هل تهدد الخلافات العلاقات الدافئة بين موسكو ودمشق

بعد انتقاد الإعلام الروسي للنظام السوري

خبير: «مستقبل سوريا مرتبط بمتغيرات كثيرة منها الموقفان الروسي والأميركي، وقدرة أميركا على البقاء في سوريا»- الصورة لحقيبة مدرسية من بين 500 حقيبة قدمها الجيش الروسي لأطفال في اللاذقية (غيتي)

هل تهدد الخلافات العلاقات الدافئة بين موسكو ودمشق

* خبير في الشؤون الروسية: الخلافات بين روسيا والنظام السوري مجرد ضغوط سياسية بين نظامين حليفين.
* الحد من النفوذ التركي ومكافحة الإرهاب شروط روسيا للتواجد الإيراني في سوريا
* الخلاف بين الحلفاء وارد... ولا يعني بالضرورة تفكك التحالف الروسي السوري 
 * مستقبل سوريا مرتبط بالموقف الروسي وقدرة أميركا على البقاء هناك في ظل التحديات الاقتصادية الأخيرة
* مجموعات نفوذ روسية تضغط للإفساح لشركاتها بموطئ قدم في سوريا
* صعوبة تخلي موسكو عن نظام الأسد في ظل مسايرة النظام السوري لمصالحها في المنطقة
* دمشق لم تكن طرفاً في أي من التفاهمات الروسية التركية الأميركية بخصوص سوريا 
* موسكو غاضبة من زيادة النفوذ الإيراني والتركي في سوريا
* تعقد المشهد السوري يزداد في ظل تباين المصالح ليس فقط بين دول الجوار ولكن أيضا بين القوى العظمي التي تريد الحفاظ على مصالحها

القاهرة: أثار انتقاد عدد من وسائل الإعلام الروسية مؤخرا للنظام السوري كثيرا من التكهنات حول مستقبل العلاقات الروسية – السورية، وطرح تساؤلات عن نهاية العلاقات الدافئة بين الجانبين، وهل أصبحت دمشق عبئا على موسكو خاصة بعد اضطراب الأوضاع الداخلية في الداخل السوري مؤخرا، ورد الفعل لهذه الاضطرابات داخل موسكو، وما صاحبه من شائعات تم إطلاقها من مصادر مقربة لدوائر الرئاسة الروسية من عدم التوافق بين موسكو ودمشق بسبب عدم الرضا الروسي عن بعض المواقف التي تنتهجها سوريا، وتصاعد الخلافات المكتومة بين الجانبين، والحديث كذلك عن شعبية رأس النظام السوري من قبل بعض نواب البرلمان الروسي ردا على تشكيك آخرين في هذه الشعبية بعد الحديث عن استمرار قمع المعارضة والأكراد وعدم فتح المجال لآخرين للمشاركة في القرار، وكذلك استحالة تجميع كافة ألوان الطيف السوري خلال عملية توافق داخل الدولة الواحدة مرة أخرى في ظل استمرار الرئيس بشار الأسد في الحكم بعد كل ما تعرضت له سوريا، وهو ما يطرح المزيد من التساؤلات عن مستقبل نظام الأسد. 
قوى شرعية
الانتقادات من بعض وسائل الإعلام الروسية تم تفنيدها بواسطة مصادر أخرى، واتهامها بأنها مجافية للحقيقة، ولا تعبر عن قوة العلاقات مع سوريا، والجهود التي بذلتها موسكو طوال سنوات طويلة في سبيل استقرار الداخل السوري عن طريق مساندة السوريين والقوى الشرعية لاستتباب السيطرة على الوضع بعد سنوات من الحرب الأهلية، وكذلك محاربة قوى التطرف والإرهاب الدولي في الداخل السوري، وعزت هذه الهجمة الإعلامية لخلافات اقتصادية بين الشركات الروسية والحكومة السورية، وضغط مجموعات نفوذ روسية على نظام الأسد للإفساح لشركاتها بالتواجد في الداخل السوري والحصول على الامتيازات، وربما ارتبط ذلك بالصراع بين النظام السوري ورامي مخلوف أحد الأضلاع الاقتصادية الكبرى داخل نظام الأسد طوال سنوات طويلة، وقصة الخلاف الأخيرة بينهما والتي طفت على الساحة الإعلامية بعد توجيه رسائل من قبل مخلوف للرئيس الأسد، ومناشدته التدخل بعد بسط الحكومة سيطرتها على عدد من شركاته، ومطالباته بالاستقالة من رئاستها، وذلك في صراع داخلى واتهامات بالتهرب الضريبي. 
وفندت عدد من التقارير صعوبة تخلي موسكو عن نظام الأسد في ظل تماشي النظام السوري مع مصالحها في المنطقة، وكذلك بقاء التوازنات التي تضمن لموسكو الحفاظ على تفوقها في ظل تعقد المشهد الإقليمي بسبب تشابك المصالح، وحالة التربص خاصة بين كل من إيران والولايات المتحدة الأميركية وإسرائيل في وجود الطموح التركي، ومحاولات السيطرة على حالة الانفلات الإيراني في المنطقة، كذلك لن تضمن روسيا بأي حال استمرار التوافق في حالة صعود نظام بديل بما يهدد المكتسبات التي حققتها موسكو داخل سوريا خلال الفترة الأخيرة.

 

هناك خلافات بين الروس وبعض الأجنحة في النظام السوري وحلفاؤه وبعض القوى في المجتمع بخصوص الوجود الإيراني في سوريا
 


 
تدخل خارجي
تعقد المشهد السوري يزداد في ظل تباين المصالح ليس فقط بين دول الجوار ولكن أيضا بين القوى العظمي التي تريد الحفاظ على مصالحها المرتبطة بسوريا التي لا تزال تعاني مأزق تواجدها في هذه المنطقة من العالم والتداعيات التي سببتها الثورة السورية والتدخل الخارجي، حيث يعد تشابك مصالح كل من إيران وتركيا وإسرائيل بالإضافة إلى روسيا والولايات المتحدة الأميركية حائلا أمام الوصول إلى حالة هدوء واستقرار حتى على المدى الطويل، يضاف إلى ذلك العديد من القضايا المؤرقة للنظام ومن بينها قضية الأكراد، واللاجئين في الخارج، وإعادة الإعمار، والجوار مع إسرائيل المرتبط بقضية الجولان والتواجد الإيراني في سوريا، وكذلك حزب الله، هذا بالإضافة لقضايا الفساد وصراع قوى السلطة السياسية والاقتصادية في الداخل، وكان آخرها قضية رامي مخلوف، وكلها قضايا متشابكة مع القوى الإقليمية لا تنفك عنها.
 
توجهات إيرانية 
اختلاف المصالح الروسية مع التوجهات الإيرانية في الداخل السوري، ومحاولات موسكو الاستئثار بالسيطرة على الوضع منفردة كان من بين عوامل الغضب الكامن داخل موسكو التي تريد الانفراد مستقبلا بعملية التسوية في الداخل السوري بصرف النظر عن التشعبات الموجودة مع دول الجوار والقوى الإقليمية بما فيهم تركيا التي انفردت بالعديد من التفاهمات مع روسيا وأميركا، والغريب أن دمشق لم تكن طرفا في هذه التفاهمات التي قسمت الداخل السوري بين القوى الإقليمية مع أميركا وروسيا، وحجمت كذلك التفاهمات من أي نفوذ إيراني، وكان من بين التفاهمات الروسية – التركية «هدنة إدلب»بعد وقف إطلاق النار فيها، والسيطرة على عمليات الجيش السوري بما لا يتعارض مع مصالح كل جانب من القوى الإقليمية.
 
تأثير تركي  
التواجد والتأثير التركي والإيراني في الداخل السوري كان أحد عوامل غضب موسكو في ظل محاولاتها القيام بدور متوازن مع كافة الأطراف في ظل العداء الموجود بين إيران وكل من الولايات المتحدة الأميركية وإسرائيل، وعدم الارتياح الروسي لانفلات السيطرة على المغامرات الإيرانية وقوات حزب الله في الداخل السوري، والغضب من التنسيق المتبادل بين سوريا وطهران من خلال أبواب خلفية دون علم موسكو، ومن بينها التفاهمات على تعزيز التواجد الإيراني من خلال شركات استثمارية تندرج ضمن خطط إعادة الإعمار، وكذلك وضع موطئ قدم في ميناء بانياس السوري وهي كلها أمور لا تلقى ارتياحا لدى موسكو التي تتواجد ليس فقط سياسيا داخل سوريا، ولكن عسكريا أيضا من خلال قاعدتي طرطوس وحميميم.
 
ضغوط إعلامية
الضغوط التي تعرض لها النظام السوري مؤخرا في الإعلام الروسي ربما تعدى إحدى حلقات الرغبة في إعادة وتأكيد السيطرة على النظام والتأكيد أن موسكو هي الفاعل الرئيسي في الملف السوري برغم تباين المصالح بين القوى المتشابكة سواء الإقليمية أو الولايات المتحدة الأميركية التي تقوم بالتنسيق بشكل جيد في الملف السوري مع موسكو بعد تقاسم السيطرة والتواجد بينهما في ضفتي الفرات مما أدى إلى توافق الرؤى في الملف السوري بين القوتين العظميين اللتين تحافظ كل منهما على مصالح الأخرى هناك فيما يتعلق بالعديد من الملفات، ومنها تحقيق الأمن لإسرائيل، ومحاولات تحجيم التواجد الإيراني، والتوازن في قضية الأكراد.
 
تحافل روسي
الدكتور محمد فراج أبو النور الكاتب والمحلل السياسي الخبير في الشؤون الروسية قال لـ«المجلة»«ما يثار من بعض وسائل الإعلام الروسية عن وجود خلافات بين نظام الرئيس بشار الأسد وروسيا يعد نوعا من أنواع ممارسة الضغوط السياسية بين نظامين حليفين، حيث لا يعني التحالف ضرورة الاتفاق في جميع التفاصيل، فقد يرى الروس أن انتشار الفساد في بعض الأوساط داخل سوريا من شأنه أن يؤثر على شعبية النظام، أو قد يحاولون الضغط على هذا الجناح أو ذاك من بين أجنحة النظام، سواء في قضية رامي مخلوف أو غيرها من القضايا، وهذا لا يعني بالضرورة ما تذهب إليه بعض وسائل الإعلام سواء عربية أو غربية من تفكك التحالف الروسي السوري بين موسكو ودمشق، أو بين موسكو ونظام الرئيس بشار الأسد، والمبالغة في مثل هذه الحوادث الصغيرة ينطوي على قدر كبير مما نفسره بعملية (التفكير بالتمني)، وتقود إلى تقديرات سياسية خاطئة للوضع في سوريا، وأرى أن العلاقات بين روسيا والرئيس السوري بشار الأسد ممتازة لأنه لا يوجد بديل يتمتع بنفس الوزن السياسي والشعبي الذي يتمتع به الرئيس بشار الأسد، أما ما يثار من مشكلات وقضايا من جانب بعض وسائل الإعلام الروسية لا يستبعد أن يكون محل موافقة أجهزة الأمن والمخابرات الروسية أيضا فهي أمور من باب الضغوط ليس أكثر»
 
وجود إيراني 
وعن طبيعة الخلاف بين الجانبين، قال: «هناك خلافات بين الروس وبعض الأجنحة في النظام السوري وحلفائه وبعض القوى في المجتمع بخصوص الوجود الإيراني في سوريا، وهناك لوم من بعض الأطراف العربية لسوريا من التواجد الروسي، وأؤكد هنا أن الروس يؤيدون الوجود الإيراني في سوريا طالما كان مفيدا في مكافحة الإرهاب والحد من النفوذ التركي، ولكن في نفس الوقت لا يؤيدون وجودا دائما لإيران في سوريا خارج هذا الهدف المحدد بدقة، ونلاحظ أن بعض الغارات الإسرائيلية تفسر أنها تواطؤ بين روسيا وإسرائيل في سبيل الضغط على النظام السوري وهو كلام غير صحيح فالروس لا يؤيدون وجودا إيرانيا دائما وكبيرا في سوريا، وبالتالي فعندما تقصف إسرائيل مواقع إيرانية فإنهم لا يحركون ساكنا، فالروس لا يرون أنفسهم مضطرين للاصطدام بإسرائيل من أجل تحقيق أهداف إيرانية، أما حينما يكون الوجود الإيراني يخدم عملية مكافحة الإرهاب سواء في داعش في شمال شرقي سوريا أو في إدلب فلا يسمحون بضربه أصلا، وليس لهم مصلحة في ضربة حيث يحتاجون القوة ضد الوجود الإرهابي المدعوم من تركيا، ولموازنة أطماع إردوغان الإمبراطورية المندفعة جدا في سوريا، فالعلاقات هنا لها أوجه كثيرة ينبغي أخذها بعين الاعتبار».


 

الرئيس الروسي فلاديمير بوتين ونظيره التركي رجب طيب إردوغان بعد بيان صحافي مشترك عقب محادثاتهما في الكرملين في موسكو يوم 5 مارس 2020 (غيتي)
 


 
تنوع إعلامي 
وحول وجود رؤية للإعلام الروسي تختلف عن رؤية النظام وفق هذا التصور أضاف الدكتور أبو النور: «الإعلام الروسي أكثر تنوعا مما نظن في عالمنا العربي وبه توجهات مختلفة، ولا تقف خطوطه الحمراء حتى عند خطوط الرئيس بوتين نفسه، إذ يتعرض بوتين للنقد في بعض وسائل الإعلام غير المملوكة للدولة بالطبع، ومشكلتنا أننا لا نعرف روسيا والإعلام الروسي كما ينبغي، وبالتالي فإننا نتبع بعض وسائل الإعلام الغربية بصورة عمياء في أحاديث غير دقيقة، فالأمر يحتاج إلى الكثير من التأني والتحليل السياسي الموضوعي».
وأوضح الدكتور فراج عددا من الخطوط الحمراء فيما يخص الإعلام الروسي ومن بينها التعرض لشرعية نظام بوتين، وضرورة التصدي للتوسع الأميركي وحلف الأطلنطي في اتجاه الشرق، وعدم التفريط في مسألة الردع النووي، وليس من بين الخطوط الحمراء بأي شكل مسألة العلاقة مع سوريا.
وعن نظرة البعض في روسيا ( لسوريا – بشار) في أنها أصبحت عبئا على النظام الروسي، قال: «لا يوجد دافع لذلك، خاصة وأن النظام السوري يسيطر حاليا على أكثر من 70 في المائة من مساحة البلاد، وألحق هزائم بالأتراك والقوات الإرهابية الموالية لهم في إدلب، ونجح بمساعدة القوات الروسية في الانتشار على الحدود التركية في شمال شرق الفرات بمنطقة الجزيرة، وأقام نوعا من التوازن مع الأكراد المتحالفين مع الأميركان وكذلك بعض العشائر العربية»، مشيرا إلى نمطية العبارات التي تتحدث عن كون النظام السوري أصبح عبئا على روسيا، ويتم ترديدها من قبل غير متابعين للشأن السوري والروسي بعمق ودقة، «فما فعلته القوات الروسية في سوريا لم يتم إهداره حيث كان حوالي 15 في المائة فقط من مساحة الأراضي السورية في يد النظام السوري، وارتفعت حاليا لأكثر من 70 في المائة، فيما يدار الاقتصاد السوري حاليا بشكل معقول وكذلك تتم مكافحة كورونا، وكذلك إعادة الإعمار تسير بشكل معقول كذلك».

 

جنود أتراك وضباط شرطة عسكرية روسية في دورية مشتركة على المشارف الغربية لمدينة سراقب في إدلب، بعد الاتفاق الروسي التركي في موسكو (غيتي)
 


 
تدافع إقليمي 
وعن رؤيته لمستقبل سوريا في ظل هذا التدافع الإقليمي قال الدكتور فراج: «مستقبل سوريا مرتبط بمتغيرات كثيرة منها الموقفان الروسي والأميركي، وقدرة أميركا على البقاء في سوريا في ظل التحديات الاقتصادية الأخيرة بعد موضوع كورونا، وهناك مؤشرات كثيرة لانسحاب أميركا من سوريا لا تكاد تخفت لتعلو من جديد، وآخرها كان تصريحات رسمية أميركية بإمكانية الانسحاب، وأنهم ليسوا ضد التواجد الروسي في سوريا، وهو الوجود الذي تراه أميركا شرعيا بخلاف الإيراني والتركي، وكان هناك من قبل قراران من ترامب بالانسحاب وتراجع عنهما تحت ضغط المؤسسة العسكرية، فمستقبل التواجد الأميركي في سوريا كذلك مرتبط بعدد من القضايا من بينها إلى أي حد سيتم دعم الانشقاق الكردي أو النزعات الانفصالية الكردية، وإلي أي حد سيمضي إردوغان في دعمه للإرهاب سواء كان في إدلب أو شرق الفرات، وإلى أي حد ستنجح إسرائيل في توجيه ضربات للتواجد الإيراني, وهل سيكون هناك ردود فعل عربية بالدفاع عن الأراضي السورية ضد العدوان الإسرائيلي المستمر، وهل سيتم إعادة سوريا لجامعة الدول العربية أم سيتم الاستمرار في استنزافها، وبالطبع ستؤثر العديد من المتغيرات على الأوضاع هناك، لكن إذا أخذنا التوجه العام فالنظام السوري نجح في بسط سيطرته على الجزء الأكبر من البلاد وينظم الحياة فيه، وفكرة إسقاط النظام السوري أصبحت بعيدة المنال تماما، وكل ما يمكن أن تنجح فيه المخططات الخارجية هو اقتطاع أجزاء من سوريا».

font change