سمير مرقص: غير راض عن أداء الحكومة وأرفض الدستور الجديد

سمير مرقص: غير راض عن أداء الحكومة وأرفض الدستور الجديد

[caption id="attachment_55240194" align="aligncenter" width="620"]د. سمير مرقص د. سمير مرقص[/caption]


سمير مرقص أكد في حواره الخاص "للمجلة" إن ثورة 25 يناير المصرية لم تكتمل، وما زالت هناك موجات غضب أشد خشونة يقودها الشباب المصري خلال المراحل القادمة، مشيرا إلى أن الإصلاحات التي شهدتها مصربعد الثورة، لم ترتق للتغيير الثوري الذي حدث. وأعرب مساعد الرئيس (المستقيل) عن عدم رضائه عن أداء الحكومة المصرية برئاسة هشام قنديل، مؤكدا أن التركة ثقيلة على أن يتحمل مسؤوليتها تيار أو فصيل واحد، وطالب بتضافر جميع القوى في مصر، وقال إذا لم يفهم التيار السياسي الغالب في مصر ذلك (الإسلاميون) ، فليتحمل هو وحده ويدفع الثمن!
وصب مرقص جام غضبه على "تأسيسية" الدستور، رافضا تشكيلها على أساس ديني، وأعرب عن رفضه للدستور الجديد، لأنه يفتقد إلى روح ثورة 25 يناير - على حد قوله.

وكان سمير مرقص من أوائل الذين أعلنوا انسحابهم من الجمعية التأسيسية للدستور المصري، ولم تفلح كل المحاولات في إعادته. وهو يعد من كبار المفكرين السياسيين اليساريين في مصر، وله العديد من المؤلفات المهمة في الشأن الديني، والعلاقة بين المسيحيين والمسلمين في مصر، ودراسة التيارات الدينية السياسية حول العالم منها كتاب "الحماية والعقاب.. الغرب والمسألة الدينية في الشرق الأوسط ".
وهو القبطي الوحيد الذي كان ضمن مساعدي الرئيس الأربعة، الذين تم تعيينهم بعد تولي الدكتور محمد مرسي، وجاء اختياره مريحا لمختلف الأطياف السياسية، باعتباره يمثل فكرا مختلفا عن جماعة الإخوان المسلمين، التي تسيطر على مؤسسة الرئاسة في مصر، ويحظى بعلاقات طيبة مع مختلف القوى السياسية في مصر.

الحوار الذي أجري قبل إعلان مرقص استقالته من منصبه مستشارا للرئيس.. حوار يبيّن أنه كان غير راض عما يجري في مصر وأن الاستقالة كانت قادمة لا محالة وأن الإعلان الدستوري لم يكن سوى " النقطة التي أفاضت الكأس":



كامب ديفيد




في بداية الحوار بدا الدكتور مرقص متحفظا في الإفصاح عن رأيه، حول ما يدورعلى الساحة الفلسطينية، وفي لهجة تكشف ملامح عدم رضائه عن المعالجة العربية الحالية للقضية العربية المزمنة قال:

ـ لي موقف حاسم وقاطع من الصراع العربي الإسرائيلي، لأني من جيل مختلف، قد يكون موقفه خاطئا، لكننا من جيل له وجدان وذاكرة معينة، ولي رؤية خاصة في هذا الموضوع.

* في ضوء المشهد السياسي الحالي، ما موقفك مما يطرح على الساحة من تعديل أو إلغاء لاتفاقية كامب ديفيد بين مصروإسرائيل؟
ـ في كلمة مختصرة، أظن أن السياق الذي أوجد "كامب ديفيد" قد اختلف ولابد من إعادة النظر!!

*هل تعتقد أن المنطقة تتعرض لخطر حقيقي قد ينجم عنه تغيرات خطيرة؟
ـ هذا الأمر يذكرني بما كتبته عام 1983، عن مخطط إسرائيل للبننة مصر، لأني أعرف مخططات إسرائيل وأدرسها بعناية، وأنا الوحيد الذي كتب في مصر عام 2007 عن مؤتمر هرتزليا في إسرائيل آنذاك، والذي أشير فيه إلى أن المنطقة تذهب نحو عالم الدولة المذهبية، وكأنه يوحي أن المخططات القادمة، يجب أن تتجه إلى تقسيم المنطقة على أساس مذهبي، وكتبت محذرا من هذا الأمر.

* إلى أي مدى يلعب الغرب دورا في تكريس هذه الفكرة؟
ـ في عام 2000 كان أول كتبي كتاب "الحماية والعقاب.. الغرب والمسألة الدينية في الشرق الأوسط"، وهو كتاب مرجعي درس فكرة دور الغرب، وتأثيره على العلاقة بين المسيحيين والمسلمين في مصر منذ الدولة العثمانية إلى وقتنا المعاصر، بداية من الامتيازات الأجنبية وانتهاء بقانون الحرية الدينية الصادر في الولايات المتحدة الأميركية عام 1998، والذي تفوض فيه أميركا نفسها بحماية الأقليات في العالم، ويعد المرجع العربي الوحيد في هذا الموضوع، واستغرق مني خمس سنوات، درست خلالها اللوبي الذي كان وراء القانون، وكيفية صدوره، وآلية التشريع في الكونغرس، ونظام جماعات الضغط في أميركا. وخرجت منه برؤية عن تأثير الغرب - بغض النظر عن فكرة نظرية المؤامرة - لأن الحقيقة الثابتة، أن الغرب له دور ومصالح منذ الدولة العثمانية. وبالمناسبة يظن البعض أن الدولة العثمانية حققت إنجازات وفتوحات كبرى، وتعتبرها بعض التيارات المتشددة المصرية نموذجا، وأنا أقول لهم إن هذا الكلام غير دقيق، بدليل أنه بعد عدد قليل من السنوات بدأ نظام الامتيازات الأجنبية ينخر في جسم الدولة العثمانية، وهو ما يقدم لنا معايير لفهم ما يحدث الآن.



حتمية تاريخية




* هل تعني أن نفس الأحداث تتكرر، في إطار ما يمكن تسميته الحتمية التاريخية؟ وبمعنى آخر هل يعيد التاريخ نفسه عبر الزمن؟
ـ ليس حتمية تاريخية، بقدر ما هو أقرب إلى القانون. والمؤرخون يرفضون فكرة تكرار التاريخ لنفسه، ولكن بشكل عام، يمكن القول إنه يعيد نفسه، طالما ظلت الظروف كما هي، فلو ظللنا ضعافا ومتخلفين أو مستهلكين وتابعين، فبلا شك أن التاريخ سيكرر نفسه، ومن واقع دراساتي أجد أنه دائما ما توجد فترات صعود وهبوط عبر التاريخ، أطلقت عليها "مرحلة الإلحاق والتجزئة"، أي إلحاق للغرب أو للخارج وتجزئة أفقية ورأسية للداخل، على أساس هذا الإلحاق.

* هل ينسحب الكلام على المنطقة العربية كلها؟
ـ بالطبع. على كل العرب، ولكن مصر هي النموذج الذي يمكن القياس عليه، باعتبارها الدولة المتكاملة الأركان، بحكم قدم مؤسساتها وبرلمانها وأجهزتها البيروقراطية. وتبين لي أنه كلما رضينا بالإلحاق والتبعية، كانت هناك حالة من التجزئة، ووجدت أن هذه التبعية عادة ما يقابلها تجزئة في المسألة الدينية،
ويحدد ذلك النظام الاقتصادي، ومدى التبعية أو التأثير في النظام الاقتصادي العالمي، على أساس فكرة أن التفتيت يسهل السيطرة.

* هل يمكن القول إن ما سمي "الربيع العربي"، يحمل في طياته الأطماع الخارجية في تقسيم وتفتيت المنطقة العربية؟
ـ لا، لا.. هذا الكلام لا ينبغي قوله، لأنه لا شك كانت هناك ظروف داخلية سارعت فيما حدث.

* ألم تكن هناك أياد خفية خارجية، ساهمت في هذا الإسراع؟
ـ ليكن إلى أن يثبت هذا بشكل دقيق وعلمي وتاريخي، لأننا لا نريد أن نجحف شعوبنا حقها في الثورة، والثمن المدفوع من أرواح الشباب، من أجل ثورتهم التي عشناها. وقد كتبت منذ سنوات عن الإرهاصات التي كانت مؤشرا بأن المجتمع يتجه نحوثورة، وأنا شخصيا لم أكن راضيا عن تلك الأوضاع.



مجتمع الخمس




* في رأيك ما أهم المساوئ التي سرّعت هذه الثورة؟
ـ عدم العدالة! فلقد كتبت عن الليبرالية الجديدة التي ظهرت في عهد النظام السابق، وهذا ليس بدافع انتمائي لليسار، وإنما دفاعا عن العدالة وقيمة العدل، بعد أن تحولت مصر إلى مجتمع الخمس الذي يسيطر على 80 في المائة من خيرات وموارد البلاد، وقد أطلقت عليهم "شبكة الامتيازات المغلقة"، وهم الأقلية الثرية التي كانت تسيطر على الاقتصاد المصري، بينما يعيش الثمانون في المائة على 20 في المائة فقط، وهي مسألة خطيرة جدا. وبسببها لم يشعر أغلب المصريين بالنمو الذي كان يحدث في عهد مبارك، لأن الذي كان يستفيد منه هم أعضاء تلك الشبكة المغلقة من ذوي الامتيازات. وهنا نعود لفكرة القانون أو الحتمية، بأنه كلما دخلت مصر في هذا النوع من العلاقات، فإنها تكون دائما ضعيفة، ويؤثر سلبا على مكانتها، ويؤثر ضمنا على العلاقات الإسلامية المسيحية. وقد رصدت ذلك بكل دقة منذ دخول العرب إلى مصر حتى الآن، وبدا واضحا أن الفترات التي كانت مصر قوية فيها بشكل عام، كان ذلك ينعكس على الواقع الاجتماعي، وتكون العلاقة إيجابية بين المسلمين والمسيحيين. وفي الدولة الحديثة في عهد محمد علي، لم يحدث ذلك أي توتر ديني أثناء فترة النهوض. وفي الفترة ما بين (1919) و(1969) حيث حركة الطبقة الوسطى ونهضتها الاجتماعية، كانت مصر في حالة جيدة جدا، ولم تحدث سوى حادثتي توتر ديني خلال نصف قرن: واحدة قبل ثورة 1952، والثانية بعد الثورة.


[caption id="attachment_55240195" align="alignleft" width="300"]مرقص مع الرئيس مرسي قبل الاستقالة مرقص مع الرئيس مرسي قبل الاستقالة[/caption]


* على الرغم من نكسة 1967 في تلك الفترة؟
ـ نعم، لأن تأثيرالنكسة بدأ فيما بعد، لأن تلك الفترة شهدت نهوضا وطنيا واقتصاديا، وبالتالي لم تكن هناك مشاكل توتر ديني. إنما منذ عام 1970 وحتى يومنا هذا، حدث أكثر من مائتي حادث توتر ديني في مصر، وهذا يرجع إلى توقف المشروع النهضوي، وكون مصر "بعافية"، وحين تكون مصر بعافية، يحدث القانون التاريخي الذي أشير إليه.

* ماذا عن رؤيتك لمرحلة ما بعد تولي الرئيس مرسي، في ظل تكرار حالات التوتر الديني؟
ـ نحن في مرحلة يمكن تسميتها مرحلة "استعادة الصحة والحيوية".

* هل معنى ذلك تفاؤلك بمعطيات الواقع الحالى فى ظل حكم رئيس إخوانى؟!
ـ بالمعنى العلمي نعم، يمكن التفاؤل بالمعطيات الحالية.

* كيف ترى رئيس مصر، الذي ينتمي إلى جماعة الإخوان المسلمين؟ وما رأيك فيما يثار من مخاوف من سيطرة الإخوان على قصر الرئاسة؟
ـ الرئيس مرسي شخصية معتدلة، كما أن المجموعة المحيطة به أيضا من الشخصيات المعتدلة فكريا.


ثورة جديدة!




* لكن ما تفسيرك لشعورالكثيرين بعدم الارتياح من معطيات الواقع المعاش حاليا في مصر؟
ـ عقارب الساعة لن تعود إلى الوراء مهما حدث، إعاقات أو تعثرات. فمصر التي أسقطت حاكما في ثورة 25 يناير، وما أدرانا بالحاكم في مصر، فقد كان فرعونا، ولأول مرة يسقط الحاكم في مصر، ليس من قبل الباب العالي ولا بالاغتيال، أو الموت المفاجئ، وإنما سقط بإرادة شعبية، إذن نحن أمام منعطف مختلف، ومرحلة جديدة في حياة المصريين.

* هل تعني أنه لا مجال للحديث عن فرعون جديد في مصر؟!
ـ استحالة!

* هل لذلك علاقة بتنبئك بثورات شبابية أخرى قريبة؟
ـ الكتلة الشبابية تمثل الشريحة الأكبر في الهرم السكاني المصري، وحتما هم الذين يقودون المستقبل، وقد وصفت ثورتهم بأنها الموجة الأولى من الحراك الشبابي الشعبي، وما قاموا به في 25 يناير، لم يكن ثورة كاملة، بل هي موجة أولى من الحراك، يعقبها موجات أخرى لا أعرف متى ولا أين؟

* وما السبب؟
ـ ثورة 25 يناير كانت عبارة عن احتجاج ناعم ورقيق، أعقبتها موجات غضب صغيرة أشبه بالتوابع للموجة الأولى، لعدم ارتياح الشباب للإجراءات الإصلاحية، وأرى أنها لم تكن على مستوى ما قام به الشباب من "ثورة"، ومن المتوقع أن تحدث موجات أخرى، يصعب تحديد مكانها وزمانها لأنه ما زال في علم الغيب.

* هل تعتقد أن المجلس العسكري آنذاك، كان وراء عدم ارتقاء الإصلاحات إلى المستوى الثوري؟
ـ النخبة كلها بشكل عام، وأنا منهم، وكذلك المسؤولون والأحزاب، لا يمكن إعفاؤهم من المسؤولية.

* وما الهدف من عرقلة تلك الإصلاحات في رأيك؟
ـ حسابات مختلفة، قد يكون لبعضهم رؤى خاصة بحماية البلد من السقوط، وقد تكون هناك مصالح بالطبع للبعض الآخر. وبوضوح كانت هناك قوى إقليمية أو دولية من مصلحتها إعاقة التطور والتغيير، وكان يمكن للنخبة بفعل ما فعله شباب الطبقة الوسطى أن نستثمر الأمر في إصلاحات جيدة، لكنه لم يحدث. ومن هنا كانت فكرتي أنه من الممكن أن تكون هناك موجة ثانية، تكون أكثر خشونة عندما لا نجد تغييرا، وأظن أن مجموعة ردود الأفعال التي نراها في الشارع المصري تجاه العديد من الأحداث كحادث قطار أسيوط، الذي قتل فيه أطفال يعكس احتجاجا اجتماعيا حادا وصارخا على السياسة العامة للدولة.



أداء التيار الإسلامي




* إذن أنت غير راض عن أداء الحكومة المصرية؟
ـ طبعا أنا غير راض، ومن حق الناس أن تغضب في الشارع المصري.

*هل يمكن تحميل المسؤولية إلى التيار الإسلامي الذي يسيطر على الحكم؟
ـ لا يمكن أن ننسب لهم ذلك لمجرد أنهم ينتمون إلى تيار معين، وإنما أرجع المشكلة إلى أمرين، أولهما أن مؤسسات الدولة الحديثة في مصر تحتاج إلى تجديد، وهو ما لمسته عن قرب من خلال عملي السابق كنائب لمحافظ القاهرة، وثانيهما أن المهمة أكبر بكثير من قدرة فصيل واحد من الفصائل السياسية.

* معنى ذلك أن الحمل والمسؤولية ثقيلان على التيار الإسلامي بمصر؟
ـ ثقيلة على أي تيار. وما قصدته أنه لا ينبغي، ولا يمكن لتيار واحد أن يحمل "الحمل كله بمفرده" من دون الفصائل الأخرى، لأن التركة ثقيلة لدرجة أنها أكبر من قدرات أي فصيل واحد، ولذلك نحن في مرحلة انتقالية تحتاج نوعا من التضافر بين القوى الوطنية، وهي رسالة أوجهها للجميع.

* أليس على التيار الإسلامي أن يبدأ في مد يده لباقي القوى، باعتباره المسيطر على الحكم؟
ـ عندما يكون المركب مثقوبا، فلا يمكن أن نسأل من الذي يبدأ أو يقدم التنازلات، بل لابد من تضافر الجميع، ولابد من فتح باب الحوار والتفاوض، وهو أمر لا يقلل من قيمة أي تيار، ولا وطنية أي شخص. وأقولها على مسؤوليتي الشخصية "الحالة تتطلب الآن تضافرالقوى الوطنية، وإذا لم يفهم التيار السياسي الغالب ذلك، فليتحمل هو وحده ويدفع الثمن.



انسحاب وأزمة




* هل ألقت سيطرة الإسلاميين على "تأسيسية" الدستور بظلاله على أزمة الدستور المصري؟ وهل كان سببا لانسحابك من تأسيسية الدستور؟
ـ أولا أنا اعتذرت من اليوم الأول، حتى تكون المسائل واضحة، والفكرة أنني رفضت تشكيل الجمعية التأسيسية على أساس ديني، هذا بالإضافة للعوارالذي أصاب التشكيل من الناحية القانونية، إلى جانب أن هناك مسألة لا أقبلها بحكم علمي بالدساتير وبالتراث الدستوري المصري، وتتعلق بملاحظة جوهرية هي أن فكرة تشكيل الجمعية التأسيسية على أساس "إسلاميين" و"غير إسلاميين" مرفوضة، كما أنني أرفض أن تشكل "التأسيسية" وفق الانتصار السياسي البرلماني، وأن ينعكس وزن القوى السياسية داخل البرلمان على تكوين الجمعية التأسيسية للدستور، فهذا غير صحيح، لذا أطلقت علي الدستور الجديد "دستور الغلبة"، وهو الدستور الذي يسيطر على وضعه تيار سياسي فائز في الانتخابات البرلمانية، بناء على برنامج انتخابي، والخطأ هنا أن الكتابة الدستورية لا ينبغى أن تتأثر بالانتصار السياسي، وإلا فإن المنتصر السياسي سيفرض رؤيته عند الكتابة الدستورية، باعتباره انتصر سياسيا في البرلمان، رغم أن الأمرين مختلفان. فالكتابة الدستورية حالة مختلفة، ينبغى أن تتضمن تنويعا من كل القوى السياسية والمدنية، وكل ألوان الطيف الوطني، بغض النظرعن الأوزان النسبية في البرلمان، لأننا لا نضع برنامجا انتخابيا، بل نضع وثيقة دستورية للأمة وللوطن.




[blockquote]
ثورة 25 يناير كانت عبارة عن احتجاج ناعم ورقيق، أعقبتها موجات غضب صغيرة أشبه بالتوابع للموجة الأولى، لعدم ارتياح الشباب للإجراءات الإصلاحية، وأرى أنها لم تكن على مستوى ما قام به الشباب من "ثورة"، ومن المتوقع أن تحدث موجات أخرى، يصعب تحديد مكانها وزمانها لأنه ما زال في علم الغيب[/blockquote]




* رغم وضوح هذه الإشكالية، إلا أن المسألة مازالت تسير في نفس الاتجاه، في إصرار على الاستمرار. ما السبب؟ ومن المنوط به تنفيذ تلك المعايير، ولماذا لم يستجب؟
ـ ما حدث أن البرلمان المصري فوض نفسه في تشكيل الجمعية. وهذا خطأ، فالمفترض أن البرلمان مفوض فقط في اختراع الآلية التي تضمن موضوعية التمثيل في الجمعية، ومن ثم موضوعية الكتابة الدستورية، وهنا مكمن الخطورة، وسبب الأزمة التي نمر بها الآن في تأسيسية الدستور.



دستور مرفوض




* في ظل هذا الخطأ، هل تتوقع خروج الدستور المصري الآن للنور؟
ـ أتمنى ألا يخرج، لأنه دستورغير مقبول. وهو لم يمس الجانب الاجتماعي ولا الاقتصادى مطلقا، ولا يتناول علاقات الإنتاج الجديدة، ولا يعبر عن روح "25 يناير" وكي أوضح الفكرة، أؤكد أن كتابة الدستور ليست نصوصا ترص، بل هي تعبير عن حالة التغيير التي أحدثناها، ومن ناحية أخرى، يجب أن تتضمن تصورات لمصر الجديدة، فإذا كنا أسقطنا حاكما، فهذا يتطلب التعبير عنه في الدستور، بمعنى تقييدا أكبر لسلطات الحاكم من جهة، وحرية أكثر للمحكومين والمواطنين من جهة أخرى، ولكن للأسف هذه الأمور غير واضحة في الدستور. وثانيا أن أكبر نسبة نهب لمصر وأراضيها في التاريخ الحديث، تمت خلال العشرين سنة الأخيرة، ومن ثم يستحق هذا الوضع نصا دستوريا واضحا وصارما لحماية أراضي الدولة، وحماية الثروة العامة للبلاد في المستقبل، واسترداد المنهوب منها، وهو ما نفتقده في مشروع الدستورالجديد. كما أنه لا يليق أن يخرج الدستور من دون أن يتضمن الموجات الجديدة الحقوقية كموضوعات خاصة بنقل الأعضاء والمعاقين.

* هل تعتقد أن إبعاد بعض خبراء وجهابذة القانون الدستوري عن تأسيسية الدستور سبب في هذه العيوب؟
ـ لا أعرف السبب، ولكني أوضح سبب موقفي من هذا الدستور. وبالإضافة لذلك فإن الدستور يعاني أيضا من فنيات الكتابة الدستورية، فلا يجوز كتابة نص دستوري في الدستور الجديد، يكون أقل ارتقاء منه في الدساتير السابقة، كما حدث في النص المتعلق بحرية العقيدة، الذي صار أكثر تضييقا عما كان عليه النص في الدساتير السابقة. وهناك ملاحظة مهمة، هي أن الاعتقاد الواهم بأن من يكتبون الدستور، هم خبراء القانون الدستوري، مع أن الحقيقة أن الدستور أخطر من أن يترك للدستوريين، فالمفترض أن تكون كتابته على أيديهم في المراحل الأخيرة فقط، لأن الدستور حالة أعقد من أن يكتبه الدستوريون فقط. فالكتابة الدستورية لابد أن تكون بها مواءمات سياسية، وابتكار يحرك المياه الراكدة، وإلمام بالحريات الحقوقية الجديدة في العالم.



دول الربيع




* ما تفسيرك لظاهرة صعود التيار الإسلامي في مختلف دول "الربيع العربي"، وهل كان في صالح الثورات العربية أم ضدها؟
ـ لأن التيارات الإسلامية كانت أكثر جهوزية، وأكثر تنظيما منذ عقود، وكانت هي الرقم المضاد للأنظمة التي سقطت لأسباب كثيرة. لو تكلمنا عن الإخوان المسلمين في مصر، سنرى أنهم كانوا الرقم المقابل للنظام السياسي في مصرعلى مدى عقود، وبالتالي كانوا أكثر استعدادا للانخراط في العمل السياسي، ولكن المشكلة أن التيارالإسلامي والتيار الديني بشكل عام، عليه أن يفهم أنه يحتاج إلى تجديد داخلي ينحاز به إلى سياسات وأفكار تتجاوز الرؤى الدينية للتطور المجتمعي، لأنه إذا اقتصر فقط على الرؤية الدينية، فسيكون ذلك معوقا لتطور الحركات الدينية في مصر، فالحركة الدينية تحتاج لتجديد وابتكار للرؤى الاقتصادية والاجتماعية، علما بأنني كنت دائما ضد إقصاء أي قوة سياسية، بما فيها التيار الإسلامي.

* هل يمكن أن يورط ذلك مصر في مشكلات خطيرة؟
ـ نعم بالطبع. لأنه في النهاية تيار ليس لديه رؤى اقتصادية، على عكس تطورالرؤى الدينية في العالم، لأنه إذا كان التيار الديني في مصر، أنجز بمقاومته للاستبداد، فهذا ممتاز، ولكن في المرحلة الجديدة على هذا التيار أن يجتهد في المسائل الاجتماعية والاقتصادية، وألا يتحول الأمر إلى المسألة الدعوية، وهي لا تقدم حلولا للمشاكل. ليس هذا فقط، بل إنها مع الوقت، تجعل المجتمع ينتقل من استبداد سياسي إلى سيطرة دينية على الجماهير، بسبب عدم الاجتهاد المشار إليه. فلا يكفي أسلوب المساعدات الخدمية والخيرية المتبع بين التيارات الإسلامية، فهو جيد، لكنه لا يحل، ولابد من وجود سياسات اقتصادية وخطط ورؤى للمشاكل الاقتصادية كالبطالة وغيرها. ولذلك ليس صدفة أن مسودة الدستور الحالي خالية من التفاصيل الاقتصادية الداخلية، وإنما مجرد كلام عام.
font change