«كوفيد-19» ومدن المستقبل

التخطيط العمراني والصحة العامة... تشابكية العلاقة

ضباط شرطة يشجعون سكان مدينة (بوجوتا) في كولومبيا متابعتهم من شرفاتهم ونوافذهم خلال زيارتهم الحي للتعبير عن فرحتهم، أثناء الإغلاق للحد من انتشار فيروس كورونا (غيتي).

«كوفيد-19» ومدن المستقبل

* ثمة أهمية بل ضرورة في أن ينظر العالم بعين مغايرة وبرؤية مختلفة لكثير من المجالات الحياتية أو المعيشية عند التخطيط للمستقبل
* تداعيات الأزمة الراهنة كشفت عن أبعاد جديدة يجب مراعاتها عند بناء مدن المستقبل حفاظاً على دورها الاقتصادي المهم، إذ تسهم المدن الكبرى طبقاً لبعض التقديرات في توليد نحو 80% من الناتج المحلي الإجمالي على مستوى العالم
* تطلبت الحاجة لمواجهة جائحة كورونا بقاء المواطنين في المنازل حفاظاً على صحتهم ومنعاً لتفشي الوباء وانتشاره، وهو ما جعل الاعتماد الكلي على شبكة الإنترنت كحجر الزاوية الرئيسي في إتمام كافة المهام أو الأعمال
* بناء المستقبل والتعامل مع تحدياته مرهون بقدرة الحكومات على إعادة النظر في بناء مدنها المستقبلية وفقاً لتخطيط عمراني يأخذ في تقديراته المخاطر والتهديدات التي أفرزتها تلك الجائحة العالمية

باكو: لن تكون مبالغة القول إن تداعيات أزمة فيروس كورونا أو «كوفيد-19» لم تتجل كلية، ولن تنحصر في أبعاد دون أخرى، بل لا تزال الأيام القادمة حبلى بقراءة تداعياتها وانعكاساتها على مختلف المجالات والقطاعات، حيث تعددت التقارير والتحليلات والمقالات التي تشير إلى أن تأثيرات هذه الأزمة الوبائية ستفرز - بلا شك - أوضاعا عالمية وإقليمية وداخلية ستختلف عما كان قبلها، بمعنى أكثر شمولا إن عالم ما بعد كورونا لن يكن كما كان قبله، وإن هذه الأزمة قد فرضت حزمة من التغيرات والتحولات وجب أخذها في الاعتبار عند إعادة ترتيب تلك الأوضاع وإلا لن نكون قادرين على مواكبة التحولات التي ستشهدها الإنسانية ما بعد أزمة كورونا.
وإن كان من السابق لأوانه أن نخلص إلى الشكل الذي يمكن أن تكون عليه تلك الأوضاع ما بعد انقشاع الأزمة وتخطي العالم لصعوباتها الراهنة. 
ولكن ثمة أهمية بل ضرورة في أن ينظر العالم بعين مغايرة وبرؤية مختلفة لكثير من المجالات الحياتية أو المعيشية عند التخطيط للمستقبل. بمعنى أكثر تحديدًا إنه لمن الأهمية بمكان عند رسم ملامح المستقبل وطموحاته أن يؤخذ في الحسبان المستجدات والمتغيرات التي أوجدتها تلك الأزمة الوبائية، وهو ما ينطبق بشكل واضح فيما يتعلق بكافة الترتيبات المتعلقة بقطاعات الاقتصاد والسياسة والتعليم والفن وخلافه، إلا أن ثمة موضوعاً لم يحظ بالاهتمام الكافي إن لم تكن هناك أي إشارات تتعلق به وهي تأثيرات الأزمة على بناء المدن الجديدة أو التخطيط العمراني بشكل عام، إذ كشفت الأزمة عن أهمية أخذ التحديات البيولوجية في الحسبان. 
صحيح أن ثمة دراسات عدة تم وضعها قبل الأزمة ناقشت بل طالبت بضرورة أخذ الأبعاد الإيكولوجية في التصميمات العمرانية والهندسية للمدن الجديدة، إلا أنه من الصحيح كذلك أن تداعيات الأزمة الراهنة كشفت عن أبعاد جديدة يجب مراعاتها عند بناء مدن المستقبل حفاظا على دورها الاقتصادي المهم، إذ تسهم المدن الكبرى طبقا لبعض التقديرات في توليد نحو 80 في المائة من الناتج المحلي الإجمالي على مستوى العالم.
وفي ضوء ذلك يستعرض هذا التقرير تأثيرات أزمة كورونا على التخطيط العمراني للمدن، وكيفية بناء مدن قادرة على مواجهة التحديات المستقبلية، وذلك من خلال محورين على النحو التالي:


 

محمود محيي الدين ، نائب الرئيس الأول لمجموعة البنك الدولي لخطة التنمية لعام 2030 في معرض SDGالاستثماري الذي استضافته إدارة الشؤون الاقتصادية والاجتماعية والأونكتاد في مقر الأمم المتحدة في نيويورك العام الماضي (غيتي).


 
أولا: الزيادة السكانية والقدرة الاستيعابية لمدن المستقبل
طبقا لتقديرات الأمم المتحدة ما قبل أزمة كورونا يُتوقع أن يصل عدد سكان العالم إلى 8.5 مليار نسمة عام 2030. وأن يزيد بعد ذلك إلى 9.7 مليار نسمة مع حلول عام 2050، ثم يصل بعد ذلك إلى 11.2 مليار نسمة بحلول عام 2100. وكما أشارت التقديرات إلى أن هذه التوقعات - كما هو الحال في كل التوقعات - ليست يقينية تماما، وإنما تستند إلى متغير متوسط التقديرات، الذي يفترض انخفاض الخصوبة في البلدان التي لم يزل فيها نمط الأسر الكبيرة سائدا، فضلا عن زيادة طفيفة في معدل الخصوبة في كثير من البلدان التي لكل امرأة فيها طفلان أو أقل في المتوسط. ويُتوقع أن تتحسن احتمالات العمران في جميع البلدان.
وطبقا لذات التقديرات، توقع أن يحدث أكثر من نصف النمو السكاني العالمي بين زماننا الحاضر وعام 2050 في أفريقيا، لتصبح القارة أعلى معدل نمو سكاني في المناطق الرئيسية، في حين يُتوقع أن ينخفض عدد السكان في 55 بلدا أوروبية مع حلول عام 2050. حيث يُتوقع أن تنخفض نسبة السكان في عدة بلدان بنسبة أكثر من 15 في المائة مع حلول هذا العام.
وما بين المعدل المرتفع والمنخفض، يأتي موقع الدول العربية الذي يتضاعف عدد سكانها كل ثلاثة عقود تقريبًا، ولذا فمن المتوقع أن يرتفع من نحو 430 مليون نسمة عام 2019 إلى 851 مليون نسمة عام 2050.
وما يهمنا في هذه التقديرات الإحصائية هو نسبة نمو الزيادة السكانية بين الأرياف والمدن، إذ إن هذه الزيادة لن تكون بالتساوي بينهما، بناء على طبيعة التوزيع الراهنة، فإذا كان نحو 55 في المائة من سكان العالم يعيشون في المدن مقابل 45 في المائة يعيشون في الأرياف، فإنه في المنطقة العربية نجد أن 66 في المائة من سكان الدول العربية يعيشون في المدن مقابل 34 في المائة يعيشون في الأرياف، وهو ما يعني أن نسبة سكان المدن ستبقى أعلى من النسبة المتوقعة لسكان المناطق الحضرية في العالم التي تقدر بنسبة 68 في المائة بحلول العام 2050، ويرجع ذلك إلى بعض التقديرات التي ترى أن معدل التحضر في الدول العربية ينمو سنويًا بمعدل 2.5 في المائة.
ماذا يعني كل ما سبق؟ وما تأثير ذلك على التخطيط المستقبلي للمدن؟ وما علاقته بانتشار جائحة كورونا أو غيرها من الأزمات البيئية التي يمكن أن تواجه مدن المستقبل؟
الإجابة على هذه التساؤلات تكمن في حجم التحديات التي ستواجهها الحكومات في ضوء تسارع التحول الحضري، حيث يتطلب الأمر منها مضاعفة جهودها سواء في سبيل مواصلة تنمية الأرياف وتعزيز جاذبية العيش فيها للحد من الهجرة الداخلية إلى المدن، أو في سبيل العمل على تنمية المدن لكي تصبح قادرة على استيعاب أعداد السكان المتزايدة، مع العمل على تحسين مستويات المعيشة خاصة في ظل التقديرات السلبية عن واقع المدن وخطورتها على البيئة، حيث تشغل المدن نسبة 2 في المائة فقط من مساحة أراضي العالم، ولكنها تمثل أكثر من 60 في المائة من الاستهلاك العالمي للطاقة، و70 في المائة من انبعاثات غازات الاحتباس الحراري، و70 في المائة من المخلفات العالمية.
ومن ثم، فإنه في حالة التوجه للعمل على تنمية المدن لاستيعاب الزيادة السكانية، نكون إزاء البحث عن رؤية مغايرة للواقع الراهن المتمثل في الجهود الحكومية الهادفة إلى العمل على تخليص المدن من العشوائيات وتحويلها إلى مدن آمنة ومستدامة بحيث توفر مساكن كافية لأهلها بأسعار مناسبة مع وسائل نقل حديثة ومساحات خضراء وخدمات حكومية سريعة، إلا أن ما أفرزته أزمة الوباء الفيروسي الأخيرة تطلبت البحث عن رؤى غير تقليدية في كيفية تخطيط وبناء هذه المدن، إذ أكدت على أهمية تضافر أنواع أخرى من التصميمات في المنظومة التخطيطية لهذه المدن، منها على سبيل المثال كيفية تصميم اتجاهات الشوارع حتى تتناسب مع اتجاهات الرياح لتسير الرياح في الشوارع كمجاري هواء تتخللها ولا تتصادم معها، وكذلك تصميم شبكات صرف الأمطار وشبكات تصريف السيول وهما مختلفتان، إلى تصميم مسارات السيارات والمشاة والفصل بينهما قدر الإمكان.

 

- سيدة ترتدي قناع وجه تستخدم هاتفها المحمول في محطة مترو أنفاق في بكين، وسط جائحة فيروس نقص المناعة البشرية COVID-19(غيتي).


 
ثانياً: مدن المستقبل... مدن صحية وتكنولوجية
لم يكن التفكير في بناء المدن الجديدة أو مدن المستقبل يأخذ في الاعتبار كافة الأبعاد البيئية أو الآيكولوجية، إذ سيطر على التصميمات الهندسية في كثير من هذه المدن نموذج المدن الحدائقية، حيث تنتشر الحدائق بين الأبنية السكنية بما يعطي مساحات من تدفق الهواء وحرية الحركة. والحقيقة أن هذا النموذج لم يكن حديثا وإنما يرجع إلى نهاية القرن التاسع عشر وبداية القرن المنصرم، فعلى سبيل المثال تم تطبيق هذا النموذج في تصميم بعض الأحياء القديمة في المنطقة العربية على غرار حي غاردن سيتي بوسط القاهرة، إلا أنه ظل مسيطرا على توجهات التخطيط العمراني كونه النموذج المحقق للمدينة المستدامة حتى ما بعد رؤية الأمم المتحدة للتنمية المستدامة 2030، تلك الرؤية التي مثلت الخريطة العامة لكافة رؤى التنمية المستدامة لمختلف بلدان العالم.
ولكن ما يلفت الانتباه في هذا الخصوص أن فكرة المدن الصحية أو مراعاة الأبعاد الصحية في تأسيس المدن أو الأحياء لم تحظ بالاهتمام الكبير من جانب المخططين العمرانيين على مدار العقود الماضية، وإنما اتجه فهمهم إلى قضية الاستدامة من خلال البحث عن مجموعة من المعايير المحققة لإنشاء مدن مستدامة، والتي يمكن أن نجملها فيما يأتي:
1- الهندسة المعمارية، ويقصد بها السماح بوجود التزام لتحقيق الاستدامة، ويشمل هذا الالتزام جميع مراحل البناء مثل: التخطيط والبناء وإعادة الهيكلة، وكذلك إدارة القضايا والموارد البيئية، مثل الطاقة والمياه والمواد، واستخدام الطاقة بصورة أكثر فاعليه، وأكثر كفاءة.
2- الزراعة، ويقصد بها أن تكون الزراعة في المناطق الحضرية وسيلة ناجحة لتحقيق نمو غذائي مستدام، حيث ينبغي للمدن تخصيص منطقة مشتركة من الحدائق أو المزارع، ومنطقة مشتركة لسوق المزارعين، لكي تتم زراعة المواد الغذائية داخل المدينة.
3- مدن للمشاة، حيث يستوجب ذلك إتاحة الفرصة للمشي في شوارع هذه المدن، والأماكن العامة الأخرى بصورة إيجابية ومتكاملة، وإمكانية التوجه أو العبور عبر مساحة مفتوحة يمكن الوصول إليها بسهولة.
4- المباني المفردة، ويقصد بها تحقيق نظام الريادة في الطاقة والتصميم البيئي (LEED)، حيث يقوم هذا النظام بتقييم المباني الخضراء ويشجع ويسرع الاعتماد العالمي لممارسات البناء والتنمية المستدامة الخضراء، من خلال إنشاء وتطبيق معايير أداء متفهمة ومقبولة عالميًا.
5- وسائل النقل، حيث يستهدف النقل المستدام الحد من الاعتماد على استخدام مركبات تسبب الاحتباس الحراري، التي تنبعث منها الغازات، من خلال الاستفادة من التخطيط الحضري صديق البيئة.
وإلى جانب هذه المدن المستدامة وفقا لهذه المعايير، برز كذلك مفهوم المدن الذكية (smart cities) والتي عرفها الاتحاد الدولي للاتصالات بأنها مدينة مبتكرة تستخدم تقنية المعلومات والاتصالات وكفاءة العمليات والخدمات الحضرية، والقدرة على المنافسة، لتحسين نوعية الحياة، وتلبي في الوقت ذاته احتياجات الأجيال الحالية والمقبلة من الجوانب الاقتصادية والاجتماعية والبيئية والثقافية. وقد تمثلت الركائز التقنية الرئيسية للمدينة الذكية فيما يأتي: تطوير الحوكمة الرقمية، وأنظمة النقل، ونظام توليد الطاقة وشبكة توزيعها الذكية، وتوفير المياه، بالإضافة إلى مبادراتها المتعلقة بجمع البيانات وإشراك الجمهور في اتخاذ القرارات.
وإذا كان صحيحا أن هذه الأبعاد أو الركائز سواء في المدن المستدامة أو المدن الذكية تتعلق بالعمل على حماية البيئة وصونها بما يضمن تحقيق استدامة حقيقية في مدن المستقبل، وإذا كان صحيحا كذلك أنها تصب بشكل غير مباشر في سبيل الحفاظ على الصحة العامة، إلا أنه من الصحيح أيضا أنها تغفل بعدا مهما يتعلق مباشرة بالصحة العامة، يؤكد عليه المختصون في مجال الصحة العامة والطب الوقائي، إذ يرون أن استجابة المواطنين لقواعد الصحة العامة تنجح عندما تكون غير موجهة بشكل مباشر، بمعنى أن تكون سلوكا معتادا للمواطنين جميعا وليس استثناء مرتبطا بحادث معين على غرار المطلوب اليوم من كافة المواطنين الالتزام بحزمة من الضوابط والإجراءات الصحية في سبيل مواجهة تفشي فيروس كورونا.
ومن ثم، تبرز مدى تشابكية العلاقة بين دور التخطيط العمراني لمدن المستقبل ودعم السلوك الحضري الصحي والسليم للمواطنين، من خلال وضع التصميمات الهندسية أو العمرانية التي تتيح لساكني هذه المدن ممارسة السلوكيات الصحية داخل النطاق العمراني بشكل عام. وهذا هو مربط الفرس الذي كشفت عنه الأزمة الفيروسية الراهنة.


 

طبيبة في مستشفى CHRالإقليمي التكنولوجي الذي يعد في طليعة أكبر المستشفيات الحديثة في بلجيكا بمدينة (لييج)  يعمل به 3.500 عامل ، و500 طبيب، ويستوعب 10.000 مريض يوميًا ومنذ بداية أزمة الفيروس التاجي ، حشد المركز جميع خبراته في خدمة السكان (غيتي). 
 


ولكن ما يؤسف له أن تشابكية هذه العلاقة لم تكن جديدة، إذ سبق أن أطلقت منظمة الصحة العالمية مبادرة عام 1986 لتطوير المخططات العمرانية بما يدعم متطلبات الصحة العامة، وأطلقت مصطلح «المدينة الصحية»، وذلك للمقاربة بين الصحة العامة والتصميم العمراني.
ولم يقتصر الأمر على ذلك فحسب، بل كان لبرنامج الأمم المتحدة للمستوطنات البشرية (موئل) والذي أطلقته الجمعية العامة للأمم المتحدة عام 1978 بهدف تعزيز التنمية المستدامة للبلدات والمدن في المجالات الاجتماعية والبيئية، كان قد وضع عام 2005 مجموعة من المبادئ أو الأسس لتخطيط المجاورة السكنية المستدامة، أكد من خلالها على ضرورة إتاحة فرصة لممارسة المشي، فمع النداء بتقليل تداخل طرق السيارات داخل المناطق السكنية نادى بالتوسع في مسارات المشاة وحارات الوسائل الصديقة للبيئة داخل المنطقة السكنية، إلى أن أوصى بأن تكون أطوال الشوارع والطرق وممرات المشاة والدراجات ومساحاتها لا تقل عن 30 في المائة من مساحة المجاورة، ويكاد ينعدم دخول السيارات لقلب المجاورة الذي يخصص للمتنزه وروضة الأطفال وممرات المشي لتريض السكان على مختلف أعمارهم، حتى إن الممشى مصمم في انحداراته وما يقابلها من درجات صعود وهبوط مدروسة للحفاظ على لياقتهم وتنشيط الدورة الدموية لكبار السن ويفيد السيدات الحوامل، مع توافر نقاط استراحة وجلسات قراءة.
نهاية القول إن رؤية الأمم المتحدة للتنمية المستدامة 2030 في هدفها الحادي عشر قد أكدت على أهمية جعل المدن والمستوطنات البشرية شاملة للجميع وآمنة وقادرة على الصمود ومستدامة، وهو ما يتطلب أن يكون تخطيطها مراعيا للبعدين الصحي والتكنولوجي معا، إذ تطلبت الحاجة لمواجهة جائحة كورونا التي عصفت بكثير من مدن العالم الرئيسية وتحديدا عواصمها، بقاء المواطنين في المنازل حفاظا على صحتهم ومنعا لتفشي الوباء وانتشاره، وهو ما جعل الاعتماد الكلي على شبكة الإنترنت كحجر الزاوية الرئيسي في إتمام كافة المهام أو الأعمال، بل يمكن القول إن شبكة المعلومات الدولية أضحت هي ركيزة حياة المدن، خاصة من خلال ما يعرف بإنترنت الأشياء والذي يطبق في كثير من دول العالم المتقدم. ولكن الخطورة إذا ما هوجمت هذه الشبكة بفيروس إلكتروني أو حدث لها تدمير لسبب من الأسباب أدى إلى انقطاعها ليعيش المواطنون في تلك المدن في حالة شبة عزلة تامة بتأثيراتها المتعددة مستقبلا، بما يثير التساؤل حول مدى الاستعدادات البديلة في حالة حدوث مثل هذه الكارثة البيئية - الصحية مع انقطاع شبكة الإنترنت؟
وتأتي الإجابة على هذا التساؤل بأن بناء المستقبل والتعامل مع تحدياته مرهون بقدرة الحكومات على إعادة النظر في بناء مدنها المستقبلية وفقا لتخطيط عمراني يأخذ في تقديراته المخاطر والتهديدات التي أفرزتها تلك الجائحة العالمية، لنكون إزاء مدن صحية وتكنولوجية قادرة على التعامل مع هذه المخاطر والتهديدات بقدرات ذاتية عبر تأسيس شبكات إنترنت محلية وشبكة إكسترانت تنظم عمل هذه الشبكات المحلية، مع تخطيطات عمرانية تراعي الأبعاد البيئية والصحية، وذلك كله تعزيزا للأمن القومي في مفهومه الأوسع إذا ما تعرضت الدولة لأي كوارث وبائية أو هجمات بيولوجية أو حرب إلكترونية.

font change