ما بعد بوتين

الدولة العميقة في روسيا معها مفتاح خلافته

ما بعد بوتين

* إنجاز بوتين الأوحد الأكبر في العقدين اللذين قضاهما في السلطة هو إعادة تمكين النظام البيروقراطي في الدولة
* استطاعت الوزارات ذات السلطة في روسيا تشكيل نوع من «الدولة العميقة» بنفس المعنى الذي يقصده الأتراك والمصريون والباكستانيون عندما يستخدمون هذه العبارة
* تعمل مؤسسات السيلوفيكي باستقلالية كبيرة بمحاذاة المسرحية الديمقراطية في السياسة الروسية
* أحيانا ما يتم تصنيف بوتين مع حكام مستبدين ديماغوغيين مثل فيكتور أوروبان في المجر أو رجب طيب إردوغان في تركيا. فهو مثلهما، يخاطب التقاليد الدينية والثقافية والهوية الوطنية
* وعلى الرغم من أن الدول العميقة تستمر لفترة طويلة، لكنها ليست أبدية. وبين حين وآخر، تسقط الدول العميقة فريسة لصراعات على النفوذ المحلي، وتخسر شعبيتها وهدفها واستقلاليتها ويمكننا أن نسأل جنرالات إردوغان

 
 
من سيحكم روسيا عندما يرحل بوتين؟ 


موسكو: أثار الرئيس الروسي التكهنات في الفترة الأخيرة بخصوص خطط خلافته بعدما اقترح مجموعة من التغييرات الدستورية، والتي مررها البرلمان ، وعقب اختياره ميخائيل ميشوستين رئيسًا جديدًا للوزراء، وهو تكنوقراطي شبه مجهول ترأس جهاز الضرائب في البلاد على مدار أعوام. 
ويتوقع بعض الخبراء أن يتنحى بوتين قبل أن تنتهي فترة رئاسته الرابعة والأخيرة في عام 2024؛ ويؤكد آخرون أنه يأمل في استحداث منصب جديد يسمح له بتجاوز حدود الفترات الرئاسية ويحكم إلى ما لا نهاية. ويتساءل الجميع ما إذا كان ميشوستين بلا أهمية كما يبدو أو أنه الخليفة المنتظر. على أقل تقدير، لا أحد يعرف أي شيء.
أحد أسباب النتائج القليلة التي تسفر عنها التحليلات الكثيرة التي تتناول مستقبل روسيا هي أن الصحافيين ورجال الأعمال والدبلوماسيين والباحثين - وأنا معهم - كثيرًا ما يطرحون الأسئلة الخطأ... نركز كثيرًا للغاية على بوتين نفسه، وعلى شخصيته وثروته ومعدلات شعبيته وخططه السرية. ونبدي اهتمامًا ضئيلاً بالمؤسسات التي تُعَرِف الدولة الروسية اليوم. إن إنجاز بوتين الأوحد الأكبر في العقدين اللذين قضاهما في السلطة – وهو إرثه الحقيقي – هو إعادة تمكين النظام البيروقراطي في الدولة. وهو يسدد الرواتب في وقتها، كما أنه زاد الميزانيات وترك الحكومة تسيطر على نسبة أكبر من الاقتصاد الوطني وغض الطرف عن إساءة استغلال المسؤولين لسلطاتهم. ولا يوجد في هذا الجهاز البيروقراطي شيء أهم من مؤسسة الأمن الوطني، ذلك الجهاز الكبير متعدد الرؤوس المكون من الجيش والاستخبارات ووزارات إنفاذ القانون. ربما تحدد هذه المؤسسات من سيصبح الرئيس القادم لروسيا، بل وكذلك كيف ستبدو السياسة الروسية بعد بوتين.


 
انتقام الدولة العميقة
على مدار عقود قبل انهيار النظام الشيوعي، طمأن المسؤولون السوفيات الأميركيين بأن الأجهزة البيروقراطية في الجيش والاستخبارات وإنفاذ القانون أصبحت محالة بالكامل إلى السلطة «المدنية» في الحزب الشيوعي. ربما يكون الأمر صحيحًا. ولكن حاليًا بعد أن أدار الدولة ضابط سابق في «كي جي بي» (الاستخبارات السوفياتية) ورئيس سابق لأمن الدولة لمدة تجاوزت عشرين عامًا، توجد ضرورة مُلحة لتحديث تلك الصورة عن كيفية عمل النظام.
لننظر إلى ما يمكن أن يحدث إذا توفي بوتين غدًا. ربما تسير عملية خلافته في البداية وفقًا للدستور، والذي ينص على أن يصبح رئيس الوزراء - ميشوستين في هذه الحالة – قائمًا بأعمال الرئيس. وفي غضون 90 يومًا، يتم إجراء انتخابات لاختيار رئيس جديد يتولى الحكم لفترة كاملة مدتها ستة أعوام. ولكن هذا ليس كل ما قد يحدث. بعد توليه منصب القائم بعمل الرئيس بفترة وجيزة، قد يتواصل ميشوستين مع بعض الأشخاص الذين سيحتاج إليهم للفوز بالانتخابات. وقد يكون من بينهم رؤساء ما يطلق عليه الروس «الوزارات ذات السلطة» – وهي وزارتا الداخلية والدفاع - التي كانت تشكل في السابق الحرس الوطني وأجهزة الاستخبارات والأمن. (اعترف ميشوستين ضمنًا بأهمية هذه المؤسسات في أحد أول الإجراءات التي اتخذها عند توليه رئاسة الوزراء – إذ ضاعف رواتب العاملين في إنفاذ القانون المعنيين بالتعامل مع الاضطرابات العامة).
إلى أي شخص على علم بالتاريخ الروسي (أو شاهد الفيلم الكوميدي «وفاة ستالين» الذي تناول نهاية الديكتاتور السوفياتي وما حدث عقبها)، ربما يبدو واضحًا أن الوزارات ذات السلطة سوف تؤدي دورًا مهمًا في أي سيناريو للخلافة. بدءًا من المعلومات المسيئة، وتهديدات خلف الكواليس إلى الهراوات وحتى الدبابات، إنهم يمتلكون الكثير ليقدموه إلى رئيس جديد يسعى إلى تعزيز سلطته. ولكن تأثيرهم يتجاوز كثيرًا عملية الخلافة ذاتها: سوف تعتمد كيفية تطور النظام الروسي بعد بوتين على ما إذا كان الرئيس الجديد – بغض النظر عمن سيكون – سيجعل هذه المؤسسات تفعل ما يرغب فيه أم أنها هي التي ستجعله يفعل ما ترغب فيه.
استطاعت الوزارات ذات السلطة في روسيا تشكيل نوع من «الدولة العميقة» بنفس المعنى الذي يقصده الأتراك والمصريون والباكستانيون عندما يستخدمون هذه العبارة في وصف الدور المتضخم الذي يؤديه العسكريون في بلدانهم. نادرًا ما يتحدث الروس عن الدولة العميقة، لكنهم يتحدثون طوال الوقت عن «السيلوفيكي»، وهو مصطلح يترجمه الخبراء الغربيون إلى «الرجال ذوي البنادق». وهو يشير إلى شبكة من المؤسسات التي يرى قادتها أنهم مسؤولون عن ضمان الاستمرارية السياسية والنظام الاجتماعي (بالإضافة إلى مناصبهم المتميزة في ذلك النظام). تعمل مؤسسات السيلوفيكي باستقلالية كبيرة بمحاذاة المسرحية الديمقراطية في السياسة الروسية. وفي أثناء فترة حكم بوتين الطويلة، استطاعت هذه المؤسسات، بصورة مشروعة أو عن طريق الفساد، الحصول على حصة متزايدة من الموارد والثروة الوطنية. ولم يُفرض عليها مطلقًا تقريبًا أي سلطة «لمدنيين».
أصبح استيعاب دور الدولة العميقة في روسيا أصعب نتيجة لتنازع المفاهيم المتعلقة بما تعنيه «البوتينية». على سبيل المثال، تأثرنا للغاية بالسمات الشعبوية. فأحيانا ما يتم تصنيف بوتين مع حكام مستبدين ديماغوغيين مثل فيكتور أوروبان في المجر أو رجب طيب إردوغان في تركيا. فهو مثلهما، يخاطب التقاليد الدينية والثقافية والهوية الوطنية. ولكن في روسيا، هذه الموضوعات غالبًا صورية، ولها تأثير ضئيل على كيفية إدارة البلاد فعليًا. والمقارنة مع إردوغان تحديدًا غير مناسبة. فمنذ لحظة انتخابه، رأى إردوغان أن الجنرالات ذوي الفكر العلماني في الدولة العميقة يفرضون رقابة غير مقبولة على استقلاليته. وعن طريق الاستقطاب والمواجهة وحتى السجن، كسر شوكتهم إلى درجة كبيرة. في المقابل، أعاد بوتين الدولة العميقة الروسية إلى الحياة بقوة من جديد.
لقد ضللنا بوتين فيما هو أكثر بادعائه إعادة الإدارة في مؤسسات الدولة الروسية باستراتيجية من أعلى إلى أسفل – وهو ما يطلق عليه «رأسية السلطة». فهو يريد أن ينسب له الفضل في التناقض الحاد بين أسلوب إدارته من جهة والفوضى والفشل البيروقراطيين في العهد السابق له من جهة أخرى. ولكن سواء كانت رأسية السلطة الكاملة هدفه أم لا، فمن المستبعد للغاية أن يكون حققها. أدى تمكين البيروقراطيين على جميع مستويات الدولة الروسية إلى الشيء ذاته الذي كان يعنيه على مدار قرون من فرص وفيرة لتكوين إقطاعيات وتجاهل الأوامر الصادرة من أعلى.
ويعترف بوتين من وقت لآخر بحدود سلطته. لقد أمضى أغلب خطاب حالة اتحاد شهر يناير (كانون الثاني)، وهو الخطاب الذي أشار فيه إلى خطته للتعديل الدستوري، شاكيًا من إخفاق وزارات الحكومة في إنفاق ما يكفي من الأموال التي خصصها لما يسمى المشروعات الوطنية (وهي برامج باهظة تختص بالبنية التحتية والتعليم والابتكار الرقمي وغيرها). وكانت النتيجة هي فائض فيدرالي عن عام 2019 بلغ 1.9 في المائة من الناتج المحلي الإجمالي، وهو مبلغ هائل تسبب في بطء النمو الاقتصادي في العام الماضي وأغضب بوتين بالطبع. وكان قد أخبر البيروقراطيين بأنه يرغب في تحفيز مالي كبير. ولكنهم لم يقدموا له ذلك، أيًا كان السبب.
ولا يشتكي بوتين في العموم من أن «السيلوفيكي» يتحدونه بالتأكيد. قد يكون ذلك محرجًا. بيد أننا يجب أن نتساءل عن نطاق نفوذه – وما يعنيه بشأن النظام الذي سوف يحاول خليفته السيطرة عليه. لدينا مثلاً حادث مقتل زعيم المعارضة المعروف بوريس نيمتسوف بطريقة درامية في عام 2015 على جسر خارج الكرملين. أدين قتلة شيشانيون بارتكاب الحادث، ولكن لا يعتقد كثيرون في روسيا وخارجها أنهم مدبرو الحادث الحقيقيون. ولم يرغب أي شخص في جهات إنفاذ القانون الروسية على مختلف مستوياتها في تعقب المسؤولين الأساسيين عن الحادث.
هل يرجع ذلك إلى أن بوتين نفسه هو من أمر بقتله، كما يشير بعض المعلقين الأجانب؟ ربما. ولكن على الأرجح التستر يعكس التنسيق المتبادل المُعقد – وغير السري، بين شرطة موسكو والكثير من المنظمات الإجرامية، ومن بينها المافيا الشيشانية، حيث تقيم الشرطة الروسية علاقات مُعقدة ومُربحة مع المنظمات الإجرامية، ولا ترغب في أن يقاطعها آخرون، ولا حتى بوتين. 
وبالتالي، ربما تصبح مهمة الرئيس الروسي القادم أبعد عن السيطرة على رأسية السلطة منها إلى استيعاب متى يُفَضَل تركها هي وأذرعها الأفقية الكثيرة لشأنها.
تنشأ أسئلة مشابهة عن سيطرة بوتين على الدولة العميقة عن قصة غريبة لتدخل روسيا في سوريا، وهي قصة لا تزال تُحير الكثير من المحللين. في مطلع عام 2018. شنت مجموعة مرتزقة روسية تعرف باسم «فاغنر غروب» هجومًا على وحدات أميركية وكردية في شرق سوريا. وبذلك تجاوزت خط «خفض التصعيد» الذي اتفق عليه مسؤولون عسكريون أميركيون وروس كي يبقوا بعيدين عن طريق بعضهما البعض. عقب تعرض قواتهما للهجوم، حذر القادة الأميركيون نظراءهم الروس من أنهم يعتزمون رد الضربة. وعلى الرغم من العلاقات الشخصية الوثيقة التي تربط بين «فاغنر غروب» والكرملين (حتى إن قائدها يسمى «طباخ بوتين» وتعاقد الشركة مع الحكومة الروسية للقيام بأنشطتها في سوريا)، لم تفعل القيادة العليا للجيش الروسي شيئا لتهدئة المواجهة. ووقعت الضربات الجوية الأميركية العقابية. وبعث تقصير قادة الجيش الروسي في منع قتل كثير من مرتزقة «فاغنر غروب» برسالة واضحة: مهما كانت علاقتنا جيدة مع أشخاص آخرين، يجب أن يبقوا بعيدين عن شؤوننا.
بمجرد أن تتضح المصالح المتضاربة التي تُحرِك أجزاءً مختلفة من الجيش والاستخبارات وأجهزة إنفاذ القانون في روسيا، تجب إعادة النظر في كثير من تصرفات الكرملين وخياراته التي كانت تُنسب لبوتين. في بعض الحالات، يتدخل الرئيس وتكون له السيطرة. وفي حالات أخرى، ربما يختار توجهًا عامًا ولكنه يترك آخرين يتابعون الأمر. وفي حالات أخرى أيضًا، ربما يعرف القليل عما تفعله الدولة العميقة إلى أن تتصدر عملياتهم عناوين الأخبار.
هل هناك أي وسيلة لنعرف أي حالة ينطبق عليها أي تصنيف؟ على سبيل المثال، هل يمكننا القول إن بوتين أصدر أوامره بمحاولة قتل الجاسوس الروسي السابق سيرغي سكريبال وابنته في بريطانيا عام 2018؟ أو هل أخطرته وزارة الدفاع بأن صاروخ كروز الجديد الذي كانت تختبره على مدار العقد الماضي انتهك معاهدة الصواريخ النووية متوسطة المدى الموقعة عام 1987؟ أو ما الذي يعرفه بوتين على وجه التحديد عن اختراق اللجنة الوطنية للحزب الديمقراطي في عام 2016؟
يمكن أن تساعد دلائل مختلفة (وأحيانًا استخبارات فائقة السرية) في الإجابة على هذه الأسئلة، ولكن غالبًا ما يكون على المحللين الاكتفاء بالتخمينات فحسب. 
يسمح الحجم الهائل للوزارات ذات السلطة ومصالحها المتضاربة للمسؤولين الروس على جميع المستويات بالسعي وراء أجنداتهم الشخصية. علاوة على ذلك، أظهر بوتين أنه دائمًا ما يساند رجاله. فليس عليهم القلق بشأن الوقوع في مأزق لمجرد أنهم لم يحصلوا على موافقته مقدمًا. وسواء كانوا يستخدمون سمومًا غريبة أو يسرقون حسابات بريد إلكتروني أو يغتالون سياسيين خارج مكتبه، يعلم أفراد «السيلوفيكي» أن بوتين يقف خلفهم. وسيرغبون في الشيء ذاته ممن يخلفه.
 
المعركة المقبلة
قد يصيب هذا النظام، الذي ظل ثابتًا في موقعه بعد عقدين من حكم بوتين، الانتقال المقبل للسلطة بالاضطراب. تتسم النسخة الروسية بالانقسام الشديد لدرجة عدم إمكانية وجود قائد أو متحدث واحد باسمها، ناهيك عن تنصيب رجل خاص بها في الكرملين. 
الجيش والاستخبارات وأجهزة إنفاذ القانون في روسيا ليس لديها قائد أعلى. بيد أن تعدديتها أيضًا تجعل من الصعب إخضاعها. خاصة في ظل رئيس جديد – والذي من المرجح أن يكون أضعف من بوتين – سوف تستطيع الكثير من المؤسسات الدفاع عن كل من نطاق نفوذها والسيطرة على سياساتها التي تجعل هذا النفوذ ثمينًا للغاية.
وفي حالات متطرفة يمكن أن تتحول المنافسة بين عناصر الدولة العميقة إلى العنف. ولكن حتى إن ظل الصراع سلميًا، قد يكون الثمن الذي يجب على قائد روسيا التالي دفعه للحصول على تأييد «السيلوفيكي» باهظًا. 
قد ترغب الوزارات ذات السلطة في توسعة نفوذها وزيادة ميزانياتها وربما إبداء رأي أكبر في القضايا التي تتجاوز نطاقاتها القائمة. وبالتأكيد يعلم ميشوستين أن قراره بزيادة أجور شرطة الشغب لن يكون آخر حافز يقدمه لوزارات السلطة.
يقدم كل ذلك تحذيرًا لأي شخص سيصبح رئيس روسيا التالي. سيكون من الصعب السيطرة على الدولة العميقة، ولكن الفشل في ذلك سوف يعني القبول بوضع قيود صارمة على سلطات الرئيس. وفي التعامل مع هذا المأزق، سوف يكون على خليفة بوتين عدة خيارات عامة. يمكنه أن يقبل، على الأقل في البداية، بما ستطلبه منه الوزارات ذات السلطة. ويمكنه أن يحاول وضع مؤسسات مختلفة ضد بعضها البعض في محاولة للحصول على مزيد من الاستقلالية لنفسه. أو يمكنه انتهاج بعض من صفقة بوتين التي اقترحها على الأقلية الحاكمة في روسيا بعد أن أصبح رئيسًا في عام 2000: سوف أسمح لكم بإدارة أعمالكم، وأنتم تسمحون لي بإدارة البلاد.
وقد يكون الخيار الأخير هو تحدي الدولة العميقة ومحاولة تقليص حجمها. سيكون هذا الطريق هو الأجرأ والأخطر وربما الأكثر اضطرابًا. ولكن لا يمكن استبعاده. وعلى الرغم من أن الدول العميقة تستمر لفترة طويلة، لكنها ليست أبدية. بين حين وآخر، تسقط الدول العميقة فريسة لصراعات على النفوذ المحلي، وتخسر شعبيتها وهدفها واستقلاليتها (ويمكننا أن نسأل جنرالات إردوغان).
إن التقييم العام الذي يركز أكثر على المؤسسات وأقل على الأشخاص لاستيعاب كيفية عمل النظام الروسي سوف يقدم مؤشرًا أفضل على ما يحمله المستقبل، بل وسيمكن أن يصبح أيضًا جزءًا من استجابة السياسات التي تنتهجها الولايات المتحدة. لقد أدى انشغالنا الكبير ببوتين نفسه – وهو للأسف في الغالب أكثر جهة تحظى بشعبية في نظامه – إلى أننا جميعا سَهَلنا عليه إقناع شعبه بأن الحكومات والمجتمعات الغربية يعادون بلادهم بشدة. وإذا كان هذا ما يعتقده الروس العاديون، فمن غير المرجح أن يتحولوا إلى معارضة الدولة العميقة، حتى إن كانت العنصر الأقل شعبية – والأكثر ضراوة – في البوتينية. عندما يأخذ الروس أنفسهم معارضتنا للسياسات الروسية بجدية أكبر، حينها فقط، يمكنهم أن يثيروا نقاشًا داخليًا ضروريًا من أجل التغيير النهائي للمسار. ومن أجل ذلك، سنحتاج إلى البدء بتقييم هادئ لمؤسسات روسيا، تقييما يمكن أن يستوعبه مواطنوها أنفسهم، ويخاطب مخاوفهم.
 
* ستيفن سيستانوفيتش، هو كبير زملاء جورج إف كينان في دراسات روسيا وأوراسيا في مجلس العلاقات الخارجية، وأستاذ كرسي كاثرين وشيلبي كولوم ديفيس في الدبلوماسية الدولية بكلية الشؤون الدولية والعامة بجامعة كولومبيا (فورين أفيرز).
 

font change