إيران تنحدر نحو الهاوية

جمهورية المرشد والفساد الاقتصادي

القضاء الإيراني يحكم بالإعدام على وحيد بهزادي الملقب بـ«سلطان السيارات» وزوجته نجوى لاشيدائي

إيران تنحدر نحو الهاوية

* تنفيذ عقوبة الإعدام بحق المتورطين في ملفات اقتصادية لا يعني أن السلطات مهتمة بمكافحة الفساد بل إنها تشعر بالقلق من أزمة الشرعية التي تعاني منها وخسارة النظام لقاعدته الجماهيرية
* لا توجد دراسة حول مدى فاعلية أحكام الإعدام هذه في خفض معدلات الفساد في الاقتصاد
* يبدو أن المحاكم التي تتشكل لمحاكمة الفاسدين الاقتصاديين تهدف إلى التخفيف من غضب الشارع والرأي العام ومحاولة إقناعهم بمكافحة الفساد

طهران: لا یجد المسؤولون في نظام الجمهورية الإسلامية سبيلا إلا عقوبة الإعدام في حال عجزهم عن حل المشاكل التي يواجهونها في القطاعات السياسية والأمنية والاجتماعية والاقتصادية.
نقلت وكالة «إيسنا»للأنباء عن المتحدث باسم السلطة القضائية غلام حسين إسماعيلي يوم 19 مايو (أيار) قوله إن القضاء أصدر حكما بالإعدام على وحيد بهزادي الملقب بـ«سلطان السيارات»وزوجته نجوى لاشيدائي بتهم «الإخلال بسوق السيارات، وتهريب عملة صعبة على نطاق واسع».
وأضاف: «يمكن للزوجين استئناف الحكم».
لم تكن هذه هي المرة الأولى التي يصدر فيها حكم الإعدام على «سلاطين الفساد»في إيران.
 
ويعتبر فاضل خداداد المعروف بـ«أمير منصور أريا»أول متهم بملف فساد اقتصادي كبير وعملية اختلاس هائلة بنحو 3 مليارات دولار تم إعدامه في 22 نوفمبر (تشرين الثاني) 1995 في سجن إيفين دون علم عائلته.
ونفذت السلطات الإيرانية حكم الإعدام بحق مه أفريد خسروي المتهم الرئيسي في عملية اختلاس كبيرة بلغت قيمتها 2.6 مليار دولار من مصرف صادرات الإيراني في 24 مايو 2014.
وقد أصدر المرشد الإيراني علي خامنئي في أبريل (نيسان) 2001 مرسوما يتضمن 8 فصول بهدف «المكافحة الشاملة»للفساد المالي والاقتصادي ليتم تنفيذه على يد رؤساء السلطات الثلاث. وافق خامنئي في 11 أغسطس (آب) 2018 على اقتراح تقدم به رئيس السلطة القضائية آنذاك صادق لاريجاني بشأن تشكيل محاكم خاصة تابعة لمحكمة الثورة لمحاكمة الموقوفين بتهم فساد اقتصادي. لقد كشفت هذه «المحاكم الخاصة»عن دور الأجهزة والمؤسسات التابعة للسلطة في الفساد الاقتصادي والأزمات الاقتصادية المتلاحقة وجذور الفساد المتفشي في أركان الدولة.
وأضاف إسماعيلي أن القضاء أدان 987 متهما بسبب إدانتهم بالإخلال بالنظام الاقتصادي خلال العام الماضي من بينهم حكم الإعدام لـ9 مدانين والسجن المؤبد لـ4 متهمين وحكم السجن لفترة تتراوح بين 20 و30 عاما لـ44 مدانا.
وبعد نحو ثلاثة أشهر على تشكيل المحاكم الخاصة للمتهمين بالفساد الاقتصادي وبعد انسحاب الولايات المتحدة من الاتفاق النووي وفي خضم العواصف التي ضربت الاقتصاد وسوق العملة في البلاد أعلنت السلطات الإيرانية في نوفمبر 2018 عن تنفيذ حكم الإعدام شنقا بحق وحيد مظلومين الملقب بـ«سلطان المسكوكات الذهبية»ومحمد إسماعيل قاسمي مساعده، في سجن إيفين في طهران وذلك بعد مرور 43 يوما على بدء إجراءات محاكمتهما.
نفذت السلطات الإيرانية حكم الإعدام شنقا بحق حميد رضا باقري درمني الملقب بـ«سلطان القار»أو الأسفلت، في ديسمبر (كانون الأول) 2018 وذلك بعد إدانته بالفساد في الأرض من خلال تشكيل شبكة اختلاس ورشوة.
تبنى نظام الجمهورية الإسلامية منذ قيامه شعار «مكافحة الفساد الاقتصادي»ويزعم المسؤولون خلال الأعوام الماضية أنهم أخذوا خطوات مهمة في الحد من هذه الظاهرة غير أن هذه المزاعم لم تترجم إلى أفعال. يتفاخر المسؤولون الإيرانيون بأساليبهم في «مكافحة الفساد الاقتصادي»وينسون أنهم فقدوا شرعيتهم. ولكن الحقيقة أن نظام الجمهورية الإسلامية أصبح خائر القوى بسبب الفساد الممنهج وغير القابل للسيطرة والريعية وشبكات المافيا إلى مستوى حذر فيه أحمد توكلي النائب السابق المحسوب على التيار المحافظ من أن الفساد في إيران لم يعد مقتصرا على حالات محدودة وعابرة بل اتخذ طابعا ممنهجا. 
هذا وقال إسحاق جهانغيري، نائب الرئيس الإيراني، بأن «الفساد كالنمل الأبيض ينخر النظام». وصرح أحمد خاتمي رجل الدين المتشدد والقريب من المرشد بأن مستقبل النظام مرهون بما ستؤول إليه إجراءات مكافحة الفساد.

 

أعدمت السلطات حميد رضا باقري درمني الملقب بـ«سلطان القار»بعد إدانته بالإفساد في الأرض


 
حملة للمطالبة بإعدام الفاسدين الاقتصاديين
وتأتي الوعود والأوامر من رأس الهرم السياسي حول مكافحة «الفساد الاقتصادي»وصدور حكم الإعدام للمتورطين فيه في الوقت الذي دشن فيه التيار الداعم لرئيس السلطة القضائية إبراهيم رئيسي وعدد من مراجع التقليد المحسوبين على النظام على غرار ناصر مكارم شيرازي وحسين نوري همداني (من أعلام الأصولية الشيعية والآيديولوجيا التقليدية) حملة جديدة للمطالبة بإعدام المتورطين بملفات الفساد وطالبوا بلزوم «المواجهة الثورية، والإعدام الفوري»للفاسدين الاقتصاديين الذين أخلوا بالنظام الاقتصادي على نطاق واسع واعتبروا أن الإعدام هو الحل. وخاطب النائب عن مدينة زابل (جنوب شرقي البلاد) حبيب الله دهمرده خلال جلسة علنية للبرلمان في 18 يونيو (حزيران) 2019 مسؤولي السلطة القضائية قائلا «قوموا بشنق المدانين بقضايا فساد كبيرة في الملأ من أجل طمأنة المواطنين».
تستخدم دوائر صنع القرار التي تزعم وتروج للحياة البسيطة الإعدام كأداة للحفاظ على مصالحها. إن تنفيذ عقوبة الإعدام بحق المتورطين في ملفات اقتصادية لا يعني أن السلطات مهتمة بمكافحة الفساد بل إنها تشعر بالقلق من أزمة الشرعية التي تعاني منها وخسارة النظام لقاعدته الجماهيرية وبالتالي يبدو أنها وجدت في إعدام «الفاسدين الاقتصاديين»حلا للتخفيف من يأس الشعب المتزايد من فشل النظام. 
تأتي مكافحة نظام الجمهورية الإسلامية للفساد في الوقت الذي استشرى فيه سرطان الفساد في هيكله وأدائه ويتوغل أكثر يوما بعد يوم في دهاليزه ومؤسساته. ولم تؤد مكافحة الفساد هذه إلى إطاحة الرؤوس الكبيرة والمؤسسات الريعية وأصحاب الامتيازات الخاصة مثل صندوق ادخار المعلمين ومؤسسة الشهيد وغيرهما من المؤسسات الدينية ومجموعاتها الاقتصادية والتنفيذية والمنصوبين من قبل المرشد والمنسوبين إليه وإلى بيته لأن كل هذه الدوائر تتمتع بالحصانة الممنوحة لهم من قبل السلطة الحاكمة. فالضحايا عادة يكونون من المستويات الدنيا والمتوسطة في هرم الفساد.
 
استشراء الفساد الممنهج في بنية النظام الإيراني
لم يأت الفساد الممنهج في نظام الجمهورية الإسلامية من فراغ. فالنظام ينتج الفساد وبات الفساد واضحة المعالم يتمتع بخطوط متشابكة في كل أركان الحكم من ضمنها التياران الرئيسيان للنظام. وأصبحت الطبقة الحاكمة عبارة عن عصابات المافيا تحكمها صلات قرابة وعلاقات صداقة انتهت بحلقة ضيقة من الأقرباء والحلفاء السياسيين تربطهم مصالح مشتركة. وخرجت ظاهرة من رحم هذه الشبكة الفاسدة المعقدة بخطوطها وتفاصيلها تدعى «أبناء الأغاوات»(أبناء السادة) وهم أبناء المسؤولين الذين يستفيدون من إمكانيات البلاد من دون منافس دون أن يستحقوها. وتنتشر عادة أخبار عديدة عن تفاصيل حياتهم المرفهة أو ملفات الفساد التي تورطوا فيها على غرار آبائهم، مثل: شبنم نعمت زاده وهي ابنة وزير الصناعة والمناجم السابق محمد رضا نعمت زاده. وواجهت شبنم اتهامات بـ«احتكار الأدوية، وكسب الأموال من طرق غير قانونية». هؤلاء أبناء يسلكون طريق آبائهم فهم نشأوا في كنف عائلات كبيرة وذات نفوذ كبير في النظام. 
نظام الجمهورية الإسلامية بهيكله الحالي يولد الفساد منذ فترة طويلة وبات الأمر واضحا إلى مستوى لم يستطع أي مسؤول مهما كان منصبه ونفوذه أن ينكر ذلك. وقام عدد من موالي الرئيس الإيراني روحاني منذ سنوات بالكشف عن تورط إلياس قاليباف- نجل محمد باقر قاليباف، وهو عمدة طهران السابق ورئيس البرلمان الحالي- في نشاطات اقتصادية ومخالفات مالية هائلة. وردا على ذلك، نشر موالو محمد باقر قاليباف وثائق تدل على تورط ابنة وزير التعليم في حكومة روحاني بملفات فساد اقتصادي. 
تأتي كل الاتهامات المتبادلة في الوقت الذي لايزال محمد باقر قاليباف أحد جنرالات الحرس الثوري وقائد الشرطة السابق والمرشح السابق المهزوم في ثلاث دورات للانتخابات الرئاسية وعمدة طهران لمدة 12 عاما يلتزم الصمت حول فضيحة طالته قبل سنوات بشأن بيع عقارات مملوكة لبلدية طهران لأعضاء في مجلس البلدية ومسؤولين وقيادات عسكرية بأقل من نصف سعر السوق. وتم تنصيب قاليباف كسادس رئيس للبرلمان الإيراني يوم 28 مايو (أيار) الماضي.

 

أعدمت السلطات الإيرانية وحيد مظلومين الملقب بـ«سلطان المسكوكات الذهبية»ومساعده محمد إسماعيل قاسمي يوم 14 نوفمبر 2018


 
لم يسفر الفساد الاقتصادي والإداري الهيكلي والممنهج الآخذ بالتوسع إلى انخفاض الإنتاج الاقتصادي والموارد العامة للبلاد بل وأدى إلى حالة من اللامبالاة وعدم الاكتراث الشعبي حول الصفقات الاقتصادية والتجارية المشبوهة.
قد تطول كثيرا قائمة المتورطين والمدانين في قضايا فساد كبيرة على غرار محمود خاوري (محافظ مصرف ملي الحكومي الذي تورط بعملية اختلاس بثلاثة مليارات دولار) وبابك زنجاني (المتهم بسرقة ثلاثة مليارات دولار من بيع النفط الإيراني بالأسواق السوداء) ومه أفريد أميرخسروي (صاحب مجموعة شركات أمير منصور آريا. حيث قام المتهم باستغلال علاقاته مع مسؤولين كبار في البنوك الإيرانية الكبرى لشراء صكوك ائتمان تصل قيمة كل منها إلى مئات الألوف من الدولارات من دون أن يدفع المبالغ المستحقة عليه ويصل إجمالي هذه المبالغ إلى ثلاثة مليارات دولار) وجمشيد ميرابي الملقب بجمشيد باسم الله (المدان بالإخلال بنظام العملة الصعبة). 
لم ينس الإيرانيون بعد قضايا فساد كبيرة هزتهم على غرار سلطان المسكوكات الذهبية وسرقة ثلاثة آلاف مليار تومان وفضيحة المنصة النفطية المفقودة وسلطان السكر وسلاطين الورق ومجموعة شركات أمير منصور أريا ومؤسسة ثامن الحجج والمؤسسات المالية غير المصرفية الوهمية. وكلها فضائح، والمتورطون متهمون بسرقة المليارات ونهب أموال الشعب.
كل هذه الفضائح والملفات حكايات مكررة في كتاب الفساد الاقتصادي في إيران. نسمع بها مرة كل عام أو عامين. تتم محاكمة المتورطين فيها. يتم صدور الحكم عليهم دون إنزال العقوبة على الشخصيات والمؤسسات والمنظمات المتنفذة التي تقف خلفهم وتغذي جذور هذه الشجرة الفاسدة.
وتقوم الأبواق والماكينة الإعلامية للجمهورية الإسلامية وتلك المقربة من المرشد بنشر أخبارهم وتفاصيل جلسات محاكمتهم وتهلهل بتنفيذ أحكام الإعدام المستعجلة الصادرة بحقهم ولكن إلى متى ستستمر هذه المحاكمات؟ هل نشرت الأجهزة الحكومية تقريرا واحدا عن ملفات الفساد الاقتصادي وأبطالها: محمد يزدي (عضو مجلس خبراء القيادة)، وصادق لاريجاني(رئيس مجلس تشخيص مصلحة النظام)، وحسين طائب (قيادي كبير في الحرس الثوري)، والعديد من مقربي بيت المرشد؟ 
وهل هناك تقييم أو دراسة حول مدى فاعلية أحكام الإعدام هذه في خفض معدلات الفساد في الاقتصاد؟ 
يبدو أن المحاكم التي تتشكل لمحاكمة الفاسدين الاقتصاديين تهدف إلى التخفيف من غضب الشارع والرأي العام ومحاولة إقناعهم بمكافحة الفساد. كما يبدو أنه وعلى الرغم من الإعدامات الكثيرة التي نفذت لكنها لم تطفئ عطش مسؤولي النظام الإيراني لمزيد من الإعدامات.

font change