إجراءات كورونا الصارمة تفرض إيقاعها على العالم

بعد إغلاق الحدود وإيقاف الطيران والسياحة وحظر التجوال

امرأة ترتدي قناع وجه، تسير أمام لوحة عرض سوق الأوراق المالية والتي تظهر نتائج مؤشر هانغ سنغ في هونغ كونغ-الصين (غيتي)

إجراءات كورونا الصارمة تفرض إيقاعها على العالم

* البنك الأوروبي المركزي يُبقي على نسبة الفائدة ويدعم الاقتراض بمقدار 120 مليار يورو
* شلل في النقل العالمي وإغلاق الحدود وإيقاف الطيران
* محاولات حثيثة في ألمانيا لتطوير عقار مضاد للفيروس
* البنوك المركزية في السعودية ومصر والإمارات والأردن تطلق برامج تحفيزية لمواجهة الأزمة ودعم القطاع الخاص
* إجراءات صارمة تفرضها الدول على التجمعات للحد من انتشار الفيروس
* إلغاء دورة الألعاب الأولمبية في اليابان
* تأجيل الدوريات وشكوك حول موعد استئناف المباريات

القاهرة: تسارعت وتيرة الإجراءات الصارمة التي فرضتها معظم دول العالم وذلك في محاولات مستمرة للحد من انتشار فيروس كورونا بين مواطنيها ولوقف حالة زحف الفيروس من الخارج إلى أراضيها، بعد حصد الفيروس - وبحسب إحصاءات رسمية - لأرواح ما يزيد على 44ألف شخص من بين إجمالي حالات الإصابة التي وصلت حتى الأربعاء الماضي إلى ما يقارب 890ألف مصاب بالفيروس، بحسب إعلان الدول عن عدد المصابين، وسط تقارير إعلامية عن عمل أحد المختبرات الألمانية لتطوير عقار لعلاج الفيروس، وتشابهت إلى حد بعيد الإجراءات التي اتخذتها دول كثيرة، وذلك لتخفيف وقع انتشار الفيروس، بدءًا من إيقاف رحلات الطيران وإلغاء الآلاف من الرحلات السياحية، وقام الاتحاد الدولي للسياحة في ألمانيا بتعليق نشاطه بالنسبة للرحلات السياحية المجدولة سلفا، هذا بالإضافة لعمليات إغلاق الحدود البرية والبحرية والجوية والسماح فقط بحركة دخول البضائع، ومنع التجمعات وإغلاق المولات التجارية والمقاهي، ووصولا إلى فرض منع التجوال في بعض الدول للحد من انتشار الفيروس، هذا بالإضافة لكثير من الإجراءات البنكية الكفيلة بمنع تردد العملاء على مقار البنوك، وتأجيل أقساط القروض لعدة أشهر وصلت إلى ستة في بعض الدول، وتأجيل أقساط الشركات الصغيرة والمتوسطة، وكذلك الحد من استخدام ماكينات الصراف الآلي وذلك لمنع انتشار العدوى عن طريق اللمس، وغيرها من الإجراءات الكفيلة بالحد من انتشار الفيروس، فيما أعلنت منظمة الصحة العالمية أن أوروبا أصبحت «بؤرة» للوباء عالميا، وفرض الاتحاد الأوروبي حظرا على تصدير تجهيزات الحماية الطبية لضمان توفرها بشكل كاف داخل أراضيها.
 
سياسة موحدة
ورغم تشابه الإجراءات التي قامت بها كثير من الدول الأوروبية، فإن الاتحاد الأوروبي لم يفرض سياسة موحدة على جميع الدول الأعضاء، ولم يقم البنك المركزي الأوروبي بخفض الفائدة رغم التوقعات السلبية لأسواق المال الأوروبية معلنا إجراءات لدعم عمليات الاقتراض بمقدار 120 مليار يورو وسط توقعات بانخفاض الناتج المحلي الأوروبي جراء الأزمة.
وأعلن الرئيس الفرنسي ماكرون إغلاق الاتحاد الأوروبي لحدوده الخارجية كاملة لمدة شهر وتعليق الرحلات بين العالم الخارجي ودول الاتحاد بهدف الحد من انتشار الفيروس، وأغلقت ألمانيا حدودها مع كل من فرنسا وسويسرا والنمسا والدنمارك، ونصحت مواطنيها بتجنب السفر إلى مناطق الخطر التي حددتها بإيطاليا وإقليم خوبي الصيني، وكوريا الجنوبية، وفرض الرئيس الأميركي دونالد ترامب حظرا للسفر على مواطني أوروبا القادمين إلى الولايات المتحدة الأميركية باستثناء مواطني المملكة المتحدة، وأعلنت وزارة الدفاع الأميركية (البنتاغون) وضع وزير الدفاع الأميركي مارك إسبر ونائبه في الحجر الصحي بسبب كورونا، كما أعلنت عن وجود 37 إصابة لموظفي الوزارة بالفيروس، وقامت الحكومة الألمانية بتفعيل حزمة مالية جديدة للشركات، وقامت بتسهيل القواعد الخاصة بالعقود قصيرة الأجل تخفيفًا على أصحاب العمل.

 

شاشة تعرض رحلات تم إلغاؤها، مع تقليص شركات الطيران مساراتها وسط انتشار فيروس كورونا، في مطار سوفارنابومي-بانكوك-تايلاند (غيتي)


 
مصارف مركزية
وعلى المستوى الأعلى، أعلنت كثير من المصارف المركزية حالة الطوارئ، وقام البنك الفيدرالي الأميركي بخفض الفائدة إلى ما يقرب من الصفر وأطلق برنامجا تحفيزيا بقيمة 700 مليار دولار لحماية الاقتصاد من تداعيات الأزمة التي وصفها جيروم باول رئيس المجلس الاحتياطي الفيدرالي الأميركي بأن تأثيرها «عميق» على الاقتصاد، ويعد هذا التخفيض الأول خارج الاجتماع الدوري المنتظم للمجلس الاحتياطي الفيدرالي منذ الأزمة المالية عام 2008 وسط حالة التخوف من الركود العالمي.
وضمن خطة مضادة للتداعيات الاقتصادية للفيروس وفي محاولة لدعم استقرار الأسواق المالية، أعلن البنك المركزي الياباني مضاعفة برنامج شراء أصول الصناديق في البورصة لترتفع إلى نحو 113 مليار دولار، وكذلك صناديق الأصول العقارية إلى 17 مليار دولار، معلنا كذلك عن حزمة من الإجراءات الإضافية لتمويل الشركات الصغيرة والمتوسطة، ورغم ذلك وصف المركزي الياباني النشاط الاقتصادي في البلاد بالضعيف نتيجة الأزمة.
ومن جانبها، أعلن عدد من البنوك المركزية في السعودية ومصر والإمارات والأردن عن إطلاق عدد من الإجراءات التحفيزية لمواجهة تداعيات فيروس كورونا عقب الإجراءات المتعلقة بتعليق الرحلات الجوية ومنع الانتقال ومنع التجمعات في الأماكن المفتوحة والمغلقة، وإغلاق المدارس والجامعات والمطاعم والمقاهي، والمجمعات التجارية باستثناء المطاعم ومناشدة المواطنين الحد من التنقل، وضرورة البقاء في المنازل للحد من انتشار الفيروس، وأعلنت المملكة العربية السعودية عن توفير 50 مليار ريال (نحو 13.33 مليار دولار) لدعم القطاع الخاص، فيما أعلنت الحكومة المصرية تخصيص 100 مليار جنيه (نحو 6.41 مليار دولار) لمواجهة تداعيات أزمة كورونا، وأعلنت الحكومة الأردنية تخصيص 550 مليون دولار لنفس الغرض، وأعلنت دبي الإغلاق المؤقت لأربعة من المتنزهات والوجهات السياحية الرئيسية حتى نهاية شهر مارس (آذار) الجاري، وذلك من منطلق الحرص على صحة وسلامة الرواد والموظفين.
 
تراجع صيني وتدهور أوروبي
وألقت الأزمة الصحية بظلالها على اقتصاد الصين منشأ الوباء العالمي التي أعلنت أول تراجع لإنتاجها الصناعي منذ ما يقرب من ثلاثين عاما، يضاف إلى ذلك تأثر مبيعات التجزئة لديها بشكل كبير، فيما استأنفت مدينة شينغيانغ، شمال غربي الصين، عمليات الإنتاج بشكل كامل حيث لم تسجل المنطقة أي حالة إصابة جديدة لعدة أيام متتالية، وفي مقابل تراجع معدلات الإصابة بالفيروس في الصين، ترتفع في نفس الوقت بوتيرة مقلقة عدد حالات الوفيات في أوروبا، معظمهم في إيطاليا، الأكثر تضررا، والتي سجلت أكبر عدد من الوفيات في العالم.
وجاءت إسبانيا في المركز الثاني أوروبياً من حيث عدد الإصابات والوفيات جراء الفيروس، وفرضت حالة الطوارئ وطلبت من مواطنيها عدم مغادرة المنازل بعد أن تدهورت الأمور لديها وزيادة عدد الوفيات.
يبدو أن الصين استطاعت السيطرة بشكل كبير على الوضع لديها، فيما فشلت أوروبا في ذلك، وهو ما عبر عنه جيروم سالومون مدير عام شؤون الصحة الفرنسي الذي وصف الوضع في بلاده وفي أوروبا بوجه عام بالمقلق جدا ويتدهور بسرعة كبيرة والذي وصل لتضاعف عدد الحالات كل ثلاثة أيام، وهو ما دعا السلطات في فرنسا وعدد من الدول الأوروبية إلى إغلاق المطاعم والحانات والملاهي الليلية والمدارس والجامعات ودور السينما بعد الارتفاع المطرد في حالات الوفاة والإصابة، وهو ما قامت به كثير من الولايات الأميركية أيضا.
وتسبب قرار وقف الرحلات إلى دول أوروبا في تكدس مئات الفرنسيين في مطار مراكش من دون وجهة أو طائرات تقلهم إلى بلدانهم، وقامت السلطات الفرنسية بترتيب رحلات جوية طارئة لإعادة مواطنيها العالقين بسبب الإجراءات المفروضة على حظر الطيران، وطلبت السلطات الفرنسية من نظيراتها المغربية مساعدة العالقين الفرنسيين.
وأعلنت دول أخرى عن إغلاق المساجد، فيما أعلن الفاتيكان عن إقامة صلوات واحتفالات عيد الفصح التي تتم في ساحة القديس بطرس من دون مشاركة المواطنين، وستكون كل الصلوات خلال البث المباشر، وقام البابا فرنسيس بالصلاة في كاتدرائية سانتا ماريا بهدف صرف الوباء عن إيطاليا والعالم.
 
الأولمبياد مؤجل بأمر من كورونا
حالة الهلع من تواصل انتشار الفيروس وتأثيره العالمي امتدت إلى النشاط الرياضي عالميا حيث أصبحت الفعاليات الرياضية الكبرى مهددة، ولم يقتصر الأمر على إقامة المباريات من دون جماهير، بل امتد الأمر إلى تأجيل دورة الألعاب الأولمبية (طوكيو 2020) التي تستضيفها اليابان العام الحالي.
وأعلنت اللجنة الأولمبية الدولية واللجنة المنظمة لدورة الألعاب الأولمبية القادمة (طوكيو 2020) تأجيل فعاليات هذه النسخة من الدورات الأولمبية رسميًا لمدة عام بسبب تفشي فيروس «كورونا» المستجد في أماكن عدة بالعالم. لتكون بذلك المرة الأولى منذ 1944 التي يتم فيها تأجيل دورة أولمبية، والمرة الأولى في تاريخ الدورات الأولمبية الحديثة الذي يمتد 124 عامًا، التي يتم فيها تأجيل دورة مقررة بالفعل.
وأوضح بيان اللجنة الأولمبية الدولية أن الهدف من التأجيل هو حماية صحة وسلامة الرياضيين وجميع المشاركين في الألعاب الأولمبية والمجتمع الدولي، وقدرت التكلفة التي تكبدتها اليابان للتجهيز للحدث الأولمبي بنحو 13 مليار دولار.
الاقتصاد الياباني لم يكن أقل قلقا من الرياضة، حيث تأثرت سوق الأسهم اليابانية بالسلب نتيجة مخاوف من عدم إعلان الدول السبع الصناعية الكبرى عن رد فعل مجمع وموحد تجاه تأثير كورونا على الاقتصاد، وتأثرت أسهم بعض الشركات اليابانية، وانخفضت أسهم بعض منها بنسب تتراوح من 3 في المائة إلى ما يقارب 5 في المائة، وهذا لم يمنع ارتفاع أسهم شركات أخرى إلى ما بين 1.02 في المائة إلى 4.68 في المائة.


 

موظف في القطاع الصحي في مختبر بولاية بادن فورتمبيرغ، جنوبي ألمانيا، ينفذ تجارب متعلقة بفيروس كورونا (غيتي)


 
دوريات أوروبية
التداعيات المتسارعة ألقت بظلالها على الدوريات الأوروبية التي أجلت نشاطها، حيث أعلن رئيس الوزراء الإيطالي، جوسيبي كونتي، تعليق الأحداث الرياضية ومن بينها مباريات الدوري الإيطالي لكرة القدم «الكالتشيو» لمكافحة تفشي كورونا المستجد.
 
وقال كونتي في مؤتمر صحافي: «لا توجد أسباب لاستمرار المباريات والأحداث الرياضية وأنا أعني دوري كرة القدم. أنا آسف، لكن يتعين على جميع أنصار اللعبة (تيفوزي) أن يأخذوا علما بذلك».
وكان داميانو توماسي رئيس رابطة اللاعبين الإيطالية قد لمح في وقت سابق لاستحالة استئناف منافسات الدوري في شهر أبريل (نيسان) القادم، نظرا لصعوبة الأمر وتعرض 11 من اللاعبين، وعدد من الإداريين للإصابة بكورونا، ووجود 100 شخص من المنظومة في يوفنتوس تحت الحجر الصحي.
كما قرر الاتحاد الأوروبي لكرة القدم (يويفا) تأجيل بطولة كأس أمم أوروبا (يورو 2020) إلى العام المقبل بسبب انتشار وباء فيروس كورونا، وأكد الاتحاد النرويجي أنه تقرر تأجيل البطولة على أن تنطلق يوم 11 يونيو (حزيران) 2021، وتستمر حتى 11 يوليو (تموز) التالي.
 
مختبر ألماني يطور عقارا مضادا للفيروس
وتداولت بعض التقارير الإعلامية طوال منتصف الأسبوع الماضي عمل المختبر الألماني «كيورفاك» على مشروع تطوير لقاح ضد فيروس كورونا، وسعى عدد من الباحثين الألمان لظهور العقار الجديد إلى النور، وأشارت التقارير إلى محاولات الرئيس الأميركي دونالد ترامب لوضع يده على المختبر الألماني من خلال إغرائه بالمال بعرض مالي كبير وصل لمليار دولار كحزمة استثمارية في مقابل الحصول على العقار حصريا، وذلك بعد تأكيدات العلماء الألمان أن ما يفصلهم عن عرض المشروع هو أشهر قليلة، وأشارت صحف ألمانية إلى محاولات الرئيس الأميركي جذب العلماء الألمان من خلال عرض ملايين الدولارات عليهم، وهو ما رفضته شركة «كيورفاك» التي أكدت أن أي عقار سيتم التوصل إليه ستتم مشاركته مع العالم كله، وهي الخطوة التي لاقت استحسان وزير الاقتصاد الألماني، ولمح مكتبه إلى إمكانية معارضة أي مشروع استثمار يتعلق بأمور استراتيجية في ألمانيا، وإمكان الحكومة الألمانية التدقيق في أي عملية تهدف لاستحواذ دول أخرى على شركات ألمانية– في إشارة إلى المحاولات الأميركية لشراء الشركة الألمانية– خاصة إذا كان الأمر يتعلق بالمصالح الأمنية الألمانية والأوروبية.
ووصل التخوف العالمي من فيروس كورونا ذروته بعد زيادة انتشاره في غالبية دول العالم، وهو ما جعل منظمة الصحة العالمية تطلق إنذارات الخطر بتحول الفيروس لوباء عالمي، عقب فترة بسيطة من رفع تقييمها لخطورة الفيروس إلى مستوى «مرتفع جدا»، وهو المستوى الأعلى لتقييم المخاطر لدى المنظمة، ووجهت المنظمة نداءات للمجتمع الدولي للتبرع لتمويل مكافحة الفيروس، والعمل على تطبيق إجراءات محكمة للكشف عن الحالات مبكرا وعزل المرضى، وكذلك تتبع الحالات المخالطة للمرضى والتي لم تظهر عليها الأعراض بعد.

font change