نقد الماضي بعيون الحاضر

نقد الماضي بعيون الحاضر

[caption id="attachment_55237314" align="aligncenter" width="620"]لا تحسبوا كحل الجفون بزينة     إن المها لم تَكْتَحِل بالإثمد لا تحسبوا كحل الجفون بزينة إن المها لم تَكْتَحِل بالإثمد[/caption]



بعض الناس ينتقدون الماضي وكأنهم يعيشون فيه.. ولكي يحسن النقد ويؤتي ثماره، ويغدو نقدا بناء وموضوعيا، لا نقدا هداما متحاملا، ينبغي مراعاة عامل الزمن، وتغير الأفكار والمفاهيم والرؤى، والنضج الإنساني. فلا يصح مثلا أن ننتقد العصر الجاهلي بعقلية القرن الماضي، بل لا يستقيم نقدنا لمرحلة الخمسينات من القرن الماضي بعقلية الزمن الحالي. فالناقد ينبغي أن يحشر عقله في الزمن الذي يريد نقده، ولا يستعرض عضلاته أو عضلات التقدم البشري ذهنيا أو ماديا ويبسطها على مجتمعات درست أو حتى لم تدرس بعد. وفي ثقافتها العربية أناس من هؤلاء النقاد والمتكلمين ممن لا يلتزمون هذه المعايير، ويتخذون من نقد الماضي البعيد وحتى القريب، مادة يملؤون بها أحاديثهم اليومية وكتاباتهم، صابين جام غضبهم على الماضي، ونقده بصورة ساذجة، وكأن هذا الماضي لم ينته بعد، بل كأن هؤلاء يعيشون فيه. فحروب العرب الجاهلية مثلا، وحتى بعد ظهور الإسلام في ما بينهم تتعرض لنقد صارخ، وغير منطقي، وهذا النقد يضفي عليها معايير عصرية وينتقدها الناقدون والمتكلمون من منطلق ذوقي عصري، من دون مراعاة عامل الزمن.

خذ مثلا حرب «داحس والغبراء» أو «حرب البسوس» اللتين يحلو لكثير من المتكلمين تعميم أسبابهما ونتائجهما على الشخصية العربية، واصفين إياها بأنها محبة للانتقام والثأر. ويلومون القبائل المتورطة فيها بأنها دموية وفاتكة وعاشقة للحروب، تقاتلت من أجل ناقة جرباء سنين طوالا، وقادها رهان لحرب دامت أربعين عاما. بل إن هؤلاء يتمادون في النقد إلى أبعد من ذلك في تحامل وجهل..

ولو عدنا إلى الزمن الغابر وتحدثنا عن الشخصية العربية وسيكولوجيتها لوجدنا أن العرب كانوا وديعين في زمنهم الغابر هذا، حيث كانت الحروب تدور من حولهم لأتفه الأسباب، والأمم تتصارع ويسحق بعضها بعضا. وكان الإغريق والفرس والرمان في تطاحن مستمر داخليا وخارجيا. «حرب البسوس» بدأت عام 494، ودامت أربعين عاما وخِيضَت على فترات. ولكن ما بالنا بـ«حرب المائة» عام في أوروبا بين انجلترا وفرنسا التي انتهت قبل 509 أعوام؟! وماذا عن الحروب الدينية فيها أيضا والتي استمرت قرنا وثلث القرن؟!
ينبغي ألا نصب اللعنات حتى على الجانب المظلم من الماضي، لأننا لا نستطيع أن نقيمه إلا إذا عشنا بعقليته، ولا يمكن لنا أن نعيش بعقليته مهما حاولنا. فعيوننا فتحت في عصر مختلف.

******

كانت العيون من أبرز مقاييس الجمال في الثقافة العربية وبخاصة في الشعر. وكانت العيون النجل والدعج من التعابير المسيطرة على جمال العيون. وتبارى الشعراء في وصف عيون النساء وقارنوها بعيون المها والغزلان.
عيون المها بين الرصافة والجسر
جلبن الهوى من حيث أدري ولا أدري
ونلاحظ هنا أن بعضا من أهل هذا الزمان ينتتقدون الشعراء العرب القدامى في تشبيههم عيون النساء بعيون الحيوان، من دون مراعاة العامل الزمني في هذا الجانب أيضا. وكأنهم بذلك يطبقون معايير زمنهم الحديث هذا على الزمن الماضي. أو بعبارة أكثر وضوحا ينتقدون الماضي بمعايير عصرية. وهو أمر يثير السخرية، ويفتقد المصداقية.

***

يقولون في العين:
عين عرفت فذرفت. وهو مثل يضرب عندما يعرف الإنسان حقيقة الأمر.
العين عبرى والفؤاد في دد. وهو مثل يضرب في الرياء. أي أن يتظاهر الإنسان بالبكاء، وقلبه مبتهج.
ويقولون: عين الهوى لا تَصدُق.
ورب عين أنم من لسان.. نعم رب عين أنم من لسان!
و«بعين ما أرينّك». وهو من كلام العرب المعروف سماعا من غير أن يدل لفظه عليه.
والعين قد تخالف ما في القلب، كما في قول الشاعر:
حشايَ على جمرٍ ذكيٍ من الهـوى
وعينايَ في روضٍ من الحسنِ ترتعُ

وكان العرب يقولون في حدة البصر
«أبصر من عقاب». و«أبصر من نسر». و«أبصر من زرقاء اليمامة».

***


[caption id="attachment_55237315" align="alignright" width="300"]إن العيون التي في طرفها حور    قتلننا ثم لم يحيين قتلانا إن العيون التي في طرفها حور قتلننا ثم لم يحيين قتلانا[/caption]

المُقْلة بضم الميم: شَحْمة العين التي تجمع السوادَ والبياضَ، أو هي الحَدَقة؛ وإِنما سميت مُقْلة، لأَنها تَرْمِي بالنظر. وليس بالضرورة أن تطلق لفظة المقلة على العين البشرية أو الحيوانية. نقول مقلة الشمس مثلا.

الدَّعَجُ في العَيْنُ أنْ تَكُونَ شَدِيدَةَ السَّوَادِ مَعَ سَعَةِ المُقْلَةِ، تقول عين دعجاء وعينان دعجاوان.
ألعينيكِ تبدّى وخطــر
ينشر الضوءَ على التلّ القمرْ
النَّجَلُ سَعَتُها تقول عين نجلاء وعينان نجلاوان، وأعين نجل.
والبَرَجُ في العين شِدَةُ سَوَادِهَا وَشِدَّةُ بَيَاضِهَا.

***

الكَحَلُ في العين سَوَاد جُفُونِهَا مِنْ غَيْرِ كُحْل
قال المتنبي:
ألم ير هذا الليل عينيك رؤيتي
فتظهرَ فيه رقة ونحول
وقال البوصيري:
لا تحسبوا كحل الجفون بزينة
إن المها لم تَكْتَحِل بالإثمد
أما الحَوَرُ فهو اتِّسَاعُ سَوَادِهَا:
إن العيون التي في طرفها حور
قتلننا ثم لم يحيين قتلانا
الوطَفُ: كثرة شعر الحاجبين والعينين والأَشفار مع اسْترخاء وطول، تقول: رجل أَوْطَفُ بيِّن الوَطَف وامرأَة وطْفاء، إذا كانا كثيري شعرِ أَهداب العين.
وسحابَةٌ وَطْفاءُ: إذا كانت مُسترخية الجوانب لكثرة مائها.
والشُهْلَةُ في العين حُمْرَة في سَوَادِهَا.
font change