الإخوان المسلمون و "سي آي إيه".. علاقات قديمة متجددة

الإخوان المسلمون و "سي آي إيه".. علاقات قديمة متجددة

[caption id="attachment_55238500" align="aligncenter" width="620"]مرشد الإخوان محمد بديع مع آن بيترسون سفيرة واشنطن في القاهرة مرشد الإخوان محمد بديع مع آن بيترسون سفيرة واشنطن في القاهرة[/caption]



الوثائق السرية التي أفرجت عنها "سي اي ايه" تؤكد أن الإدارة الأميريكة كانت تراقب الإخوان ونشاطاتهم منذ العام 1947 (المجلة تنشر وثيقة سرية حول الوضع في مصر بتاريخ 16 أكتوبر 1947). تقول الوثيقة المفرج عنها أن عنصرا جديدا أضيف بعد الحرب العالمية مع ظهور حزب الإخوان المسلمين "الذي يؤكد على الإسلام وكراهيته الشديدة للتدخل الأجنبي في العالم العربي".
وفي وثيقة أخرى تحت عنوان "عواقب تقسيم فلسطين" بتاريخ 28 نوفمبر 1947 (تنشرها المجلة) تذكر وكالة الاستخبارات الأميركية أنه "تم تأسيس حركة الإخوان المسلمين التي تتمركز في مصر من الشبان المسلمين بغرض توجيه المجتمع العربي بما يتوافق مع الآيديولوجيا الإسلامية. وتم تأسيس فروع لتنظيم الإخوان في سوريا، ولبنان، بالإضافة إلى فلسطين، والذي يعد من أكثر أفرعها نشاطا. وينظر تنظيم الإخوان إلى "التغريب" باعتباره تهديدا خطيرا للإسلام وسوف يواجه أي انتهاك صهيوني لفلسطين بالتعصب الديني. فإذا ما تم إعلان "الجهاد"، سيصبح الإخوان رأس الحربة في أي "حملة". كما يستطيع المفتي الأكبر، باعتباره رئيسا للمجلس الإسلامي الأعلى، أن يعتمد على التأييد الجماعي لكافة أعضاء الإخوان الذين يثقون في دخولهم الجنة إذا ما ماتوا في ساحة القتال".



مصالح استراتيجية





في حوار تلفزيوني لبرنامج "هنا العاصمة" مع الاعلامية المصرية لميس الحديدي أكد عبد الحكيم عبد الناصر نجل الرئيس المصري الراحل جمال عبد الناصر ان العلاقة الحميمية بين الاخوان وأميركا مثيره للاندهاش والشواهد تؤكد وجود اتفاق بين الطرفين على تأمين مصالح واشنطن الاستراتيجية في المنطقة. وقال عبد الحكيم عبد الناصر أن تأمين المصالح الاميركية الاستراتيجية بمصر مستمر منذ أربعين عاما وحتى اللحظة الحالية التي تشهد تصدر الإخوان للمشهد.
في فبراير 2011 وفي مقال نشرته "نيويورك ريفيو أوف بوكس" ذهب الصحفي الكندي آيان جونسون إلى وصف العلاقة بين الإخوان وأميركا إلى أنها أكثر من حميمية. يقول صاحب كتاب "مسجد في ميونيخ" (2010)، الذي يعرض نشاط الإخوان في أوروبا ودورهم فى تجنيد عناصر تبنت في ما بعد الفكر الجهادى، إن ما بين الإخوان والمخابرات الأمريكية تراضيا حقيقيا يرجع إلى الخمسينيات من القرن الماضي وهو "تراض صامت" تم بمقتضاه الاتفاق على معاداة الشيوعية وتهدئة أي توترات للمسلمين في أوروبا.
يكشف جونسون في مقاله اطلاعه على أحد الكتب للرئيس الأميركي السابق دوايت ديفيد أيزنهاور يروي فيه تفاصل اجتماع حضره سعيد رمضان مندوب الإخوان المسلمين وصهر مؤسس ومرشد الجماعة حسن البنا وهو والد الباحث المصري طارق رمضان الذي يحمل الجنسية السويسرية.
الكاتب الكندي كشف أيضا أن "سي آي إيه" دعمت سعيد رمضان بشكل علني وكانت تعتبره عميلا للولايات المتحدة وساعدته بالتالي في الخمسينيات والستينيات في الاستيلاء على أرض مسجد ميونيخ وطرد المسلمين المقيمين ليبني المسجد عليها الذي يعد من أهم مراكز الإخوان المسلمين في أوروبا.

وقد كشف الكاتب أيضًا دور المخابرات البريطانية في مساعدة سعيد رمضان لترتيب انقلاب ضد عبد الناصر سنة 1965 والعملية التي انتهت بالقبض على غالب عناصرها في ما عرف تاريخيا بقضية تنظيم الإخوان التي أعدم بسببها سيد قطب.
بعد الثورة بعام أي في 1953، حظر مجلس قيادة الثورة في مصر جميع الأحزاب السياسية باستثناء الإخوان المسلمين لدورهم الكبير في نجاح الثورة، ولم يشفع لعبد الناصر تجنبه الصدام مع الإخوان في بادئ الأمر إلا أن الصدام سرعان ما ظهر للعلن بسبب ابتعاد عبد الناصر عن فكر الإخوان وسعيه لإقامة دولة علمانية تتعارض مع "الأسلمة" التي كان يسعى إليها الإخوان بخاصة وأنهم كانوا يرون أنهم أصحاب الفضل الأكبر في نجاح الثورة وبالتالي قيادتها.
بدأت الحرب المفتوحة بين عبدالناصر والإخوان عام 1954.. فقد تعرض لمحاولة اغتيال في 26 أكتوبر1954 عندما كان يلقي خطابا جماهيريا في ميدان المنشية بالإسكندرية في احتفال بمناسبة اتفاقية الجلاء، حيث ألقيت عليه ثمان رصاصات لم تصبه أيا منها لكنها أصابت الوزير السوداني "ميرغني حمزة" وسكرتير هيئة التحرير بالإسكندرية "أحمد بدر" الذي كان يقف إلى جانب جمال عبد الناصر، وألقي القبض على مطلق الرصاص، الذي تبين لاحقا أنه ينتمي الى تنظيم الاخوان المسلمين.
يفيد ماثيو هولاند في كتابه "أميركا ومصر: من روزفلت إلى أيزنهاور" (1996) أن العلاقة بين عبد الناصر والولايات المتحدة لم تكن سيئة في السنوات الأولى من الثورة حتى أن أميركا منحت عبد الناصر سترة واقية من الرصاص قبل خطاب المنشية الشهير وكأنها كانت على علم بمحاولة الاغتيال (بحسب ما كشفه لاحقا حسن التهامي المستشار السياسي للرئيس جمال عبد الناصر).

حادثة المنشية مكنت عبد الناصر بحسب هولاند من التخلص من الرئيس محمد نجيب ومن الإخوان عبر اصدار مرسوم يقضي بحظر الجماعة واعتبارها خارجة عن القانون، حتى أن أنتونى إيدن رئيس وزراء بريطانيا وصف عبد الناصر بأنه "واحد منا".
تحول عبد الناصر لاحقا الى السوفيات والمعسكر الشرقي غير حسابات لندن وواشنطن وأصبح عدو الأمس صديق اليوم وبدأت علاقة جديدة بين الإخوان وأميركا هدفها هذه المرة القضاء على عبد الناصر نفسه.
حاولت الولايات المتحدة وبريطانيا دعم الإخوان عبر تشكيل خلايا سرية تعمل ضد الثورة وقد أقنعت واشنطن ولندن الإخوان المسلمين بالتعاون مع جماعات إيرانية متشددة، وتم تشكيل خلية "فدائيي الإسلام" التي استطاع عبد الناصر كشفها واعتقل على اثرها عددا من زعامات الإخوان مع سحب الجنسية المصرية من عدد منهم، من بينهم سعيد رمضان نفسه (1965).
وعلى الرغم من إثبات الاستخبارات المصرية تورط سعيد رمضان في تنفيذ أعمال إرهابية إلا أن الحكومة السويسرية لم تتخذ أي إجراء ضد رمضان المقيم على أرضها، ما يضع علامات استفهام حول حقيقة الدور الأميركي والبريطاني في مخطط اغتيال جمال عبد الناصر.


[caption id="attachment_55238501" align="alignleft" width="300"] سعيد رمضان (أقصي اليمين) في ضيافة أيزنهاور داخل البيت الأبيض سعيد رمضان (أقصي اليمين) في ضيافة أيزنهاور داخل البيت الأبيض[/caption]

بعد وفاة عبد الناصر وتراجع المد القومي نشأت علاقة من نوع جديد بين أميركا والإخوان بخاصة في فترة حكم الرئيس محمد أنور السادات. فقد أكد الكاتب الأميركي روبرت دريفوس فى كتاب بعنوان "لعبة الشيطان.. كيف أطلقت الولايات المتحدة العنان للأصولية الإسلامية" (2005) أن واشنطن دعمت الجماعات الإسلامية بالشرق الأوسط وشمال أفريقيا جهراً وسراً، مما تسبب فى ميلاد "الإرهاب"، مؤكداً أن أمريكا تلاعبت بالجماعات الإسلامية التي دعمتها ومولتها.
وقال دريفوس إن الولايات المتحدة استخدمت الإخوان المسلمين فى الخمسينيات، ضد جمال عبد الناصر والمد القومي، وبعد وفاة ناصر عام 1970 وتراجع القومية العربية نهاية السبعينات اضطربت العلاقة بين الطرفين بسبب معارضة الإخوان لاتفاقية كامب ديفيد ، بخاصة وأن الرئيس أنور السادات الذي أصبح من أهم حلفاء واشنطن في المنطقة كان، قبل كامب ديفيد، استخدم الإخوان، بمباركة أميركية، لمناهضة الناصرية والشيوعية.

عرفت العلاقة بين السادات والإخوان "هدنة" استمرت لسنوات لكن سرعان ما بدأت العلاقة تفتر لتنتهي لاحقا في 1981 إلى القطيعة باعتقال المئات وعلى رأسهم المرشد عمر التلمساني.
في كتابهما "الأصوليات والدولة" (1996) يذكر مارتن مارتي وسكوت آبل باي أن نزعة التطرف بدأت تقود الإخوان بخلاف الأزهر الذي حافظ على اعتداله ولم يشأ الدخول في مواجهة مع الجماعة. بدأت الجماعة عبر مجلتها "الدعوة" تدعو صراحة (يوليو 1979) الى مهاجمة السفارة الاسرائيلية وقتل الديبلوماسيين والسياح الاسرائيليين وكل من يتعاون من المصريين مع اسرائيل.

في أبريل 1980 دعت مجلة "الدعوة" إلى مقاطعة كل ما هو إسرائيلي لأن تفجير السفارة أو قتل الديبلوماسيين لن يجدي نفعا بعد أن أصبحت العلاقات بين البلدين واقعا. في يناير 1979 كانت "الدعوة" نشرت تقريرا زعمت أنه صادر عن "سي آي ايه" يدعو الحكومة المصرية الى القضاء على الجماعات الاسلامية ومن بينها جماعة الإخوان. "الدعوة" نسبت التقرير (الذي اتضح لاحقا أنه مزوّر) إلى رتشارد ميتشل أستاذ تاريخ الشرق الأدنى وشمال افريقيا بجامعة مشيغن ومؤلف كتاب مجتمع الإخوان المسلمين.
التزوير المتعمد أغضب الرئيس السادات ودفعه إلى حجز أعداد "الدعوة" وتوبيخ المرشد نفسه على مثل هذه التقارير المغرضة والتي تسيء الى العلاقات الأميركية المصرية. صباح 4 سبتمبر 1981 فاجأت صحيفة الأهرام الناس بأنه تم القبض على المئات من المحرضين على الفتنة الطائفية، وقد كان معظم هؤلاء من الإخوان والجماعات الإسلامية، وكان في مقدمهم مرشد الإخوان عمر التلمساني. الصحيفة أوضحت أن غالبية المتهمين عناصر أعماها التعصب والتطرف الديني، وأن المدعي الاشتراكي يتولي التحقيق مع المتهمين. وفي 5 سبتمبر أعلن السادات، حل بعض الجمعيات المشهرة التي عملت ضد الوحدة الوطنية، والتحفظ على أموال الإخوان المسلمين والجماعات الإسلامية. وكان الاحتقان بين السادات والإخوان قد وصل إلى ذروته بعد أن وجه السادات إلى التلمساني اتهامات بالتخريب والعمالة وإثارة الطلبة والفتنة الطائفية وإلى الإخوان بوجود ثأر بينهم وثورة يوليو.



بين نفي وتأكيد





على الرغم من الكم الهائل من الوثائق الأميركية المفرج عنها من السرية لا تزال واشنطن تنفي وجود أي علاقة بالإخوان. قد يكون هذا صحيحا بعد هجمات الحادي عشر من سبتمبر الإرهابية التي تلاها قطع لأي علاقات أميريكة مع الجماعات الاسلامية.. لكن تواجد الإخوان في الداخل الأميركي بعلم أميركي وموافقة من السلطات الأمنية لا يمكن نفيه بأي حال من الأحوال.
يذكر ستيفين ميرلي الباحث في معهد هدسون بواشنطن في دراسة مطولة عن الإخوان المسلمين في الولايات المتحدة (2009) أن الإدارة الأميركية سمحت لهم بمزاولة نشاطاتهم التنظيمية داخل الولايات المتحدة. وفي هذا الإطار، قام الإخوان في أميركا في أوائل الستينات بعمل منظمات تعمل كواجهة خارجية تغطي علي هذا التنظيم السري للإخوان في الداخل الأميركي. ويقول ميرلي أن هذا التنظيم السري حقق نجاحات واسعة في خلق منظمات راعية ودافعة لتحقيق الأهداف السامية لإخوان أمريكا.
ويذكر الكاتب أنه في البدايات كانت مرحلة التجميع والحشد، حيث بدأ تشكيل الحركة بالتزامن مع بدء الفاعلية الإسلامية في أمريكا الشمالية أو قبلها بقليل.
يقول "بدأ تشكيل المتطوعين لكن بدون أي إطار تنظيمي، فهي إذن مجموعات من المتحمسين أو الناشطين كانوا في بلادهم من الإخوان أو من جماعة أخرى أو ليس لهم أدنى انتماء فجمعهم النشاط والعمل مع الفريق وبهذا كانت مرحلة غرس بذرة الإخوان في أمريكا الشمالية".

ويضيف: "ثم بدأت المرحلة الثانية ذات الطابع التنظيمي حيث تم عمل مجموعات على مستوى دول أمريكا الشمالية ولديهم إطار تنظيمي تنسيقي ما يسمى بمجلس التنسيق والذي أولى اهتمامه بالتنسيق بين جهود المجموعات الدولية والتحقق من مدى فاعليتها والاستفادة من تجاربها والخروج بتوصيات لكنها غير ملزمة للمجموعات وليست في إطار تنظيمي حتى الآن. ثم تنامت هذه المجموعات لتفرز قادة لها ثم يتم عمل مجموعة تنسق وتجمع بين قادة المجموعات في غياب أعضاء المجموعة الأقل في السلم القيادي. وعليه تم إلحاق بعض الدول التي ليس لديها مجموعة ممثلة في مجلس التنسيق أن تنضم إلى أقرب مجموعة في الدولة المجاورة لها كما كان الحال بالنسبة للعراق مع الأردن وليبيا مع مصر والأمثلة واردة".
ويكشف: "قام مجموعة من الطلاب ذات الانتماءات الإخوانية في أمريكا الشمالية بالتجمع والتحشد لتكوين اتحاد الطلاب المسلمين ليكون ذا صبغة إخوانية هو الآخر ثم تكون النشاطات التنظيمية محصورة في التجمعات والمؤتمرات العلنية والمعسكرات الطلابية الحاشدة".




[blockquote]
على الرغم من إثبات الاستخبارات المصرية تورط سعيد رمضان في تنفيذ أعمال إرهابية إلا أن الحكومة السويسرية لم تتخذ أي إجراء ضد رمضان المقيم على أرضها، ما يضع علامات استفهام حول حقيقة الدور الأميركي والبريطاني في مخطط اغتيال جمال عبد الناصر.
[/blockquote]


وبحسب ما جاء في الدراسة فقد "اعترف واحد من مؤسسي هذا الاتحاد أن تاريخ تأسيسه يرجع إلى عام 1962. لقد بدأ عمل الاتحاد في جامعة اليونس في يوربانا شامباين حيث تجمعنا لأول مرة في الخامس والعشرين من ديسمبر من عام 1961 وكنا يومها ثمانية طلاب حيث اتفقنا على أن نلتقي في الأول من الشهر التالي في 1 يناير 1962 حيث ضمت ولايات انديانا ووسكونسين ومينوسوتا وكنا يومها خمس عشرة ثم اتفقنا على إطار أيدلوجي يمكننا السير عليه والالتزام به لنحقق أعلى فاعلية في الجامعات الأمريكية وتنضم إلينا الفرق الطلابية من كل حدب وصوت".
بدأ الاتحاد عمله رسميا في 1963 حتى أصبح من العلامات المميزة في الجامعات والمعاهد الأكاديمية حتى تمتع بحوالي 250 مكتباً تمثيلياً له في مختلف جامعات أمريكا وكندا. كما توجد للاخوان، بحسب ستيفين ميرلي، جمعيات ومؤسسات أخرى تعمل في اطار القانون وبموافقة من السلطات الأميركية وهي الوقف الإسلامي بأمريكا الشمالية والجمعية الإسلامية لأمريكا الشمالية والمعهد العالمي للفكر الإسلامي ومجلس العلاقات الإسلامية الأمريكية والجمعية الإسلامية الأمريكية والمجمع الفقهي لأمريكا الشمالية.



مدّ الجسور





بعد انتخاب باراك أوباما رئيسا للولايات المتحدة خلفا لجورج بوش بدأت هناك محاولات لمد الجسور مجددا بين أميركا والعالم الاسلامي بعيدا عن مخلفات هجمات 11 سبتمبر وجاء الربيع العربي وصعود الاسلام السياسي بقيادة الإخوان بكل فروعهم في البلاد التي طالها الربيع ليعيد أجواء الخمسينيات من القرن الماضي وبدأنا نشهد مد الجسور مجددا بين صديقين قديمين فرقتهما السياسة والمصالح.

ينفي مسؤولون سابقون في الحكومة الأميركية اتصلت بهم "المجلة" أن الولايات المتحدة سعت على الإطلاق إلى التأثير على الإخوان المسلمين. ويقول مساعد وزير الخارجية السابق لشؤون الشرق الأدنى ريتشارد ميرفي إنه لا يذكر وجود أي اتصالات بين "سي آي إيه" والإخوان أثناء الفترة التي أمضاها في وزارة الخارجية.
وكذلك نفى توم تويتن، الذي كان يرأس فرع مصر وليبيا في "سي آي إيه" في فترة منتصف السبعينيات من القرن الماضي، ثم ترقى إلى منصب مدير العمليات في التسعينيات، أن البيت الأبيض أمر بإجراء أي محاولات تدخل لدى
وأوضح تويتن قائلا: "إذا أراد صانعو السياسات.. أن تقوم (سي آي إيه) بـ(عملية) تدخل، سيتطلب الأمر وثيقة مكتوبة تضع الأهداف والحدود وأسباب عملية الوكالة المطلوبة.. ويمكنني أن أؤكد أنه لم تصدر وثيقة أو مناقشة حول التدخل في أو مع الإخوان المسلمين منذ عام 1974 وحتى تقاعدي عام 1995. وكذلك لا أذكر أي إشارة لوجود مثل هذا البرنامج قبل عام 1974".

ولكن يجب التمييز بين محاولة التدخل للتأثير على منظمة ما والتجسس عليها، وهو عمل وكالة "سي آي إيه". وبالفعل يعترف محلل استخباراتي آخر قائلا: "كانت الوكالة تملك مصادر داخل بعض المنظمات الإسلامية لأنها قدمت قدرا كبيرا من التقارير السرية عن (المنظمات) عكست الحصول على معلومات من مصادر مطلعة".
ايان جونسون نفسه، الذي تناول الصلات الأولى بين الاستخبارات الأميركية والإخوان، تراجع بعض الشيء عما دونه سابقا وقال لـ"المجلة" بأن الاتهامات بوجود علاقة مع "سي آي إيه" كانت ""وسيلة قديمة لتشويه الإخوان على مدار عقود. بداية من عهد عبد الناصر، كانت تلك طريقة معروفة للهجوم على الجماعة – بأن يقال إنها تتعاون سرا مع مؤامرة عالمية أميركية (تمتد إلى الصهيونية).

في داخل مصر، تستمر الانتقادات بوجود علاقات بين الإخوان والولايات المتحدة حتى الآن. في الوقت الحالي حيث تسيطر الجماعة، تحت ستار حزب الحرية والعدالة، على مقاليد السلطة في مصر، يجد خصومها حافزا إضافيا للسعي إلى تشويه سمعتها.
في يوليو الماضي وفي حوار مع "الأهرام العربي" اعترف سعد الدين إبراهيم، أستاذ علم الاجتماع ومدير مركز ابن خلدون، بأنه لعب دور الوسيط بين الإخوان والأميركيين في زمن الرئيس المصري السابق حسني مبارك عبر تسهيل اللقاءات بين القياديين في جماعة الإخوان المسلمين خيرت الشاطر وعصام العريان والمرشدين الحالي محمد بديع والسابق محمد مهدي عاكف مع المسؤولين الأميركيين.
وقال إبراهيم إنه لم يتم التوصل لأي اتفاقيات أو أي صفقات،فقد كان الهدف الأساسي هو حرص الجانبين على أن تكون هناك قنوات اتصال لا تنقطع بينهما ويتم استثمارها عندما يأتي الوقت المناسب.





من جهته قال الدكتور عفت السادات، رئيس حزب مصر القومي، إن الإخوان قرروا الارتماء فى حضن الولايات المتحدة الأمريكية، وهذا ليس غريبا عليهم، فالإخوان، عبر تاريخهم الطويل، أدمنوا عقد الصفقات السرية التي تصب في مصلحة الجماعة أولا.
أثناء الزيارة التي قامت بها الوزيرة هيلاري كلينتون إلى مصر في يوليو (تموز)، انتقد الكاتب الصحافي أحمد موسى الرئيس مرسي وحزب الحرية والعدالة بسبب عدم إبداء الحسم الكافي فيما اعتبره تدخلا أميركيا في الشؤون الداخلية المصرية، قائلا إن الولايات المتحدة تحولت من "الشيطان الأكبر" إلى "صديقة" في عيون الحرية والعدالة/ الإخوان المسلمين.
وجدير بالاهتمام أنه يدعي أن التواطؤ المزعوم بين الاثنين "مؤامرة" تهدف إلى تقويض سلطة الجيش المصري. وترددت مخاوفه أيضا على ألسنة المتظاهرين الذين قاموا بقذف سيارة كلينتون بالأحذية والطماطم عند مغادرتها القنصلية الأميركية في الإسكندرية. ولوح كثير منهم بلافتات تتهم الولايات المتحدة بتمويل جماعة الإخوان المسلمين.



اتهامات أميركية





من الغريب أنه في الولايات المتحدة نفسها تجري عملية "تشهير" مشابهة، حيث تلجأ بعض الشخصيات العامة إلى اتهام منافسين سياسيين بالتواطؤ مع الإخوان. في 13 يونيو (حزيران)، أرسلت النائبة ميشيل باتشمان مع أربعة نواب جمهوريين آخرين استفسارا إلى مكتب المفتش العام في وزارة الخارجية للسؤال عن سبب منح مساعدة هيلاري كلينتون منذ فترة طويلة هوما عابدين تصريحا أمنيا على الرغم من مزاعم بوجود علاقات بين والديها وشقيقها بأفراد وجماعات على صلة بجماعة الإخوان المسلمين. قوبلت الاتهامات برد فعل عنيف من مشرعين آخرين، من بينهم السيناتور الجمهوري جون ماكين، الذي اعتلى منصة مجلس الشيوخ ليندد بالرسالة قائلا إن هذه "اتهامات خبيثة.. ليس لها منطق ولا أساس ولا فائدة" .

ووصف ماكين عابدين بأنها "صديقة" وأشار إلى أن هذه الادعاءات تشبه كثيرا ادعاءات السيناتور جون ماكارثي أثناء الخمسينيات، عندما تم إحضار مسؤولين أميركيين، وبخاصة من وزارة الخارجية، أمام الكونغرس من أجل الدفاع عن أنفسهم في اتهامات بالتواطؤ مع الاتحاد السوفياتي.
من جهته وصف باراك أوباما هوما عابدين بأنها "أمريكية وطنية" قائلا خلال حفل إفطار رمضاني في البيت الأبيض إن "تمثيلها لبلدنا والقيم الديمقراطية التي نعتز بها، لم يكن أقل من رائع"، مضيفاً: "الشعب الأمريكي مدين لها بالامتنان، لأن هوما أمريكية وطنية، ومثال لما نحتاجه في هذا البلد، وهو مزيد من الموظفين الحكوميين، الذين لهم إحساسها باللياقة والكياسة وسماحة روحها".

باتشمان التي اتهمت عابدين بالسعي للوصول للمستويات العليا من الحكومة الأمريكية قالت مبررة موقفها: "لو كان أفراد عائلتي مرتبطين بحماس وهي منظمة إرهابية، فهذا وحده قد يكون كافياً لحرماني من الحصول على تصريح أمني".
ولكن الإخوان المسلمين ووزارة الخارجية ليسا الطرفين الوحيدين المتهمين بالتواطؤ. في يوليو (تموز)، خصصت صحيفة "الدستور" المصرية نصف صفحتها الأولى لخبر يشير إلى تقديم عضو الكونغرس عن ولاية فيرجينيا فرانك وولف "وثيقة قانونية.. تثبت أن الرئيس باراك أوباما و(وزيرة الخارجية) هيلاري كلينتون، قدما ما يصل إلى 50 مليون دولار أميركي إلى جماعة الإخوان المسلمين أثناء الجولة الثانية من الانتخابات الرئاسية لدعم محمد مرسي".

ولكن عندما اتصلت "المجلة" بمكتب العضو وولف في واشنطن، نفى المتحدث باسمه أي معرفة بالأمر. وكان وولف قد سافر إلى مصر مرتين، آخرهما في يونيو عام 2011، واجتمع مع مبارك ومسؤولين مصريين آخرين تحدث فيهما عن مخاوفه بشأن حقوق الأقليات الدينية والعرقية في الشرق الأوسط. وربما يكون دعم وولف العلني للأقباط أدى إلى صعود أسهمه داخل مصر، ليصبح هدفا سهلا لمثل هذا النوع من الاتهامات. أما بالنسبة للادعاء ذاته، فيبدو أنه مثال آخر على حملة تستهدف تشويه صورة مرسي بالإشارة إلى أنه عميل للحكومة الأميركية. وبالنظر إلى كل ذلك، يبدو أنه يتم جذب كل من عضو الكونغرس وولف، والولايات المتحدة عامة، إلى دعاية متصاعدة تهدف إلى النيل من مصداقية مرسي لدى الشعب المصري.


[blockquote]"سي آي إيه" دعمت سعيد رمضان بشكل علني وكانت تعتبره عميلا للولايات المتحدة وساعدته بالتالي في الخمسينيات والستينيات في الاستيلاء على أرض مسجد ميونيخ وطرد المسلمين المقيمين ليبني المسجد عليها الذي يعد من أهم مراكز الإخوان المسلمين في أوروبا.[/blockquote]


إذا درسنا رد الفعل الأميركي على أحداث الربيع العربي وأسلوب الحديث المتصاعد بين الولايات المتحدة ومصر اليوم، سنجد من الواضح أن الولايات المتحدة فوجئت بالاضطرابات التي حدثت في تونس ومصر. كانت الولايات المتحدة بطيئة الاستجابة أثناء الأزمة، على الأقل بسبب المخاوف المبالغ فيها من أن الإخوان المسلمين سيستحوذون في النهاية على السلطة بالقوة. وما اتضح أيضا هو أن الهجوم الذي يتعرض له مرسي من معارضيه – الذين يتجاهلون غالبا خلفيتهم الخاصة كجزء من النخبة السياسية في عصر مبارك والحكم العسكري والتي حافظت على صلات قوية مع الولايات المتحدة – إنما هو جزء من صراع على السلطة في مصر. وبالتوازي مع ذلك، خرجت نوبات من الشك داخل الولايات المتحدة ذاتها بشأن "تسلل" الإخوان إلى الحكومة الأميركية (والمجتمع) لتعكس بصورة مخيفة الشائعات المنتشرة في مصر وتستدعي إلى الذاكرة هواجس السيناتور جوزيف مكارثي الشهيرة في الخمسينيات من القرن الماضي.

على الرغم من الاتهامات الأخيرة بأن الولايات المتحدة تدعم جماعة الإخوان المسلمين سرا، وأن كبار المسؤولين الأميركيين "متعاطفون" مع طموحات الإخوان أو أن لهم صلات مع الجماعات الإسلامية، وأن إدارة أوباما قامت سرا بتمويل الحملة الانتخابية لمرسي، يجب التفريق ما بين هو "طبيعي" في علاقات الدول وبين ما هو دعائي بين خصوص سياسيين.
يجدر تذكر رد الفعل الأميركي البطيء على الربيع العربي، والذي شهد سقوط اثنين من أهم حلفاء أميركا: زين العابدين بن علي في تونس، الذي استمر يحكم بلاده طوال 23 عاما، وحسني مبارك الذي استمر يحكم مصر منذ اغتيال أنور السادات في عام 1981. بذلك يتضح لنا أن الربيع العربي هو فعل شعبي ذاتي فاجأ الولايات المتحدة وأن الاتهامات بوجود دور ما لـ"سي آي إيه" من خلف الكواليس لا أساس له أو على الأقل لا يوجد الآن ما يدعمه حتى تكشف أميركا عن وثائق جديدة سرية بعد عقود من الآن.



فشل مخابراتي





فوجئت الولايات المتحدة تماما بالثورتين التونسية والمصرية، على الرغم من وجود مؤشرات مؤكدة على إمكانية حدوث اضطرابات في تونس، بفضل الفساد المتفشي في عائلة بن علي وكبار المسؤولين. في 17 ديسمبر (كانون الأول) عام 2010، أشعل البائع المتجول محمد البوعزيزي النيران في جسده احتجاجا على مصادرة عربة الفاكهة من قبل مسؤولي البلدية.
وفي الوقت الذي توفي فيه البوعزيزي متأثرا بجراحه في مطلع شهر يناير (كانون الثاني)، لم يستوعب سوى القليل في واشنطن حقيقة تداعيات ما يحدث في تونس. عندما انتشر خبر إشعال البوعزيزي النار في جسده، خرجت المظاهرات المناهضة للحكومة في جميع أنحاء تونس. وفي 7 يناير فقط، اعترفت الولايات المتحدة بوجود اضطرابات، واستدعت السفير التونسي لتنتقد تعامل الحكومة مع المظاهرات وتحث على ضبط النفس. ووفقا لما صرح به مسؤول رفيع المستوى في وزارة الخارجية الأميركية، أعربت الولايات المتحدة عن "قلقها بشأن ما يحدث فيما يتعلق بالمظاهرات.. وشجعت الحكومة التونسية على ضمان احترام الحريات المدنية".

وعلى الرغم من التوقيت، كانت مصادفة بحتة أن تسافر وزيرة الخارجية الأميركية هيلاري كلينتون أثناء الاضطرابات إلى قطر وأن تلقي خطابا تدعو فيه الحكام العرب إلى "مزيد من الانفتاح في أنظمتهم السياسية"، حيث أصبح واضحا أن التقدم نحو الإصلاح قد شهد "ركودا". في ذات الوقت، تدهور الوضع داخل تونس بسرعة، ونشرت "نيويورك تايمز" في 11 يناير خبرا عن مقتل ما يصل إلى 14 شخصا. دفع ذلك وزارة الخارجية الأميركية إلى التأكيد على الحكومة التونسية بأن إدارة أوباما لا تشعر "بالقلق فحسب من أحداث العنف المستمرة، بل تؤكد أيضا على أهمية احترام حرية التعبير، وأهمية توفر المعلومات".
ولكن استمر العنف وفي يوم 13 يناير قتل 16 شخصا آخرون، مما دفع بن علي إلى الإشارة إلى أنه سيترك منصبه بعد انتهاء فترته الرئاسية. ولم يكن هذا كافيا. في ذلك اليوم، أوضح الجيش التونسي أنه لن يستخدم القوة في قمع المظاهرات. واضطر بن علي بعد أن تخلى عنه الجيش إلى أن يهرب إلى خارج تونس مع عائلته.




[blockquote]الولايات المتحدة استخدمت الإخوان المسلمين فى الخمسينيات، ضد جمال عبد الناصر والمد القومي، وبعد وفاة ناصر عام 1970 وتراجع القومية العربية نهاية السبعينات اضطربت العلاقة بين الطرفين بسبب معارضة الإخوان لاتفاقية كامب ديفيد.[/blockquote]



أصيبت الحكومة الأميركية بالصدمة وانتقد الرئيس أوباما وكالة الاستخبارات الأميركية (سي آي إيه) بسبب فشلها في توقع قيام ثورة في تونس ورحيل بن علي المفاجئ. ووفقا للصحافي الأميركي مارك مازيتي، "ركز (المسؤولون الأميركيون) انتقادهم على التقييمات الاستخباراتية في الشهر الماضي (يناير 2011) والتي انتهت إلى أنه على الرغم من المظاهرات التي خرجت في تونس فإن قوات الأمن التابعة للرئيس زين العابدين بن علي ستدافع عن حكومته". ولكن من الواضح أن هذا لم يحدث. كما ذكر أحد المسؤولين الأميركيين، "أدرك الجميع أن المظاهرات في تونس خطيرة.. ولكن ما لم يكن واضحا حتى للرئيس بن علي هو أن قواته الأمنية ستختار سريعا ألا تؤيده".
وفي الحقيقة، كان المسؤولون الأميركيون صريحين فيما يتعلق بشعورهم بالمفاجأة لدى رحيل بن علي، حيث اعترف أدميرال مايك مولن، رئيس هيئة الأركان المشتركة، في برنامج "ذا ديلي شو" في 3 فبراير (شباط) أن الإطاحة بزين العابدين بن علي لم تصدمنا نحن فقط، بل صدمت كثيرين أيضا". وذهب مولن إلى القول إن "إلى حد كبير كان التوقيت هو المفاجئ لنا – وانتقلت (الاضطرابات) من تونس.. إلى تحد صعب فعليا حيث تدور الأحداث الآن في مصر".



بين تخبط وشك





كانت التغييرات في أسلوب الحكومة الأميركية أثناء الثورة التي اندلعت ضد مبارك أكثر تعقيدا، إذ تحولت المواقف بسرعة مع تطور الأحداث، لتحاول الولايات المتحدة ملاحقتها مرة أخرى. بعد النجاح الذي حققه المتظاهرون في تونس، اكتسبت المظاهرات التي ثارت ضد حسني مبارك وحكومته زخما في أواخر شهر يناير، مما دفع الولايات المتحدة إلى المطالبة بالتهدئة، وحثت الحكومة المصرية على احترام حقوق مواطنيها. وكما أشار مارك لاندر في صحيفة "نيويورك تايمز" في 25 يناير، قبل خروج المظاهرات في مصر، "تختلف الثورة في تونس، اللاعب الهامشي في المنطقة، عن قيامها في مصر، محور المنطقة. الحكومة المصرية حليف مهم لواشنطن، ولكن الشعب يشعر بارتياب كبير في الدوافع الأميركية، ويمكن أن يظهر شبح التطرف الإسلامي".
بعد فترة من الشك، ظل فيها البيت الأبيض والجميع كذلك يتفرجون على الأحداث الجارية في مصر، استنتج أوباما في النهاية أن مبارك انتهى. في هذه الأثناء، حولت الإدارة الأميركية موقفها من تحذير النظام من استخدام القوة، إلى الدعوة إلى "انتقال منظم" للسلطة دون الدعوة إلى تنحي مبارك صراحة، ثم تغير الموقف مرة أخرى لتشير إلى وجوب رحيله عن السلطة.


[caption id="attachment_55238504" align="alignleft" width="300"] الإمام حسن الهضيبي المرشد العام الثاني لجماعة الإخوان المسلمين يتوسط مجموعة من الإخوان ومن الضباط الأحرار.. وفي الصورة يجلس جمال عبد الناصر على يسار الهضيبي
الإمام حسن الهضيبي المرشد العام الثاني لجماعة الإخوان المسلمين يتوسط مجموعة من الإخوان ومن الضباط الأحرار.. وفي الصورة يجلس جمال عبد الناصر على يسار الهضيبي
[/caption]

في نهاية يناير عام 2011، بعد أن أعلن الرئيس المصري أنه سيظل في منصبه حتى شهر سبتمبر (أيلول)، أرسل أوباما فرانك ويزنر، الدبلوماسي والسفير السابق لدى مصر إلى القاهرة لنقل رؤية الإدارة الأميركية بأنه يجب على مبارك أن يبدأ في "انتقال منظم" للسلطة. ولكن كما أشار جوش روغان في "فورين بوليسي"، عندما كان ويزنر في القاهرة، لم يقم بتوصيل الرسالة التي أرادت منه إدارة أوباما أن يوصلها. في 5 فبراير، صرح ويزنر في مؤتمر أمني في ميونيخ، حضرته الوزيرة كلينتون، قائلا: "نريد أن نصل إلى إجماع وطني بشأن الشروط المسبقة للخطوة التالية. ويجب أن يظل الرئيس (مبارك) في منصبه حتى يدير هذه التغييرات". بعد ذلك مباشرة، بدأت الإدارة الأميركية تنأى بذاتها عن تعليقاته، لا سيما بعد أن أعلن أوباما في الأول من فبراير في خطاب عن الأزمة المصرية أن "الانتقال المنظم يجب أن يكون جادا ويجب أن يكون سلميا ويجب أن يبدأ الآن".
ولكن تلى دعوة أوباما إلى مبارك بالتنحي تصعيد خطير في الوضع في مصر، حيث هاجمت مجموعة من البلطجية الموالين للحكومة ممتطين الخيول والجمال ميدان التحرير وهم يحملون عصيا وأسلحة بيضاء، لتقوم معركة ضارية في الشوارع. ووفقا لـ"نيويورك تايمز"، أصيب نحو 600 شخص وقتل ثلاثة أثناء الاشتباكات. وفي مواجهة هذه المشاهد غير المتوقعة من العنف، والتي تم بثها في جميع أنحاء العالم، أوضح المتحدث باسم البيت الأبيض روبرت غيبس موقف الإدارة من الوضع حيث قال: "أريد أن أكون واضحا.. (الآن) بدأت منذ الأمس". ولكن لم تجد دعوات الإدارة إلى "الانتقال المنظم" آذانا صاغية.

في 3 فبراير، وصلت إدارة أوباما إلى قناعة بأن مبارك قد انتهى، وضغطت عليه من أجل تسليم السلطة إلى نائب الرئيس المعين حديثا ورئيس جهاز الاستخبارات السابق اللواء الراحل عمر سليمان، الذي كان يحظى بتأييد من الجيش. وكانت الخطة هي أن يتولى سليمان الرئاسة ويشكل حكومة انتقالية ويدخل إصلاحات تؤدي في النهاية إلى نظام ديمقراطي نموذجي. وكما يظهر التاريخ، لا تسير الأمور دائما وفقا للخطط الموضوعة. رفض مبارك التخلي عن السلطة وبدا مصمما على أن يظل رئيسا حتى شهر سبتمبر، وهو الموعد المقرر لإجراء الانتخابات. في ظل العنف المفرط في ميدان التحرير، أظهرت هذه الخطة مدى ابتعاد الولايات المتحدة عن المتظاهرين، الذين وصلوا إلى مرحلة اشتدت فيها قوة مطالبتهم بنظام جديد كلية.

وفي الوقت ذاته، أدركت الولايات المتحدة أنه من المؤكد أن تتضمن مصر الديمقراطية التعامل مع الإخوان المسلمين، وهي أكبر الجماعات المعارضة وأكثرها تنظيما. وكما أشارت "نيويورك تايمز" في 4 فبراير "إذا سمح للمصريين بإجراء انتخابات حرة ونزيهة، وهو هدف إدارة أوباما.. سيكون عليها التعامل مع احتمال حقيقي بأن تتضمن الحكومة المصرية أعضاء من الإخوان المسلمين".
ضاعف هذا الإدراك من عمق مشكلة قائمة أمام الولايات المتحدة: الصراع بين القيم الأميركية من ديمقراطية وحرية وبين المصلحة القومية بضمان الاستقرار في مصر، الحليف الرئيس ومحور الاستراتيجية الأميركية في الشرق الأوسط. في ذلك الحين، كانت الولايات المتحدة تحت ضغوط هائلة من حلفائها الرئيسيين في المنطقة مثل إسرائيل والسعودية والأردن بـ"التهدئة" في مصر، بسبب خوفهم من أنه إذا أجريت انتخابات سيستحوذ الإخوان المسلمون على السلطة في البلاد، مما سينهي معاهدة السلام مع إسرائيل المستمرة منذ خمسة وثلاثين عاما، ويؤدي إلى زعزعة استقرار المنطقة.

في صباح يوم 10 فبراير، أعلنت الحكومة المصرية أن مبارك سيلقي بيانا إلى الشعب في مساء اليوم ذاته، مما أدى إلى انتشار التكهنات بأنه سيعلن تنحيه عن منصبه. ولكن عندما استمع الملايين حول العالم إلى خطابه، شعروا بخيبة الأمل عندما وجدوا مبارك المقاتل، يعد بـ"تفويض سلطاته" إلى سليمان، ولكنه لن يتنحى. أصيب المتظاهرون في ميدان التحرير بالغضب الشديد، وتوقع البعض وقوع أحداث عنف مفرطة في اليوم التالي. وكما علق جورج إسحاق، أحد زعماء المعارضة المصرية، في هذه الليلة: "هل يتحدث هذا الرجل بجدية أم أنه فقد عقله؟ لن يعود الناس إلى منازلهم وغدا سيكون يوما رهيبا".

في الليلة ذاتها، أصدر المجلس الأعلى للقوات المسلحة بعد أن أدرك هذه الحقيقة بيانا تحت عنوان "البيان رقم 1"، جاء فيه: "تأكيدا وتأييدا لمطالب الشعب المشروعة" انعقد المجلس الأعلى للقوات المسلحة لبحث تطورات الموقف حتى تاريخه.. وقرر المجلس الاستمرار في الانعقاد بشكل متواصل لبحث ما يمكن اتخاذه من إجراءات وتدابير للحفاظ على الوطن ومكتسبات وطموحات شعب مصر العظيم". في ذلك الوقت اعتقد المراقبون أن هذا البيان يشير إلى أن انقلابا عسكريا على وشك الحدوث. ومع عدم التأكد مما حدث فعليا خلف الكواليس في ليلة 10 - 11 فبراير، عقد عمر سليمان في اليوم التالي مؤتمرا صحافيا أعلن فيه تنحي مبارك عن السلطة ونقله صلاحياته التنفيذية إلى المجلس العسكري، برئاسة المشير حسين طنطاوي. أصدر المجلس العسكري أيضا بيانا أعلن فيه أنه سيرفع حالة الطوارئ عندما يعود الاستقرار، وأنه ملتزم بـ"رعاية مطالب الشعب المشروعة"، و"عدم الملاحقة الأمنية للشرفاء الذين رفضوا الفساد وطالبوا بالإصلاح".




[blockquote]قام الإخوان في أميركا في أوائل الستينات بعمل منظمات تعمل كواجهة خارجية تغطي علي هذا التنظيم السري للإخوان في الداخل الأميركي.. هذا التنظيم السري حقق نجاحات واسعة في خلق منظمات راعية ودافعة لتحقيق الأهداف السامية لإخوان أميركا.[/blockquote]



عندما وصل خبر سقوط مبارك إلى واشنطن، ألقى أوباما خطابا عبر التلفزيون، قال فيه: "أظهر المصريون أن السيادة للديمقراطية الحقيقية. كانت القوة الأخلاقية في عدم اللجوء إلى العنف – وليس الإرهاب والقتل الجنوني – هي التي غيرت مسار التاريخ نحو العدالة مرة أخرى". ودعا أوباما المجلس العسكري إلى رفع حالة الطوارئ، ومراجعة الدستور، وتمهيد الطريق أمام انتخابات حرة ونزيهة. وبهذا بدا أن المسار نحو الديمقراطية موجود، ولكن سيكون الجيش المصري ممثلا في المجلس العسكري صاحب القول الأخير في مستقبل السياسة في مصر.
إذن فوجئ الرئيس أوباما وبقية الحكومة الأميركية بسقوط مبارك، الذي حكم مصر لمدة ثلاثين عاما وبدا مستعدا للاستمرار، على الرغم من المشاكل التي واجهت مصر. وفي الوقت الذي حشدت فيه الثورة ضد مبارك قوتها، سارعت الإدارة من أجل اللحاق بالأحداث التي تجري على الأرض، وفي عدة منعطفات كانت تصدمها التطورات. وفي حين تحتفظ أميركا ببعض النفوذ على مصر والجيش المصري – بفضل برنامج المساعدات الهائل – فإنها أثبتت أنها أبعد ما تكون عن محرك الدمى الذي يجذب الخيوط من وراء الستار.



نظرية المؤامرة





تعتبر فكرة انتشار وكالة الاستخبارات المركزية وقدرتها على استغلال الأحداث في الشرق الأوسط من مقرها المنعزل في لانغلي في فيرجينيا، عنصرا ثابتا في نظريات المؤامرة في جميع أنحاء العالم العربي وإيران، مما يعكس حالة قلق عميق بشأن دور قوى أجنبية غير خاضعة للمساءلة في حياة سكان هذه الدول. ولكن ما حجم هذه القوة التي تتمتع بها "سي آي إيه" والحكومة الأميركية فعليا؟ الإجابة لا تبعث على الراحة بالنسبة لمن يلقون باللوم على الولايات المتحدة بسبب العديد من المشاكل التي تحل بالشرق الأوسط أو من يأملون في أن تستطيع أميركا استخدام نفوذها من أجل حل هذه المشاكل.
على الرغم من حجم ميزانية الاستخبارات الأميركية الهائل، حيث وصلت إلى نحو 80 مليار دولار في عام 2011، فإن "سي آي إيه" والأجهزة والمنظمات والاستخباراتية الأميركية الأخرى ليست منتشرة ولا تعرف كل شيء. في الوقت الذي هزت فيه الثورات ضد مبارك وبن علي وحكام آخرين العالم العربي، كانت "سي آي إيه" ووكالة استخبارات الدفاع (الخاصة بالبنتاغون ذاته) والجهات الاستخباراتية الأخرى منشغلة تماما بالانسحاب من العراق والحرب الدائرة في أفغانستان، اللذين كشفا عن نقاط ضعف حقيقية في النظام الأميركي لجمع وتحليل المعلومات الاستخباراتية.



[blockquote]قام مجموعة من الطلاب ذات الانتماءات الإخوانية في أمريكا الشمالية بالتجمع والتحشد لتكوين اتحاد الطلاب المسلمين ليكون ذا صبغة إخوانية هو الآخر ثم تكون النشاطات التنظيمية محصورة في التجمعات والمؤتمرات العلنية والمعسكرات الطلابية الحاشدة.[/blockquote]


كان جواسيس أميركا أيضا مشغولين بإحباط مخططات "القاعدة"، وتعقب وقتل أسامة بن لادن، ومعارك طائرات التجسس في أفغانستان وباكستان والصومال واليمن، ووضع حد لمساعي إيران إلى الحصول على تكنولوجيا نووية وتطويرها. هذا بخلاف إعادة توجيه الاستراتيجية الأميركية تجاه شرق آسيا اعترافا بصعود قوة الصين. وفي ظل استقرار شمال أفريقيا النسبي في العقد السابق على الربيع العربي، يصبح من المفهوم عدم تخصيص واشنطن قدرا كبيرا من الموارد من أجلها، في الوقت الذي كانت تعتقد فيه أن مناطق أخرى تشكل تحديات أكبر للمصالح الأميركية.

أدى الخوف من وجود قوة أميركية غير خاضعة للمساءلة خلف الكواليس والانخفاض الكبير في شعبية أميركا في جميع أنحاء الشرق الأوسط إلى استخدام الاتهام بالعمالة لصالح أميركا ضد المعارضين السياسيين. وكانت مصر نموذجا بارزا في هذا الصدد. كانت فكرة سائدة في معظم خطابات معارضي مبارك، بأنه باع مصر إلى أميركا.

وبدوره استخدم مبارك الاتهام ذاته عندما كان يحتاج إلى تحسين صورته. على سبيل المثال، احتوت المراسلات التي سربها موقع "ويكيليكس" في نوفمبر (تشرين الثاني) عام 2010 مجموعة من الرسائل التي ترجع إلى عام 2005، قدم فيها دبلوماسيون أميركيون، كانوا يعملون في السفارة الأميركية في القاهرة، تقارير حول تحقيقهم في الشائعات التي تشير إلى تلقي الإخوان المسلمين أموالا أميركية. وتناولت المراسلات أيضا التقارير الإعلامية التي تشير إلى تفكير الإخوان المسلمين في إقامة حوار مباشر مع واشنطن بناء على طلب وزارة الخارجية الأميركية. واختتموا بأن الشائعات والتسريبات تأتي في محاولات لتقويض الجماعة في جزء من "مواجهة" أشمل بين الجماعة وحكومة مبارك.

نفس حكومة مبارك التي كانت في 2004 تتعرض لضغوط من إدارة الرئيس بوش للانفتاح على المعارضين، وأخذت هذه الضغوط أشكالاً عديدة من أهمها إشارات الرئيس بوش المتكررة في خطاباته عن أهمية أن تقوم مصر بإصلاح سياسي، وكان بوش قد حرص في خطاب حالة الاتحاد (فبراير2005) على أن يكرر رسالة علنية سبق وبعث بها إلى النظام المصري خلال عام 2004 قائلاً "إن مصر التي قادت التحول نحو السلام في المنطقة تستطيع أن تظهر قدرتها على قيادة المنطقة نحو الديمقراطية" مؤكداً "أن الولايات المتحدة ستقف مع حلفاء الحرية لدعم التحركات نحو الديمقراطية في الشرق الأوسط لإنهاء الاستبداد في عالمنا".





إلى جانب ذلك اتخذت الإدارة الأميركية مجموعة من الخطوات العملية للضغط علي النظام المصري من بينها تلويح جهات في الكونجرس باتخاذ إجراءات عقابية ضد مصر قد تصل إلى حد قطع المساعدات العسكرية التي تحصل عليها القاهرة سنوياً، وتهديد نواب بتقديم ما سموه "مشروع محاسبة مصر" الى الكونجرس بسبب تزايد معاناة الأقباط -حسب زعمهم- وتسريب اتهامات لمصر بأنها زودت نظام صدام حسين بأسلحة كيماوية، وتقدم واشنطن بطلب لمناقشة موضوع الإصلاحات الداخلية في مصر في اجتماع الدول العربية والدول الصناعية الثماني، وإعلان السفارة المصرية في القاهرة عن تقديم مبلغ مليون دولار للجمعيات الأهلية في مصر.

وقد رأى خالد عبد الحميد في دراسة بعنوان "دراسة الدور الأمريكي في عملية الإصلاح السياسي في مصر.. تصاعد الإخوان المسلمين وتداعياته على الموقف الأميركي" منشورة على الموقع الإلكتروني لمعهد الإمام الشيرازي الدولي للدراسات في واشنطن، أن جماعة الإخوان، كغيرها من قوى المعارضة المصرية، قد استفادت مما سماه البعض بـ"الغطاء الأميركي" الذي تشكل بفعل المطالبة المستمرة بالإصلاح في مصر ودون المنطقة العربية، فالضغوط الأمريكية مثلت دعماً مباشراً لجهود المعارضة المصرية في قضية الإصلاح، والتصريحات التي صدرت من مسؤولين أمريكيين في مواقع مختلفة قد صبت في النهاية في اتجاه توسيع هامش الحريات والحد من سطوة السلطة تجاه تحركات المعارضة وخصوصاً الإخوان فبالرغم من أن السلطات المصرية قد اتخذت بعض الإجراءات تجاه الإخوان عقب مشاركتهم في بعض المظاهرات إلا أن الحقيقة أن السلطة ظلت يدها مقيدة، ولولا تسليط الضوء خارجياً على مصر فإن تصرفات الأخوان في هذه المرحلة لم تكن لتقابل من جانب السلطة إلا بإجراءات أشد عنفاً وأكثر صرامة". وقد بدا، يضيف عبد الحميد، أن الجماعة على إدراك تام في هذا الوضع الجديد فأقر محمد حبيب نائب المرشد بأن "كل القوى السياسية المصرية استفادت من الضغوط " الأميركية كونها قيدت من سطوة السلطة في مواجهة المعارضة".

في ظل الصراع السياسي والخلاف المجتمعي الذي يخيم على مصر، وفي ظل استفراد "الإخوان" بالسلطة وارتفاع الأصوات المعارضة لكل ما يمثله الإخوان، فإنه لا يوجد ما يمكن استبعاده من أساليب الخداع السياسي في هذه المرحلة. ما جاء بالاخوان لحكم مصر هو ما سوف يسمح لمعارضيهم بشن حرب لا هوادة فيها على كل محاولات "الأسلمة" التي يسعى البعض فرضها على المجتمع المصري. مناخ الحرية الذي يسود مصر ما بعد ثورة 25 يناير يزيد من الحماس الذي تروج به بعض عناصر وسائل الإعلام المصرية الشائعات ونظريات المؤامرة، لذلك فإن الاتهامات بالتعاون مع الولايات المتحدة ستتكرر على الأرجح.. اتهامات تلاحق الجماعة منذ عقود وسوف تلاحقها لعقود قادمة ما دامت أميركا وما دام الإخوان.



[blockquote]جماعة الإخوان، كغيرها من قوى المعارضة المصرية استفادت من"الغطاء الأميركي" الذي تشكل بفعل المطالبة المستمرة بالإصلاح في مصر ودون المنطقة العربية فالضغوط الأمريكية مثلت دعماً مباشراً لجهود المعارضة المصرية في قضية الإصلاح.[/blockquote]

font change