عارضات أزياء ومسوّقات من غزة... تَغيّرات في نمط الحياة وظهورٌ جميل

الطفلة سما والشابتان نيّرة وبيسان يواجهن انتقادات دائمة... لكنّ ذلك لا يدفعهن للتراجع عن عملهنّ

عارضات أزياء ومسوّقات من غزة... تَغيّرات في نمط الحياة وظهورٌ جميل

* والدة سما: طفلتي هي أصغر أبنائي، وتحبّ الظهور والصور كثيرًا وهذا هو الشيء الأساسي الذي دفعها لهذا المجال
* تحققت شهرة سما بين الناس في غزة عبر حسابها على موقع «إنستغرام» الذي يتابعه أكثر من 90 ألف شخص، يتفاعلون مع كلّ المنشورات واليوميات التي تنشرها
* الشابّة نيّرة الصالح درست إدارة الأعمال وتخرجت من الجامعة قبل عام، ولم تحظَ بفرصة عملٍ مناسبة بسبب سوء الأحوال في القطاع، واتجهت للعمل في الإعلام والتسويق حتّى لا تنضم لصفوف العاطلين
 

غزة: لم تكن فكرة ظهور شابات أو حتّى أطفال من غزة، في الإعلانات التجارية وعلى لوحات المحال المختصة ببيع الحاجيات للناس، ممكنة التحقيق خلال السنوات الماضية، لكنّها اليوم ومع التطور التكنولوجي الحاصل، خاصّة على صعيد منصات التواصل الاجتماعي التي أثرت على كلّ تفاصيل الحياة التي يعيشها أهل القطاع المحاصر، صارت أمرًا عاديا ومنتشرًا بكثرة، لا سيما في ظلّ بروز عدد من الشخصيات النسائية اللائي أثبتن أنفسهن في ذلك المجال، وأضحت اليوم تشكّل حالة، يؤيدها البعض ويرفضها آخرون.
وفي هذا التقرير تعرض لكم «المجلة»، قصص طفلة وشابتين في العشرينات من عمريهما من غزة، قررتا تحدي كلّ العادات والتقاليد المجتمعية، والولوج للشغل في عالم الأزياء والموضة والإعلانات التجارية، وترصد كذلك الأسباب التي دفعتهن لهذا المجال ونظرة الناس لهنّ، والمضايقات التي قد يتعرضن لها، سواء في الشارع أو على المنصات الإلكترونية.

 

متابعوها على الانستغرام يتفاعلون معها كثيرا


 
سما أصغر عارضة أزياء
على مواقع التواصل الاجتماعي، تلفت نظر المتابعين العرب صور منتشرة للطفلة الغزّية سما الشوبكي البالغة من العمر 6 سنوات فقط، تظهر فيها كعارضة أزياء بألوانٍ زاهية وأسلوب مميز... تقول والدة الطفلة عزة عباس في حديثٍ لـ«المجلة»: «طفلتي هي أصغر أبنائي، وتحبّ الظهور والصور كثيرًا وهذا هو الشيء الأساسي الذي دفعها لذلك المجال، وهي الأولى في قطاع غزة، التي تتجه لذلك المجال».
وتشير إلى أنّ سما تعشق منذ أن كانت رضيعة الألوان الزاهية، وتهدأ عند رؤيتها، ومع الوقت صارت تهتم أكثر بذلك وتوفر لها الملابس المتميزة وتلتقط لها صورًا تحظى بالقبول على مواقع التواصل بين الناس عند نشرها، لافتة إلى أنّ شكل شعر الطفلة كان عاملاً مساعدًا على بروزها في مجال عروض الأزياء والإعلانات.
وعن أبرز المواقف التي تعترض سما في الشارع وعلى المنصات الاجتماعية، تسرد الوالدة أنّ «كثيرا من الناس يتفاجأون وقت مشاهدتها بالأماكن العامّة، ويسرعون لالتقاط الصور التذكارية معها»، مبينة أنّ الطفلة لا تتعاطى مع الجميع في هذا الأمر، لأنّها ما زالت صغيرة وتخجل كثيرًا من تلك المواقف؛ كونها لا تزال غير مدركة لآليات وأساليب التعامل مع الناس بشكلٍ واسع.
وتوضح أنّ كثيرًا من المحال التجارية المختصة ببيع ملابس الأطفال والألعاب تتواصل معها بصورة مستمرة، لأجل طلب سما لتنفذ إعلاناتٍ لصالحهم، مشيرة إلى أنّها تتعامل مع الأمر بحسب المعطيات وطبيعة المتاجر، لأنّ أمورًا كثيرة تحكمها في هذا الأمر، أهمها المصداقية التي يتمتع بها طالبو الإعلانات وأماكن النشر والنصوص التي ترافق الصور، وأماكن التصوير كذلك.
وتحققت شهرة سما بين الناس في غزة، وفقًا لكلام الوالدة التي تبلغ من العمر أربعين عامًا، بصورة أساسية عبر حسابها على موقع «إنستغرام» الذي يتابعه في هذه اللحظة أكثر من 90 ألف شخص، يتفاعلون مع كلّ المنشورات واليوميات التي تنشرها هي وبناتها الأخريات لسما، وتذكر أنّها تقرأ للطفلة التعليقات والرسائل التي تصلها على الحساب وتفسر لها المعاني، لتبقى على مقربة من الجمهور وتعتاد عليه.


 

الناس في الشارع يوقفنونها لالتقاط الصور معها


طفولة سما وبراءتها لم تمنع عنها الانتقادات المجتمعية كما تتكلم الوالدة، فالبعض يتهمها بتقليد الغرب دون إدراك، وآخرون يقولون إن ما تفعله يعتبر خارج السياق ولا يبشر بمستقبل جيد، وفئة ترى أنّها تساهم في التأثير على أقرانها ورفع سقف تفكيرهم في الحياة، وتتابع: «لا أتطلع كثيرًا لتلك التعليقات، وأحاول أن أبقيها بعيدة عن سما حتّى لا تتأثر نفسيتها».
على الجانب الآخر تروي الأم، أن كثيرين توجهوا بعبارات التحفيز لسما، وأثنوا على أدائها كما أنّهم ساهموا في نشر صورها عبر حساباتهم الخاصة، منوهة إلى أنّ ما تفعله طفلتها هو رسالة نابضة بالحياة والحبّ من غزة لكل العالم، وهو كذلك ارتفاع على كلّ الأوضاع الصعبة التي يعيشها القطاع، من حصار إسرائيلي مستمر منذ سنوات طويلة وإغلاق للمعابر والمنافذ.
وبصوتها الطفولي قالت سما لمراسل «المجلة»: «أشعر بالفرح كلما تجهزت لجلسات التصوير، وأمي هي من اكتشفت موهبتي وأنا أحبها كثيرًا لأنّها تمنحني الوقت اللازم»، مبيّنة أنّ الناس في الشارع يحبون شكل شعرها ويطلقون عليها لقب «المودلز»، وفي المستقبل ستعمل على الاستمرار في ذات المجال وستعرض مزيدًا من الفساتين والأزياء المبهجة.

 

عملها الإعلامي كمقدمة برامج في مؤسسة محلية


 
ليس الأطفال فقط
الشابّة نيّرة الصالح (23 عامًا) التي درست إدارة الأعمال وتخرجت من الجامعة قبل عام، لم تحظَ بفرصة عملٍ مناسبة بسبب سوء الأحوال في القطاع، تتحدث لمراسل «المجلة»، أنّها اتجهت للعمل في مجال الإعلام والتسويق للمحلات التجارية كبديل حتّى لا تنضم لصفوف العاطلين عن العمل، منبهة أنّها ومنذ الصغر تحب الظهور المرئي، وكثيرًا ما انجذبت لمتابعة العروض التلفزيونية، خاصّة تلك التي كانت تظهر فيها عارضات الأزياء.
وتردف خلال كلامها: «عملت لصالح الكثير من المؤسسات التي تختص ببيع الأزياء النسائية، كعارضة، وحققت الحملات الإعلانية التي شاركت بها لصالحها صيتًا جيدًا، وشاركت كذلك في التمثيل ضمن عدد من الأعمال الوثائقية والفنية»، مؤكدة أنّها واجهت خلال عملها كثيرًا من الانتقادات والنظرات السلبية لكنّها لم تلتفت لذلك، كونها تعي جيدًا ما تفعل وتعرف طريقها.


 

واجهت انتقادات مجتمعية لكنها لم تأثر بها


وعن عملها في الإعلام، تعلّق نيّرة بالقول إنّها تظهر من خلال قناة تبث بشكلٍ إلكتروني عبر مواقع التواصل كمقدمة برامج منها السياسي والاجتماعي والثقافي الفني، مشيرًا إلى أنّ ذلك ساعدها في تكوين شخصيتها، لتكون ملائمة أكثر للظهور أمام الناس، حيث إن الخروج أمام الكاميرات يتطلب قدرات خاصّة وفطنة في اختيار طريقة مواجهتها وتحديد الإيماءات المناسبة والمقبولة لدى الجمهور، وفقًا لحديثها.


 

الشابة بيسان التي تعمل في مجال التسويق


 
تزايد أعداد المسوّقات
من جانبها، تذكر الشابّة بيسان السردي (25 عامًا) التي تدرس ماجستير في تخصص العلاقات الدبلوماسية والدولية، وبدأت العمل في مجال التسويق والإعلانات منذ عامين، أنّها عملت بداية لدى إحدى شركات الاتصال المحلية داخل قسم التسويق، وتمكنت خلال تلك الفترة من امتلاك المهارات والمعرفة اللازمة للدخول أكثر لهذا المجال، مبيّنة أنّها برفقة مجموعة من الفتيات في قطاع غزة، استطعن كسر القيود والنظرة السلبية واشتغلن بقوة في مجال التسويق والإعلانات.
وبحسب كلامها فإن كثيرا من الناس في المجتمع الفلسطيني المحافظ يربطون مهنة «التسويق للفتاة» بالانفتاح غير المرغوب، لكنّ الأمر عكس ذلك، فهي كغيرها من الأعمال تحتاج لمهارات وقدرات، ولا يمكن بتاتًا تصنيفها على أنّها عمل خاطئ، مشيرة إلى أنّها وجدت ذاتها في المجال، الذي تعتبره امتدادًا للتجربة التي عايشتها خلال دراسة بكالوريوس الإعلام، وما تبعه من شغلٍ في مؤسساتٍ صحافية مختلفة.
وحققت بيسان من خلال ذلك العمل شهرة على مواقع التواصل الاجتماعي، وأصبح حسابها على موقع «إنستغرام» متابعا من أكثر من 100 ألف شخص، واستطردت أنّ أصحاب المتاجر بشكلٍ عام أقبلوا بصورة كبيرة على الإعلانات من خلال المسوّقات، اللواتي صار عددهن في كلّ مناطق القطاع يزيد على العشرات في هذا الوقت، ومنهن المحجبات وغير المحجبات.

 

تدرس حالياً المجاستير


 
الانتقاد أمرٌ طبيعي
لعل غرابة فكرة عارضات الأزياء عن قطاع غزة، دفعت مواطنين كثيرين استندوا لأدلة مختلفة للحديث حول الموضوع سواء كان بشكلٍ إيجابي أو سلبي، وتعلّق المختصة التربوية والنفسية نهى جبر، أنّ موضوع مشاركة الأطفال وخاصّة الإناث في عروض الأزياء في منطقة شرقية، من الطبيعي أن يواجه بانتقادٍ مجتمعي، لكنّ ذلك لا يقلل من شأن أهميته أبدًا.
وتردف لمراسل «المجلة»: «الناس في غزة بحاجة لأي أمرٍ يمكن أن يدخل عليهم البهجة والسرور بشكلٍ عام، والأطفال هم الأكثر حاجة، كونهم عاشوا أياما كثيرة مليئة بالقصف والموت»، مؤكّدة أنّ هناك زاوية أخرى لهذا الأمر، وهي الحقوقية، حيث إن المواثيق الدولية التي عنيت بالطفل وحقوقه، وضعت شروطًا لتصوير الأطفال أو لممارستهم بعض المهام، وأهم تلك الشروط هو موافقة الأهل، وهذا الأمر متوفر في الحالات التي تعمل في عروض الأزياء.
وتختم أنّ ما يمارسه الأطفال عارضو الأزياء والمسوقون بشكلٍ عام ليس سيئًا، ولا يؤثر على صورتهم في المستقبل بطريقة سلبية، وتسترسل: «لو كان هذا العمل شاقًا أو مهينًا لقلنا إنّه ممنوع ويتنافى مع القوانين والأعراف، لكنّه ليس كذلك»، مستدركة «الأثر الوحيد الذي قد يكون غير مرغوب فيه لتلك الأنشطة، هو غيرة الأطفال الآخرين من أقرانهم، لا سيما أن القادرين على تنفيذ عروض الأزياء قلة».
وفيما يتعلق بإقبال الشابات على العمل في نفس السياق، نوهت إلى أنّ ذلك يندرج ضمن نطاق الحرية الشخصية لهنّ، وبالنسبة للانتقادات التي تواجههنّ، ذكرت أنّ ذلك أمرٌ طبيعي، لا سيما أن الناس لم يعتادوا على رؤية صور النساء بكثافة في الأماكن العامّة.
 
ضرورة تسويقية
بدوره يقول أبو خالد جابر، وهو صاحب عدد من المحلات التجارية المختصة ببيع ملابس النساء والأطفال في قطاع غزة: «الركود في السوق وتراجع البيع، يدفعنا لاستثمار كلّ فرصة تمكننا كتجار من استقطاب الزبائن والمشترين»، موضحًا أنّ تزايد تعامل الناس مع مواقع التواصل الاجتماعي أجبرهم على الاتجاه لها، ووضع خطط تسويقية مناسبة لطبيعتها.
ويشرح أنّ العمل على تلك المنصات تطلب منهم، تغييرات في عناصر الإعلانات والتصاميم، وحتّى تكون الأمور واقعية بالنسبة للمواطنين في غزة، وجب عليهم العمل على التفكير في أمر التعامل مع شابات وفتيات عارضات في مجال الأزياء ومسوّقات، لافتًا إلى أنّ الأمر قوبل في البداية باستهجان السكان، وكذلك رفضت كثير ممن تواصلوا معهن عروض العمل، وكان هذا في منتصف عام 2015.
ويبيّن أنّ هناك شابتين وفتاتين قبلتا بالفكرة، لكنّهما اشترطتا أنّ لا تظهر وجوههنّ في الصور المنشورة، حتّى لا يتسبب الأمر في مشاكل عائلية ومجتمعية، واستمرتا بذلك الشكل حتّى نهاية عام 2017. مستكملاً: «السنتان الماضيتان كانتا مختلفتين والقطاع فيهن أصبح يعيش حالة من الانفتاح غير المسبوقة».
ولا يتمكن أبو خالد وغيره من التجار من دفع مبالغ مالية عالية للعارضات، كون الحالة الاقتصادية غير مستقرة والأرباح محدودة بسبب المنافسة العالية، ويزيد: «أحيانًا يكون المقابل بعضًا من قطع الملابس التي يساهمن في تسويقها، وفي أخرى يكون مبلغا ماليا لا يتجاوز في أحسن الأحوال 50 دولارا مقابل جلسة التصوير الواحدة، والتي تشمل في العادة عرض أكثر من خمسة أزياء كاملة بتصاميم مختلفة».
والجدير ذكره أنّ السوق التجارية تشهد حالة ركود غير مسبوقة في قطاع غزة، بسبب الظروف السياسية والاقتصادية الصعبة التي يعيشها السكان، بحسب وزارة التنمية الاجتماعية بغزة، فإن نسبة انعدام الأمن الغذائي في صفوف سكان القطاع بلغت 70 في المائة، كما أن نسبة الفقر والبطالة وصلت خلال عام 2019م إلى ما يقرب من 75 في المائة، في حين أن 33.8 في المائة يعيشون تحت خط الفقر المدقع، وتجاوزت نسبة البطالة في القطاع بحسب آخر إحصاءات مركز الإحصاء الفلسطيني 53 في المائة، وبلغت في صفوف الشباب نحو 67 في المائة.

font change