الطواقم الطبية في حرب ضد «كورونا» و«التنمر»

لم تشفع لهم تضحياتهم وحربهم مع كورونا

موظفو القطاع الطبي فضّلوا الحرب مع الفيروس على العزل الاحترازي، في عمل شاق مرهق مصحوب بانعزال بعيداً عن عائلاتهم والدائرة الاجتماعية الأكثر أماناً

الطواقم الطبية في حرب ضد «كورونا» و«التنمر»

* سجلت مصر وفاة 22طبيباً، وإصابة 291من العاملين في القطاع الطبي، بينهم 69طبيباً وطبيبة
* اختصاصية نفسية: السبب في حوادث التنمر هو الجهل أولاً ثم انعدام الثقة في الحكومات والقطاع الصحي
* نقابة الأطباء المصريين: ليس بالضرورة عزل جميع العاملين بمستشفيات الحميات ذاتياً؛ خصوصاً أنه يتم إجراء تحاليل لهم بصفة مستمرة
* الغريب أن الأهالي اعترضوا على دفن جثة طبيبة، من خلال التجمهر بأعداد كبيرة، دون أي مراعاة لقواعد الحماية الشخصية والتباعد الاجتماعي 

لندن: لابد أنك سمعت بحوادث التنمر ضد مرضى فيروس كورونا المستجد وضد الأجانب من أصول شرق آسيوية بسبب الادعاء القائل بأن الصين «منشأ الفيروس». وهو أمرٌ متوقّع، لأن الإنسان عدوّ ما يجهل، وشائعات مواقع التواصل الاجتماعي تنتشر كالنار في الهشيم، ما يسهّل نشر اعتقادات كهذه بغض النظر عن صحتها، وهو أمرٌ شكّل أزمة نفسية ورعباً للمقيمين خارج بلادهم من ذوي الأصول الشرق آسيوية، وقد التقت «المجلة»عدداً منهم في عدد سابق، ونقلت معاناتهم. 
أما التنمر ضد الأطباء والممرضين المعالجين لمرضى كورونا، والذين حظوا بدعم وتقدير دوليين، فهو ما لم يكُن متوقّعاً. لم تشفع لهم تضحياتهم ووقوفهم في خط الدفاع الأول المحارب لأجل البشرية جمعاء، وشكّلت حوادث التنمر صدمةً لدى الكثيرين، وضجت مواقع التواصل الاجتماعي بحملات مضادة شرسة في وجه المتنمرين على أصحاب البالطو الأبيض.

 

الطبيبة دينا عبد السلام


 
أنتِ هنا لنقل المرض لأطفالنا
في مصر، تعرضت الطبيبة دينا عبد السلام، من محافظة الإسماعيلية، للتنمر من قبل جيرانها، الذين حاولوا طردها، لكونها تعمل بأحد مستشفيات الحميات بالمحافظة، خوفًا من مخالطتهم لها وتعرضهم للإصابة بفيروس كورونا.
وقد ظهرت الطبيبة الشابة، أخصائية الأمراض الجلدية بمستشفى القنطرة بالإسماعيلية، في فيديو بثته على صفحتها على موقع «فيسبوك»، وروت الواقعة قائلة إنها تعرضت للتنمر من جانب جيرانها وأهالي البناية التي تسكن فيها، وقد حاولوا طردها من بيتها، بحجة أنها مصابة بفيروس كورونا، فور علمهم بأنها تعمل في مستشفى للحميات، وتخالط المصابين بالفيروس، وقالوا لها: «عرفنا عنك كل شيء، لقد أتيتِ إلينا لنقل المرض إلى أطفالنا».
وأضافت أنها كانت تعمل أخصائية أمراض جلدية في أحد المستشفيات بمدينة القنطرة، قبل أن يصدر قرار من وزارة الصحة بنقلها إلى مستشفى حميات الإسماعيلية، للمشاركة في فحص مصابي كورونا، مشيرة إلى أنها قررت ترك منزل أسرتها بالقنطرة حرصاً على سلامة أفرادها، وانتقلت إلى مسكن خاص بها، طيلة فترة عملها في مستشفى الحميات، مع اتخاذها كافة التدابير والإجراءات الوقائية.
 
وأكدت الطبيبة أن عملها داخل المستشفى، يقتصر على فرز حالات الاشتباه بفيروس كورونا، وتوجيه أسئلة للمرضى عن الأعراض التي يعانون منها أو تظهر عليهم، وتاريخهم المرضي ومخالطتهم لمصابين سابقين أم لا، ثم تقوم بإرسالهم لعمل الفحوصات، مضيفة أنه وبعد مرور 5 أيام من إقامتها في مسكنها الجديد، فوجئت بجيرانها، يقفون أمام شقتها ويطالبونها بالرحيل، زاعمين أنها مصابة بفيروس كورونا، وقالت إنها استعانت بالشرطة التي تدخلت، وفرقت الجيران، مطالبة الجميع بعدم التنمر ضد الأطباء الذين يقفون في الصفوف الأولى لمواجهة الوباء.
وشهد الفيديو تعاطف الكثيرين من رواد مواقع التواصل الاجتماعي، مطالبين بتكريمها، وإحالة جيرانها للمحاكمة بتهمة التنمر والتحريض.
وعلق الدكتور أسامة عبد الحي، عضو مجلس النقابة العامة للأطباء المصريين على هذه الواقعة بالقول: «إنها تنم عن جهل البعض وعدم معرفتهم بالإجراءات، بشكل مبالغ فيه». وأضاف في مداخلة تلفزيونية، أنه «ليس بالضرورة عزل جميع العاملين بمستشفيات الحميات ذاتياً؛ خصوصاً أنه يتم إجراء تحاليل لهم بصفة مستمرة»، مشيراً إلى أن نقابة الأطباء تطالب الحكومة المصرية باعتبار ضحايا هذه المرحلة بسبب الفيروس من الأطقم والتمريض من الشهداء، لا سيما بعد أداء واجبهم على أكمل وجه.

 

الاحتجاجات ضد دفن الطبيبة المصرية في محافظة الدقهلية
 


 
مطالبات لبنانية مشروعة، ورد حكومي: «الطلبات غير منطقية»
وفي لبنان، طالبت مجموعة من الممرضات بتأمين منازل أو مساكن قريبة من أماكن عملهنّ، لحماية أُسرهنّ من احتمالات نقل العدوى لهم، وعبّرن عن خوفهنّ من العودة إلى منازلهنّ والتسبب في المرض لأولادهنّ وأسرهنّ، لكن الردّ من جانب النائب نعمت إفرام في مقابلة تلفزيونية، كان: «يروقوا علينا شوي»، وأضاف: «هنالك مشكلة كبيرة، وأنواع الطلبات غريبة عجيبة وغير منطقية»، معرباً عن استنكاره لطلب كهذا، في وقت يستطعن فيه بدلاً من ذلك «البقاء في المستشفيات»لوقاية أسرهنّ وعائلاتهنّ.
 
وفي بريطانيا، تعرضت العاملة في القطاع الطبي ماريا تادرس، للطرد من منزلها بحجة أنها تقابل مرضى خلال العمل، وقد أُجبرت على البحث عن سكن جديد خلال ساعات قليلة، وروت ما جرى معها في منشور على «فيسبوك»، معبرة عن سعادتها للفتة لطيفة بادرت إليها موظفة السوبر ماركت تعبيراً عن الامتنان والاعتذار لهذه الحادثة.
وفي هذا السياق، أشاد الدكتور عصام عبد الصمد أستاذ التخدير والرعاية المركزة في جامعة لندن بالحملات الداعمة والمحترِمة لجهود الطواقم الطبية، والعاملين والمتطوعين في القطاعات الطبية حول العالم. 
 
لا إكرام للمريض، ولا للميت:
الواقعة الأكثر بؤساً سجلت في محافظة الدقهلية شمالي مصر، بتاريخ 11 أبريل (نيسان)، حين استخدمت الشرطة المصرية الغاز المسيل للدموع لتفريق حشد معترض على دفن طبيبة توفيت بسبب فيروس كورونا المستجد في مقابر قرية شبرا البهو، خوفاً من الإصابة بالعدوى. وقد توفيت الطبيبة البالغة من العمر 65عاماً بعد إصابتها بالفيروس بعدوى من ابنتها العائدة من اسكتلندا، وتم نقل الجثمان لدفنه في مقبرة يمتلكها زوجها في القرية، مسقط رأسه، لكن الحشود الغاضبة أحرقت أكواماً من القش للحيلولة دون دفن المرأة قبل تدخل الشرطة المحلية واعتقال 15من الأهالي المتجمعين، ليتمكن فريق الإسعاف لاحقاً من دفن الجثمان.
الغريب أن الأهالي اعترضوا على دفن الجثة، لاعتقادهم بنقلها فيروس كورونا، من خلال التجمهر بأعداد كبيرة، دون أي مراعاة لقواعد الحماية الشخصية والتباعد الاجتماعي، أو حتى ارتداء الكمامات.
تكمن خطورة هذه الحوادث في الرعب المرافق لتحاليل الكشف عن الإصابة بالفيروس، أو تنفيذ العزل الذاتي، خشية الرفض الاجتماعي، الأمر الذي يترتب عليه نقل العدوى إلى المخالطين والمزيد من الضحايا، دون علم السلطات الصحية، ما يعني تفاقماً للأزمة الصحية، وهو ما قد يفضله البعض على المشكلات الاجتماعية المرتبطة بالإصابة!
وبرأي سحر الهبج اختصاصية الدعم النفسي والناشطة في العمل المجتمعي، فإن السبب في المقام الأول هو الجهل بالمرض والأعراض وطرق انتقال العدوى، وهو ما يدفع الناس للتصرف بهذه العشوائية والتنمر على العاملين في القطاع الطبي، بالإضافة إلى انعدام الثقة في الحكومات والقطاع الصحي، خاصة بعد الشكاوى من الجهات الطبية حول العالم بعدم توافر وسائل الحماية لهم، وقصور الجهود الحكومية في هذا الجانب، حتى إنهم لم يسلموا من تنمر أُسَرهم، الأمر الذي يتسبب في ضغط نفسي مضاعف.

 

تكمن خطورة هذه الحوادث في الرعب المرافق لتحاليل الكشف عن الإصابة بالفيروس، أو تنفيذ العزل الذاتي، خشية الرفض الاجتماعي
 


 
ضغط نفسي حتى الانتحار 
في روسيا أعلنت الشرطة المحلية عن وفاة طبيبتين وإصابة ثالث بعد إلقاء أنفسهم من نوافذ مستشفيات يعملون بها. وأكدت الشرطة أنها تحقق في الحوادث المنفصلة، لكن شهادات أطباء تقطع بأن حوادث الانتحار المتكررة تأتي نتيجة الضغوط التي يتعرضون لها، ونقص المعدات بالإضافة إلى منعهم من الحديث عن معاناتهم.
وقد تعرض الطبيب المصاب الدكتور ألكسندر شوليبوف إلى كسور حادة خاصة في الجمجمة، بعد إصابته بالفيروس المستجد وإلقاء نفسه من النافذة.
المثير أن الطبيب الروسي كان قد نشر مقطع فيديو مع زميل له يشكوان من نقص معدات الحماية في المستشفى، ليتم اتهامه بنشر أخبار كاذبة وإحالته للتحقيق ما أثار التكهنات بأن الضغوط التي تعرض لها بعد نشر الشكوى كانت السبب في انتحاره.
 
اختاروا المواجهة 
فيما تستمر الطواقم الطبية والتمريضية في مزاولة العمل تحت ضغط كبير لإنقاذ أكبر عدد من المصابين، تتزايد أعداد المصابين والمتوفين بين صفوفهم، فقد سجلت مصر وفاة 22طبيباً بحسب عضو مجلس النقابة العامة للأطباء إبراهيم الزيات، وإصابة 291ضمن صفوف العاملين في القطاع الطبي، بينهم 69طبيباً وطبيبة، وسجلت إسبانيا وفاة 10أطباء وممرضة واحدة ومساعد صحي، ووصلت أعداد الوفيات بين الأطباء في إيطاليا إلى 105، و24في إندونيسيا.
إنهم محاربون فضّلوا الحرب مع الفيروس على العزل الاحترازي، في عمل شاق ومرهق مصحوب بانعزال أو انتقال إلى سكن بعيد وضمن ظروف حياتيه صعبة، بعيداً عن عائلاتهم والدائرة الاجتماعية الأكثر أماناً، انتهى بموت الكثيرين. ورغم ذلك اختار البعض تنظيم حملات شرسة مرهقة نفسياً وجسدياً في وجههم.

font change