كيف ستُحكم مصر قبضتها على «كورونا»؟

ما بين «وعي الشعب» والإجراءات الحكومية...

د. طارق فهمي: مواجهة الاستهتار بإجراءات الحظر والتباعد الاجتماعى مسؤولية الحكومة، ودور الدولة وأجهزتها محوري فى هذا السياق (غيتي)

كيف ستُحكم مصر قبضتها على «كورونا»؟

* خبير إعلامي: لا معنى للرهان على وعي الشعب... والحكومة مطالبة بدور أكثر حزماً وإجراءات صارمة
القرارات الحكومية الأخيرة ربما تساعد على سد الفجوة مع الرأي العام
* الاتهامات الموجهة للدولة بعدم المكاشفة «جانبها الصواب».. والتناول الإعلامي جيد

القاهرة: احتاج فيروس كورونا إلى 51 يومًا للانتشار في مصر، وتسجيل الإصابة رقم ألف، يوم 4 أبريل (نيسان) 2020، وأخذت الفترات الزمنية لتسجيل كل ألف إصابة جديدة في التقلص، حتى كسرت الإصابات حاجز الـ 15 ألفا، بمعدل يتجاوز الـ 700 إصابة يومياً.. وخلال تلك الفترة لم تنقطع الحرب الكلامية بين الإعلام الذي يدعم استراتيجية الحكومة التي «تراهن على وعي الشعب»مع إجراءات تراعي الضرورة الاقتصادية، وبين المواطنين الذين خرجوا إلى مواقع التواصل الاجتماعي لتسجيل موقف بأن «الوعي وحده لا يكفي، ولا بد من إجراءات أكثر شدة في مواجهة فيروس قاتل».
الدكتور طارق فهمي أستاذ العلوم السياسية قال في تصريحات خاصة لـ«المجلة»إنه في مثل هذه الظروف من الصعب الرهان على وعي الشعب، وأضاف أن هناك مفهوماً في العلوم السياسية يدعى «الدولة الأبوية»، وهذا ما نحتاج إليه في هذه الظروف، نحتاج إلى دولة تفرض قراراتها على الجميع، تتخذ إجراءات أكثر شدة وحزماً، تنفذ ساعات الحظر بشكل كامل بمنع التجمعات في المناطق الشعبية، «لازم الدولة تمارس دورها بشكل أكثر قوة وصرامة، حتى لا تخرج الأمور عن السيطرة».
وأضاف: «ما تعرض له الوعى العام من تدهور فى عقود لا يمكن توقع إصلاحه فى أيام، خاصة أن لدينا معدل أمية غير قليل»،مستدركاً: «هنا يأتي دور القانون ودور الحكومة، فمواجهة الاستهتار بإجراءات الحظر والتباعد الاجتماعى هى مسؤولية الحكومة، وأدعي أنه حدث قدر كبير من التهاون والمرونة غير المبررة من قبل بعض المسؤولين خلال الشهور الثلاثة الماضية، وهذا يقودنا إلى دور الدولة وأجهزتها المحوري في هذا السياق».
وأضاف: «يجب على الأجهزة الأمنية التشدد فى تحرير محاضر خرق الحظر، وإعلان نشرة دورية يومية عن عدد الحالات المخالفة وطبيعة العقوبات التى تعرضوا لها، كذلك لا يجب أن يتوقف دور أجهزة الشرطة عند معاقبة مخترقي الحظر، ولكن لا بد أيضاً من مساهمتها فى إجراءات التباعد الاجتماعي وعدم التجمهر حتى في غير أوقات الحظر بالتنبيه على المحلات التجارية، بتنظيم تواجد العملاء داخل المتاجر، والأمر نفسه يسري على كل أماكن التجمعات المتوسطة والكبرى».
وتابع: «هناك أيضاً دور توعوي لوزارة الصحة بجانب الدور الوظيفي الذي يقوم به الأطباء في المستشفيات، فلا بد من تكثيف الحملات التوعوية على مستوى الأقاليم والمحافظات والقرى والنجوع».
وقال: «لا معنى للرهان على وعي المواطن! فمسؤولية الحكومة أصيلة فى هذه الظروف»، مضيفاً: «الأمر يحتاج إلى تشريعات ولوائح عاجلة، وإلزام المواطنين بالاستماع لتنبيهات الدولة، لأنه في حقيقة الأمر الحكومة وضعت عدداً من الإجراءات التي تساعد في مواجهة الأزمة، لكنها كانت مرنة في تطبيقها».
وتابع: «الإعلام المصري عليه دور كبير في تلك الأزمة، ليس بتخويف المواطن، أو نقل صورة مخالفة للواقع، خاصة أن هناك وسائل إعلام معادية سواء في (الجزيرة) القطرية أو التابعة لتنظيم الإخوان، تبث الشائعات وتشكك في إجراءات الحكومة، لذلك هذه الظروف تحتاج إلى إعلام رشيد وهادف ينقل الصورة الصحيحة بكل شفافية لقطع الطريق على إعلام الشائعات».

 

السناوي: كان أداء الحكومة في مواجهة أزمة كورونا مقنعا ومتماسكا في البداية، ولكن حدث بعد ذلك إصابات كثيرة، ثم ارتباك شديد في الخطاب الإعلامي وهذا كله أدى إلى افتقاد كبير للثقة العامة
 


 
فجوة ثقة
وقال الكاتب الصحافي عبد الله السناوي في تصريحات خاصة لـ«المجلة»، إن الإجراءات الأخيرة التي اتخذها مجلس الوزراء المصري والتي كان أهمها إغلاق كافة المحال التجارية والمولات والمطاعم وكافة الشواطئ العامة والمتنزهات بداية من الأحد أول أيام عيد الفطر وحتى الجمعة، للحد من انتشار فيروس كورونا وفرض حظر تحرك المواطنين من الخامسة مساء مع وقف حركة المواصلات العامة وحركة الأوتوبيسات بين المحافظات، أعتقد أنها ربما تساعد على سد الفجوة مع الرأي العام، وهي فجوة عدم الثقة، حيث إن الحكومة كان أداؤها في مواجهة أزمة كورونا مقنعا ومتماسكا في البداية، ولكن حدثت بعد ذلك إصابات كثيرة، ثم ارتباك شديد في الخطاب الإعلامي وهذا كله أدى إلى افتقاد كبير للثقة العامة، والقرارات الأخيرة عبرت عن محورين، الأول: أنها قرارات صحيحة من الناحية الصحية في فترة الإجازات وموسم عيد الفطر، الثاني: من الناحية الاقتصادية، ولن تؤثر هذه الإجراءات على الاقتصاد ولن تخلف أضراراً مالية لأنها أساساً فترة إجازات، وهي قرارات ضرورية، لأنها فترة تزاحم طبيعي، فهو إجراء يساهم بعض الشيء في منع زيادة معدل الإصابات بفيروس كورونا، والأهم من ذلك أنه كان هناك اقتراح من عدد كبير من الأطباء بأن يطبق هذا الإجراء لمدة أسبوعين، ولكن لا بأس من قرارات الحكومة فهي تمثل نوعاً من أنواع الاستجابة لرأي أهل الاختصاص، ونحن في مصر لدينا معضلة ما بين الصحة، والاقتصاد فلا بد أن أسمع بدقة لرأي الأطباء والاستماع لشكاواهم والاستجابة لها، كما أنه يجب سماع رأي الاقتصاديين من مدارس مختلفة، ولدينا اقتصاديون كبار شاركوا في منظمات اقتصادية كبيرة وتقلدوا مناصب أكاديمية مرموقة، ولهم مساهماتهم في المحافل الدولية ونحن بحاجة لأن نسمع آراءهم في كيف تكون لدينا خطة محكمة طبقا للظروف المصرية لأن لكل دولة ظروفها المختلفة عن الدول الأخرى بحيث يكون هناك فتح للاقتصاد بطريقة مدروسة وليست عشوائية، ولا بد من حل المعادلة الصعبة ما بين صحة المواطنين وضرورة الحفاظ عليها، وما بين ضرورات فتح الاقتصاد، ونحن نحتاج لأن نستمع لجميع الآراء.
وتابع: «القرارات الحكومية الأخيرة استجابت لمطالبات نقابة الأطباء وهذا شيء إيجابي ولكن أظن أنه لا بد من فتح المجال أمام كافة الاتجاهات والتصورات في وسائل الإعلام، وأظن في هذه الحالة يمكن سد فجوة عدم الثقة».
وقال السناوي: «ليس لدينا أزمة، كانت هناك حالة واضحة في البداية مع دعوات (خليك في البيت)، وهي كانت عبارة عن مناشدات أو خطاب تعبوي للبقاء في البيوت، ولكن الأمور تغيرت وأصبح هناك دعوات لدفع عجلة الاقتصاد مرة أخرى مع الأخذ في الاعتبار الإجراءات الاحترازية المشددة».

 

تطهير سيارة إسعاف تنقل مريضًا محتملاً بفيروس كورونا في مستشفى الحميات في القاهرة، مصر (غيتي)
 


 
 المعالجة الإعلامية
وقال أستاذ الإعلام بجامعة القاهرة الدكتور محمد المرسي في تصريحات خاصة لـ«المجلة»: «الاتهامات الموجهة للدولة بعدم المكاشفة وعدم الشفافية هي اتهامات يجانبها الصواب في كثير من الأحيان، فما نراه من آراء منشورة في وسائل الإعلام والسوشيال ميديا تؤكد بشبه إجماع أن الدولة المصرية تعاملت مع أزمة كورونا بشفافية كبيرة جدا، وبشكل جيد، وفيه رؤية عميقة منذ بداية الأزمة وحتى الآن، وإذا كانت هناك آراء من المعارضة ترى عكس ذلك فهو استثناء، لكن القاعدة هي الآداء الجيد للحكومة في التعامل مع أزمة كورونا منذ بدايتها ومع تطورات أوضاعها واتخاذ جميع الإجراءات الوقائية والاحترازية وتوفير كافة الإمكانات بقدر الإمكان للتعامل مع أزمة كورونا منذ بدايتها».
وقال المرسي: «هناك شبه إجماع على أن الإعلام المصري سواء كان إعلاما عاما مملوكا للدولة، أو إعلاما خاصا تعامل مع الأزمة بشكل جيد، وهذا التعامل على ثلاثة مستويات، المستوى الأول هو المستوى الإخباري وتقديم الخدمة الإخبارية المميزة سواء لتطورات الأزمة والتعامل معها داخل مصر أو خارجها كما أن الإطار المعرفي الإخباري جيد جدا سواء كان ذلك في وسائل الإعلام الخاصة أو إعلام الدولة. المستوى الثاني هو التوعوي، وأعتقد أنه أصبح واضحاً للجميع الكم الهائل من البرامج التوعوية في جميع وسائل الإعلام، والتي تشرح كيف يتعامل المواطن مع هذه الأزمة من أجل الوقاية، وطريقة التعامل في حالة حدوث الإصابات، والبرامج التعريفية بالفيروس وطبيعته، وطرق التعامل مع انتشاره. والحقيقة أن هذه البرامج على القنوات المصرية كانت بمستوى جيد جدا. أما المستوى الثالث فيتعلق بالتفنيد والرد على الشائعات، وبالطيع انتشرت شائعات كثيرة جدا فيما يتعلق بفيروس كورونا وتعامل الدولة معها، ومدى شفافية الدولة في التعامل مع الأزمة، وحالات الإصابة بالفيروس وأعدادها، وأشياء كثيرة جدا، والحقيقة أنه كانت هناك حالة انتقاء لأهم هذه الشائعات التي يمكن أن تؤثر سلبا على الشارع المصري وكان هناك تفنيد ورد عليها من الأجهزة المصرية المختلفة سواء من خلال وزارة الصحة، وأجهزة الدولة المعنية بهذه الشائعات، والاستعانة ببيانات منظمة الصحة العالمية وسواء كان من خلال رئاسة الجمهورية ومؤسسة الجيش من خلال الإدارات المعنية بالرد على هذه الشائعات التي تم نشرها خلال هذه الفترة من خلال البرامج والإعلانات التي ترد على هذه الشائعات وتفندها بشكل جيد.
واختتم حديثه قائلاً: «الإعلام المصري قدم منظومة من التعامل مع الأزمة بشكل جيد، نتمنى أن يستمر على الدوام».
وقال رئيس حزب الشعب الديمقراطي، خالد فؤاد، في تصريحات خاصة لـ«المجلة»: «الخدمات التي تقدمها أي دولة في مواجهة فيروس كورونا، تتعلق بتوافر الموارد المالية، فكل الدول تقدم خدمات بقدر ما لديها من قدرات وإمكانيات، ومصر منذ فترة قريبة نجحت في برنامج الإصلاح الاقتصادي، واستطاعت توفير 100 مليار جنيه لمواجهة الأزمة، لذلك أرى أنه ليس هناك أي تقصير من الحكومة، ونحن مطالبون بأن نرى حقيقة الوضع الراهن، فهناك إمكانات محدودة، وشعب يحتاج إلى مجهودات كبيرة لتنمية الوعي بشأن التعامل مع الأزمة.

font change