، وهو ما تخشاه السلطة، مشيرا إلى أن «ثمة توافقا ضمنيا بين السلطة مجتمعة بأن وجودهم أفضل من إلغائهم من قبل الشعب، إذ تحارب هذه القوى السياسية للبقاء لأنهم يدركون جيدا أن نجاح الحراك بإزاحتهم يعني أن المحاسبات الخارجية والداخلية آتية وأن نهايتهم ستكون في السجون».
وعن مشاركة الأحزاب المعارضة في تأمين النصاب، أشار الحسيني إلى أنه قبل أن تساهم هذه الأحزاب بمنح الثقة لحكومة دياب، فهي منحت الثقة لنفسها لكسب مزيد من الوقت لضمان بقائها، قبل أن ينجح الحراك بالإطاحة بهم جميعا»، وتابع: «الشعب يوم الثلاثاء حاسب بالـ(لا ثقة)».


أما فيما يتعلق بالبيان الوزاري، فقد رأى الحسيني أن «هذه الحكومة لم تقدم أي جديد بهذا البيان في وقت يمر فيه لبنان بأزمات غير مسبوقة، مشيرا إلى أنه لم يتضمن وعودا كاذبة بالتغيير بمهلة مائة يوم فقط، فيما أمعنت السلطة السياسية بخراب البلاد طيلة عشرات السنوات على كافة المستويات»، قائلا: «أي إصلاحات وأي تغييرات ستتمكن الحكومة بتحقيقها بهذه الفترة الوجيزة»، مؤكدا أن «ما يجري هو استكمال لسياسة التخدير، إلا أنها لن تنجح، لا سيما مع وعي الشعب اللبناني بعد ثورة 17 أكتوبر (تشرين الأول) وإصراره على محاسبة السلطة السياسية مجتمعة مع إدراكه أن هذه الحكومة هي امتداد للسلطة السياسية وامتداد لسياسة المحاصصة نفسها».
إلى ذلك، أكّد الحسيني أن «هذه الحكومة هي تحت المجهر الدولي وكذلك مجهر الشعب اللبناني، لا سيما من جهة الإصلاحات المطلوبة، وهو ما يضع الحكومة الجديدة أمام اختبار لجهة كيفية مواجهة الأزمات المالية والاقتصادية الداهمة»، مشيرا إلى أن «الشعب اللبناني سيكتشف بعد مهلة المائة يوم أن شيئا لم يتغير، وأن بعض الأفرقاء السياسيين سيعودون إلى تقاذف الاتهامات كما في السابق».
ختاما أكد الحسيني أن الحل الوحيد هو في انتخابات مبكرة على أسس تتقرر من خلال نقاش بين الشعب وبين ما تبقى من السلطة السياسية».


 
الثورة تذل السلطة
في الشكل، بدأ نواب السلطة المكلفون بتأمين النصاب أقرب إلى ضفة «تهريب الثقة» من ‏منحها، خصوصًا في ظل لجوء عدد منهم إلى أن يبيت ليلته إما في مكاتب المجلس (لا سيما ‏من نواب تكتل «لبنان القوي») أو في الفنادق القريبة، في وقت حرص فيه بعضهم على الوصول ‏فجرًا إلى ساحة النجمة هربًا من مواجهة الثوار على الطرقات.
وقد حاول الثوار منع النواب من الوصول إلى المجلس النيابي والمشاركة في الجلسة، رغم التعزيزات الأمنية المكثّفة وإطلاق قنابل مسيلة للدموع إضافة إلى الجدران الإسمنتية التي ارتفعت في وسط بيروت. وفي كل مرة كان يقترب فيها موكب أحد النواب أو الوزراء من محيط المجلس النيابي كانت القوى الأمنية وعناصر الجيش تبعد الثوار بالقوّة لتسهيل وتأمين مرور الموكب، ما أدى إلى سقوط عدد من الجرحى، ونقل بعضهم إلى المستشفيات.
هذا وتعرضت سيارات نواب للتحطيم ونال بعضها نصيبها من الهجوم بالبندورة والبيض خلال توجهها إلى البرلمان.
في هذا السياق، أكّد الناشط في ثورة 17 أكتوبر، بشير أبو زيد لـ«المجلة»، أن «أغلب الشعب اللبناني كان يعلم مسبقا أن الحكومة ستنال ثقة المجلس النيابي لا سيما مع تحويل السلطة محيط المجلس إلى سجن كبير عبر اتخاذ تدابير أمنية مشددة واستنفار جميع الأجهزة الأمنية حتى إنه تم الاستعانة ببعض «شبيحة» الأحزاب بغية تأمين نصاب الجلسة من خلال منع الثوار من اعتراض طريق النواب».
ورأى أبو زيد أن «الأهم من نيل الحكومة الثقة، هو تحدّي الثوار لهذه السلطة السياسية ومواجهتها وهو ما يعدّ بحد ذاته انتصارا للثورة»، وتابع: «ليس تفصيلا أن يضطر رئيس مجلس النواب وبعض نواب الكتل النيابية أن يبيتوا ليلتهم في أحد الفنادق الواقعة في محيط البرلمان كي يتمكنوا من حضور الجلسة»، مؤكدا أن «ذلّ السلطة السياسية على يد الثوار يوم ثلاثاء الغضب هو انتصار».
كما تطرق أبو زيد إلى تهريب بري الجلسة وعدم دستوريتها، معتبرا أن «كل ذلك يدل على نجاح الحراك بإرباك السلطة السياسية، وعرقلة تسوياتهم السياسية ومحاصصاتهم».
ختاما، اعتبر أبو زيد أن «لا أهمية للثقة، نظرا إلى أن حكومة دياب ستسقط عند أول استحقاق سوف تواجهه، سواء عبر الاستقالة أو فشلها بالمهمات الموكلة إليها لا سيما التصدي للأزمات العصيبة التي تواجه لبنان»، مشيرا إلى أن «البيان الوزاري بيان فضفاض وهو عبارة عن كلام شاعري وهو سبب كفيل وحده لعدم إعطاء هذه الحكومة الثقة وإعطائها فرصة خصوصا بعدما تبين أنها ليست إلا نتاجا للسلطة السياسية نفسها التي أمعنت بنهب وسرقة الشعب اللبناني طيلة 30 عاما».

font change