كورونا في إيران: مشاكل وتحديات الحجر الصحي

مماطلات حكومية وإهمال... ودعاوى حرب بيولوجية

دراجة نارية تقل أسرة ترتدي بأكملها أقنعة خلال مرورها بالمدينة أثناء تفشي وباء فيروس كورونا (غيتي)

كورونا في إيران: مشاكل وتحديات الحجر الصحي

* انطلق كثير من العوائل الإيرانية في الرحلات النوروزية... ولم يلتزموا بالتوصيات الصحية والتحذيرات بشأن لزوم البقاء في المنازل
* أراد المسؤولون الوصول لمشاركة شعبية واسعة في الانتخابات التشريعية ومسيرات مؤيدة للنظام في ذكرى الثورة وبالتالي لم تكن لديهم الإرادة اللازمة لفرض تدابير صارمة لمنع انتشار الفيروس
* الإحصائيات الرسمية تشير إلى أن دخل أكثر من نصف الأسر في المدن الإيرانية أقل من نفقاتهم
* مسؤول في منظمة الرعاية الاجتماعية في إيران: نتلقى يوميًا اتصالات هاتفية أقصاها 4 آلاف مكالمة بشأن العنف المنزلي خلال فترة الحجر الصحي

طهران: فيما تعلن وزارة الصحة الإيرانية يوميا عن ارتفاع عدد الوفيات الناجمة عن فيروس كورونا في البلاد بالمقارنة مع اليوم الفائت، قالت منظمة الصحة العالمية إن العدد الحقيقي للمصابين بكورونا في إيران قد يكون على الأقل خمسة أضعاف ما تعلنه السلطات.
اضطر مسؤولو الجمهورية الإسلامية إلى الإذعان بانتشار كورونا في إيران بعد أيام من النفي المستمر والكذب والتستر ووفاة مصابين بالفيروس والوتيرة التصاعدية لأعداد المصابين والمتوفين في بداية الأزمة. وفي الوقت الذي فرضت فيه معظم الدول إجراءات مشددة على غرار الحجر الصحي وحظر التجمع وحظر التجول الكلي والجزئي لمواجهة تفشي فيروس كورونا قامت السلطات الإيرانية بالتقليل من خطورة كورونا والتداعيات الناجمة عنها ولمحت عبر سلوكها وأقوالها بأن الظروف ليست استثنائية وأعلنتها بصراحة «ليست هناك خطط لفرض حجر صحي على مدن وبلدات بأكملها».
في الوقت الذي ظهرت فيه أولى الإصابات في مدينة قم الدينية واصلت السلطات الإيرانية الكذب والامتناع عن إعلان الإصابات والوفيات لأسباب سياسية ولم تقدم على عزل هذه المدينة أو إغلاق المراقد الشيعية هناك. والنتيجة في هذه الظروف متوقعة حيث انتشر هذا الفيروس المميت بسرعة في أنحاء البلاد. كما أن صناع القرار في الجمهورية الإسلامية لم يعلنوا عطلة رسمية حتى ليوم واحد في شهر إسفند الذي يصادف أواخر فبراير (شباط) حتى 20 مارس (آذار). (إسفند الشهر الثاني عشر في التقويم الهجري الشمسي الذي يعد التقويم الرسمي الإيراني، يليه فروردين وهو الشهر الأول وبداية السنة الفارسية الجديدة، وتكون البلاد فيه في عطلة رسمية لمدة تتراوح بين 5 أيام إلى أسبوعين). ولم تعلن السلطات حظر التجوال مع بداية العام الفارسي الجديد، حيث يكثر السفر بين المدن والبلدات في أيام العطلة. واستمرت الرحلات بين المدن.
وانطلق كثير من العوائل الإيرانية في الرحلات النوروزية متجهين إلى مدن أخرى للسياحة أو زيارة الأقرباء على غرار الأعوام الماضية ولم يلتزموا بالتوصيات الصحية والتحذيرات بشأن لزوم البقاء في المنازل. وقال وزير الصحة الإيراني سعید نمكي إن نحو 60 في المائة من السكان التزموا بالتوصيات ولم يخرجوا من البيوت ولكن الطرق بين المدن كانت مزدحمة خلال فترة العطلة.
وخلافا للفئات التي لم تلتزم بقاعدة البقاء في المنزل هناك جزء لا بأس به من المواطنين فضلوا الحجر الصحي الذاتي. وأجرت «المجلة» حوارا مع عدد منهم حول فترة العزل والبقاء في المنازل.
وقد أراد مسؤولو الجمهورية الإسلامية الوصول لأهدافهم السياسية المتمثلة في مشاركة شعبية واسعة في الانتخابات التشريعية في فبراير ومسيرات مؤيدة للنظام في ذكرى قيام الثورة في الشهر ذاته وبالتالي لم يكن لديهم الإرادة والعزيمة اللازمة لفرض تدابير صارمة بهدف منع انتشار الفيروس ولجأوا إلى ذريعة «الحرب البيولوجية» ليبرروا بها سلوكهم وعدم كفاءتهم وعجزهم عن اتخاذ إجراءات صارمة بشأن كورونا.
هذا ما يؤكد عليه أحمد وهو موظف مقيم في مدينة كاشان (وسط البلاد) قائلا: «في الوقت الذي أعلنت فيه الدول الأوروبية عن حزمات اقتصادية بمليارات الدولارات لمساعدة الشعوب وأغلقت المدن ومنعت التجول نرى أن السلطات الإيرانية لم تفرض العزل على مدينة قم بذريعة أن قم «شرف الإسلام والنظام» على حد قولهم فحسب، بل إنها لم تغلق الدوائر والمصارف. والنتيجة هي أن السلطات أعطت الضوء الأخضر في الواقع لأكثر من 5.8 مليون مواطن أناني أو غير مهتم للقيام برحلات نوروزية بين المدن وهكذا انطلق أكثر من 8.2 مليون سيارة في الطرق الإيرانية. ولم تبال السلطات بهذه المسألة وهي أن هذا الكم الهائل من البشر قد ينقلون الفيروس إلى المدن التي يزورونها والمدن التي يقطنون فيها. ويكون دور السلطات وهي السبب المباشر في انتشار الفيروس في أنحاء البلاد كالمتفرج وسمعنا خامنئي وهو يحكي لنا عن الحرب البيولوجية التي خطط لها الأعداء وفتنة الجن والإنس».
ومنعت إيران فريقا أرسلته منظمة أطباء بلا حدود بهدف مساعدة المسؤولين على مكافحة كورونا من العمل في إيران مما أثار انتقادات واسعة محليا ودوليا.
وجاء ذلك بعد أن اتهم المرشد آية الله علي خامنئي في خطاب متلفز الولايات المتحدة بأنها «صنعت الفيروس». كما أنه تحدث عن التعاون بين «الجن والإنس» ضد النظام الذي يقوده.

 

وزير خارجية إيران محمد جواد ظريف يتوسط اللجنة الوطنية لمكافحة فيروس كورونا بقناع طبي في طهران - 08 أبريل 2020 (غيتي)


 
العنف المنزلي
ارتفع معدل العنف المنزلي في إيران خلال فترة الحجر المنزلي الطوعي أو الإجباري وذلك بسبب الظروف الاقتصادية الصعبة والضغوط النفسية وغياب مراكز آمنة في هذه الفترة. 
وأفادت الإحصائيات الرسمية بأن دخل أكثر من نصف العائلات القاطنة في المدن أقل من نفقاتها. وقال مساعد الرئيس الإيراني في الشؤون الاقتصادية محمد نهاونديان إن إغلاق الأشغال في إطار مكافحة فيروس كورونا ألحق خسارة بالناتج القومي الإجمالي قدرها 15 في المائة.
وقال أستاذ الاقتصاد في جامعة العلامة طباطبائي، فرشاد مؤمني، لوكالة العمال للأنباء (إيلنا) يوم 31 مارس إن الإحصائيات الرسمية تشير إلى أن دخل أكثر من نصف الأسر في المدن أقل من نفقاتهم.
وارتفع معدل تسريح العمال- نساء ورجالا- الذين يتسلمون أجورهم باليوم بسبب كورونا. ويشكل العزل في البيوت أسوأ كابوس للعمال الذين فقدوا مصدر قوتهم في الوقت الراهن؛ حيث فقد العمال في الأعمال الموسمية في بعض المحافظات ما يتراوح بين 50 و70 في المائة من مصدر قوتهم.
وتقول مرضية التي تعمل في معمل صغير لصناعة الحلويات بأن «السلطات لم تأبه بالطبقة العاملة التي تضطر إلى الذهاب إلى أماكن العمل بسبب الحاجة لكسب المال ولعدم الذهاب إلى النوم وعائلاتهم جائعة. ليس عدد العمال الذين لا يستطيعون البقاء في المنازل بقليل، لأن التزام البيوت يعني الجوع بالنسبة لي ولأمثالي. تسعى السلطات وراء مصالحها بدلا من أن تفكر فينا وتتملص من تقديم المعونات لنا وللشعب».
وأعربت مرضية عن قلقها بشأن الخروج من المنزل للعمل، وقالت: «أشعر بالقلق لأنني قد أصاب بالفيروس. ليس جميع المواطنين موظفين في شركات ومؤسسات حكومية ليستطيعوا طلب الإجازة والبقاء في المنازل. إن عدم ذهاب العمال الذين يتسلمون أجورا يومية مثلي إلى العمل يعني الجوع».
وظهرت الآثار النفسية للحجر المنزلي والتي أدت إلى العنف المنزلي والجنسي وعدم الشعور بالأمان على الآلاف من الأشخاص في كثير من الدول ومنها إيران.
ويتعرض كثير من النساء في العائلات التقليدية خلال فترة الحجر المنزلي إلى مشاكل كثيرة منها العنف والإهمال وسوء المعاملة من قبل الزوج أو عائلته مما قد يؤدي إلى التحقير ويشعل النزاعات العائلية. المرأة هي الحلقة الأضعف في الخلافات العائلية وقد تتعرض لعنف مضاعف بسبب خسارة وظيفتها وما يترتب عليها من مشاكل مالية.
ونقلت وكالة الأنباء الرسمية الإيرانية (إرنا) عن بهزاد وحيد نيا مدير الخدمات الاستشارية والنفسية في منظمة الرعاية الاجتماعية في 31 مارس قوله «نتلقى يوميا اتصالات هاتفية أقصاها 4 آلاف مكالمة بشأن العنف المنزلي خلال فترة الحجر الصحي».
وقالت مرجان التي تلتزم البيت منذ 3 أسابيع بسبب إصابتها بكورونا: «أخلد كل ليلة إلى النوم وأنا أبكي أو غصة في صدري بسبب الضغوط المالية وعدم ذهاب زوجي إلى العمل. إن القلق المتزايد وضغوط عائلة زوجي علي زاد الطين بلة. لقد انتشر الفيروس في الوقت الذي بدأت فيه بإجراءات الانفصال عن زوجي. كنت منهمكة بإجراءات الطلاق والمحاولة للحصول على حق حضانة أولادي. لقد أصبت بكورونا وليس لدي مكان آخر للبقاء فيه. وأضطر تحت هذه الظروف لتحمل سوء معاملة زوجي وقسوة حماتي».
ويقول سعيد وهو صحافي «فري لانس» في صحيفة تابعة لمؤسسة غير حكومية في طهران: «كنت أتجه في صباح أحد الأيام للتبضع. لم تعمل السيارة عند التشغيل بسبب فقدان البطارية للشحن. لم أستطع إيجاد محل للتصليح وشراء البطارية بسبب إغلاق جزء كبير من المحلات. لم أعلم ماذا أفعل ورجعت للبيت».
وأضاف سعيد: «لقد تجاوزت معظم المستشفيات طاقتها الاستيعابية وتواجه المستشفيات نقصا حادا في الأدوية والتجهيزات الطبية. يقول الأطباء يجب على الناس أخذ قضية البقاء في البيوت على محمل الجد لكي لا تبدأ موجة ثانية لتفشي الفيروس. إن عدد المصابين والمتوفين بسبب كورونا أكبر بكثير من الإحصاءات الرسمية وإن السادة الحكام يلفقون الأكاذيب حول كل المشاكل للحفاظ على نظامهم».
وتابع سعيد: «إن أغلب الأشخاص الذين أعرفهم لا يخرجون من البيوت إلا للضرورة أي التبضع وشراء السلع الأساسية. ولكن هناك فئة أخرى يعتقدون أنهم سيهزمون كورونا من خلال الصلاة والصوم والنوح والبكاء على مصائب أهل البيت والأدعية وتناول طين قبر الإمام الحسين ولعق المراقد والتأمين الاجتماعي من قبل أبو الفضل العباس وإلقاء الرسائل في البئر». المقصود هو بئر مسجد جمكران على مقربة من مدينة قم ويدعي النظام أن الإمام المهدي (الإمام الثاني عشر للشيعة) أمر بإنشاء المسجد.
ونشرت وكالة إيسنا الطلابية للأنباء بيانا أصدره رئيس السلطة القضائية إبراهيم رئيسي في 27 مارس طالب فيه سكان البلاد إلى النوح والبكاء على مصائب أهل البيت خلال فترتهم في الحجر المنزلي الذاتي أو الإجباري.
وقال البيان: «نظرا إلى إغلاق المراقد المقدسة وتوقف التجمعات الدينية لأسباب صحية فإن أعضاء الأسرة الواحدة يستطيعون خلال تواجدهم في البيت القيام بالطقوس المباركة للنوح والبكاء على مصائب أهل البيت وقراءة حديث الكساء للشفاء».
وبالتزامن مع العام الفارسي الجديد ونهاية عام مليء بالكوارث بدأ بالفيضانات والأمطار الغزيرة المدمرة في أنحاء البلاد وإسقاط الطائرة الأوكرانية وقتل المحتجين خلال الاحتجاجات التي بدأت في نوفمبر (تشرين الثاني) ومصرع 50 شخصا خلال مراسم دفن قاسم سليماني واستمرار رحلات شركة ماهان إير للصين في ظل انتشار كورونا والامتناع عن إغلاق مدينة قم ووفاة الآلاف من المواطنين بسبب كورونا، أطلق حسن روحاني على العام الماضي تسمية «عام النجاح والفخر» مضيفا أن ظروف مكافحة كورونا في إيران بالمقارنة مع دول أخرى جيدة.
رغم كل التطمينات فإنه يبدو أن كورونا في إيران قد خرج بالفعل عن السيطرة وأن دورة انتقال العدوى ستستمر بسبب غياب الانسجام في مراكز صناعة القرار وفشل إدارة الأزمة.

font change