إثيوبيا تتحدى الشرعية الدولية بـ«سد النهضة»

اللجنة العليا لمياه النيل بالقاهرة في حالة انعقاد دائم... وقلق بشأن تملص أديس أبابا من اتفاقاتها

نهر النيل الأزرق المارّ عبر سد النهضة الإثيوبي الكبير (غيتي)

إثيوبيا تتحدى الشرعية الدولية بـ«سد النهضة»

* رئيس المجلس الأعلى لتنظيم الإعلام المصري: الإثيوبيون قضوا سنوات طويلة يزرعون في عقول شعوبهم أن المصريين سبب معاناتهم وهذا منافٍ للواقع... والموقف الإثيوبي به تعنت وهروب من المسؤولية وعدم قدرة على المواجهة
* وزير الري المصري: أديس أبابا نسفت كل شيء في لحظة واحدة دون مبررات
* وزير التعليم العالي المصري الأسبق: مشكلة السد أصبحت أزمة دولية... والموقف المصري قوي قانونياً وفنياً
* أستاذ علوم سياسية بمعهد الدراسات الأفريقية: جميع الخيارات مطروحة وتقديم احتجاج لمجلس الأمن الدولي أبرزها... ويجب إصدار قرار وقف أعمال البناء أو التخزين
* مصطفى الفقي: ماء النيل حق لكل الدول التي يمر بها

القاهرة: قلق وترقب على المستوى الشعبي بعدما انسحبت وتملصت إثيوبيا من اتفاقاتها مع مصر بشأن سد النهضة وتحرك واسع على المستوى الدولي من قبل الحكومة المصرية برئاسة الدكتور مصطفى مدبولي رئيس مجلس الوزراء المصري، حيث أعلنت اللجنة العليا لمياه النيل بالقاهرة منذ أيام أنها في حالة انعقاد دائم، والتي تتشكل من رئيس مجلس الوزراء، ووزير الموارد المائية والري، وممثلي وزارات: الدفاع، والخارجية، والموارد المائية والري، والمخابرات العامة.
وأعلن مجلس الوزراء المصري أن اللجنة في حالة انعقاد دائم لتقييم الموقف الحالي لمفاوضات سد النهضة، على ضوء المواقف الإثيوبية غير المبررة وتغيبها عن اجتماع واشنطن يومي 27 و28 فبراير (شباط) 2020، والخاص بالاتفاق الذي تم إعداده بناء على جولات المفاوضات التي رعتها الولايات المتحدة الأميركية، وشارك فيها البنك الدولي، على مدار الأشهر الأربعة الماضية، حيث ناقشت اللجنة خطة التحرك المصري في هذا الشأن، من أجل تأمين المصالح المائية المصرية، وحقوق مصر في مياه النيل واتخاذ ما يلزم من إجراءات حياله.
يقول الكاتب المصري، مكرم محمد أحمد، رئيس المجلس الأعلى لتنظيم الإعلام المصري، إن أزمة سد النهضة تحكمها عقدة قديمة، موضحًا أن إثيوبيا اعتقدت على مدار عقود أن المصريين يحتكرون مياه النيل ويريدون الحصول عليها بأكملها دون إشراك دول الحوض وهو ما ينافي الواقع.

رئيس المجلس الأعلى لتنظيم الإعلام، مكرم محمد احمد 



وأضاف رئيس المجلس الأعلى للإعلام المصري أن ما تعتقده إثيوبيا في هذا الأمر غير صحيح وبه افتراءات كثيرة ولم يكن له أي أساس من الصحة، مشيرًا إلى أن كل ما يأتي لمصر من دول حوض النيل جزء محدود جدًا، وغير صحيح أن مصر متغولة وتحصل على كل مياه النيل بمفردها، لافتا إلى أن الإثيوبيين قضوا سنوات طويلة يزرعون في عقول شعوبهم أن المصريين سبب معاناتهم وفقرهم وهم من يقفون ضد طموحاتهم في التنمية ويعتبرون عائقا أمام مشروعاتهم التي يودون إقامتها على نهر النيل، متابعًا أن مصر سمحت بالكثير من المشاريع وإقامة الكثير من السدود في هذه الفترات.
وأشار الكاتب المصري الكبير إلى أن تغذية مثل تلك الشائعات بصفة مستمرة وترسيخ المفاهيم الخاطئة لدى الإثيوبيين بأن المصريين هم سبب فقرهم يعد أحد الأسباب الأساسية التي أدت إلى زيادة تلك العقدة، الموجودة بين مصر وإثيوبيا الآن، لافتًا إلى أن الموقف الإثيوبي به تعنت وهروب من المسؤولية وعدم القدرة على المواجهة وغياب عن الحضور في التفاوض وغياب عن التوقيع رغم توقيع مصر بالأحرف الأولى على الاتفاق الأميركي بشأن سد النهضة، مؤكدًا أن المصريين يحاولون دائمًا تأكيد أن ليس لهم سوى التفاوض والحلول الوسط التي تمكنهم من الوصول إلى توافق مع جيرانهم حول هذه القضايا، مؤكدا أن مصر لم تتحدث عن فرض حل في الموضوع، وإنما هي حلول يتم التوافق عليها.
وزير الري المصري في تصريحات صحافية أكد أن مصر كانت حريصة جدا على نجاح المفاوضات، ولم يتم إصدار أي بيانات مثيرة، مضيفا أن الطرف الإثيوبي كان يخرج بيانات وتسريبات أثناء الاجتماعات.
كما أشار وزير الري المصري إلى أنه فوجئ برفض إثيوبيا للصيغة النهائية التي تم التوصل إليها بشأن السد، مضيفا أن تكملة الاتفاق كانت ستتم خلال الاجتماع الأخير، بالإضافة إلى وضع الرتوش الأخيرة من جانب وزير الخزانة الأميركي، وتنقيح الصياغة النهائية في آخر اجتماع، مؤكدا أن إثيوبيا نسفت كل شيء في لحظة واحدة دون مبررات.
تصريحات الوزير المصري جاءت بالتزامن مع عقد رئيس الوزراء الإثيوبي، آبي أحمد، اجتماعا مع قادة في قوات الدفاع الوطني، لافتا إلى أن ثقته في قواته المسلحة تعززت بعد هذا اللقاء، موجها رسالة على موقع التواصل الاجتماعي «تويتر» للإثيوبيين، دعاهم فيها إلى الوحدة لإنهاء مشروع سد النهضة، قائلا إن شجاعة الشعوب الإثيوبية تتمثل في إكمال سد النهضة الكبير، وجعل إثيوبيا مصدرا للطاقة لجيرانها.
فيما يؤكد الدكتور مفيد شهاب، أستاذ القانون الدولي ورئيس جامعة القاهرة الأسبق ووزير التعليم العالي المصري الأسبق، أن مشكلة مصر مع إثيوبيا بشأن أزمة سد النهضة ستُحل، مؤكدا أن العلاقات مع إثيوبيا لا بد أن تظل طيبة، مضيفا خلال كلمة ألقاها في الصالون الثقافي بنادي قضاة مصر حول التسويات السلمية للنزاعات الدولية، متحدثا عن «نموذج سد النهضة» كمثال، أنه لا يجب أن يتم تعميق جذور الخلافات مع دولة إثيوبيا، مطالبا بتعميق العلاقات التجارية والأكاديمية مع أديس أبابا، مؤكدا أن العلاقات الدولية بها مصالح مشتركة كبيرة.
وأضاف وزير التعليم العالي المصري الأسبق وأستاذ القانون الدولي أن الموقف المصري قانونيا وفنيا قوي في الأزمة، وأن الجانب الفني في مصر هو المتحكم في الموضوع، مشيرا في الوقت ذاته إلى أن إثيوبيا يجب أن تشعر هي الأخرى بأهمية مصر بالنسبة لها، مشددا على ضرورة التحرك في عدة جبهات لكسب الرأي العام الدولي وإظهار أن مصر ليست دولة معادية لإثيوبيا بل تربطهما علاقات تاريخية كبيرة وممتدة.
وأشار الوزير المصري السابق، خلال كلمته بالصالون الثقافي بنادي قضاة مصر، إلى أن أزمة سد النهضة، أصبحت أزمة دولية، خاصة بعد تدخل أطراف غريبة وجديدة فيها بخلاف أصحاب المشكلة، ورغم هذا لم تحل حتى الآن، متمنيا أن تحل دون المساس بحقوق مصر المائية، مشيرا إلى أنه ليس لمصر أن تطالب بزيادة حصتها من مياة النيل بسبب الزيادة في عدد السكان، موضحا أن حصة مصر تشكل 55.5 مليار متر مكعب وجاءت بناء على اتفاقيات بين مصر ودول حوض النيل، مؤكدا أن الاتفاق المبرم بين مصر والسودان عام 1959. جاء لطمأنة السودان بعد تخوفها من بناء مصر للسد العالي وتأثيره عليها، مؤكدا أن هذه الاتفاقية ثنائية منذ سنوات وملزمة لمصر والسودان فقط، أما إثيوبيا فإنها حتى الآن وهي تتفاوض مع مصر لا تريد الاعتراف باتفاقية حصة مصر من المياه.
وبشأن الخيارات المتاحة لمصر، بعد انسحاب الجانب الإثيوبي، يقول الدكتور أيمن شبانة، أستاذ العلوم السياسية بمعهد الدراسات الأفريقية، في تصريحات خاصة لـ«المجلة» إن الخطوة الأولى تحتاج إلى تقديم احتجاج لمجلس الأمن الدولي، وإصدار قرار وقف أعمال البناء أو التخزين، فضلا عن الضغط السياسي على إثيوبيا لتأجيل عملية التخزين حتى يتم التوافق.
وأضاف أستاذ العلوم السياسية أن مصر تحتاج إلى تحرك عاجل تجاه الممارسات الإثيوبية القانونية، معتبرا أن خطر ملء السد دون توافق الدول، يهدد مصر بشكل كبير، موضحا في تصريحاته لـ«المجلة٠ أن إثيوبيا تمارس سياسة ولا تمارس مفاوضات قانونية أو فنية، وقد قدمت مصر كل متطلبات حسن النية، مشيرا إلى أن تقديم احتجاج لمجلس الأمن الدولي يحيله إلى المحكمة الدولية.
وتتفاوض مصر منذ 9 سنوات حول الآثار البيئية والمائية لسد النهضة، الأكبر في أفريقيا، المفترض أن يخزن 73 مليار متر مكعب خلال 3 سنوات، فيما ترفض مصر وتصر على أن يكون وفقًا لحالة النهر وبالتنسيق المشترك لضمان عدم الإضرار بدولتي المصب. ​

 

آبي أحمد، رئيس وزراء إثيوبيا


 
«مرحلة سقوط الحياء»
وصف  الدكتور مصطفى الفقي، مدير مكتبة الإسكندرية، الموقف الإثيوبي المتعنت تجاه قضية سد النهضة بـ«مرحلة سقوط الحياء»، لافتا إلى أن الدولة الاثيوبية تتحدى أميركا والبنك الدولي برفضها التوقيع على الاتفاق، وتقول إن المياه مياهنا والأرض أرضنا وهذا غير حقيقي فالأرض أثيوبية ولكن المياه من حق الشعوب التي تجري فيها وهذا ثابت على مدار التاريخ.
وقال الفقي خلال لقائه بالإعلامي شريف عامر إننا كنا قاب قوسين أو أدنى من توقيع الاتفاق، ولكن فوجئنا بالموقف الإثيوبي، لافتا إلى أن السد لم يتم بناؤه بالأموال الإثيوبية كما يتردد ولكنّ هناك دعما من دول كثيرة ومنها دولة عربية.
وأضاف أن إثيوبيا بدأت بناء السد في وقت صعب بالنسبة لمصر، وكان يمكن التفاهم على بناء السد بين الدولتين.
ووجه مدير مكتبة الإسكندرية انتقادا لكثير من وزراء الري في مصر منذ التسعينات وحتى الآن لموقفهم السلبي تجاه الكثير من المواقف التي تتعلق بمياه النيل، قائلا: «الكثير منهم تعامل بالتقليل من الأمر ومعالجة مشكلة النيل لم تكن حصيفة والآن يقوم الرئيس السيسي بمحاولة حل مشكلة شديدة التعقيد».
وأوضح الفقي، أن الحديث عن مواجهة عربية أفريقية بشأن أزمة سد النهضة أمر ليس صحيحا، متابعا: «الموت بالحرب أفضل من الموت عطشا وليس معنى ذلك أننا سنقوم بالحرب غدا ولكن في نفس الوقت مصر لن تسمح باستمرار الوضع الحالي».
وتوقع مدير مكتبة الإسكندرية، أن تكون الجولة الدبلوماسية المقبلة لمصر في الشمال الأفريقي ويتم إطلاع تلك الدول على ما توصلت إليه هذه المفاوضات والدول العربية الأفريقية لها دور كبير في أفريقيا وعلى رأسها الجزائر والمغرب اللتان من الممكن أن يكون لهما دور في القضية.
وثمن الفقي القرار المصري بنقل المفاوضات من مستوى العلاقات الثنائية إلى المستوى الدولي لتكون المفاوضات علنية، وذلك بعد إدخال الولايات المتحدة الأميركية والبنك الدولي ليكون العالم شاهدا على تلك المفاوضات، لأن الجانب الإثيوبي يدعي أن مصر تريد «التكويش» على كل شيء.
وأشار إلى أن مصر لم تتدخل في شؤون الدول ولا تريد أن تسبب ضررا لأحد، ولكن بالعكس تريد علاقات ثنائية تقوم على التعاون وتبادل المصالح من خلال التعاون وخلق مشروعات قومية مشتركة بين الدول.
وتمنى الفقي العودة إلى طاولة المفاوضات وأن يكون للسودان دور في هذا الشأن.

font change