غموض مشبوه يلفّ عملية اغتيال صائد العملاء في «حزب الله»!

لبنان... من قتل محمد علي يونس... تصفية داخلية أم الموساد الإسرائيلي؟

غموض مشبوه يلفّ عملية اغتيال صائد العملاء في «حزب الله»!

* العثور على كادر أمني في حزب الله جثة هامدة بوضح النهار وفي محمية أمنية تابعة للحزب
* وسائل إعلام إيرانية عن يونس: مسؤول مكلف بمتابعة ملف عملاء إسرائيل والجواسيس
* مصادر متابعة: جهة محترفة نفذت عملية اغتيال يونس والأصابع متجهة إلى الموساد أو جهة تعمل معه
* لقمان سليم: هكذا عملية اغتيال لم تكن لتتم من طرف خارج دائرة حزب الله، وبالتالي نحن أمام تصفية حسابات داخلية



بيروت: في غمرة انشغال اللبنانيين بتفشي فيروس «كورونا» المستجد وكيفية مواجهته، قفز إلى الواجهة حدث أمني لافت تمثل في عميلة قتل الكادر في حزب الله محمد علي يونس السبت الفائت في ظروف غامضة وراءها إياد خفيّة، أعادت إلى الأذهان جرائم قتل مشابهة في غموضها استهدفت كوادر ومسؤولين في حزب الله الذي يعلم تفاصيلها وأبعادها جيدا، إلا أنه يحجم عن الإفصاح عنها لأسباب تتعلق بخصوصيته الأمنية والعسكرية.
 
غموض وتخبط في رواية قتل علي يونس
 
أثارت جريمة قتل الكادر في حزب الله علي يونس، ضجة مدوية داخليا، لا سيما أن علامات استفهام كبيرة طرحت حول ظروفها وتوقيتها ومنفذها وحتى مكان تنفيذ الجريمة. الخبر الأولي كان العثور على جثة يونس بالقرب من سيارته مصابًا ببضع طلقات في الرأس وطعنات سكين، وإصابة مرافقه بوضح النهار، من قبل مجهولين في منطقة بين بلدتي زوطر الغربية وقعقعية الجسر في قضاء النبطية (جنوب لبنان)، وهي منطقة تخضع لمراقبة أمنية، لكونها قريبة جدًا من مراكز تابعة للحزب في محيط زوطر. واللافت في الأمر ونقطة التحول هو النعي الرسمي لـحزب الله والذي صدر داخليًا ولم يعلن رسميًا إلا بعيد منتصف الليل وقد ذيع عبر مكبرات الصوت في بلدته جبشيت.
 
وفي ظل هذه الظروف الغامضة، وعدم توضيح حزب الله دوافع هذه الجريمة، بات السؤال: من يقف وراء الحادثة، وهل هي إسرائيل، أم إنها عملية تصفية داخلية؟
المستغرب كان أنه للمرة الأولى يأتي خبر اغتيال أحد كوادر حزب الله من إيران، إذ أبلغنا عبر وكالات الأنباء الإيرانية، أن يونس، هو مسؤول مكلف بمتابعة ملف عملاء إسرائيل. وقد أفادت وكالة أنباء «فارس» الإيرانية أن يونس، اغتيل على أيدي مجهولين في جنوب لبنان، مشيرة أنه ليست هنالك معلومات إضافية حول كيفية مقتل يونس، لكنها نقلت عن مصادر غير رسمية أن «هذا القيادي في حزب الله مسؤول عن ملاحقة العملاء والجواسيس».
فيما عاد ونعى حزب الله يونس كأحد شهدائه، ما اعتبر أنها دلالة على أن خلفيات الاغتيال تتعلق بعمله الأمني في الحزب.
وكان اللافت، أنه للمرة الأولى أيضا يتم تحديد ماهية وظيفة مسؤولي حزب الله، والملف المسؤول عنه، مع إشارة الإعلام الإيراني أنه كان مسؤولا عن ملف ملاحقة العملاء، ما يطرح تساؤلات حول ما إذا كان المقصود ربط مقتل يونس بملف العملاء لإسرائيل في لبنان الذي أعيد فتحه من جديد منذ قضية العميل عامر الفاخوري الذي أطلق سراحه قبل أسابيع، بعدما كفت المحكمة العسكرية (التي يسيطر عليها حزب الله بموجب مبدأ المحاصصة في لبنان) التعقبات بحقه لجهة سقوط الجرم بمرور الزمن العشري، ومغادرته لبنان بطائرة مروحية أميركية نقلته من السفارة الأميركية في عوكر. والحدث الثاني قتل أنطوان الحايك الذي قيل إنه كان مساعدا لفاخوري وقد عثر عليه جثة هامدة في مخيم المية ومية قبل أسبوعين، إثر عملية الإفراج عن الفاخوري. ما يوحي بأن ربط جريمة قتل يونس بهذين الحدثين الأمنيين، أريد منه الإيحاء بأن المغدور استهدف من قبل جهاز «الموساد» الإسرائيلي.
 
سيناريوهات عدة حول جريمة الاغتيال
السيناريو الأول تمثل بما روجته وسائل الإعلام الإيرانية، عبر الإيحاء وهو استهدافه من قبل الموساد الإسرائيلي، نافية بذلك ما أشيع بعد عملية القتل مباشرة عن أن يونس قتل من قبل أحد رفاقه من عناصر الحزب الذي كان إلى جانبه في السيارة التي كانت تقلهما من زوطر قبل ظهر السبت المنصرم، وأصدر حزب الله بيان نعي ليونس معتبرًا إياه شهيدًا. وأعلن أن يونس ورفيقه تعرضا لكمين محكم أدى إلى مقتل يونس وجرح رفيقه. ثم عادت المصادر وأشارت إلى وجود رفيق ثالث مع يونس كان هو من أبلغ قيادته بما جرى، ونفت أيضا ما قيل عن تعرض يونس لطعنات، وأكدت أن مرافق يونس مصاب وهو حاليًا في أحد المستشفيات.
السيناريو الثاني، يتمثل بترجيحات أن لا علاقة لإسرائيل بمقتل يونس، وهي بالتالي ليست مرتبطة بقضية الفاخوري وكذلك اغتيال العميل السابق لإسرائيل أنطوان الحايك. وفيما لم يسرب حزب الله ولم يتبن أي رواية رسمية حول مقتل عنصره، تشير هذه الترجيحات إلى أن يونس ليس قياديا في الحزب، وكان يؤدي مهمة خلال عمله الحزبي عندما تعرض لإطلاق نار.
ويندرج عمل يونس بحسب هذه الترجيحات ضمن إطار العمل الأمني لكنه غير مرتبط بملاحقة العملاء، بل بملاحقة المخلين بالأمن الاجتماعي كالسرقة وغيرها.
في ظل معلومات عن أن حزب الله اعتقل منفذ الجريمة، إثر العثور عليه جريحا إلى جانب الطريق عند أطراف بلدة زوطر.
السيناريو الثالث، يشير إلى أنه قد لا يكون منفذ العملية من عملاء إسرائيل، وإنّما قد يكون من طرف آخر غير معادٍ لـحزب الله، أي إنها تصفية داخلية.
أما السيناريو الرابع، فيشير إلى أن يونس قتل لأسباب شخصية بينه وبين رفيقه أدت إلى مقتله.
وبحسب مصادر متابعة، فلا تزال جريمة القتل هذه يلفها الغموض، والضياع حتى بين أبناء بلدته، إذ لم تتضح حتى الساعة دوافع هذه الجريمة والجهة التي تقف وراءها.
وأشارت هذه المصادر لـ«المجلة» إلى أن «ثمة لغطا كبيرا حول دور يونس وسبب مقتله، مشيرة إلى أن ثمة معلومات تفيد بأن المغدور يونس لديه مسؤولية هامة في حزب الله، ويعمل منذ فترة على (ملف حساس) من دون تحديد طبيعته ولكنه ذو طابع أمني. وتؤكد المصادر أن يونس كان في مهمة ملاحقة لأحد الأهداف يرافقه عنصران في الوحدة نفسها عندما وقعا بكمين محكم في وادي زوطر نفذته ثلاث سيارات إحداها (سيلرة جيب). وقد سدت أمامهما المنافذ وتم استهداف يونس ومرافقة بالرصاص فمات على الفور، بينما أصيب مرافقه ونقل إلى المستشفى وهو الشخص نفسه الذي تم الظن به خطأ أنه القاتل وفق المعلومات، فيما العنصر الثالث كان في مؤخرة السيارة، ولم يكن ظاهرًا للمجموعة المهاجمة. وبالتالي لم يصب بأذى وهو من أسرع لطلب المساعدة من مجموعة أخرى لحزب الله كانت في الشعاع الأمني للمنطقة. وتنفي المصادر الفرضيات التي تقول إن العنصر الثاني موقوف، بل هو جريح وفي مستشفى تابع لـحزب الله وهو من ضمن فريق العمل ليونس. كما تنفي فرضية طعن الجثة بالسكاكين، وتقول إن الطلقات التي أصابت يونس في الرأس والصدر وهي ثلاث طلقات.
وتلفت المصادر إلى أن المعطيات الأولية، تشير إلى جهة محترفة نفذت العملية والأصابع متجهة إلى الموساد أو جهة تعمل معه. ووجهت هذه الضربة في منطقة تعد خرقا للمقاومة وأمنها. كما تلمح إلى أن التوقيت هام وحساس لجهة ربطه بملف عملاء إسرائيل.

 

لقمان سليم


 
من قتل صائد العملاء في حزب الله، هل الموساد الإسرائيلي، أم إنها عملية تصفية داخلية؟
في هذا السياق، لفت المحلل السياسي، ومؤسس «أمم للتوثيق والأبحاث»، لقمان سليم لـ«المجلة»، إلى أن اهتمام الإعلام الإيراني بحادثة اغتيال يونس يثير الكثير من التساؤلات، مشيرا إلى أنه «لربما لولا الإعلام الإيراني ما كنا لنعلم بعض التفاصيل المتعلقة بالقتيل»، وتابع: «كان لافتًا أن الإعلام الإيراني هو الذي أخرج جريمة قتل هذ الكادر الأمني وحدّد أن مهمته كانت صيد العملاء الإسرائيليين والجواسيس. وهو ما يطرح تساؤلا حول سبب تسريب هذه المعلومة عبر الإعلام الإيراني، في حين أن البيان الذي أصدره حزب الله لم يأتِ على ذكر إسرائيل بل تحدث عن عملية قتل جرت غيلة».
والخلاصة السياسية، بحسب سليم أن حدوث هذه العملية في منطقة صافية أمنياً لـحزب الله وللأجهزة الأمنية اللبنانية، بصرف النظر عمن ضغط على الزناد وأعطى الأمر إن كان من داخل الحزب أو من خارجه، فهو أمر خطير وهو يدلّ على أن من أرادوا هذا الخرق تمكنوا منه، وبالتالي تمكن هذا الطرف من تصويب سهامه في منطقة محصنة أمنيا، وهو ما يزيد صورة حزب الله خدوشا وهي صورة توالت عليها السهام منذ أشهر مديدة وبالتالي فأن يقتل هذا الرجل في هذه المحمية الأمنية لـحزب الله يجعل صورته أكثر هشاشة ليس فقط على مستوى بيئته إنما على المستوى العام ويدل بشكل لا يقبل الشك أن وهم القوة يتضعضع ويتهاوى.
ورأى أنه من خلال كيفية إدارة هذا الملف وكذلك من خلال مشاهدة تفاصيل التشييع الذي أقيم ليونس يوم الأربعاء، يتبين وكأن هذا القتيل هرّب إلى مثواه الأخير تهريبًا، فمن الواضح أنه لم تكن هناك رغبة باعتبار ما جرى أمرا يستحق التوقف عنده، بدليل أن الأمين العام لـحزب الله السيد حسن نصر الله في خطابه الأخير (مساء الثلاثاء) لم يأتِ على ذكر عملية اغتيال يونس، وحتى لم يذكر سقوط شهيد لحزبه، وتابع أنه من الواضح أن ثمة عملية تهريب لعملية الاغتيال هذه، وبالتالي الخلاصة هي أن ما جرى أقرب إلى عملية تصفية حسابات داخلية أكثر من أي شيء آخر.
كذلك رأى سليم أن التسلسل الزمني بين عملية قتل يونس وقضية العميل الفاخوري ومن بعدها اغتيال الحايك، يوحي وكأنها مرتبطة ببعضها، ولكن على المستوى السببي لا حجة عقلية تشير إلى علاقة ما، وتابع: «وكأن الحديث عن ارتباط هذا الرجل بملف ملاحقة العملاء هو أيضًا كان من باب طمس الحقائق وتهريب هذا الاغتيال بحيث يبدو وكأنه منطقي».
وتوقف سليم على أنه «كانت هناك اغتيالات سابقة وتم الاحتفال بها، في حين أن عملية اغتيال يونس جرت ولم نلاحظ انفعالا من قبل العائلة السياسية لهذا الرجل (أي حزب الله)، وهو ما يرجّح بالتالي أن تكون عملية قتله تصفية داخلية.
وفي الختام رجّح سليم أن «هكذا عملية اغتيال لم تكن لتتم من طرف خارج دائرة حزب الله، وبالتالي نحن أمام تصفية حسابات داخلية، لأنه لو كان الأمر يتعلق بتصفية الرجل تحت عنوان التخلّص منه لكان أسهل الأمور إرساله إلى سوريا أو العراق وأن يستعاد جثة من هناك».

font change