الشعائر الدينية في زمن كورونا... حفظ النفس أولاً

تعليق صلاة الجمعة والجماعة في كثير من الدول كإجراء احترازي

منظر جوي يظهر منطقة الرخام الأبيض المحيطة بالكعبة في المسجد الحرام بمكة المكرمة خالية تماماً من المصلّين (غيتي)

الشعائر الدينية في زمن كورونا... حفظ النفس أولاً

* كبار العلماء: يجوز إيقاف صلاة الجمعة والجماعة لجميع الفروض في المساجد والاكتفاء برفع الأذان
* الأزهر: حماية النفس وصحة الأبدان من أعظم المقاصد الشرعية
* وكيل الأزهر السابق: إذا انتشر الوباء يجب تطبيق الحجر الصحي الذي عرفه المسلمون قديمًا عند انتشار الطاعون
* أمين الفتوى بدار الإفتاء المصرية: الكوارث الطبيعية والأوبئة من الأعذار الشرعية التي تبيح تجنب المواطنين حضور صلاة الجماعة والجمعة
* مجمع البحوث الإسلامية: يجب على ولي الأمر منع الناس من التجمعات كالصلوات والعمرة

القاهرة: عمد العلماء المسلمون في كثير من الدول إلى تعليق صلاة الجمعة والجماعة في المساجد، كإجراء احترازي لمنع انتشار فيروس كورونا، بالإضافة إلى قرار المملكة العربية السعودية بتعليق العمرة، بهدف سلامة قاصدي الحرم المكي، وقالت هيئة كبار العلماء في السعودية إنها اطلعت على التقارير الطبية الموثقة المتعلقة بهذه الجائحة الشاملة، وخطورتها المتمثلة في سرعة انتقال عدواها بين الناس بما يهدّد أرواحهم، وإذا لم تكن هناك تدابير احترازية شاملة دون استثناء فإن الخطورة ستكون مضاعفة، خاصة أن التجمعات تعتبر السبب الرئيسي في انتقال العدوى، لذلك فإنه «يجوز شرعًا إيقاف صلاة الجمعة والجماعة لجميع الفروض في المساجد والاكتفاء برفع الأذان»، وعندئذ فإن شعيرة الأذان ترفع في المساجد، ويقال في الأذان: «صلوا في بيوتكم».
 
الوقاية من الضرر
واتفق مع الرأي الشرعي في المملكة العربية السعودية، موقف هيئة كبار العلماء بالأزهر الشريف، حيث أصدرت فتوى رسمية بجواز إيقاف صلوات الجماعة، لحماية المواطنين من فيروس كورونا. وقالت الهيئة، إنها انطلاقًا من مسؤوليتها الشرعية، تحيط المسؤولين في كافة الأرجاء علمًا بأنه يجوز شرعا إيقاف الجمع والجماعات في البلاد؛ خوفا من تفشي الفيروس وانتشاره والفتك بالبلاد والعباد. كما يتعين وجوبا على المرضى وكبار السن البقاء في منازلهم، والالتزام بالإجراءات الاحترازية التي تعلن عنها السلطات المختصة في كل دولة، وعدم الخروج لصلاة الجمعة أو الجماعة؛ بعد ما تقرر طبيا، وثبت من الإحصاءات الرسمية انتشار هذا المرض وتسببه في وفيات الكثيرين في العالم، ويكفي في تقدير خطر هذا الوباء غلبة الظن والشواهد، كارتفاع نسبة المصابين، واحتمال العدوى، وتطور الفيروس، ويجب على المسؤولين في كل دولة بذل كل الجهود الممكنة، واتخاذ الأساليب الاحترازية والوقائية لمنع انتشار الفيروس.
وأوضحت الهيئة أن القول الشرعي هو أنه «يجوز شرعا للدولة متى رأت أن التجمع لأداء صلاة الجمعة أو الجماعة سوف يؤدي إلى انتشار هذا الفيروس الخطير أن توقفهما مؤقتا. ودعت الهيئة المسلمين حول العالم إلى المحافظة على الصلاة والتضرع إلى الله تعالى بالدعاء، ودعم المرضى ومساعدتهم، والإكثار من أعمال البر والخير؛ من أجل أن يرفع الله البلاء عن العالم، وأن يحفظ بلادنا والناس جميعا من هذا الوباء».
 
دفع الأذى
وقائمة الدول التي منعت صلاة الجمعة والجماعة، تطول لتشمل معظم الدول العربية، والدول الأوروبية التي تعاني من انتشار الفيروس، ففي العراق قال المجلس الإفتائي العراقي الأعلى في بيان له: «في مثل هذه الظروف الطارئة يراعي الفقهاء في أحكامهم النوازل التي تنزل بالناس، وذلك بما يدفع عنهم الأذى ويحفظ أرواحهم». 
وأشار إلى أنه ثبت أن هذا المرض من الأمراض المعدية، وأنه قابل للانتشار، وتقرر طبيا أن التجمعات سبب أساسي في نقل المرض وانتشاره، مؤكدًا أنه «لا مانع شرعًا من تعليق صلاة الجمعة والاكتفاء بصلاة الظهر في البيوت حتى تنجلي الكربة».
وفي الإمارات، قررت الهيئة الوطنية لإدارة الطوارئ والأزمات والكوارث والهيئة العامة للشؤون الإسلامية والأوقاف بالتنسيق مع الجهات الدينية والصحية الاتحادية والمحلية تعليق الصلاة في المساجد والمصليات ودور العبادة ومرافقها في جميع أنحاء الدولة، وذلك تطبيقًا للإجراءات الاحترازية والوقائية التي اتخذتها دولة الإمارات في مواجهة فيروس كورونا المستجد «كوفيد-19»، والتزامًا بالمسؤولية الوطنية والإنسانية واستنادًا إلى تعليمات وزارة الصحة ووقاية المجتمع وفتوى مجلس الإمارات للإفتاء الشرعي، بالتنسيق مع الجهات الدينية والصحية الاتحادية والمحلية.

 

عدد قليل من الناس يسيرون على مقربة من الجامع الأزهر المغلق لتجنب التجمعات بعد جائحة فيروس كورونا، في العاصمة المصرية القاهرة (غيتي)


 
إيقاف الشعائر
وفي ليبيا أوقفت الهيئة العامة للأوقاف الليبية، شعائر الصلوات الخمس وصلاة الجمعة في المساجد، حتى إشعار آخر، بسبب عدوى فيروس كورونا المستجد. وجاء في بيان الهيئة الليبية: «بناءً على ما جاء في تقديرات أهل العلم المشار إليها، فإنها تعلن عزمها على الدعوة إلى إقامة الصلوات في المنازل». وأضاف البيان: «إيقاف إقامة شعائر الصلوات الخمس وصلاة الجمعة في المساجد إلى أن يرفع الله البلاء عنا».
وفي المغرب فإن المجلس العلمي الأعلى بالمغرب، قرر غلق جميع المساجد كإجراءٍ وقائي في إطار مكافحة انتشار فيروس كورونا المستجد، وتزامن إعلان المغرب مع إعلان إدارة الشؤون الدينية التركية تعليق صلاة الجماعة في المساجد، إلى أن ينحسر خطر فيروس كورونا.
وأعلنت وزارة الأوقاف والشؤون الإسلامية في الكويت وقف خطبة وصلاة الجمعة والصلوات الخمس جماعة في مساجد البلاد، حتى إشعار آخر؛ وهو نفس القرار الذي أصدرته السلطات في الجزائر والتي أعلنت إغلاق كل المساجد وتعليق صلاة الجماعة بما فيها صلاة الجمعة.
وأعلن رئيس الوزراء الأردني عمر الرزاز تعليق الصلاة في المساجد والكنائس. وفي فلسطين، أعلنت دائرة الأوقاف الإسلامية في القدس إغلاق المصليات المسقوفة داخل المسجد الأقصى «كإجراء وقائي» لمنع انتشار فيروس كورونا المستجد.
وأغلقت إيران 4 مواقع دينية رئيسية في أنحاء البلاد، كتدبير وقائي للحدّ من تفشي فيروس كورونا المستجد، كما أغلقت الحضرة الرضوية في مشهد عاصمة محافظة خراسان وثاني أكبر مدن إيران أمام الزوّار بأمر من السلطات.
وقررت السلطات الألمانية إلغاء الصلوات الجماعية لكل الأديان، خوفًا من انتشار الفيروس الذي أضحت القارة العجوز إحدى بؤره، بعد أن سجلت أعلى نسبة إصابات بعد الصين. وأصدر مجلس الافتاء في مجلس الأئمه الأسترالي فتوى رسميه أجاز فيها الصلاه في البيوت لمواجهة تفشي فيروس كورونا.
 
خطر محدق
وأكد الدكتور عباس شومان، وكيل الأزهر السابق، أن حفظ حياة الناس مقصد من مقاصد الشريعة، ولذا جاءت بجملة من التدابير التي تكفل حماية هذا الحق، فحرمت الاعتداء على النفس البشرية، لذا فإنه يلزم الحكومات والدول العمل على حفظ أرواح مواطنيها، وأضاف: «إذا انتشر وباء كان لازمًا تطبيق ما يعرف بالحجر الصحي الذي عرفه المسلمون في الصدر الأول من إسلامنا عند اننشار الطاعون حيث منع الناس من الخروج من موطن انتشاره حتى انتهت موجته».
 
عذر شرعي
وقال الشيخ أحمد ممدوح، أمين الفتوى بدار الإفتاء المصرية، إن «الإسلام أجاز الصلاة في البيوت في حالة الكوارث الطبيعية كالسيول والعواصف، وكذلك في حالة انتشار الأوبئة والأمراض المعدية، لذلك فإن لولي الأمر الحق في إصدرار قرار بمنع التجمعات الدينية والشعائر والصلوات التي يخشى من إقامتها في المساجد انتشار عدوى فيروس كورونا».
وأوضح أن الإسلام أرسى مبادئ الحجر الصحي، وقرر وجوب الأخذ بالإجراءات الوقائية في حالة تفشي الأوبئة وانتشار الأمراض العامة، مشيرًا إلى تشديد الإسلام على الإجراءات الوقائية من ضرورة تجنب الأسباب المؤذية، والابتعاد عنها ما أمكن، والتحصين بالأدوية والأمصال الوقائية، وعدم مجاورة المرضى.
وأكد أن الكوارث الطبيعية والأوبئة تعتبر من الأعذار الشرعية التي تبيح تجنب المواطنين حضور صلاة الجماعة والجمعة في المساجد والصلاة في بيوتهم أو أماكنهم التي يوجدون بها كرخصة شرعية وكإجراء احترازي للحد من تعرض الناس للمخاطر وانتشار الأمراض، خاصة كبار السن والأطفال.
وشدد على حرمة وجود من أصيب بمرض معد أو يشتبه بإصابته في الأماكن والمواصلات العامة، بل والذهاب في هذه الحالة إلى المسجد لحضور صلاة الجماعة أو صلاة الجمعة، مع ضرورة التزام المواطنين بالتعليمات الصحية والوقائية التي تقررها وزارة الصحة والمؤسسات المعنية.
وأكد الدكتور فهمي غنيم عضو الفتوى بمجمع البحوث الإسلامية بالقاهرة أن الدين الإسلامي وضع الحدود لحفظ النفس، والشريعة الإسلامية واضحة وصريحة ومنعت كل ما يؤدي لإزهاق أو إرهاق، حيث أباحت الشريعة الإسلامية الصلاة في المنازل دون المساجد حال نزول وعدم قدرة المصلين للذهاب للمساجد، فما بالك في وجود الوباء، لذا يجب على ولي الأمر أن يمنع الناس من التجمعات كالصلوات والعمرة، ومطلق أماكن التجمعات للناس التي قد تؤدي إلى تفشي هذا الوباء.

font change