إعدام هشام عشماوي هل «يخنق» الإرهاب القادم عبر الصحراء الغربية؟

بعد القبض عليه في عملية مخابراتية

إعدام هشام عشماوي هل «يخنق» الإرهاب القادم عبر الصحراء الغربية؟

* رغم أن «عشماوي» يمثل رمزية كبيرة للجماعات المسلحة، فإن هذه الجماعات لديها قادة ميدانيين يتطورون مع الوقت ويصبحون قادرين على إدارة هذه الجماعات
* التنظيمات الإرهابية قادرة على إنتاج قيادات لاحقة ومعنى هذا أن المواجهة ممتدة
* القبض على عشماوي وإعدامه.. وتأمين الصحراء الغربية له تأثيره على الجماعات الإرهابية ولكن هذا لا يمنع أن نفاجأ بقيادات لاحقة، لأنه لا يزال هناك آخرون لديهم فكرة ومعتقد وآيديولوجيا قادرة على إفراز آخرين
* الإرهاب تقلص وتراجع خلال العامين الماضيين ولكن فكرة الوصول إلى «صفر إرهاب» أمر بعيد المنال في المستقبل القريب
* العمليات الإرهابية الآتية عبر الصحراء الغربية تقلصت بشكل كبير نتيجة التدابير الاحترازية والإجراءات الأمنية المتبعة خلال العامين الماضيين، ولكن ربما يكون هناك حالة «كمون»
* إعدام «عشماوي» لا يمكن أن ينهي الإرهاب القادم عبر الصحراء الغربية لكنه يمثل ردعاً لمن يفكر للجماعات المسلحة
* الإرهاب لن ينتهي أبداً طالما وجد التمويل وحيكت المؤامرات ففي الآونة الأخيرة أصبحت التنظيمات الإرهابية كثيرة واتجاهاتها متشعبة ومصادرها متنوعة
*الحكم ضد «عشماوي» رسالة واضحة إلى جميع التنظيمات الإرهابية بأن النهاية واحدة

القاهرة: بعد إسدال محكمة جنايات القاهرة الستار على محاكمة هشام عشماوي قائد تنظيم «المرابطون» الإرهابي، والذي تم استقدامه من الأراضي الليبية في عملية مخابراتية، تم بثها على الهواء في جميع القنوات الفضائية، بالحكم عليه هو و36 متهما آخرين من عناصر تنظيم أنصار بيت المقدس بالإعدام «شنقا»، باتت التساؤلات تثور حول مصير التنظيمات الإرهابية التي تعمل من خلال القطاع الغربي القادم عبر الصحراء الغربية، والذي يستغل انهيار حالة الأمن في الأراضي الليبية، للتسلل إلى الأراضي المصرية، والقيام بعمليات إرهابية، فهل الحكم بالإعدام شنقا بحق عشماوي، والعناصر الـ36 التابعة لتنظيم أنصار بيت المقدس سوف يقلص من العمليات الإرهابية القادمة عبرالصحراء؟ أم يكون بمثابة «خنق» لها أيضا؟ خاصة بعد الكم الهائل من المعلومات التي تحصلت عليها الأجهزة الأمنية، من خلال استجواب عشماوي في عمليات استجواب دقيقة جدا، مكنت أجهزة الأمن من معرفة تفاصيل مهمة عن التنظيمات الإرهابية، ومفاتيحها التي كان عشماوي على دراية بها؟ أم إن الإرهاب القادم عبر الصحراء سيتحول إلى حالة من «الكمون»، إلى أن تحين الفرصة لتنفيذ هجمات جديدة أخرى؟ 
«المجلة» من جانبها سعت لفتح هذا الملف للتعرف على أبعاده من خلال آراء عدد من المتخصصين في شؤون الحركات الإرهابية المسلحة، وعدد من خبراء الاستراتيجية والأمن القومي.
 
 «صفر إرهاب» أمر بعيد المنال
من جانبه قال المتخصص في شؤون الحركات المسلحة، وشؤون حركات الإسلام السياسي سامح عيد لـ«المجلة»: 
بشكل عام أنا أتحفظ على حكم الإعدام، فأنا ضد أحكام الإعدام بشكل عام، ومن المؤكد أن هشام عشماوي كان ضرره كبيرا، ولكن نحن اعتدنا على مدار أربعة عقود ماضية أن هذه الجماعات الإرهابية قادرة على إنتاج قيادات لاحقة، لأنه في النهاية إذا كان عشماوي يمثل بالنسبة لهم رمزية كبيرة، إلا أن هذه الجماعات المسلحة لديها قادة ميدانيون يتطورون مع الوقت ويصبحون قادرين على إدارة هذه الجماعات، ففي سيناء مثلا حدث خلال الخمس سنوات الماضية قتل الكثير من قيادات تنظيم «أنصار بيت المقدس»، ومع ذلك وحتى الآن التنظيم لا يزال قادرا على القيام بعمليات إرهابية، والتي كان آخرها عمليات خلال الأسابيع الماضية، وهذه الجماعات أيضا لديها القدرة على تجديد القيادات، فقد رأينا أسامة بن لادن، والظواهري، وأبو بكر البغدادي، وقادة آخرين غيرهم، فهؤلاء يمارسون أسلوب حرب العصابات، والتي تقوم على فكرة عنقودية، نعم هناك رأس مدبر، إنما في النهاية هناك قادة ميدانيون مع الوقت يتمرسون ويصبحون زعماء لاحقين، فحتى على مدار الأربعة عقود الماضية، وفي التنظيمات التي كانت متواجدة في أفغانستان، هذه التنظيمات قادرة على إنتاج قيادات لاحقة، ومعنى هذا أن المواجهة ممتدة، ولكن بالتأكيد القبض على هشام عشماوي، والحكم عليه بالإعدام له تأثيره على الجماعات الإرهابية، إضافة إلى تأمين الصحراء الغربية بشكل أو بآخر، ولكن هذا لا يمنع أن نفاجأ بقيادات لاحقة، لأنه إذا كان عشماوي قد تم الإمساك به والحكم عليه بالإعدام فلا يزال هناك آخرون، وقواعد موجودة، إضافة إلى الفكرة، والمعتقد، والآيديولوجيا موجودة، وقادرة على إفراز آخرين، نعم تقلص الإرهاب وتراجع خلال العامين الماضيين، ولكن فكرة «صفر إرهاب» هذا أمر بعيد المنال في المستقبل القريب.
وأضاف عيد: 
العمليات الإرهابية الآتية عبر الصحراء الغربية تقلصت بشكل كبير نتيجة التدابير الاحترازية، والإجراءات الأمنية المتبعة خلال العامين الماضيين، ولكن ربما يكون هناك حالة «كمون»، لأن الإرهاب مثله مثل الفيروسات، فعندما يكون الطرف الآخر مستنفرا يكمن حتى حدوث حالة ارتخاء، كما كانوا مستنفرين في سيناء 2018، تقريبا الإرهاب توقف تماما، والجيش المصري لا يستطيع أن يظل مستنفرا لأوقات طويلة حيث إنه لديه مهام متعددة في سيناء، بالإضافة إلى المشكلات في الصحراء الغربية، والقطاع الجنوبي، ومع الوقت عندما يحدث تراخٍ ستحدث العمليات الإرهابية الصغيرة من وقت لآخر، فالإرهاب مثله مثل الفيروسات التي تعطيها مضادا حيويا للتخلص منها، ولكنها مع الوقت تتأقلم مع هذا المضاد الحيوي، فهو يكمن وقت استنفار الطرف الآخر، ثم يستعد للانقضاض وقت لحظة ضعف لدى الطرف الآخر أو حدوث حالة تراخٍ، ففكرة «صفر إرهاب» بعيدة تماما، ولا بد أن تظل الأجهزة الأمنية في حالة استنفار، وعليها أن تراقب الموقف عن كثب، إضافة إلى ضرورة إحباط أي عمليات إرهابية مستقبلية، لأن أفراد الجماعات الإرهابية لن ينتهوا بانتهاء عشماوي والـ36 عنصرا الآخرين من عناصر تنظيم بيت المقدس، فأعدادهم بالمئات أو بالآلاف، وربما تكون الأطراف الأخرى التابعة للتنظيمات الإرهابية عمدت لأن تكون في حالة «كمون»، أو إنها تقوم بعمليات تدريب، في محاولة لاستعادة قوتها، وتستعد لجولات لاحقة، ففي المدى القريب العمليات تقلصت وربما تكون تلاشت، أما في المدى المتوسط فأعتقد أن جميع الاحتمالات لا تزال مفتوحة.



 
 الإرهاب باق ما بقي «التمويل»
من جانبه، قال الخبير الاستراتيجي بأكاديمية ناصر العسكرية العليا اللواء محمد سلمان لـ«المجلة»: 
الحكم بإعدام هشام عشماوي، و36 من عناصر تنظيم «أنصار بيت المقدس» لا يمكن أن ينهي الإرهاب القادم عبر الصحراء الغربية، ولكنه يمثل ردعا لمن يفكر في الانضمام لمثل هذه الجماعات، والإرهاب لن ينتهي أبداً طالما وجد التمويل، وحيكت المؤامرات، ونحن في هذه الآونة الأخيرة أصبحت التنظيمات الإرهابية كثيرة، واتجاهاتها متشعبة، ومصادرها متنوعة، فدولة قطر على سبيل المثال تقوم بصرف مئات الملايين من الدولارات لزعزعة استقرار البلاد، وهناك من يملك المال ويقوم بتجنيد هذه العناصر لمواجهة الدولة المصرية بجيشها، وشعبها، ومقدراتها، ولا نستطيع القول إن جميع الإرهابيين أساسا هم «عقائديون»، فهناك عقيدة عند البعض منهم، ولكن أغلب الإرهابيين العاملين على الساحة، وفي الملعب حاليا لا ينتمون لأي عقيدة حتى ولو كانت فاسدة، أو عقيدة تخريبية، هم أساسا مأجورون، فعلى سبيل المثال، عادل حبارة الذي كان أميرا لتنظيم ولاية سيناء، وتم إعدامه منذ عامين، هو في الأساس مجرم جنائي ونفذ أحكاما جنائية، وخرج من السجن وأصبح يقوم بأعمال البلطجة، وفرض السيطرة، وتم إصدار عدة أحكام قضائية بحقه، فهرب إلى سيناء واختطفته الجماعات الإرهابية لإجرامه، وجرأته، واستخدموه في تنفيذ عمليات كثيرة، وفي النهاية أصبح أميرا للتنظيم، وهو لا يفهم أساسا في العقيدة ولم يقرأ في الدين، وكذلك مثل عادل حبارة، ومن على شاكلته، من المتعطلين، وعديمي المهارات، ممن يجدون تمويلا لتنفيذ عمليات إرهابية بمبالغ كبيرة «من الدولارات» فيقوم بعمليات القتل، والحرق والترويع مقابل الحصول على هذه الدولارات، وفي النهاية طالما أن هناك جهات تمول الإرهاب فلن ينتهي الإرهاب، وعلى سبيل المثال، ما يحدث في ليبيا، من يقاتل هناك؟ هم إناس مأجورون يحصلون على المال مقابل الانضواء وراء هذه الجماعات، حتى أصبح أمراء الإرهاب اليوم «مليونيرات»، وفاحت رائحتهم في جميع أرجاء العالم، مثل: عبد الحكيم بالحاج، انظر كيف أصبحت ثروته، فهو يمتلك طائرة خاصة، ويتحرك في أي مكان من العالم، فهل الإرهاب يصنع المال؟ نعم الإرهاب يصنع المال ما دامت هناك دول ترعى الإرهاب وتموله، فالإرهاب الآن أصبح «مهنة من لا مهنة له»، والإرهاب لن ينقطع، أو يتوقف بإعدام عشماوي وعناصر تنظيم بيت المقدس، ولكن الإجراءات الاحترازية التي يقوم بها الجيش المصري، وقوات الأمن في الصحراء الغربية هي إجراءات ضرورية، وتعد إحدى سبل المواجهة، لأنه طالما هناك جريمة فلا بد أن تكون هناك، مواجهة أمنية، ومواجهة قضائية، وتنفيذ العدالة، والقصاص ركن أساسي من أركان العدالة، ولكن لا أستطيع القول إن مجرد تنفيذ الإعدام في حباره، ورفاقة سوف ينهي الإرهاب، فالإرهاب موجود طالما وجد الممول.
 
ضربة قاصمة للإرهاب وداعميه
من جانبه، قال اللواء عادل العمدة الخبير العسكري والاستراتيجي بأكاديمية ناصر العسكرية العليا لـ«المجلة»: 
أولا هناك قضايا تورط فيها هشام عشماوي، وصدرت ضده أحكام كثيرية بالإعدام، ولم تنته جميع قضاياه، والحكم بالإعدام شنقا جاء على اعتبار أنه حوكم أمام محكمة الجنايات، ولكن في النهاية سيتم تنفيذ الحكم في حقه، وبحكم كونه ضابطا سابقا في الجيش، فمن الممكن أن ينفذ الحكم بحقه رميا بالرصاص، ولا نستطيع حتى الآن البت في هذا الموضوع، أما بخصوص، انعكاسات الحكم عليه بالإعدام فهناك نسبة كبيرة جدا من الإرهاب قد تقلصت بعد القبض على عشماوي، لأنه يعتبر قطبا مهما جدا، وعاملا رئيسيا، وعنصرا فاعلا ضمن الجماعات الموجودة في القطاع الغربي، وكان مؤثرا جدا في زعزعة الاستقرار... والقبض عليه، والحكم بإعدامه قلص العمليات الإرهابية القادمة عبر الصحراء الغربية بنسبة كبيرة جدا، حتى أوشكت على أن تنعدم تماما، وبالتالي يعتبر ذلك ضربة قاصمة للإرهابيين، وضربة قاصمة لداعميه، والممولين، والموالين لهم في الداخل والذين يستترون حتى الآن ويستقوون بعشماوي وينفذون مخططاته.
وأضاف العمدة: 
هناك إجراءات احترازية يقوم بها الجيش، وعناصر الأمن في القطاع الغربي لمنع تسلل الإرهاب القادم عبر الصحراء، وهذه الإجراءات تم تفعيلها منذ فترة طويلة جدا، وذلك منذ عام 2011. ومنذ بدء الأزمة الليبية، وهذه الإجراءات الاحترازية، في القطاع الغربي لا تزال موجودة، وبنسبة كبيرة، ولكن الإرهاب قد وجد ضالته على امتداد الحدود مع ليبيا في الأسلحة، والبضائع المهربة، والعملية الشاملة للجيش في عام 2018 كان ضمن عناصرها، والنجاحات التي تمت فيها هي استهداف قرابة 3 آلاف عربة قادمة من الاتجاه الغربي كانت محملة بالأسلحة والذخائر، والبضائع المهربة، والمخدرات، وكان من المستهدف القضاء عليها، وهذا يؤكد على استمرار الإجراءات الاحترازية، كما أن أعمال المجابهة مستمرة، وستظل مستمرة طالما هناك انهيار في الشأن الأمني بالنسبة للجانب الليبي، فالإجراءت الاحترازية متخذه ومستمرة وستظل مستمرة ومكثفة ومتطورة وتواكب المتغيرات، وهذه الإجراءات تتمثل في إحكام السيطرة والغلق ومنع التسلل على طول القطاع الغربي بالكامل، بالإضافة إلى إجراءات متخذه من قبل العناصر الأمنية المعنية، سواء قوات الأمن، والقوات المسلحة، والقيادات التعبوية في المنطقة الغربية، والمنطقة الجنوبية، والقوات الجوية، وعناصر القوات الخاصة للتعامل مع العناصر الإرهابية التي قد تتسلل من الاتجاه الغربي إلى داخل البلاد عبر الصحراء الغربية، وبطبيعة الحال هناك أعمال مادية، وأعمال أمنية، ومعلوماتية تتم داخل العمق الليبي، وبالقطع لا نستطيع التحدث عن الأعمال المادية لأنها تتعلق بخطط العمليات.
 
 كنز استراتيجي من المعلومات
فيما قال العميد حاتم صابر، الخبير العسكري والاستراتيجي لـ«المجلة»: القبض على هشام عشماوي، والحكم بإعدامه هو ضربة قوية جدا للتنظيمات الإرهابية التي تعمل في مواجهة مصر، فعشماوي الذي كون تنظيم «المرابطون» التابع لتنظيم القاعدة «بعد انشقاقه عن تنظيم أنصار بيت المقدس الذي كان يتبع القاعدة فكريا، أيضا وانشق عنها، وأعلن الولاء لتنظيم داعش واعتبر تنظيم داعش أن عشماوي كافر ومرتد... وعشماوي تمت محاسبته على جرائمه التي ارتكبها خلال عمله مع تنظيم أنصار بيت المقدس، ولكنه في ذات الوقت يعتبر ضربة قوية للتنظيمات الإرهابية، كما يعد عشماوي «كنزا استراتيجيا من المعلومات» حيث تم استجوابه بشكل احترافي للدخول إلى مفاتيح التظيمات الإرهابية، كما يعد الحكم بالإعدام بحق عشماوي رسالة واضحة إلى جميع التنظيمات الإرهابية بأن النهاية واحدة.

font change