أزمات «الخليفة» وصراعات «الخلافة»

«المجلة» تنشر كواليس «العدالة والتنمية» في تركيا

الرئيس التركي رجب طيب إردوغان وصهره براءة البيرق

أزمات «الخليفة» وصراعات «الخلافة»

* مجموعة «البجع» تضغط لتولي سلجوق بيرقدار- زوج ابنة إردوغان الكبرى سمية- حقيبة الصناعة والتكنولوجيا
* أكدت وثائق مسربة أن براءات البيرق زوج إسراء إردوغان دخل في علاقة مع «داعش» وتورط في تهريب نفط التنظيم إلى تركيا، وهي التجارة التي تمول عملياته الإرهابية... ولمواجهة الفضيحة اعتقل إردوغان جميع الشخصيات التي اشتبه بعلاقتها بالتسريبات
* أوزجور أوزال: إردوغان بات يحكم من القصر الرئاسي،وتتحكم زوجته أمينة في السياسات البيئية،بينما سياسات المرأة والأسرة لابنته سمية رئيسة جمعية «النساء والديمقراطية»، ويتولى أمور شؤون التعليم في الدولة نجله الأكبر بلال 
* من المنتظر أن يطرأ تغيير على عدد من الوزراء كوزير العدل عبد الحميد غل، ووزير الصناعة والتكنولوجيا، مصطفى فارانك، بحسبانهما من الوزراء المغضوب عليهم من قبل مجموعة «البجع» التي تسيطر على وسائل الإعلام التابعة لـ «العدالة والتنمية»
* أشعل إردوغان غضب المعارضة بعدما اتهم بلديات إسطنبول ومرسين وأضنة التابعة لحزب الشعب الجمهوري، أكبر أحزاب المعارضة التركية، بمحاولة إقامة دولة موازية للدولة في كل ولاية من الولايات الثلاث
* عزز استطلاع رأي أجرته مؤسسة «أفروآسيا» آمال المعارضة بعد أن كشف أن حزب الشعب الجمهوري المعارض بات يقف في صدارة المرشحين للوصول للحكم
* تعالت أصوات أحزاب المعارضة مؤخرا للمطالبة بعودة النظام البرلماني، بعد تطويره، بعدما أثبت النظام الرئاسي فشله، سياسيا واقتصاديا
* اشتدت مظاهر الاحتقان السياسي داخل حزب «العدالة» منذ تعيين الرئيس التركي رجب طيب إردوغان، في يوليو 2018، صهره براءات البيرق وزيرا للمالية
* أطلق حزب «المستقبل» التركي المعارض برئاسة رئيس الوزراء الأسبق أحمد داود أوغلو، حملة لتوحيد مواقف الأحزاب في البرلمان ... ويروج الحزب لحملته التي ستستمر حتى نهاية العام الجاري تحت شعار «المستقبل في البرلمان»
* استقالة أكثر من مليون من أعضاء حزب «العدالة والتنمية» خلال عامين ، مؤشر يكشف عن تزايد حالة السخط وعدم الرضا التي تجتاح صفوف قواعد الحزب الشعبية
* هبط صافي احتياطيات النقد الأجنبي في تركيا إلى نحو 25.9 مليار دولار من أكثر من نحو 40 مليار دولار في بداية العام. وانخفضت الليرة 14 في المائة منذ بداية العام و40 في المائة في العامين الماضيين

أنقرة: تتنوع جبهات الصراع وتعدد الأزمات التي تعاني منها الدولة التركية، وذلك بسبب سياسات حزب العدالة والتنمية، وما تمثله من انعكاس لصراعات متعددة الجبهات يعاني منها الحزب الحاكم، سيما بين قياداته التي غدت تصطف في كتل متجابهة ويسعى كل منها إلى «تصفية» الآخر، على نحو غدت تعكس وتيرته استقالات الوزراء الأتراك المتتالية من الحكومة التركية خلال الفترة القليلة الخالية.
إن ما تعانيه تركيا أو «دولة الخلافة»، حسب تعبير تيارات راديكالية مدعومة من حزبها الحاكم، باتت ترتبط بقضية «الخليفة» الذي سيخلف الرئيس التركي في قيادة حزب العدالة والتنمية، وذلك في ظل صراعات مشتعلة بين كتل كل منها يمثل تيارا سياسيا يسعى إلى التمكين من الحزب، وبالتبعية من السلطة في تركيا.
برزت هذه القضية منذ فترة ليست بالقليلة ولكنها اٌعيدت إلى الواجهة مؤخرا، سيما بعد حالة الارتباك التي صاحبت الأخبار التي تم تداولها عن عزم وزير الصحة التركي فخر الدين قوجه، على الاستقالة قبل أن يتراجع، لحق ذلك الإعلان عن إقالة محمد جاهد تورهان، وزير النقل التركي، من منصبه، وفقا لمرسوم رئاسي تركي، وذلك بسبب اعتراضه على سياسات الرئيس فيما يخص «قناة إسطنبول»، والرجل كان يشغل منصب الرئيس السابق لمديرية السكك الحديدية، وكبير مستشاري الرئيس، ثم عمل وزيرًا للنقل منذ يوليو (تموز) 2018، وظل لفترة طويلة مقربًا من الرئيس التركي.

 

سليمان صويلو وزير الداخلية التركي


اتضحت حالة الارتباك وما تظهره من صراعات على نحو أكبر حينما أعلن سليمان صويلو وزير الداخلية التركي استقالته من منصبه، قبل أن يعدل عن ذلك بسبب رفض الرئيس التركي قبول الاستقالة.
أوضحت استقالة وزير الداخلية طبيعة الصراع داخل الحزب الحاكم، فالرجل مقرب من الرئيس لكنه ينتمي إلى كتلة ليست على توافق مع صهره براءات البيرق، وزير المالية والخزانة، والذي يلعب أدوارا قيادية في إطار «مجموعة البجع» التي تهيمن على المشهد داخل الحزب، وتحاول أن تستنسخ ذلك داخل مختلف مؤسسات الدولة، في مواجهة صويلو المدعوم من التيار القومي الذي يستند عليه إردوغان في السنوات الأخيرة، وجناح ثالث يبدو أقل تأثيرا يتبع وزير العدل عبد الحميد غل.
كشفت في هذا السياق، صحيفة «يني تشاغ» التركية أن مجموعة «البجع» التي يقودها سرهات البيرق شقيق صهر وزير الخزانة والمالية، براءات البيرق زوج إسراء إردوغان، تضغط لتولي سلجوق بيرقدار، زوج ابنة إردوغان الثانية سمية، حقيبة الصناعة والتكنولوجيا، بدلا من الوزير الحالي مصطفى فارانك الذي لا يحظى بتأييد المجموعة، لكنه قريب من إردوغان كونه كان مستشارا له، وبحسبانه فقد شقيقه الأستاذ الجامعي أثناء محاولة الانقلاب الفاشلة في 15 يوليو 2016.
هذه المحاولات إلى جانب تلك الأدوار التي يضطلع بها بلال إردوغان في المجال الاقتصادي والتشابكات التي تجمع براءات البيرق بسياسات تركيا التجارية وخلفيته في صناعة الطاقة، إضافة إلى أدوار القادم الجديد سلجوق بيرقدار في الصناعات العسكرية، تجعل من النظام التركي أقرب إلى «نظام عائلي» منه إلى نظام سياسي لدولة مؤسسية.
فالضغوط التي تعرض لها وزير الداخلية لم تتعلق بحالة الغضب في الأوساط السياسية والشعبية جراء قرار حظر التجول المفاجئ الذي تسبب في حالة من الفوضى في الشارع التركي، وإنما بسبب ضغوط تمارس لإبعاد الرجل عن منصبه الحيوي في النظام السياسي التركي.
وتشير في هذا السياق تقارير إلى أن تراجع إردوغان عن قبول استقالة وزير الداخلية سليمان صويلو جاء بتدخل من حليفه السياسي دولت بهشلي رئيس حزب الحركة القومية، الذي أكد له أن صويلو يؤدي مهامه بنجاح وأن الوقت الراهن لا يتحمل إجراء تعديل في الحكومة، وأن حزب الوحدة الكبرى اليميني أيضا تدخل لدى إردوغان لرفض الاستقالة، التي كان وزير الخزانة والمالية براءات البيراق يدفع باتجاه قبولها.
وثمة مؤشرات تشير إلى أن الوزير التركي قد ينُقل إلى وزارة أخرى في تعديل وزاري محتمل، وأنه من المنتظر أن يطرأ تغيير على عدد من الوزراء كوزير العدل عبد الحميد غل، ووزير الصناعة والتكنولوجيا، مصطفى فارانك، بحسبانهما من الوزراء المغضوب عليهم أيضا، من قبل مجموعة «البجع» التي تسيطر على وسائل الإعلام التابعة للحزب بسبب امتلاك عائلة البيراق عددا من وسائل الإعلام فضلا عن «جيش» من المجموعات أو «اللجان الإلكترونية».

 

الرئيس التركي رجب طيب أردوغان وعقيلته أمينة


 
الصراعات داخل حزب العدالة والتنمية
أحد محركات الصراعات السياسية والتوترات التي باتت تعج بها ساحة حزب العدالة والتنمية الداخلية ترتبط بتصاعد أدوار مجموعة من الشخصيات، يرى البعض أنها باتت المسؤولة عن عملية صنع القرار وتهيمن على المعلومات التي تُرسل للرئيس، وهذه المجموعة يطلق عليها «مجموعة البجع»، وهي التي عملت على تصفية أي مراكز قوى للقيادات المؤسسة لحزب العدالة والتنمية.
تمتلك هذه المجموعة أماكن تمركز رئيسية، ولها مقر يطل على مضيق البوسفور في إسطنبول، وتشير تقديرات تركية إلى أنها تستخدم وسائل إعلام تابعة لها لاستهداف و«تصفية» الخصوم داخل العدالة والتنمية وخارجه.
تلعب هذه المجموعة أدوارا مركزية في المشهد التركي، فهي التي صاغت قرار إعادة الانتخابات في بلدية إسطنبول، وهي التي ضيقت الخناق على داود أوغلو لتدفعه للاستقالة من الحزب. وقد اعتقد البعض أن الرئيس التركي وبسبب الهزيمة التي تعرض لها في جولة الإعادة في الانتخابات البلدية في يونيو (حزيران) 2019. سينأى بنفسه عن هذه المجموعة، غير أن إردوغان على العكس من ذلك قام بزيارة مقر هذه المجموعة خلال انعقاد منتدى مركز غلوبال بوسفور في أغسطس (آب) الماضي.
أسهم تصاعد حضور واتساع نفوذ هذه المجموعة في تزايد حدة التوترات بين «أجنحة» حزب العدالة، بسبب تفاقم الصراعات على وراثة إردوغان وقيادة الحزب.
يبرز في هذا السياق، من جهة وزير الخزانة براءات البيرق — صهر الرئيس - ورجال الأعمال المستفيدون منه. ومن جهة ثانية وزير الداخلية سليمان صويلو ومناصروه، بالإضافة إلى جبهة وزير العدل.
تفتقر هذه التكتلات الثلاثة إلى الثقة ببعضها بعضًا، ويسود بينها حالة من التنافس الذي تحول من الخفاء إلى العلن، سيما أن إردوغان أصبح يعرف بأنّه «رجل تركيا المريض»، في إشارة إلى توصيف السلطنة العثمانية في آخر عهدها، حين كانت توصف بـ«الرجل المريض»، الذي تقاسم الحلفاء إرثها ومناطق سيطرتها ونفوذها.
اشتدت مظاهر الاحتقان السياسي داخل «العدالة» منذ تعيين الرئيس التركي رجب طيب إردوغان، في يوليو 2018، صهره براءات البيرق وزيرا للمالية. فقد كان من الواضح أنه يرمي لتعزيز تموضع ذلك الشاب الذي يتصنع الهدوء والمتمكن من اللغة الإنجليزية، بدوائر القرار، وسط مخاوف من تحضيره لخلافة إردوغان وتوريثه الحكم.
يدخل بعد عامين من ذلك، صهر جديد لإردوغان إلى دائرة الضوء. برز اسم سلجوق بيرقدار، زوج سمية ابنة إردوغان، مرفوقا بأنباء تفيد بوجود ضغوط لتوليه حقيبة الصناعة والتكنولوجيا، بدلا من الوزير الحالي مصطفى فارانك.
يمتلك سلجوق بيرقدار، بحسبانه رجل أعمال، مصنع «بيرقدار»، الذي ينتج الطائرات المسيرة «بيرقدار»، والذي بات اسمه موضع تكثيف في وسائل الإعلام الموالية للحكومة في الفترة الأخيرة، من خلال تسليط الضوء على دوره في تصنيع الطائرات المسيرة في شركته، فضلا عن محاولتها إبراز اسمه في خضم أزمة تفشي فيروس «كورونا»، لقيام شركته بتصنيع أجهزة طبية؛ لمواجهة الأزمة.
ولم يعد دخول بيرقدار إلى الحكومة، يجابهه عائق بسبب التحول الدستوري الذي بات يسمح باختيار وزراء من خارج نواب الحزب الحاكم بالبرلمان. وبفعل سيطرة براءات البيرق على حزب العدالة.
 

سمية إردوغان وزوجها سلجوق بيرقدار الذي يصنع طائرات من دون طيار


 
«العدالة والتنمية»... الدوافع الرئيسية للانشقاقات الحزبية
التحولات التي يشهدها الحزب الحاكم تأتي في وقت تتحدث فيه الأوساط السياسية عن تخطيط الرئيس رجب طيب إردوغان وحزبه لإجراء انتخابات مبكرة خلال أشهر، بعدما أظهرت استطلاعات الرأي تراجع شعبيته، إلى جانب خشيته من نجاح المعارضة في استغلال إخفاقات الحكومة في التعامل مع أزمة تفشي فيروس كورونا في البلاد لإلحاق مزيد من الخسائر بالحزب، فضلاً عن تنامي شعبية حزبي «المستقبل» و«الديمقراطية والتقدم» اللذين أسسهما رئيس الوزراء الأسبق أحمد داود أوغلو ونائب رئيس الوزراء الأسبق علي باباجان، بعد انفصالهما عن الحزب الحاكم.
وثمة تقديرات تشير إلى أن مشهد الحزب داخليا لم يعد تقليديا وإنما بات غير مألوف وغامضا، وذلك بسبب حدة الصراعات التي يعاني منها وتزايد مظاهر الانشقاقات بين مختلف أجنحته، يأتي هذا في وقت تتصاعد فيه شعبية أحزاب المعارضة.
فقد عزز استطلاع رأي أجرته مؤسسة «أفروآسيا» آمال المعارضة بعد أن كشف أن حزب الشعب الجمهوري المعارض بات يقف في صدارة المرشحين للوصول للحكم.
وبينما قد يرسخ ذلك مرحلة التحالفات الحزبية في تركيا، فإنه قد يفضي إلى ظهور المزيد من الأحزاب الجديدة والتي قد تضع حدا لحكم هيمن عليه حزب واحد ورئيس جمع كل أشكال السلطة في قبضته.
الوضع الدراماتيكي الذي بات يجابهه حزب تركيا الحاكم يرتبط هكذا بمستويين، أحدهما داخلي يتعلق بعدم انسجام كبار قادته والآخر خارجي يرتبط بالأحزاب الأخرى التي باتت تطمح إلى توظيف الانقسامات التي يشهدها الحزب، سيما بعد خروج «شيوخ الحزب» منه سعيا إلى تأسيس أحزاب جديدة، وذلك في ظاهرة تتنوع أسبابها وتتعدد محركاتها، ويأتي في مقدمتها السعي إلى استنساخ تجارب حزبية سابقة، هروبا من مركب الأحزاب السياسية القائمة بمجرد أن يكتنف الغموض مصيرها وتهدد الانقسامات أرجاءها.
 

رئيس الوزراء التركي الأسبق أحمد داود أوغلو


 
متغيرات الساحة السياسية التركية
ارتبطت محركات الانشقاقات السياسية التي يعاني منها العدالة والتنمية بطبيعة المواقف الشعبية الطارئة حيال الحزب وقادته. انعكس ذلك على مستويين.
الأول تعلق، بطبيعة نتائج استطلاعات الرأي التي تشير إلى أن شعبية حزب العدالة والتنمية باتت في تراجع مستمر. وفي هذا السياق أشار بيكير أغديردير، رئيس مؤسسة الأبحاث «كوندا»، إلى أن الناخبين الذين يدعمون حزب العدالة والتنمية تقلصوا من نحو 38 في المائة إلى نحو 27 في المائة منذ الانتخابات المحلية الماضية. فيما وجدت مؤسسة استطلاع رأي أخرى، في يوليو 2019 أن ثلث الناخبين من حزب العدالة والتنمية يعتقدون أن تركيا بحاجة إلى حزب وسطي جديد.
المستوى الثاني، تعلق بتنامي ظاهرة الاستقالة من حزب العدالة بين صفوف القاعدة الشعبية التي طالما أيدته وناصرته في مواجهة خصومه، وذلك بعد استقالة أكثر من مليون من أعضاء حزب العدالة والتنمية منذ عام 2018، وهو مؤشر يكشف عن تزايد حالة السخط وعدم الرضا التي تجتاح صفوف قواعد الحزب الشعبية.
وقد أشارت بعض التقديرات إلى أن الآلاف من هؤلاء يتحولون للانضمام للحزب الذي أنشأه أحمد داود أوغلو، بالإضافة إلى الحزب الذي يقوده وزير الاقتصاد السابق علي باباجان بالتحالف مع عبد الله غول، وذلك على نحو ينذر بانهيار كامل لحزب إردوغان.
يأتي ذلك في ظل المتغيرات التي أثمرتها الانتخابات البلدية الأخيرة، وبفعل طبيعة الحراك الجيلي الناتج عن بروز أدوار قيادات سياسية شابة خارج أسوار العدالة والتنمية مثل أكرم إمام أوغلو عمدة مدينة إسطنبول.
وربما يفاقم مأزق العدالة والتنمية في هذا الإطار أن هذه الحالة من المرجح أن تفضي إلى إحداث انقسام داخل صفوف الكتلة المحافظة، بما يُنتج مشهدا يهدد بخسارة الحزب للدعم الذي طالما أمنته له دوائر الإسلاميين في تركيا، والأكثر من ذلك العلمانيون، لا سيما بعدما سار إردوغان بالحزب نحو الديكتاتورية، وكرس تفرده بزعامته، وأقصى من كان يخشى أن يشكل منافسا محتملا له داخل الحزب أو خارجه.
لا ينفصل ذلك عن أن ارتدادات تحالف أحزاب المعارضة ضد إردوغان تمت من قبل في عام 2018، وتحديدًا في الانتخابات الرئاسية والبرلمانية التركية، وحينها أعلن حزب الشعب الجمهوري أنه إضافة إلى ثلاثة أحزاب معارضة أخرى توصلوا لاتفاق بشأن تحالف لإجراء انتخابات برلمانية مبكرة في 24 يونيو عام 2018. هذا التحالف بجانب خروج آلاف الأعضاء من حزب العدالة والتنمية يمكن أن يزيد الأحزاب المعارضة قوة، وهذا ما أثبتته الانتخابات البلدية العام الماضي.
فقد انتصرت المعارضة حينها في إسطنبول وأنقرة وإزمير، بما أعاد الثقة في المعارضة وأحزابها في تركيا، ودشن مرحلة بداية تراجع إردوغان. تتضح انعكاسات ذلك في نتائج استطلاعات الرأي العام والتي توضح أن 76 في المائة ممن فقدوا وظائفهم دعموا حزب العدالة والتنمية الذي يتزعمه الرئيس رجب طيب إردوغان في انتخابات مختلفة قبل الانقلاب الزائف، ولكنهم لن يدعموه مرة أخرى في أي انتخابات قادمة.
بلغت نسبة الذين قالوا إنهم يمكن أن يصوتوا لصالح حزب الشعب الجمهوري 77 في المائة، في حين قال 38 في المائة من المستطلعين أنهم يمكن أن يفكروا في التصويت لصالح حزب الشعوب الديمقراطية. كما أن نحو 20 في المائة منفتحون لدعم حزب الخير القومي.
على جانب آخر، كشف استطلاع للرأي مؤخرا عن تراجع جديد في الأصوات المؤيدة لحزب العدالة والتنمية الحاكم، بقيادة إردوغان، بنحو 7 في المائة، بسبب الإخفاقات والأخطاء في الإجراءات والتدابير الاحترازية التي اتخذتها حكومته لمواجهة تفشي فيروس كورونا.
فقد أظهر الاستطلاع الذي أجراه مركز إسطنبول للدراسات الاقتصادية، أن حزب العدالة والتنمية لن يتمكن من الحصول على أكثر من 35.8 في المائة من أصوات الناخبين، وأن شعبية إردوغان تُعد الأكثر تراجعًا بين الشخصيات السياسية في تركيا، وأن رؤساء البلديات التابعين للمعارضة، في إسطنبول وأنقرة وإزمير، يحققون نجاحًا في مواجهة فيروس كورونا، رغم محاولات إردوغان وحكومته عرقلة عملهم.
وكشف استطلاع آخر للرأي، أجرته مراكز البحوث والاستشارات الاستراتيجية، رفض غالبية الشعب التركي للنظام الرئاسي الذي طبق عام 2018، ورغبتهم في عودة النظام البرلماني. وأوضح الاستطلاع الذي شمل 76 ولاية من 81 ولاية تركية، خلال الفترة من 15 إلى 20 أبريل (نيسان) 2020. بمناسبة الذكرى المئوية لتأسيس البرلمان التركي، أن 64.6 في المائة من المواطنين يرون أن البرلمان يُعد المكان الأنسب لحل مشكلات البلاد، في مقابل 19.2 في المائة يرون الرئاسة هي المكان الأنسب.
ورأى 31.2 في المائة من المشاركين في استطلاع الرأي أن النظام الرئاسي مناسب لإدارة البلاد، بينما رأى 32.5 في المائة أنه مناسب جزئيًا لإدارة البلاد، في حين رأى 36.3 في المائة أن النظام الرئاسي غير مناسب لإدارة تركيا على الإطلاق. واعتبر 53.1 في المائة من المشاركين أن البرلمان يمثل ضمانة للحياة الديمقراطية في تركيا. وتعالت أصوات أحزاب المعارضة مؤخرا للمطالبة بعودة النظام البرلماني، بعد تطويره، بعدما أثبت النظام الرئاسي فشله، سياسيا واقتصاديا.

رئيس حزب الشعب الجمهوري كمال كليتشدار أوغلو



دفعت هذه المعطيات الطارئة على مشهد سياسي اتسم بالجمود طيلة السنوات الماضية، رئيس حزب الشعب الجمهوري، كمال كليتشدار أوغلو، إلى الدعوة لكتابة دستور جديد للبلاد يعيد العمل بالنظام البرلماني، بدلاً من الرئاسي الذي بدأ العمل به قبل نحو عامين.
قال كليتشدار أوغلو، في كلمة بالبرلمان في جلسة الاحتفال بالذكرى المئوية لتأسيسه، إن «النظام البرلماني الديمقراطي القوي يجب أن يشكل العمود الفقري للدستور الجديد، لدينا مشكلات اليوم، وعلينا حلها بأسرع ما يمكن».
على جانب آخر، أطلق حزب «المستقبل» التركي المعارض برئاسة رئيس الوزراء الأسبق أحمد داود أوغلو، حملة لتوحيد مواقف الأحزاب في البرلمان «لخدمة البلاد ونبذ الخلاف والعودة إلى نظام برلماني قوي بدلاً من النظام الرئاسي الذي أظهر هشاشة واضحة في إدارة شؤون الدولة». ويروج الحزب لحملته التي ستستمر حتى نهاية العام الجاري، تحت شعار «المستقبل في البرلمان».
ونشر داود أوغلو مقطع فيديو عبر وسائل التواصل الاجتماعي يشير فيه إلى «صلابة وسلامة أول برلمان تأسس في تركيا قبل 100 عام». وشدد على أن «مستقبل تركيا يكمن بقوة في الوصول إلى التفكير المشترك وحرية التعبير عن الرأي مثلما كان قبل نحو مائة عام، والمستقبل يكمن في البرلمان من أجل دولة قوية تحت مظلة واحدة ولا تحاكم بعضها البعض من أجل مطامع شخصية ولا تخوِّن رغم الاختلافات الفكرية والعرقية والآيديولوجية».
وقالت مصادر من حزب «الديمقراطية والتقدم» برئاسة نائب رئيس الوزراء الأسبق علي باباجان، إن الحزب يسرع حاليًا من وتيرة تشكيل اللجان الرئيسية في المدن والبلدات المختلفة، استعدادًا لافتتاح المقر الرئيسي له قريبًا، لافتة إلى أن «أزمة فيروس كورونا كانت السبب في تباطؤ تشكيل لجان الحزب» الذي أطلق في مارس (آذار) 2020.

 

ابنة الرئيس التركي سمية تتوسط والديها وهي تحمل مولودها بين ذراعيها – 25 يناير 2015(غيتي)


 
سياسات الحزب الحاكم حيال معارضيه
عمل حزب العدالة على حصار معارضيه من الأحزاب السياسية. فقد طالبت الرئاسة التركية من البرلمان رفع الحصانة عن 30 نائبا معارضًا؛ بينهم 21 نائبا عن «حزب الشعوب الديمقراطية» الكردي المعارض، تمهيدًا لمحاكمتهم بتهم يتعلق أغلبها بدعم الإرهاب.
وسبق أن رفع البرلمان الحصانة عن عشرات النواب غالبيتهم من حزب الشعوب الديمقراطية (المؤيد للأكراد) بتهم «دعم الإرهاب»، إذ يتهم الرئيس رجب طيب إردوغان الحزب بأنه «الذراع السياسية لحزب العمال الكردستاني»، المصنف في تركيا بحسبانه «منظمة إرهابية».
وفي مقابلة مع شبكة «يورونيوز» الإخبارية، زعم دوغو برينشيك، رئيس حزب الوطن اليساري، وأحد الموالين لرجب إردوغان، أن القيادات المستقيلة من حزب العدالة والتنمية تُعد «من الركائز الأساسية لحركة الخدمة»، والتي تتهمها أنقرة بتدبير الانقلاب العسكري في يوليو 2016. هذا فيما اتهم كبير مستشاري القصر الرئاسي يغيت بولوت، داود أوغلو وباباجان بأنهما يساعدان حركة فتح الله غولن المتهمة بتدبير الانقلاب.
ويتعرض «حزب الشعوب الديمقراطية» لضغوط شديدة من جانب الحكومة تشمل عزل رؤساء البلديات المنتخبين من صفوفه. وعزلت وزارة الداخلية مؤخرًا نحو 41 رئيس بلدية منتخبًا من أعضاء الحزب في ولايات شرق وجنوب شرقي تركيا، في إجراء أصبح معتادًا منذ محاولة الانقلاب الفاشلة التي شهدتها البلاد في 15 يوليو 2016. رغم فوزهم بمناصبهم بالانتخاب. وكان إردوغان أقر في مايو (أيار) من عام 2016 تعديلا دستوريا مقدما من حزب العدالة والتنمية الحاكم يقضي برفع الحصانة عن النواب الذين يواجهون دعاوى قضائية.
على مستوى ثانٍ يعي حزب العدالة أن التحديات التي تجابهه باتت ترتبط بشخصيات بارزة وليس فقط بأحزاب معارضة، لذلك لا تتوقف حملات النيل من عمدة إسطنبول، أكرم إمام أوغلو.
ودعت المعارضة الرئيس التركي إلى التخلص مما سمته «متلازمة أكرم إمام أوغلو» بسبب هجومه المتكرر على رئيس بلدية إسطنبول، الذي تمكن من انتزاع البلدية المفضلة لإردوغان وحزبه في الانتخابات المحلية العام الماضي، والذي وصل إلى حد اتهامه بممارسة الإرهاب بسبب قيام البلدية بتوزيع الخبز خلال فترة حظر التجول التي فرضت في إطار تدابير مواجهة فيروس كورونا.
وأشعل إردوغان غضب المعارضة بعدما اتهم بلديات إسطنبول ومرسين وأضنة التابعة لحزب الشعب الجمهوري، أكبر أحزاب المعارضة التركية، بمحاولة إقامة دولة موازية للدولة في كل ولاية من الولايات الثلاث، وشبهها بحركة الخدمة التابعة للداعية فتح الله غولن، التي ينسب إليها تدبير محاولة الانقلاب الفاشلة التي وقعت في 15 يوليو 2016، وحزب العمال الكردستاني، وتصنفهما الحكومة التركية كمنظمتين إرهابيتين.
وقال نائب رئيس الكتلة البرلمانية لحزب الشعب الجمهوري، إنجين ألطاي، إن الرئيس ذهب إلى أبعد مدى وتجاوز حدوده بالاتهامات التي وجهها إلى رؤساء بلديات إسطنبول ومرسين وأضنة بسبب تشبيهه لهم بالإرهابيين ومن يقومون بجهود لإقامة دولة موازية بسبب حالة الخوف من ضياع شعبية حزبه.
وأضاف ألطاي أن رؤساء البلديات الثلاثة لم يثبت يوما أنهم جلسوا مع فتح الله غولن أو مع زعماء العمال الكردستاني، وأن الجميع في تركيا يعرف أن إردوغان وحزبه هم من فعلوا ذلك في السابق، لذا فإن إردوغان مدين لهم بالاعتذار. وتابع: «لقد أصيب إردوغان بحالة من جنون الارتياب وحدثت له مشكلة بعد الخسائر التي واجهها في الانتخابات المحلية العام الماضي وأصبح يعاني من متلازمة أكرم إمام أوغلو الذي فاز مرتين متتاليتين في انتخابات بلدية إسطنبول».
ويتهم حزب الشعب الجمهوري المعارض، حكومة إردوغان بعرقلة جهود رؤساء البلديات المنتخبين المنتمين له خصوصا في البلديات الكبرى مثل أنقرة وإسطنبول وأزمير، بالإضافة إلى مرسين وأضنة.
وعلق أكرم إمام أوغلو، رئيس بلدية إسطنبول في بث عبر وسائل التواصل الاجتماعي، على هذا الإجراء، قائلا إنه «لم يحدث في أي دولة في العالم التعامل مع بلدية على أنها تمثل «تنظيما إرهابيا» ورئيسها «زعيم إرهابي» لقيامهم بمهامهم الدستورية وتوزيع الخبز والمواد الغذائية على المواطنين.. نحن رؤساء البلديات، انتخبنا بمصالحة مجتمعية واسعة، بعيدا عن الميول السياسية، لنصبح أشخاصا ملزمين بخدمة جميع المواطنين مهما كان توجههم. ليس لدينا أي أولوية غير خدمة المواطن».
وانتقد رئيس بلدية مرسين، وهاب ساتشار، الهجوم الذي يشنه إردوغان بسبب الخدمات التي تقدمها البلديات للمواطنين أثناء فترات حظر التجول ووصفها بأنها أنشطة تهدف إلى تخريب جهود الدولة، وأكد أنه لم يرتكب أي فعل مخالف للقانون.

 

شهدت تركيا  أكبر خسارة من حيث النسبة المئوية في تراجع احتياطيات النقد الأجنبي بين الاقتصادات الناشئة


 
الاقتصاد والفساد ومستقبل «العدالة»
اعتمد الاقتصاد التركي على التوسع في الإقراض المحلي، بما عزز نصيب القطاع الخاص في الناتج المحلي الإجمالي، فزادت مديونيات الشركات على نحو جعلها غير قادرة على الحصول على مزيد من القروض، فتأثرت معدلات الاستثمار والاستهلاك داخل تركيا.
وقد هبط صافي احتياطيات النقد الدولية في تركيا إلى نحو 25.9 مليار دولار من أكثر من نحو 40 مليار دولار في بداية العام. وانخفضت الليرة 14 في المائة منذ بداية العام و40 في المائة في العامين الماضيين. وأشارت تقديرات لمعهد التمويل الدولي أن تركيا شهدت أكبر خسارة من حيث النسبة المئوية في تراجع احتياطيات النقد الأجنبي بين الاقتصادات الناشئة.
وقال كريستيان ماجيو رئيس استراتيجية الأسواق الناشئة في «تي دي سيكيوريتز» إن البنك المركزي التركي ينفق حاليا نحو 440 مليون دولار في اليوم، وبذلك المعدل فإن مجمل احتياطياته من النقد الأجنبي، مع استبعاد الذهب، سينفد بالكامل بحلول أوائل يوليو وسيستخدم كل الذهب المتاح بحلول الأسبوع الثالث من سبتمبر (أيلول).
وأضاف أن التدخلات في سوق النقد الأجنبي يبدو أنها تتزايد، بما يعني أن إنفاق البنك المركزي قد يرتفع إلى نحو 666 مليون دولار يوميا بحلول نهاية مايو القادم، وربما بمعدل أعلى بعد ذلك. ويحمل الكثيرون من الأتراك مسؤولية تردي الأوضاع الاقتصادية لسياسات صهر إردوغان براءات البيرق، والذي أصبح في 2007 الرئيس التنفيذي لشركة شاليك- البيرق القابضة حتى عام 2013. قبل أن يدخل عالم السياسة.
هذا إلى أن دخل البرلمان، وحصل على عضوية حزب العدالة والتنمية الحاكم، ثم عمل وزيرا للبترول والثروات الطبيعية في حكومة أحمد داود أوغلو عام 2015، في صعود لافت للشاب المغمور الذي تزوج من إسراء ابنة إردوغان في 2004.
وتحوم حول إدارته لوزارة النفط الشبهات. وقد مثل تسريب رسائل البريد الإلكتروني الخاص بصهر إردوغان ونشرها عبر موقع «ويكيليكس»، فضيحة استعرضت للرأي العام حقيقة ما يجري في كواليس الحكم.
أظهرت الوثائق أن البيرق دخل في علاقة مع «داعش» وتورط في تهريب نفط التنظيم إلى تركيا، وهي التجارة التي تمول عملياته الإرهابية. ولمواجهة الفضيحة، اعتقل إردوغان جميع الشخصيات التي اشتبه بعلاقتها بالتسريبات، وشن حملة اعتقالات شملت أي صحافي تداولها أو نشرها أو حتى تحدث عنها عبر مواقع التواصل.
ألقت ارتدادات الحادثة بظلالها على البيرق ولامست إردوغان الذي ظل متشبثا بصهره، ورغم الأزمات الطاحنة، والفشل الذريع. يتجه الرئيس التركي لتعيين صهره الثاني سلجوق بيرقدار، وزيرا للصناعة والتكنولوجيا خلال التعديل الوزاري المنتظر. وهو توجه قد يتحقق لحسم الجدل المتصاعد في الآونة الأخيرة، في خضم الانشقاقات والخلافات التي تعصف بالحزب الحاكم.
لكن حتى هذا الصهر الثاني لم ينج رغم كل المحاولات من الانتقادات، بسبب فضيحة فجرها تقرير لصحيفة «بيرجون» المحلية كشفت فيه أن وزير الدفاع السابق فكري إيشيك وافق على تمويل شركة «بيرقدار» بأكثر من 36 مليون دولار لتصنيع 6 طائرات مسيرة.
وقال أوزجور أوزال، نائب رئيس الكتلة النيابية لحزب الشعب الجمهوري، أكبر أحزاب المعارضة، إن إردوغان بات يحكم من القصر الرئاسي، بينما تتحكم زوجته أمينة في السياسات البيئية، وعلى رأس الصناعات الدفاعية صهره سلجوق بيرقدار، وعلى رأس الشأن الاقتصادي صهره الآخر وزير الخزانة والمالية براءات البيراق، بينما سياسات المرأة والأسرة لابنته سمية زوجة سلجوق بيرقدار، رئيسة جمعية «النساء والديمقراطية»، وشؤون التعليم في الدولة يتولى أمورها نجله الأكبر بلال الذي يترأس وقف الشباب التركي. وأضاف: «لم نر نظام حكم كهذا من قبل.. هناك 6 أشخاص يلتفون حول إردوغان في الحكم، كلهم من عائلته، ومن ثم إما أن ترفع هذه الأسرة يدها عن حكم تركيا وإما تتحمل ما يوجه لها».

font change