أفريقيا في مواجهة «كورونا»... خبرات سابقة ومخاطر قادمة

«القارة السمراء» بيئة خصبة لانتشار الأوبئة والفيروسات

مسؤول مجتمعي يتحدث يومياً إلى السكان من أعلى مبنى في المنطقة حول كيفية تجنب الإصابة  بفيروس كورونا، في كامبالا، أوغندا (غيتي)

أفريقيا في مواجهة «كورونا»... خبرات سابقة ومخاطر قادمة

* وفقا لآخر التقديرات، لا تزال القارة الأفريقية بعيدة عن الكارثة على النحو الذي واجهته دول أخرى، إلا أنه من المنتظر وقوع كارثة إذا ما انتشر هذا الفيروس الوبائي داخل بلدان القارة
* تعد كثير من دول القارة من بين الدول الأكثر فقرًا في العالم، وهو ما يجعلها عرضة للخطر لعدم توفر مرافق صحية وضعف أنظمة الرعاية الصحية بل وضعف العمالة المدربة في القطاع الصحي
* كانت القارة مصدراً سابقاً لواحد من أخطر الفيروسات، وهو فيروس إيبولا الذي ضرب إقليم شمال كيفو المضطرب الواقع شرق عاصمة الكونغو الديمقراطية كينشاسا الذي كان بؤرة لهذا الفيروس والذي انتقل إلى مختلف دول القارة مخلفاً آلاف المصابين والضحايا
* إدارة الحكومات الأفريقية للأزمة وفقاً للمنهج الصيني المرتكز على سياسة الحجر لا يعني قدرة هذه الحكومات على تفادي الكارثة، إذ إن سوء إدارة الأوضاع يمكن أن يؤدي إلى كلفة بشرية تفوق بكثير الخسائر الاقتصادية
* الأمل معقود إذا ما خلصت الدراسات الطبية التي تجرى في كثير من الدول بشأن البحث عن العلاج لهذا الوباء الفيروسي
* من غير شك أن بعض الدول الأفريقية واجهت أزمات صحية ووبائية على غرار هذه الأزمة، وهو ما أكسب أجهزتها الإدارية والصحية خبرات ومهارات في كيفية التعامل مع مثل تلك الأزمات

باكو: مع اجتياح أزمة كوفيد-19 أو تلك المعروفة باسم «أزمة كورونا» العالم أجمع منذ نهاية العام المنصرم 2019. ظلت القارة الأفريقية صامدة وبعيدة لأسابيع عدة أمام انتشار وتوغل هذا الفيروس الوبائي، إذ بدأ انتشاره في دول شمال القارة الأفريقية وتحديدا مصر والمغرب وتونس والجزائر، قبل أن يبدأ في الانتقال إلى بقية بلدان القارة الأفريقية، وإن كانت المؤشرات كافة تتجه إلى أن المرض سينتشر في ربوع القارة مع وجود العمال الصينيين كون الصين هي مصدر هذا الفيروس، إلا أن ما لفت الانتباه أن انتقال هذا الوباء إلى دول القارة جاء مع القادمين من الدول الأوروبية، ليقتحم ما يزيد على 45 دولة أفريقية يوجد فيها الفيروس بشكل أولي وما زال لم يصل إلى ما شهدته دول القارة الأوروبية كإيطاليا وإسبانيا وفرنسا وبريطانيا، وهو ما دفع كثيرا من البلدان الأفريقية إلى سرعة اتخاذ التدابير الاحترازية الوقائية للحد من تفشى هذا الفيروس سريع الانتشار بشكل كبير.
ولكن، رغم أنه وفقا لآخر التقديرات لا تزال القارة الأفريقية بعيدة عن الكارثة على النحو الذي واجهته دول أخرى، إلا أنه من المنتظر وفقا للتقديرات الدولية أن ثمة كارثة منتظر حدوثها إذا ما انتشر هذا الفيروس الوبائي داخل بلدان القارة وهو ما أشار إليه جون نكنغاسونغ رئيس المراكز الأفريقية لمكافحة الأمراض والوقاية منها، وذلك بقوله في 11 مارس (آذار) 2020 أنه: «على أفريقيا أن تستعد لتحد كبير... ما زلت أعتقد أن احتواء التفشي ممكن، لكن من خلال توسيع الفحص والمراقبة»، وهو التحذير ذاته الذي أطلقته منظمة الصحة العالمية حيث حذر مدير عام المنظمة تيدروس أدهانوم بأنه «على الدول الأفريقية الاستعداد للأسوأ»، رافضا في الوقت ذاته التصريحات التي أطلقها أحد الأطباء الفرنسيين بشأن إجراء تجارب على لقاح محتمل لكوفيد-19 في أفريقيا.
ويعزز من صدقية التحذير الأممي بما يمكن أن تصل إليه القارة الأفريقية من تفاقم للأزمة مجموعة من العوامل، أبرزها:
- تعد كثير من دول القارة من بين الدول الأكثر فقرًا في العالم، وهو ما يجعلها عرضة للخطر بشكل خاص نظرًا لعدم توفر مرافق صحية وضعف أنظمة الرعاية الصحية بل وضعف العمالة المدربة في القطاع الصحي، هذا فضلا عن الاكتظاظ الكبير في المناطق العامة والشوارع، إضافة إلى الصراعات والنزاعات المتعددة التي تنتشر في ربوع القارة.
- عدم وجود أي استعدادات عند المعابر الحدودية بين الدول الأفريقية، بمعنى أنه لا توجد مواقع لعزل الحالات المشتبه في إصابتها عند عبور هذه الحدود. فضلا عن عدم توافر الأجهزة والمعدات القادرة على رصد وتسجيل حالات الإصابة، وهو ما قد يفسر ضعف التقديرات الرسمية لإصابات الفيروس في القارة، الأمر الذي اعتبره مدير عام منظمة الصحة العالمية مؤشرا على ضعف أنظمة رصد الحالات.
- كانت القارة مصدرا سابقا لواحد من أخطر الفيروسات، وهو فيروس إيبولا الذي ضرب إقليم شمال كيفو المضطرب الواقع شرق عاصمة الكونغو الديمقراطية كينشاسا والذي كان بؤرة لهذا الفيروس والذي انتقل إلى مختلف دول القارة مخلفا آلاف المصابين والضحايا، وهو ما يجعل من القارة بيئة خصبة لانتشار الأوبئة والفيروسات، خاصة فيروس كورونا القادر على التحور بشكل كبير على غرار ما جرى في بريطانيا وإيطاليا.
- سرعة الانتشار بين كبار المسؤولين في دول القارة وهو ما يعني سرعة انتقاله بين العاملين في كثير من الأجهزة الحكومية، فعلى سبيل المثال أعلنت بوركينا فاسو، عن إصابة خمسة وزراء لديها حتى الأول من أبريل (نيسان) 2020. وهم وزراء النقل والتعليم والداخلية والخارجية والمناجم. كما توفي الرئيس السابق لجمهورية الكونغو جاك يواكيم يومبي أوبانجو بسبب هذا الفيروس.
في ضوء ما سبق، يستعرض هذا التقرير كيفية إدارة دول القارة الأفريقية للأزمة واستعداداتها وآليات المواجهة المطلوبة، وذلك من خلال المحاور الآتية:

 

رجال يقودون دراجة نارية يرتدون أقنعة وجه طبية للحماية من انتشار فيروس كورونا في كوتونو، العاصمة الاقتصادية لبنين ( غيتي)


 
أولا: أفريقيا وإدارة الأزمة... سياسة الحجر وصعوبات التطبيق
حرصت حكومات البلدان الأفريقية منذ بدايات انتشار الأزمة على تبني المنهج الصيني في إدارته للأزمة بدءًا من غلق الحدود وتعليق الرحلات الجوية باستثناء بعض طائرات الشحن والرحلات الطبية، مرورًا بغلق المدارس والجامعات ودور العبادة والتجمعات وصولا إلى الحجر المنزلي للمواطنين والحجر الصحي للمصابين والمشتبه فيهم، فعلى سبيل المثال فرضت كل من السنغال وساحل العاج وكينيا وأوغندا ومالي حظر تجول ليلي، في حين تبنت جنوب أفريقيا موقفا صارما للحد من انتشار الفيروس، حيث أمر رئيسها «سيريل رامابوزا» المواطنين بالتزام منازلهم 21 يومًا. في حين تبنت الكونغو الديمقراطية نمطا مختلفا في إدارة الأزمة تمثل في فرض إجراءات عزل على كينشاسا العاصمة المترامية الأطراف اعتبارا من السبت ولأربعة أيام، يليها يومان للسماح للمواطنين بالتسوق ثم عزل لأربعة أيام، على أن يستمر هذا التناوب لثلاثة أسابيع. إلا أن ثمة بلدان أفريقية أخرى تبنت موقفا أكثر صرامة على غرار تونس ورواندا، إذ اتبعت الدولتان مقاربة جذرية تقوم على فرض إغلاق تام لكل المحال والأنشطة حيث فرضتا حجرا منزليا من السادسة صباحا لغاية السادسة مساء، إضافة إلى فرض حظر للتجوال من السادسة مساء لغاية نفس الساعة صباحا، وقد تبعتهم زيمبابوي فيما بعد. ومما لا شك فيه أن من شأن هذا الحجر التأثير سلباً على الأوضاع الاقتصادية والاجتماعية للسكان الفقراء، خاصة العاملين منهم ضمن منظومة العمالة غير المنتظمة، هذا إلى جانب تدهور مستوى الخدمات الأساسية التي تبدو مهددة بالتوقف.
ولكن من الأهمية بمكان الأخذ في الحسبان واقع ومدى قدرة الحكومات الأفريقية على إدارة الأزمة، وفقا لهذه السياسة (سياسة الحجر)، حيث تواجه صعوبة كبيرة في تطبيق إجراءاتها الصارمة، نظرا لصعوبة الأوضاع المجتمعية في كثير من هذه الدول سواء تعلق الأمر بوجود مدن الصفيح أو تعلق الأمر بوجود التجمعات السكانية العشوائية الذي يجعل من الصعوبة بمكان تطبيق هذا الحجر داخل تلك المناطق الضيقة التي يصعب وصول رجال الشرطة إليها، حيث يتمركزون فقط في الشوارع الرئيسية والطرقات العامة دون القدرة على الدخول إلى الأحياء السكنية الضيقة والمكتظة بالسكان وذلك لعدة أسباب، أبرزها:
- الطبيعة المعيشية لكثير من الأسر أو العائلات كبيرة العدد والتي اضطرتها الظروف إلى العيش في غرفة واحدة نتيجة الصراعات والحروب والأمراض. ولذا، فمن الصعوبة بمكان تطبيق العزل الذاتي في المنزل، حيث تعيش عائلات كبيرة في غرفة واحدة وتتشارك مع عائلات أخرى في الحي في صنابير المياه والمراحيض وتعيش على ما تكسبه من العمل اليومي، فضلا عن طبيعة شوارع تلك المناطق وأزقتها حيث تتسم بالضيق والغلق في كثير من الحالات، بما يجعل من الصعوبة على رجال الشرطة إجبار هؤلاء المواطنين على تطبيق سياسات الحجر، وهو ما حذرت منه شركة إن كي سي أفريكان إيكونوميكس لتحليل المخاطر، ومقرها جنوب أفريقيا حيث أشارت إلى أنه: «سيكون من الصعب تطبيق قيود صارمة على الحركة في أفريقيا على غرار ما شاهدناه في العالم».
- قلة عدد رجال الشرطة الذين يمكنهم تغطية كل هذه المناطق والشوارع، إذ يتطلب الأمر لفرض الحجر على سكان هذه المناطق وجود حملات شرطية قادرة على التعامل مع هؤلاء السكان الذين يعارضون أي إجراءات تقييدية لحركتهم.
- صعوبة توفير متطلبات الحياة ومستلزماتها لسكان هذه المناطق إذا لم يخرجوا للعمل والبحث عن الرزق، حيث تواجه الحكومات صعوبات عدة ترتبط بتوفير احتياجات هؤلاء الأسر الكائنة في تلك المناطق سواء تعلق الأمر بحصر أعدادهم وبالتالي تقدير حجم احتياجاتهم أو تعلق الأمر بقدرات الحكومات ذاتها على توفير هذه الاحتياجات في ظل الأوضاع الاقتصادية المعطلة مع توقف حركة الإنتاج والتجارة.
يعني ما سبق أن إدارة الحكومات الأفريقية للأزمة وفقا للمنهج الصيني المرتكز على سياسة الحجر لا يعني قدرة هذه الحكومات على تفادي الكارثة، إذ إن سوء إدارة الأوضاع يمكن أن يؤدي إلى كلفة بشرية تفوق بكثير الخسائر الاقتصادية، حيث تشهد الإحصاءات تزايدا كل يوم في أعداد المصابين والمتوفين في كل دولة أفريقية، فمن الصعوبة بمكان أن تبقى الإحصاءات المسجلة لأكثر من يوم دون تغيير، بل في كثير من الحالات تتغير هذه الإحصاءات خلال اليوم الواحد، الأمر الذي يستوجب إما البحث عن منهج جديد يراعي خصوصيات وظروف هذه الدول، وإما أن تحظى دول القارة بمزيد من الدعم والمساندة الدولية حتى تتمكن من تطبيق سياسة الحجر كآلية ناجعة في مواجهة الكارثة.

 

نيجيري يحتج ضد الحكومة في ولاية أوجينفي نيجيريا(غيتي)


 
ثانياً: التجهيزات الطبية: خط الدفاع الثاني لوقف تفشي الوباء... هل تكفي؟
إذا كانت الإجراءات الاحترازية المتعلقة بفرض الحجر المنزلي والصحي وغلق الحدود والتجمعات ومنع الانتقالات إلا للضرورة القصوى، تمثل خط الدفاع الأول في مواجهة منع تفشي الوباء، فإن التجهيزات الطبية والاستعدادات اللوجستية هي خط الدفاع الثاني لوقف انتشار الفيروس وتوغله في البلاد، وهو ما أقدمت عليه بعض الدول الأفريقية منها على سبيل المثال ما قامت به جمهورية بنين حيث أقدمت الحكومة على تجهيز 10 آلاف غرفة فندقية لاستقبال المرضى المحتملين مع إمكانية وضعهم قيد الحجر الصحي في هذه الغرف، وكذلك ما أشار إليه عثمان غاي رئيس وحدة الأزمات في وزارة الصحة في السنغال، بقوله: «إن الحكومة توزع تجهيزات للوقاية، على المنشآت التي تحتاجها، وإن هناك مخزونا وافراً من الكمامات والقفازات والأسرّة التي تكفي لاستقبال عشرات آلاف أخرى من المرضى، لكن لا توجد احتياطيات من أجهزة التنفس»، تلك هي المعضلة التي ستواجهها كثير من الدول الأفريقية، فالقدرات والإمكانات الصحية الموجودة قد تكفي لمواجهة مرحلة أولى من المرض أما إذا ما تفاقمت الأوضاع وتفشى المرض بشكل سريع على غرار ما جرى في بعض الدول الأوروبية، فإن الاستعدادات التي اتخذتها بعض الدول غير كافية، نظراً للنقص الكبير في المعدات التي تساعد على التنفس، حيث تشير بعض الأرقام إلى أن مدنا أفريقية كبيرة لا تمتلك سوى 50 جهازاً للتنفس، وهو ما يعني أنه في حال ارتفاع العدوى وانتشارها ستتفاقم الأوضاع بشكل كبير. ولذا فإن الأمل معقود على أنه– لا قدر الله- إذا ما تفاقمت الأوضاع بشكل ينذر بكارثة إنسانية في ظل الظروف المتردية في كثير من هذه البلدان، تصبح ثمة حاجة ضرورية وإنسانية بفتح ممر إنساني لتسهيل إيصال المعدات الطبية والأدوية الضرورية لمكافحة هذه الكارثة الوبائية، مثل آلات التنفس الصناعي وغيرها، وذلك على غرار ما قام به الملياردير الصيني ومؤسس موقع علي بابا الشهير، جاك ما، بإرسال طائرة شحن تحمل معونات طبية وفنية إضافة إلى محاليل اختبار معملي وأقنعة وجه ومعقمات وقفازات أيادٍ.
ومن الجدير بالذكر في هذا الخصوص أنه رغم كل هذه التوقعات التي ربما تشير إلى وقوع كارثة إنسانية حيال تفاقم المرض وتفشي الفيروس في بلدان القارة الأفريقية، فإن الأمل معقود إذا ما خلصت الدراسات الطبية التي تجرى في كثير من الدول بشأن البحث عن العلاج لهذا الوباء الفيروسي، أن مادتي الكلوروكين والنفاكين تشفيان المصابين بفيروس كورونا، أو على الأقل تؤثران بشكل إيجابي على عافيتهم، فهذا سيفتح آمالا كبيرة في أفريقيا كون هاتين المادتين تتوفران في الأسواق، ويجري استخدامهما منذ زمن بعيد في كثير من دول القارة لمعالجة المرضى المصابين بحمى المستنقعات.

 

متطوعون سودانيونلتنظيف الشوارع يرتدون أقنعة واقية للوجه في العاصمة الخرطوم (غيتي)


 
ثالثاً: التضامن الدولي والدعم الإنساني... خط الدفاع الثالث في مواجهة الوباء
كشفت الدراسة التي أعدها الاتحاد الأفريقي عن تداعيات أزمة كورونا على بلدان القارة عن حجم الخطر الماثل الذي يستوجب تضامنا دوليا ودعما إنسانيا لمواجهته والتقليل من تداعياته، حيث أظهرت هذه الدراسة التي أعدها الاتحاد الأفريقي ونشرت في السادس من أبريل (نيسان) 2020، أن نحو 20 مليون وظيفة مهددة في أفريقيا بسبب هذا الوباء الفيروسي، وأنه من المتوقع انكماش الاقتصاد في القارة 0.8 في المائة إلى 1.1 في المائة في العام 2020. كما من المتوقع تراجع التجارة 35 في المائة مقارنة بمستويات 2019. مع خسائر تقدر بـ270 مليار دولار، حيث توقعت الدراسة أن الحكومات الأفريقية قد تخسر ما بين 20 في المائة و30 في المائة من الإيرادات المالية، والتي تفيد التقديرات بأنها بلغت 500 مليار دولار في 2019. كما توقعت كذلك أن يختفي ما يصل إلى 15 في المائة من الاستثمار الأجنبي المباشر في القارة الأفريقية، وأن الاقتصادات المنتجة للنفط بالقارة ستنكمش بنسبة 3 في المائة في المتوسط.
والحقيقة أن هذه الدراسة المهمة التي استبق به الاتحاد الأفريقي حجم الخسائر المتوقعة في اقتصاديات الدول الأفريقية، تأتي في ظل تقديرات مبدئية في ضوء التوقعات عن حجم انتشار المرض وتفشيه داخل بلدان القارة، وهو ما قد يعني أن الخسائر المتحققة بعد انتهاء الأزمة ربما تفوق كل هذه التوقعات إذ لم تتخذ إدارة الأزمة شكلا جديا مرتكزا على قاعدتين رئيسيتين:
الأولى، الاستفادة من الخبرات الأفريقية السابقة في إدارة ملف الأوبئة والفيروسات التي أصابت كثيرا من دول القارة سابقا. فمن غير شك أن بعض الدول الأفريقية واجهت أزمات صحية ووبائية على غرار هذه الأزمة، وهو ما أكسب أجهزتها الإدارية والصحية خبرات ومهارات في كيفية التعامل مع مثل تلك الأزمات. صحيح أن الأزمة الراهنة تفوق تحدياتها ومخاطرها الأزمات الصحية السابقة نظرا لطبيعة الفيروس وتحوره المستمر من ناحية، ونظرا لتفشيه في مختلف بلدان العالم بما جعل الجميع مشغول بمواجهته داخل حدوده من ناحية أخرى. ولكن من الصحيح كذلك أن الممارسات السابقة تكسب الدولة وأجهزتها خبرات متنوعة في التعامل مع مثل هذه الأزمات وهو ما ينطبق على حالة أزمة كورونا. فعلى سبيل المثال أزمة فيروس إيبولا الذي انتشر في الكونغو الديمقراطية سابقا وقدرة الدولة على التعامل معه واحتواء الأزمة تعطي أجهزة الدولة ومؤسساتها خبرة في كيفية التعامل مع تفشي هذا الفيروس المستجد وكيفية احتوائه.
الثانية، من غير مبالغة القول إن نجاح الدول الأفريقية في مواجهة فيروس كورونا اعتمادا على خبراتهم السابقة في التعامل مع أزمة صحية ووبائية سابقة لن تؤتي ثمارها ما لم يكن هناك تعاضد دولي ودعم إنساني، وهنا تبرز الرؤية المصرية الداعمة للمجهود الأفريقي والتي طرحها الرئيس عبد الفتاح السيسي في كيفية إدارة دول القارة الأفريقية لهذه الأزمة حفاظا على شعوبها وحمايتهم، سواء من خلال ضرورة التوافق على العمل الجماعي لمواجهة الأزمة أو تلك المتعلقة بالمبادرة المصرية الموجهة إلى مجموعة دول العشرين لدراسة تخفيف أعباء الديون المستحقة على الدول الأفريقية، سواء بإعادة الجدولة أو التأجيل أو الإعفاء، وذلك بالتنسيق مع المؤسسات المالية الإقليمية والدولية، كالبنك الإسلامي للتنمية والبنك الأفريقي للتنمية وصندوق النقد الدولي والبنك الدولي، إلى جانب المانحين من الدول الصناعية الكبرى. ويذكر أن الرؤية المصرية كانت قد طرحت خلال الاجتماع الافتراضي لمفوضية الاتحاد الأفريقي عبر الهاتف في 26 مارس 2020، والذي شارك فيه إلى جانب الرئيس المصري، كل من الرئيس المالي إبراهيم بوبكر كيتا، والرئيس الكيني أوهورو كينياتا، والرئيس فيليكس تشيسكيدي رئيس جمهورية الكونغو الديمقراطية، فضلاً عن رئيس مفوضية الاتحاد الأفريقي موسى فكي. وقد تم بالفعل الاتفاق على قرار بشأن إنشاء صندوق قاري لمكافحة وباء كورونا بتمويل أولي قدره 12.5 مليون دولار، لتوفير استجابة قارية منسقة للحد من وباء كورونا في القارة الأفريقية، كما اتفقت الدول الأعضاء على المساهمة بمبلغ 4.5 مليون دولار، من أجل تعزيز قدرة المركز الأفريقي للوقاية من الأمراض والسيطرة عليها، والمقرر أن تستضيف مصر المقر الإقليمي له. كما تم الاتفاق على تشكيل مجموعة عمل تحت مظلة الاتحاد الأفريقي، وبالتنسيق والتعاون بين جميع الدول الأفريقية، بحيث تكون مهمتها تبادل الخبرات والمعلومات في مجال مكافحة وباء كورونا، وكذا مخاطبة الرأي العام الأفريقي بالمستجدات والتطورات في هذا الشأن.
واستمرارا للنهج ذاته، عقدت قمة مصغرة أخرى في الرابع من أبريل (نيسان) 2020 شارك فيها كل من الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي والرئيس الفرنسي ماكرون، ومدير عام منظمة الصحة العالمية ورئيس جمهورية جنوب أفريقيا والرئيس الحالي للاتحاد الأفريقي، ورؤساء كينيا، ومالي، والكونغو الديمقراطية، والسنغال، ورواندا، وزيمبابوي، ورئيس وزراء إثيوبيا، إلى جانب رئيس مفوضية الاتحاد الأفريقي، ورئيس مركز الاتحاد الأفريقي لمكافحة الأمراض، هدفت هذه القمة إلى متابعة نتائج القمة السابقة بين القادة الأفارقة للتباحث بشأن سبل التعامل مع تداعيات أزمة كورونا على الدول الأفريقية وتحديد أولويات القارة لمكافحة الفيروس بالتنسيق مع المجتمع الدولي، فضلا عن التأكيد – كما أشار إلى ذلك الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي - على أهمية أن تكون مواجهة تداعيات تفشي وباء كورونا بالتوازي مع جهود القارة لمكافحة مخاطر الإرهاب الذي يهدد أمن دولها واستقرارها خاصة منطقة الساحل الأفريقي.
وغني عن البيان أن ما خلصت إليه هذه القمة يتفق تماما مع ما طالب به وزراء مالية الدول الأفريقية في اجتماعهم في الأول من أبريل 2020 عبر الفيديو كونفرانس والذي نظمته فيرا سونجوي السكرتيرة التنفيذية للجنة الاقتصادية لأفريقيا التابعة للأمم المتحدة، حيث طالبوا بتوفير تمويل سريع بقيمة 100 مليار دولار لمواجهة الوباء.
وفي هذا السياق يذكر أن أولى المبادرات الأفريقية لدعم دول القارة في مواجهة هذا الفيروس جاءت من جانب بنك غرب أفريقيا للتنمية الذي يتخذ من العاصمة التوجولية «لومي» مقرا له، حيث أعلن عن تقديمه قروضا ميسرة بقيمة إجمالية قدرها 120 مليار فرنك أفريقي للدول الثماني الأعضاء في الاتحاد الاقتصادي والنقدي لغرب أفريقيا «أوموا»، وذلك دعمًا لها في مواجهة الوباء، حيث تحصل كل دولة على نحو 15 مليار دولار، وهي (بوركينافاسو، وكوت ديفوار/ ساحل العاج، ومالي، والسنغال، والنيجر، وتوجو، وغينيا بيساو).
خلاصة القول، إن حزمة الاقتراحات أو المطالبات التي طرحت سواء من جانب وزراء مالية الدول الأفريقية في اجتماعهم السابق الإشارة إليه أو ما جاء في توصيات الاجتماعين المصغرين على مستوى القادة الأفارقة السابق الإشارة إليهما أيضا، تمثل رؤية أولية لدعم جهود الحكومات الأفريقية في مواجهة تفشي هذا الوباء الفيروسي، حيث تركزت هذه المطالبات فيما يأتي:
- إيلاء أهمية فورية للقطاع الصحي والإنساني ومواصلة أعمال التوعية والفحص والعزل الاجتماعي، مع التأكيد على دور وسائل الاتصال الحديثة في حملات التوعية والإدارة المحلية للأزمة، من خلال صياغة حملات توعية للشعوب الأفريقية بشأن كيفية مكافحة فيروس كورونا وسبل الوقاية الفعالة، بما فيها تقليل الاختلاط والحركة والاهتمام بالسلوك الوقائي الشخصي اليومي.
- تخفيف الديون والحصول على دعم من المؤسسات المالية متعددة الأطراف والثنائية مثل صندوق النقد الدولي والاتحاد الأوروبي.
- ضرورة العمل على دعم القضاء الخاص نظرا لدوره في خلق فرص عمل وجهوده في اتجاه الانتعاش الاقتصادي.
- تعظيم الإنتاج المحلي للمواد والمحاليل والمطهرات الكيميائية في مختلف الدول الأفريقية.
- دعوة دول مجموعة العشرين إلى تقديم حزمة تحفيز اقتصادي فعالة تتضمن الإغاثة والمدفوعات المؤجلة والتنازل عن جميع مدفوعات الفائدة على الديون الثنائية والمتعددة الأطراف، واحتمال تمديد الإعفاء إلى المدى المتوسط، من أجل توفير مساحة مالية وسيولة فورية للحكومات.
- تعزيز القدرات المعملية والإكلينيكية بالدول الأفريقية لإجراء الاختبارات لتشخيص فيروس كورونا المستجد، وتوفير مسارات نقل آمنة ما بين دول القارة لتسيير البضائع والمستلزمات الطبية الضرورية، من خلال إعادة النظر في قرارات الدول بشأن فرض حظر على صادراتها من الأدوية والمنتجات الطبية.
- تحديد آلية للتنسيق على مستوى المراكز الوطنية لمكافحة الأوبئة عبر القارة بهدف تبادل أفضل الممارسات والخبرات.

font change