أنوف.. وأنوف

أنوف.. وأنوف

[caption id="attachment_55240638" align="aligncenter" width="620"]دوقة كورنوال كاميلا باركر بولز وتحية بالأنف على عادة السكان الأصليين في نيوزيلندا دوقة كورنوال كاميلا باركر بولز وتحية بالأنف على عادة السكان الأصليين في نيوزيلندا[/caption]





حاولت زوجة ولي العهد البريطاني كاميلا باركر بولز عبثا، أن تتفادى تحية "هونغي" النيوزيلندية، واستخدمت قبعتها ذات المقدمة الطويلة التي صممها فيلب تريسي لتحول دون ذلك، إلا أن دوقة كورونوول فشلت عندما تمكن تياها هاوك من أن يفرض تحية عرقيته في أوكلاند بكل اعتداد.

عدّ العرب الأنف علامة للعزة والمنعة، وظل هذا الأمر ساريا في العصر الحاضر أيضا. وجمع الأنف آنافٌ وآنف وأُنُوفٌ، غير أن الجمع الأخير هو السائد، إذ أن آنف وآناف لا يستعملان إلا ما جاء قليلا في الشعر.
ويعد الأنف في بعض الثقافات، ومنها لدى بعض العرب، وبعض النيوزيلنديين من عرقية الماوري، والإسكيمو، أداة للسلام والتحية.

وتبدو العربية رائدة في تعدد الجموع. فإذا كانت الانجليزية مثلا فيها صيغة واحدة للوردة لاغير كأن تقول فلاور: فلاورز. فإن العربية يمكن أن يكون فيها أكثر من ثلاث صيغ للجمع. فتقول في جمع وردة: ورود، أوراد وورد.
تقول العرب: أنفك منك وإن كان أجدع. وهو في صميم صلة الرحم.
لأمر ما قطع قصير أنفه. ويضرب في شؤون الاحتيال.. أو من أراد أمرا عظيما.
ومنه جاءت الأنفة والشمم وهو ارتفاعُ قَصَبَةِ الأنْفِ مَعَ اسْتِوَاءِ أعْلاهَا.
وإني لمن قومٍ كأن نـفـوسـهم
بها أنف أن تسكن اللحم والعظما

***

يقال: هم شُمُّ الأُنُوفِ، وارِدَةٌ أَرانِـبُهمْ.
والأرنبة معروفة وهي طرف الأنف.
يقولون إن فلانا لا يرى أبعد من أرنبة أنفه. والقَعَنُ ارتفاعٌ في الأَرْنَبةِ.
وفي مادة (أنف) هناك الكثير واستعملها العرب في الآتي:

وكانوا يقولون رجل حمي الأنف: إذا كان أنفاً يأنف أن يضام. وأنف كل شيء: أوله، وأنف البرد: أشده.

ويقال: فلان يتبع أنفه: إذا كان يتشمم الرائحة فيتبعها.
وكان لا يقولون مثلا: هذا ذو أنف ضخم مثلا. بل يقولون: أنافي. فرجل أنافي بالضم أي عظيم الأنف. وأنفه الماء: بلغ أنفه، وذلك إذا نزل في النهر أو البحر..
وكانوا يقولون: هذه روضة أُنُف بضمتين: إذا لم تُمس.

***

وعِرْنينُ الأَنف: تحت مُجْتَمَع الحاجبين، وهو أَول الأَنف حيث يكون فيه الشَّمَمُ. يقال: هم شُمُّ العَرانينِ، والعِرْنينُ الأَنف كله، قال ذو الرمة:
تَثْني النِّقابَ على عِرْنِينِ أَرْنَبةٍ
شَمّاءَ مارِنُها بالمِسْكِ مَرْثُومُ
وقال كعب:
شُمُّ العَرانينِ أَبْطالٌ لَبُوسُهُمُ...
ومفردة العرنين ما زالت تستعمل في كثير من اللهجات العامية أيضا.
ولو سألت بعض العرب لما أجابوك عن هذا المعنى.
والوَتِيرَةُ والوَتَرَةُ في الأَنف: صِلَةُ ما بين المنخرين، أو الحاجز بينهما. ولا أظن أن نسبة كبيرة من المتكلمين بالعربية يعلمون ذلك.
ومن معاني الوَتِيرةُ: الوَرْدةُ البَيْضاء.
الوَتِيرَة غرّة الفرس إِذا كانت مستديرة المنخر.
والنَّثْرَةُ فرْجَة ما بَيْنَ الشَّارِبين حِيَالَ وَتيرَةِ الأنف.

فكيف يعرف العرب الأرنبة ولا يعرفون الوتيرة أو العرنين. وهم لا يملكون مفردتين أخريين لهاتين الكلمتين؟! لماذا لا يعيدون استعمال مثل هذه الكلمات النائمة في القواميس في الكتابة ليتعود الناس سماعها ويألفونها؟



[caption id="attachment_55240637" align="alignleft" width="300"]المواية بالخشوم.. عادة بدأت تتراجع في الخليج المواية بالخشوم.. عادة بدأت تتراجع في الخليج[/caption]


***

ولكن مهلا ماذا تعني الخشم؟
العرب جميعهم يستعملون مفردة «الخشم» بدل الأنف في أحاديثهم الدارجة.
والخَيْشومُ: أقصى الأنف.
وقد خَشَمْتُهُ خَشْماً، أي كسرت خَيْشومَهُ.
وخَياشيمُ الجبال: أنوفها.
أي أنها لا تعني الأنف تماما، ولكنها جزء منه. ولكن لا بأس فقد استعملها الناس بمعنى الأنف. وكذلك المَنخَر.
والمَرْسِنُ والمَرْسَنُ: الأَنف، وجمعه المَراسِنُ، وأَصله في ذوات الحافر ثم استعمل للإنسان.
يقال: فعلت ذلك على رغم مَرْسِنه ومِرْسَنه، بكسر الميم وفتح السين أَيضاً. واستعملها المتنبي في شعره.
القَنَا طُولُ الأنْفِ ودِقّةُ أرْنَبَتِهِ وحَدْبٌ في وَسَطِهِ.
أما الفَطَسُ فهو تَطَامُنُ قَصَبَتِهِ مَعَ ضِخَمِ أرْنَبَتِهِ.

الخَنَسُ تأخُرَ الأنفِ عن الوَجُهِ مع ارتفاع قليل في الأرنبَة.
والرجل أَخْنَسُ والمرأَة خَنْساءُ، والجمع خُنْسٌ،
وبه سميت تماضر بنت عمرو الخنساء
وأَما قول دُرَيْد بن الصِّمَّة:
أَخُناسُ، قَدْ هامَ الفؤادُ بكُمْ... وأَصابه تَبْلٌ من الحُبِّ..
يعني به خَنْساء، وهو تلاعب بالكلمات، وغيَّره ليستقيم له الوزْنُ.
وكانوا يطلقون لفظة الخنساء على البقرة الوحشيَّة.
إنها لغة عجيبة فتأملوا:
الخَرَم شَقٌّ في الأنف..
الخَثَم، بالتحريك: عِرَضُ الأَنف.
القَعَمُ بالتحريك اعْوِجَاج الأنْفِ
والمارن الأنف، قال المتنبي:
ليس الجمال لوجه صح مارنه
أنف العزيز بقطع العز يُجتدع
مَرَنَ الشيء يَمْرُنُ مُروناً، إذا لانَ.
ومَرَنَ على الشيء يَمْرُنُ مُروناً ومَرانَةً: إذا تعود عليه، واستمرَّ عليه. يقال: مَرَنَتْ يده على العمل، إذا صلُبتْ.

***

الجَبْهَةُ: هي مُسْتَوَى ما بين الحاجبين إلى الناصية.
والجبهة ارتبطت هي الأخرى في لسان العرب بالأنفة مثلها مثل الأنف ويعزز هذا قولهم:
بجبهة الـعير يفدى حافر الفرس.
يقولون في الوصف: رجل أَجْبَهُ بيِّنُ الجَبَهِ واسع الجَبْهَةِ حَسَنُها، والاسم الجَبَهُ، وامرأَة جَبْهاء؛ والجَبْهةُ من الناس: الجماعةُ. وجاءتنا جَبْهة من الناس أَي جماعة.
وجَبَهْتُ فلاناً إِذا استقبلته بكلام فيه غِلْظة.
كما أن الجَبْهةُ اسم منزلة من منازل القمر.
وتستخدم المفردة الآن في السياسة. كأن تقول الجبهة الشعبية. الجبهة الموحدة. جبهة الحرية. وما إليها.
فالجبهة هي الواجهة.
تقول في جبهة القتال أي في المواجهة.
font change