«العربية» والعربية!

«العربية» والعربية!

[caption id="attachment_55237853" align="aligncenter" width="620"]قناة العربية في حاجة لمراجعة العربية قناة العربية في حاجة لمراجعة العربية[/caption]



لو أن المذيع الشهير في هيئة الإذاعة البريطانية جيرمي باكسمان، سمى برنامجه الإخباري الليلي «أخبار الليلة» بدلا من «نيوز نايت» لظن مشاهدوه أنه مأفون. ولغدا الأمر كله مجرد نكتة ولكنها غير مضحكة. ولن تنتهي المسألة عند هذا الحد، فالصحف الشعبية البريطانية وحتى الاعتبارية منها، ستكون على موعد معه صباح اليوم التالي. لكن شيئا من هذا لن يحدث لا من قبل هذا المذيع، ولا من غيره، ولا حتى من مذيع صيني أو ألماني أو فرنسي. السبب أن هؤلاء المذيعين لديهم رقابة ذاتية على ما يفعلون وما يقولون، إضافة إلى ثقافتهم الواسعة التي لا تسمح بالخروج عن القول السائر «لكل مقام مقال». بل إن الإذاعة نفسها لن تقبل هذه التسمية.

«توك شو» واحد من البرامج التي تقدمه إحدى الفضائيات العربية، وهو برنامج شاهدته مرة واحدة بالصدفة في حجرة بفندق. كان المذيع ذو النظارة السميكة يسأل أسئلة سياسية متتالية، مادا عينيه بتواز ولا ينتظر إجابة. البرنامج كان يستضيف شخصية ثقافية مصرية، ولم يوجه المستضيف سؤالا ثقافيا واحدا لضيفه، بل ورطه في السياسة، فلقد كانت الحلقة سياسية محضة، ويسأل المذيع الضيف عن قضايا مصرية كثيرة ويجيب الضيف، وقبل أن يكمل إجابته يغيب البرنامج في سيل من الإعلانات الطويلة، وما أن يعود، ويستأنف النقاش من جديد، حتى تنسى ما كان المذيع والضيف يخوضان فيه. وكأنهما بدآ حلقة جديدة. لكن هذا ليس شأننا. اللافت في هذا البرنامج هو عنوانه «توك شو».

يسوق عنوان هذا البرنامج إلى الأذهان، مسألة التفكير في قضية الحرية وتداعياتها وضوابطها.. وكيف يسيء بعض الناس لها عن قصد أم عن غير قصد.
لكن ما مؤثر حقا هو أن الضيف ظل حائرا، ولم يستطع التخلص من هذا الموقف الذي وضعه فيه المذيع؟!
هذا ليس شأننا أيضا. الشأن هنا هو تسمية البرنامج في حد ذاتها. نحن نعيش في عصر ربما يستطيع الإنسان أن يفعل فيه ما يروق له. لكن لا بد للإنسان الناضج أن يعرف حدود الحرية حتى لا يسيء إليها. إلا أننا نتعمد الإساءة لهذا المصطلح، ولا نعرفه ولا نقدره. فالبرنامج موجه للمتكلمين بالعربية والمذيع ليس معتوها ويعرف هذا جيدا، لكن ما الذي دعاه لذلك. وما الفلسفة إذا من هذه التسمية «توك شو». العنوان أجنبي والمحتوى عربي!

أود أن أختم هذا الموضوع بشيء غريب آخر حدث على شاشة قناة العربية. وأعلم أن هذا شأن يحدث بشكل مستمر، وكأنه مقصود في كثير من القنوات الفضائية العربية.
قناة العربية وفي برنامجها الاقتصادي في الواحدة والنصف ظهرا من يوم الاربعاء 26/6/2012، استخدمت ألفاظا انجليزية لا لزوم لها منها: «ريفيجون» «نوت ييت»، و سوري. فلماذا يتفلسف هؤلاء على المواطن الغلبان، الذي لا يكاد يفهم حتى لهجته؟!

وأيهما أجمل.. ولكن دعونا من الجمال، أيها أنسب «نوت ييت» أم «ليس بعد»؟
لم تكتف المذيعة بذلك، بل تمادت في استخدام المفردات الأجنبية، ثم التفتت إلى ضيفها وقالت له: نحن عندنا «ديليه»، ولو سمعتها سيدة مصرية لظنتها تتساءل: لماذا عندنا هذه؟ السؤال هنا: ما ضرورة استعمال هذه الكلمة؟ ألا يوجد مرادف عربي لها؟

ليس هناك رقابة وليس هناك تكميم أفواه، لقد مضى هذا العصر إلى غير رجعة. ولكن تظل هناك الرقابة الذاتية. الذوق واحترام المشاهد أو المتلقي من أساسيات العمل الإذاعي، فلا أرى أن أية إذاعة بإمكانها أن تهمل هذين العنصرين المهمين لاستقطاب مزيد من المشاهدين وللمحافظة على ما لديها منهم.

إن اسم «العربية» لا يتناغم وعدم اهتمامها باللغة العربية، بل ينبغي أن تكون راعيتها وحضنها الدافئ.
قال الشاعر الألماني الرومانسي الراحل هاينرش هاينه (1797 ـ 1856): «إن الأفكار التي يطلقها أستاذ من مكتبه الوديع، بإمكانها أن تبيد حضارة على بكرة أبيها».

وبإعادة توزيع لهذه العبارة، يمكن أن يقال: إن المفردات الأجنبية التي يطلق لها العنان من دون مبرر، بإمكانها أن تبيد لغة بقضها وقضيضها.
فهل أحد يود أن يبيد لغته؟
font change