حزب الله يدعو إلى «مقاطعة البضائع الأمريكية»

أطلقها في السابق لمناصرة الفلسطينيين في صراعهم مع الإسرائيليين واليوم بسيناريو جديد

حسن نصر الله، زعيم حزب الله اللبناني

حزب الله يدعو إلى «مقاطعة البضائع الأمريكية»

  • يريد حزب الله، مرة أخرى، من اللبنانيين التضحية بحياتهم ومستقبلهم للمساعدة في تنفيذ أجندة إيران وإنقاذ اقتصادها، مع زيادة عزل لبنان عن الاقتصاد العالمي
  • الدعوة لاقت سخرية لاستخدام من ينعون سليماني سيارات أميركية الصنع وانتشار صور لكل من قاسم سليماني و جواد نصر الله بسترة ماركة تمبرلاند الأميركية 
  • من اللافت أن شركة سيارات إيرانية (سايبا) افتتحت فرعًا لها في لبنان، بالإضافة إلى حقيقة أن إيران أغرقت بالفعل السوق اللبنانية بحديد رخيص ومنتجات أخرى
  • بدلاً من المقاومة الإسلامية، يدعو الناس اليوم إلى مقاومة الفساد وجشع النخبة السياسية

واشنطن: في خطاب متلفز ألقاه قائد حزب الله، الأسبوع الماضي، لتأبين قائد فيلق القدس قاسم سليماني، أعلن بطريق غير مباشر حملة لمقاطعة المنتجات الأميركية. قال نصر الله: «لماذا لا نلجأ إلى مقاطعة البضائع الأميركية؟ هذا جزء من المعركة».
ليست هذه هي المرة الأولى التي يدعو فيها حزب الله إلى مقاطعة البضائع الأميركية. لقد ربطها في الماضي بالصراع بين الفلسطينيين والإسرائيليين، وتتشابه كثيرًا قائمة المنتجات التي نشرها عبر وسائل التواصل الاجتماعي– في محتواها وتصميمها– مع القوائم التي نشرها في الماضي. ولكن في هذه المرة، توجد زاوية مختلفة وأجندة واضحة.
يعلم حزب الله أن مقاطعة أنصاره للبضائع الأميركية بلا جدوى. وحتى إذا قرر جميع الناس الذين يحيون تحت مظلة إيران مقاطعة البضائع الأميركية، فمن المستبعد تمامًا أن يهتز الاقتصاد الأميركي. ولكن يملك حزب الله هدفين في هذه الحملة.

 

مشيعون يحيطون بسيارة ”شيفروليه-أمريكية الصنع“ تحمل نعوش القائدالعسكري الإيراني قاسم سليماني والقائد شبه العسكري العراقي أبومهدي المهندس (وكالة الصحافة الفرنسية عبرغيتي إيماجز)


 
حشد المجتمع
بمجرد أن نطق نصر الله بهذه التصريحات، خرجت جموع من أنصار حزب الله – ربما ممن ينظمهم جيش التواصل الاجتماعي التابع لحزب الله – إلى «تويتر» و«فيسبوك» وأنشأوا حسابات تنشر وسومًا تشجع الناس على مقاطعة المنتجات الأميركية. بدأت حجج هذه المناقشات عبر السوشال ميديا بحملة قوية لمقاطعة كل ما هو أميركي. بيد أن الناس بدأوا يشتكون من أن حزب الله ذاته يستخدم بضائع أميركية.
وسخر كثيرون من استخدام من ينعون سليماني سيارات أميركية الصنع. وأشار آخرون إلى مقدار إعجاب سليماني وابن نصر الله (جواد نصر الله) بماركة تمبرلاند الأميركية للملابس. ففي صورة يظهر جواد نصر الله مع صديقين مرتديًا قميصًا عليه شعار شركة تمبرلاند الأميركية وتحتها حروف «يو إس إيه» (اختصار الولايات المتحدة الأميركية)، وفي صورة أخرى يرتدي قاسم سليماني سترة من تمبرلاند.
كانت التعليقات محرجة. ومن الواضح أن استهلاك حزب الله – ومجتمعه – للمنتجات الأميركية سوف يتحدى دائمًا محاولاته لشن حرب آيديولوجية ضد أميركا.
ردًا على هذه التعليقات، أطلق جيش التواصل الاجتماعي لحزب الله خطابًا جديدًا. تدفع الحجة الجديدة بأن حملة حزب الله ليست من أجل كسر الاقتصاد الأميركي، أو حتى التسبب في تحديات للأشخاص عند اتباعهم لهذه الحملة. الهدف هو التعبير عن موقف أخلاقي ومقاطعة المنتجات الأميركية قدر الإمكان. وفي نهاية الأمر، هم لا يزالون يحتاجون إلى «تويتر» و«فيسبوك»، وهما شركتان أميركيتان.
السبب الآخر لهذه الحملة هو حشد المجتمع حول قضية. لقد تجمدت مقاومة حزب الله لعدة أعوام، وأصبح الشعب اللبناني محبطا جراء خطاب حزب الله عن المقاومة. لم تعد الكلمات ذات تأثير، وأصبح من الصعب على الناس الإيمان بأن حزب الله لا يزال حركة مقاومة.
لقد قتل قادة حزب الله عماد مغنية وابنه جهاد ومصطفى بدر الدين في معركة من قبل، ولم يفعل حزب الله شيئا للانتقام لهم. كذلك تعرضت مواقع الحزب في سوريا وبقية أنحاء المنطقة إلى قصف وتدمير من جهة إسرائيل، ولم يفعل الحزب شيئا. والآن قائدهم قاسم سليماني قُتل ويتوقع الجميع أن تشن إيران وحزب الله حربًا ضد أميركا وإسرائيل. ولكن لم يحدث شيء.
بناءً على ذلك، بدت حملة المقاطعة أقل ما يستطيع حزب الله فعله لتعزيز خطاب المقاومة، بدلاً من شن حرب وخسارة ما تبقى من قادته ومقاتليه وأسلحته. ومع ذلك، لن يفلح هذا أيضًا. وعلى الرغم من الزخم الذي تسير به هذه الحملة، من المحتمل أن تفشل، حيث إن الشعب اللبناني – بما فيه الشيعة – مشغولون بالأزمة الاقتصادية المتدهورة، وانتشار فيروس كورونا القادم من إيران، أكثر من حملة جديدة ضد الولايات المتحدة.

 

جواد نصرالله، ابن حسن نصرالله يرتدي سترة ماركة ”تمبرلاند“ الأميركية


 
مساعدة إيران
نظرًا لخوفه من فشل وانهيار هذه الحملة في النهاية، قرر الجيش الإلكتروني لحزب الله الاستفادة من آلاف المتابعين لهذه المجموعات على مواقع التواصل الاجتماعي، للترويج لسلع إيرانية.
إذا ألقينا نظرة سريعة على هذه المجموعات والمناقشات التي تدور فيها، لن يكون من الصعب ملاحظة استغلال مديري هذه المجموعات لها في نشر منتجات إيرانية – وأحيانًا سورية – على أنها أقل سعرًا وبديلة للمنتجات الأميركية.
يؤدي هذا الترويج الماهر – ولكنه واضح – إلى موجة أخرى من شكاوى الكثير من اللبنانيين الذين يعتقدون أنه من غير الأخلاقي الترويج لمنتجات ومحلات إيرانية في وقت تغلق فيها مصانع ومزارع لبنانية أبوابها وتشهر إفلاسها بسبب عدم وجود أسواق ملائمة لمنتجاتها. على سبيل المثال، بدلاً من الترويج لمنتجات لبنانية، تشجع تلك المجموعات اللبنانيين على شراء منتجات تنظيف وعناية شخصية وأغذية وسجائر بل وحتى هواتف ذكية إيرانية.
بالاطلاع على هذه الصفحات، يمكن للمرء أن يرى كم المحلات والمتاجر والمعارض الإيرانية التي افتتحت أخيرًا في لبنان، وتحديدًا في المناطق الخاضعة لحزب الله؛ وهذا في الضاحية الجنوبية ببيروت والبقاع. ومن اللافت أيضًا أن شركة سيارات إيرانية (سايبا) افتتحت فرعًا لها في لبنان، بالإضافة إلى حقيقة أن إيران أغرقت بالفعل السوق اللبنانية بحديد رخيص ومنتجات أخرى.
وبينما يزداد غرق لبنان تحت وطأة الأعباء الاقتصادية والمالية، ويعاني أكثر من 40 في المائة من اللبنانيين من البطالة، قررت إيران استغلال آلام الشعب اللبناني من أجل نقل وبيع منتجاتها، في حين تضرب أميركا الاقتصاد الإيراني بالعقوبات.
كان العراق قد تعرض لمشكلة مشابهة على مدار أعوام كثيرة، واستغلت إيران العراق لبيع منتجاتها، حتى قرر الشعب العراقي في يوم ما أن هذا يكفي. وعندما خرج العراقيون إلى الشوارع في أكتوبر (تشرين الأول) عام 2019. كانت شعاراتهم موجهة ضد النظام الإيراني بصفته السبب الأساسي وراء حالة اقتصادهم المتردية.
وكان الشعب العراقي واضحًا للغاية في لوم إيران، وبدأ حملة مقاطعة المنتجات الإيرانية التي تغرق الأسواق العراقية، وخاصة في المناطق الشيعية. وعندما بدأ المحتجون العراقيون يدركون أن السلع العراقية يجب أن يكون لها أولوية على السلع الإيرانية، خفتت حدة مقاطعة أميركا، وفشلت الحملات الإيرانية لمقاطعة السلع الأميركية.
الآن حان الدور على لبنان، وبدلاً من تشجيع المنتجات اللبنانية والترويج لها، يريد حزب الله من اللبنانيين شراء منتجات إيرانية وسورية، متحديًا المجتمع الدولي ومساعدا لإيران على النجاة من العقوبات. كل ذلك وسط معاناة الشعب اللبناني من الجوع واليأس والمستقبل القاتم.
يريد حزب الله، مرة أخرى، من اللبنانيين التضحية بحياتهم ومستقبلهم للمساعدة في تنفيذ أجندة إيران وإنقاذ اقتصادها، مع زيادة عزل لبنان عن الاقتصاد العالمي.
ولكن على الرغم من هذه المحاولات، يدرك الشعب اللبناني - منذ خروجه إلى الشوارع في أكتوبر عام 2019. أن خطاب الحرب أو آيديولوجيتها، والهوية الطائفية لن ينقذهم من الفقر والجوع، فقد باتت أولوياتهم اليوم واضحة للغاية: إنقاذ الاقتصاد، وتنفيذ إصلاحات، ومحاربة الفساد، وبناء مؤسسات الدولة. وبدلاً من المقاومة الإسلامية، يدعو الناس اليوم إلى مقاومة الفساد وجشع النخبة السياسية. وهذا يخيف حزب الله، ويجعل حملته الجديدة تبدو في غير محلها.
* حنين غدار زميلة زائرة في زمالة فريدمان الافتتاحية بمعهد واشنطن لسياسات الشرق الأدنى.
 

font change